Qawmi

Just another WordPress site

 jew-

دياب أبو جهجه

www.arabnationalists.org

 

مؤخرا احتجت قناة المنار اللبنانية الناطقة باسم حزب الله على تدريس بعض المدارس الخاصة في لبنان لمادة تحتوي على تعريف بمذكرات آنا فرانك. و آنا فرانك طفلة يهودية من أمستردام يفترض أنها اختبأت من النازيين لعامين و دونت ملاحظاتها في يوميات. من حيث المبدأ لا مشكلة في الاطلاع على تاريخ الشعوب و معاناتها لولا أن هذا التاريخ اليهودي تحديدا يوظف بشكل منهجي في تبرير غزو أرضنا و قتل أهلنا و بالتالي فهو سواء كان واقعيا أو مختلقا أداة حرب على و عينا و وعي العالم و سلاح في حرب نفسية ضدنا.

 

و الجواب لا يكون طبعا بالتعتيم على التاريخ أو قمع حرية الراي الا أن هذا شيء و غسل دماغ أطفالنا في المدارس شيئ آخر. أنا مع مناقشة التاريخ الأوروبي و اليهودي و مع الاطلاع على كل جوانب القصة و لكنني أيضا مع حماية أطفالنا من هذه المؤثرات النفسية المشكوك بأهدافها حتى يصلوا الى سن تسمح لهم باستيعاب التاريخ من دون أخذ أحكام خاطئة كمثل أن “اليهود” مساكين أبرياء قتلهم العالم فلماذا نستكثر عليهم قطعة من أرضنا. و هنا أنا لا أفهم موقف بعض اليساريين العرب الذين هاجموا المنار و اتهموها بالغباء و السذاجة لأنها اعتبرت تدريس يوميات آن فرانك اختراقا صهيونيا. نعم انه اختراق صهيوني و من يدافع عنه مخترق صهيونيا في وعيه لأن ما يجب أن يدرس في مدارسنا هو معاناة أطفالنا في فلسطين و في لبنان على يد الصهاينة و ليس معاناة أجداد الصهاينة التي تستعمل لتبرير جرائمهم.

 

 و رجاء لا ضرورة للتذاكي و الاستحذاق من خلال القول أن معاناة البشر واحدة و متساوية لأننا جميعا يعرف أن لنكار معاناتنا هو الرأي السائد في هذا العالم بينما تقحم معاناة أجداد قتلتنا في أنوفنا صبحة و عشية. أن طرح أي مبدء مثالي ميل تساوي المعاناة البشرية خارج سياق صراعنا مع الصهيونية في بلادنا و حيثيات توظيف كل هذا في المعارك الدائرة اليوم ما هو الا كلام حق يراد به خيانة. عندما تدرس مدارسنا معاناة أطفال فلسطين و نكبتها و اجرام الكيان الصهيوني باستفاضة قد نناقش حينها امكانية وضع صفحة عن فرانك أو غيرها في ذات الكتاب, و لكن أن يتم تجاهل كل هذا و يتم تدريس قصة فرانك المشكوك بأمرها (رغم أنف من يدعي أن كلام أي يهودي منزل من السماء و لا يريد حتى أن يستمع للراي الآخر حتى لا يخسر مصداقيته في الغرب و بالتالي ربتات الكتف الحنونة من الغربيين التقدميين و مناداته بالأسم الأول من قبلهم) فذلك مرفوض كليا و مدان. يعني لم يعد ينقصنا الا افتتاح متحف للهولوكست في بيروت لكي تكتمل الصورة.

 

ما سبب هذا الهوس عند بعض اليسار العربي بمحاكاة ما يسمى في الغرب ” بالصحيح سياسيا” ؟ و الصحيح سياسيا هي منظومة فكرية متكاملة مبنية على طروحات ما بعد الحداثة و ما بعد المادية و الفكر النسوي الغربي تحتضن جملة من المفاهيم الحقوقية التي لا غبار عليها مثل حقوق المرأة و حقوق الطفل و الحفاظ على البيئة الخ. و لكنها كذلك و من خلال كونها منتج معرفي غربي تحتوي على جملة مواقف تاريخية ذاتية نابعة من الحساسيات الأوروبية و على رأسها تقديس المحرقة اليهوية و عذابات اليهود على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية بينما لا نجد أثرا في هذه المنظومة لمقدسات نابعة من عذابات الشعوب المستعمرة و لا أي اعتراف بالجرائم الكولونيالية الغربية و الابادات الجماعية المريعة في أفريقيا و أميركا. و في هذا السياق يتم في أوروبا قمع و بعض الأحيان ملاحقة أي شخص يتجرأ على كسر هذه القدسية أو التشكيك بها. 

 

 و بشكل عام فان أي راي يخرج عن الردح “الصحيح سياسيا” في الغرب مصيره التهميش و التسخيف و العزل, و من هنا فان المنظومة الصحيحة سياسيا في الغرب هي سيف ديموقليتيس المعلق فوق رقاب الأكاديميين و الناشطين و الكتاب. و نتيجة لذلك يخضع معظم طالبي القبول و الاحترام و المكانة لهذه القوانين و يلتزمون بها و يميزون أنفسهم من خلالها عن أولئك “الكفار” بهذا الدين الجديد . فهل يريدون لنا أن ننقل هذا الخوف و هذا القمع و هذا النفاق و ازدواجية المعايير الى بلادنا؟

 

كلا يا سادتي لن نسمح لكم باستيراد هذه الترهات الغربية و اسقاطها على و عينا العربي  لأننا نحن من يحدد روايتنا التاريخية و سردنا الشعبي و حساسيتنا الثقافية و لا نستوردها و كلما أوغلتم في استيراد القلب الغربي و محاولة زرعه في صدرنا العربي كلما لفظتكم هذه الأمة و همشتكم  و دفعتكم الى منفاها حتى و لو كنتم هنا بيننا. فالصحيح هو ما يصح هنا و ليس ما تصيحون به لكي تعجبون من هم هناك.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *