Qawmi

Just another WordPress site

dyab_abou_jahjah1

(ملاحظة: امتنعت القدس العربي عن نشر هذه المقالة المتميزة للكاتب أبو جهجه، وهو كاتب عامود في نفس الصحيفة، بالرغم من نشرها مقالة حول نفس الموضوع تتهجم عليه شخصياً – مدراء لائحة القومي العربي) 

 دياب أبو جهجه

نشرت جريدة القدس العربي يوم الاثنين الماضي مقالة تحت عنوان “ردا على مقال السيد دياب ابو جهجه حول الدروس المستفادة من تجربة الدعوى ضد شارون في بلجيكا” , و نحن كنا دوما من محبذي حرية التعبير و من أنصار الجدل المفيد و المثمر و كان من المفترض أن يسعدنا تكرم أي كان بالرد على مقالاتنا. الا أن المقالة لم تكن فعلا ردا على مقالتي التي تضمنت عبرا سياسية و استراتيجية مستقاة من تجربتنا في الدعوى ضد شارون بقدر ما كانت هجوما شخصيا بني على المغالطات و أنصاف الحقائق و هذا أمر مؤسف جدا. و اذا ما بحثنا عن فكرة واحدة في تلك المقالة تستحق الرد, أو تحمل موقفا فكريا أو استراتيجيا لوجدنا فكرة  واحدة عبر عنها الكاتب في ثنايا كيل الشتائم المهيمن على نصه  عندما قال: ” احاول هنا ان اقارن بين المحامية الاسرائيلية من حركة حقوق الانسان (بيتسليم) التي قامت بالبحث بالوثائق الاسرائيلية التي تدين السفاح شارون ومجموعته وترجمتها للانكليزية وبين السيد ابو جهجه اللبناني الذي حاولنا منعه من دخول مخيم شاتيلا… “

و ما يعنيه الكاتب هنا هو طبعا , و دائما بناء على روايته المغلوطة, هو أن محامية بمنظمة بتسليم “الاسرائيلية” هي حليف له و لمجموعة شبلي الملاط بينما أن كاتب هذه السطور كان عدوا لهم جميعا حتى أنهم حاولوا منعه من دخول مخيم شاتيلا. و بغض النظر عن عدم أحقية أي كان بمنع انسان عربي لبناني من دخول أرض عربية لبنانية و هو ما فشلوا به طبعا و هم قابعين خلف مكاتبهم المبردة و الفخمة , الا أن سبب محاولة هذا المنع هو الأنكى هنا. حيث أن سبب الخلاف كان أساسا الموقف مما تسميه هذه الفئات المضللة من شعبا العربي “بمحبي السلام الصهاينة” أو “بالاسرائيليين التقدميين”. فبينما كان شبلي الملاط و من معه من العرب و البلجيكيين يتعاونون بقوة مع بتسليم و غيرها من المنظمات الصهيونية تحت حجة محاربة المتطرف و المجرم شارون و نبذ التطرف من الجانبين و التقاء محبي السلام من الجانبين, رفضنا نحن هذا التعاون و هذه المقاربة منذ اللحظة الأولى لأنها تطبيعية بامتياز. و بينما كان الملاط و من معه في لجنة صبرا و شاتيلا يعتبرون هذه الدعوى موجهة ضد شارون و ليس ضد “اسرائيل” كنا نعتبر نحن أن شارون ما هو الا تعبير عن الطبيعة الصهيونية و عن هذا الكيان المجرم. و اللجنة الداعمة انفجرت على هذه الخلفية و نشأ الصراع فيها على هذه الخلفية بشكل أساسي.

و من المهم هنا أن يعرف القارئ من هي منظمات السلام الصهيونية و ما هي أهدافها لكي يحدد موقفه منها, و بالتالي من المتغنين بالتعاون معها مثل صاحب المقال المذكور.  فلنبدأ بمنظمة بتسليم, فهي تعرف نفسها بأنها منظمة حقوق انسان “اسرائيلية” تعنى بانتهاكات حقوق الانسان في الأراضي المحتلة و تزود أعضاء الكنيست بالمعلومات عنها لكي تساهم في خلق ثقافة حقوق انسان في “اسرائيل”. اذا المنظمة واضحة الانتماء و التوجه و هي بالتالي ليست منظمة معادية للصهيونية لأنها تعرف نفسها بهوية الكيان الصهيوني. الا أن بتسليم لا تتوقف عند توصيف انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني من قبل الاحتلال, الا أنها توثق أيضا ما تسميه “جرائم الفلسطينيين ضد الاسرائيليين” اي بكلام آخر المقاومة. تقول المنظمة على موقعها العربي: ” .. منظمات فلسطينية تبرر هذه الاعتداءات على المدنيين الاسرائيلين بإدعاءات مختلفة، والتبرير الرئيسي ان كل الوسائل مشروعة في النضال ضد الاحتلال ومن اجل نيل الاستقلال. هذا الادعاء ليس له اي اساس وهو خارج عن القانون الانساني الدولي الذي يقر بأن يبقى المدنيون خارج دائرة الصراع…”

و بتسليم تعارض ليس فقط الهجمات داخل الخط الأخضر و انما أيضا الهجمات ضد المستوطنين في الضفة و القطاع و تدعي أن “…عدم قانونية المستوطنات لا تؤثر على وضعية سكانها كمدنيين، فهم سكان مدنيون يستحقون كل حماية يمنحها القانون الدولي للمدنيين… تعترض منظمة بتسيلم بشدة على محاولات تبرير هذه العمليات مع استخدام تفسيرات محرفة للقانون الدولي، وتطالب السلطة الفلسطينيية بأن تعمل كل ما في وسعها لمنع مثل هذه الهجمات في المستقبل، كما وتطالبها بالتحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الهجمات الماضية…”.

و هنا تتحول ادانة بتسليم للعمل المقاوم الفلسطيني الى مطالبة مباشرة بضرب المقاومين و محاكمتهم. و تتابع المنظمة في سياق حديثها عن المقاومة و تتعرض لصواريخ المقاومة و قذائفها و تقول ” … ، فإن الصواريخ وقذائف الهاون ذاتها تُعتبرُ سلاحا غير قانوني، حتى لو كانت موجهة ضد الأهداف العسكرية، إذ أن الحديث يدور عن سلاح غير دقيق، ومن حيث طبيعته، فهو يشكل خطراً على المدنيين الموجودين في مناطق إطلاقه وسقوطه، وهذا يتعارض مع المتطلبات الأساسية لقوانين الحرب: التمييز والتناسب..”.

  فاذا تعتبر بتسليم أن اطلاق المقاومة للصواريخ و القذائف حتى على الأهداف العسكرية جريمة حرب ناهيك طبعا عن استهداف ما يسمى بالمدنيين الصهاينة. ثم تبرر المنظمة موضوعيا عمليات القتل الصهيونية عندما تقول ” … إن المنظمات الفلسطينية التي تختار اطلاق الصواريخ على البلدات في إسرائيل من داخل المناطق المسكونة أو على مقربة منها إنما تخالف أيضا هذا المنع وتُظهر بهذا ليس فقط نية المس بالمدنيين الإسرائيليين بل أيضا عدم الاكتراث بحياة المدنيين الفلسطينيين…”  و هنا تروج المنظمة المذكورة للأساطير الصهيونية التي تحمل المقاومة مسؤولية سقوط المدنيين على الجانب الفلسطيني.

و لا يقتصر دور بتسليم على تجريم المقاومة الفلسطينية و شيطنتها و تطبيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين من خلال وصف المستوطنين ( و بالنسبة لنا كل الصهاينة على أرض فلسطين التاريخية مستوطنون) بأنهم مدنيين, و انما تذهب المنظمة أبعد من ذلك عندما تهب لنصرة الكيان الصهيوني عند صدور تقرير غولدستون. ففي مقالة منشورة في صحيفة الجيروزاليم بوست يوم 30 أيلول الماضي تقول رئيسة المنظمة جسيكا مونتيل أن تقرير غولدستون ” منحاز و مخطأ في اتهاماته الأساسية ضد اسرائيل” و تضيف بأن ” لا شك بأن مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة الذي أعطى تفويض صياغة التقرير متحطط على اسرائيل بشكل زائد و غير متناسب”  و تنفي جسيكا مونتيل كون الجيش الاسرائيلي استهدف المدنيين الفلسطينيين عمدا خلال حرب غزة الأخيرة و تشتكي من “الذكر الخجول و الضعيف لجرائم الحرب التي ارتكبتها حماس” حسب قولها.  و هنا تظهر للعيان استراتيجية منظمة بتسليم و هي تتلخص بجملة واحدة  ” الحرص على الكيان الصهيوني”  من خلال حمايته من نفسه فتقول مونتل ” غولدستون انسان يهودي و صهيوني و مؤيد لاسرائيل الا أنه يريد ايصال رسالة و هي أن اسرائيل عليها ان تفتح تحقيقات مماثلة بنفسها و الا” و هي نفس الرسالة التي تريد ايصالها مونتيل و بتسليم.

منظمة أخرى كثر الحديث عنها و خاصة في الغرب و هي غوش شالوم لا تقل عن بتسليم ولاء للكيان الصهيوني, و هي تنشد مشروعا للسلام المزعوم مبني على حل الدولتين حسب حدود 1967 و هو أمر تتبناه جامعة الدول العربية للأسف كذلك الا أن مشكلة غوش شالوم هي أنها ملتزمة بيهودية الدولة و ان كانت تعبر عن ذلك بطريقة  مرهفة بقولها حول مسألة حق العودة بأن ” اللاجئين الفلسطينيين يعطون الخيار بين العودة و التعويض, من خلال اعتراف من حيث المبدأ  بحق العودة” و من حيث المبدأ هنا لا تعني طبعا من حيث التطبيق. و تضيف غوش شالوم ” يتم تحديد عدد الفلسطينيين الذين بامكانهم العودة سنويا الى “اسرائيل” من خلال كوتا يتم التوافق عليها”  و هنا يظهر أن حق العودة هذا بالنسبة لغوش شالوم مقيد بكوتا عددية سنوية  و بأن “اسرائيل” عندها حق نقض هذه الكوتا لأنها كوتا توافقية. و بالتالي بامكاننا أن نتخيل ماذا يعني ذلك عمليا. الا أن هنالك شرط أهم بالنسبة لغوش شالوم يحكم هذه العودة و هو أن لا تمس هذه العودة ب ” أسس دولة اسرائيل” أي بصهيونيتها و بيهوديتها و هنا تتماهى غوش شالوم في نهاية الأمر مع أي فصيل صهيوني آخر.

أما حركة السلام الآن و هي أشهر حركات السلام المزعومة في الكيان الصهيوني فتقول عن نفسها أن أهم أهدافها و أسباب تأسيسها منذ البدء كان “ضمان حق اسرائيل في أن تعيش بأمان داخل حدودها” و طبعا تضيف بأن لجيرانها الحق بذلك أيضا. و لكن هذا يعني بالنسبة لنا أمرا واحدا هو أن حركة السلام الآن تأسست للحفاظ على وجود الكيان الصهيوني أي للمحافظة على اغتصاب فلسطين و على الاحتلال. و من هنا و للوصول الى هذا الهدف, أي الاغتصاب الآمن لفلسطين تؤيد الحركة مسيرة السلام و عملية أوسلو تحديدا و تنادي بالدولة الفلسطينية في الضفة و القطاع. الا أنها تعارض و بشدة الدعوات من أجل مقاطعة “اسرائيل” من أجل تحقيق هذه الأهداف و تعتبر أن المقاطعة هي عكس ما تصبو اليه من مشاركة و تعاون. كما تشترط حركة السلام الآن قبل أي مفاوضات أن ينبذ الطرف الآخر العنف و يعترف بحق “اسرائيل” بالوجود و في غياب هذا الشرط تدعو الحركة الى استمرار التواصل مع “معسكر السلام الفلسطيني” دون غيره. و تطالب الحركة بضمانات أمنية على أي دولة فلسطينية أن تقدمها لدولة “اسرائيل” و من ضمنها تسهيلات للجيش الصهيوني و نزع سلاح الدولة الفلسطينية المزمعة. أما حق العودة فهو بالنسبة للسلام الآن محصور بالعودة الى داخل الدولة الفلسطينية, أي أنها ترفض عودة اللاجئين الى ديارهم و تكتفي بطرح التعويضات ” التي يتنازل بعد تلقيها كل الأطراف عن المطالبة بالعودة”.  هؤلاء هم اذا أصدقاء العرب في “اسرائيل” و مع هكذا أصدقاء من يحتاج الى أعداء؟

 هكذا منظمات تبني مصداقية معينة من خلال انتقادها لخروقات الصهاينة للقانون الدولي حرصا على سمعة الكيان و لكنها أيضا توظف هذه المصداقية في خدمة هذا الكيان و للدفاع عنه في الأوقات الحرجة. انها منظمات صهيونية بامتياز, بل أنها أخطر المنظمات الصهيونية لأنها مخاتلة و قادرة على تسميم الوعي العربي خالقة لدى بعض اليائسين من نخبنا المهزمومة شكا عميقا حول وجودية هذه المعركة, و لذلك نحن نحذر العرب المخلصين من التعامل معها و من الانخداع ببعض المواقف المرحلية و الآنية. أما من هو منغمس بالتعاون و التنسيق مع هؤلاء الحمائم الصهاينة المزعومين و من يتغنى بعلاقته معهم فحكمه كحكم من ينسق و يتعاون مع أفيغدور ليبرمان, لا فرق على الاطلاق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *