Qawmi

Just another WordPress site

الدكتور ابراهيم علوش

حوار صحفي مع المفكر والمناضل العربي ابراهيم علوش

 

حول الانتخابات اللبنانية والإيرانية والصراعات العربية-العربية والفلسطينية-الفلسطينية

 

 

الصحافي نور الدين علوش/ المغرب

 

س: لقد قيل الكثير حول الانتخابات اللبنانية والآن بعد ظهور النتائج بانتصار الأغلبية على المعارضة فما هو تحليلك لتلك النتائج؟

 

ج: لا أعرف إذا كان يجوز أن نعتبر ما جرى انتصاراً في الوقت الذي حصلت فيه المعارضة على أغلبية الأصوات، وفي أي نظام ديموقراطي حقيقي فإن النصر كان سيكون حليف المعارضة في هذه الانتخابات، ولو كانت هذه المعارضة مرضيٌ عنها من قبل الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه فإن الإعلام العالمي المسيطر عليه من قبل الاحتكارات الكبرى والموجه من قبل الدول الإمبريالية والحركة الصهيونية العالمية كان سيقلب الأرض رأساً على عقب وكان سيزعم أن الانتخابات “سرقت”، لكن ضمن قوانين المعادلة اللبنانية وطريقة رسم الدوائر الانتخابية فإن قوى 14 آذار  انتصرت نعم، ولكن هل انتصرت الديموقراطية؟  وهل تعبر نتائج الانتخابات فعلاً عن رأي أغلبية المقترعين؟  هذا هو السؤال..  ويسجل هنا أن المعارضة قبلت بنتائج الانتخابات عن طيب خاطر، وقبلت بنتائج المعادلة، وهذا يسجل لها، ويدل على حرصها على استقرار لبنان وعلى تقبلها لقوانين اللعبة.

 

بجميع الأحوال، تعبر هذه النتائج لبنانياً عن دور المال السياسي والضغوط العربية الرسمية، سياسياً وإعلامياً، وتأثيرات تلك الضغوط من قبل “المعتدلين العرب” في الساحة اللبنانية.  لكن أخطر نتائج الانتخابات، والعامل الأساسي الذي أسهم في خروج هذه النتائج بالشكل الذي ظهرت عليه، هو الاستقطاب السني-الشيعي، لا في لبنان فحسب، بل في الإقليم برمته.  وهذه المرة الأولى في تاريخ الطائفة السنية في لبنان التي تنجح فيها بعض قياداتها باجتذاب قطاعات كبيرة منها لاصطفاف ذي طبيعة مذهبية عوضاً عن الاصطفاف الوطني والقومي الذي مالت إليه تلك الطائفة تقليدياً، والسنة في لبنان كانوا تاريخياً حلفاء للتوجه العروبي والوطني والمقاوم وكانوا يفكرون بما هو أكبر من الطائفة باتجاه الالتحام مع المشروع الناصري مثلاً، أو مع الثورة الفلسطينية المعاصرة وغيرها…  أو حتى مع المشروع الوطني الديموقراطي للشهيد كمال جنبلاط.  أما اليوم، فقد ألقى كثيرٌ من السنة بأصواتهم في حضن الطرف اللبناني المتحالف مع المعتدلين العرب، والمتساوق مع المشروع المعادي للمقاومة في الإقليم.

 

إن ما حدث خطير جداً لأنه يغذي مشروع التفكيك في المنطقة، وهذا لم يحدث بفعل عوامل لبنانية داخلية فحسب، بل بفعل عوامل إقليمية أيضاً.  لكن بالمقابل لا بد من القول أن أحد أسباب هذه الظاهرة هو التبلور الطائفي في لبنان عموماً، حتى لدى القيادات التي تتبنى مشروعاً وطنياً مقاوماً.  يعني باختصار حزب الله هو حزب وطني مقاوم يشكل قوة ردع حقيقية للعدو الصهيوني ليس في لبنان فحسب، بل في كل الإقليم، وهو بالضرورة من أهم ضمانات الحفاظ على عروبة لبنان ومنع أمركته وصهينته، وهذا أمر يهم كل اللبنانيين بلا أدنى شك، وكل العرب طبعاً، ولكن حزب الله يبقى في النهاية حزباً محسوباً على طائفة محددة، وبالتالي تمكن أعداء المقاومة من تقديمه، بعيداً عن هذا البعد الوطني العروبي المقاوم، كمشروع هيمنة طائفية على لبنان، وكامتداد خارجي إيراني فحسب، ولو كان حزب الله حزباً قومياً مثلاً، أو لو كان يضم في صفوفه القاعدية والقيادية أعداداً كبيرة من غير الشيعة، أي لو كان حزب الله حزباً وطنياً في بنتيه التنظيمية، وفي نشاطه اليومي، وليس فقط في مواقفه وتصديه لصهينة لبنان، لما تمكن أحد من تقديمه لبعض أبناء الطوائف الأخرى بشكل طائفي.

 

المقصود أن ضمانة وحدة لبنان هو وجود حركة وطنية لبنانية حقيقية تتجاوز الطوائف، حركة تتبنى برنامجاً وطنياً يتجاوز الطوائف، أما في غياب مثل هذه القوة، فحتى طرح مشروع نظام انتخاب نسبي وغير طائفي سيفهم كمشروع هيمنة طائفية.   وأهمية وجود حركة وطنية لبنانية لا ينبع فقط من قدرتها على تجاوز الانقسامات الطائفية، بل لمحاصرة نزعة بعض القيادات الطائفية للاستعانة بالخارج مما كانوا يؤدي لتفجير الوضع اللبناني عسكرياً في كثير من الأحيان.

 

وهذا العائق الرهيب في بنية حزب الله وبرنامجه تعيقه جزئياً في الشارع العربي في كثير من الأحوال بالرغم من إنجازاته العظيمة، ولولا ذلك، أي لو كان حزب الله حزباً عروبياً مثلاً في برنامجه وبنيته التنظيمية لما أعاقه شيء عن استثمار نصر جنوب لبنان عام 2000 لتوحيد العرب وتحريرهم، لكن الحزب يبقى محدوداً بهذه البنية التي تعطيه قوة ومنعة لبنانية داخلية في نفس الوقت. 

   

 

س: الجميع يعرف الدور الإقليمي المتصاعد لإيران   فبعد نجاح المحافظين بزعامة احمدي نجاد على الإصلاحيين فما هي الدروس المستفادة منها ؟ وهل هناك فعلا  إصلاحيين ومحافظين في إيران؟

 

ج: ما حدث في الانتخابات الإيرانية ذو بعدين داخلي وخارجي من المهم جداً التفريق بينهما.  داخلياً، فبعيداً عن قضية تزوير الانتخابات، ولا اعتقد أنها زورت فعلاً، ولا يهمني الدخول في هذه المسألة المفتعلة من قبل الجهات الخارجية والإيرانية، يوجد داخل إيران تناقضات حقيقية، ليس فقط على صعيد طبقي، بين أغنياء فاسدين يدعمون الإصلاحيين، كما حاول البعض أن يصور المسالة، وبين محافظين يمثلون مصالح الفقراء والمسحوقين.  إن هذا الكلام لو كان صحيحاً فإنه يدين المحافظين الذين يمسكون بالبلاد فعلياً منذ الثورة الخمينية أن تتمكن شريحة من الأغنياء المستفيدين في ظلهم من إفقار الناس وسحقهم، لأنهم هم القائمون على النظام، وبعد ثلاثين عاماً ليس من المنطقي أن تنشأ بنية طبقية في ظلهم إلا إذا كانوا رعاتها.  وهذا لا يعني أن التناقض الطبقي ليس موجوداً، بل هو موجود طبعاً، ولكن أرى أن ثمة بعد أخطر يمد التحرك الاحتجاجي بالزخم وهو البعد الثقافي والحضاري، حيث وصلت شريحة كاملة من الشعب، في المدن، بين المثقفين، وبين الطلبة، أساساً، إلى حالة من الرفض الكامل لما يعتبرونه ضغطاً خانقاً على الحريات الاجتماعية والشخصية والثقافية في ظل النظام الخميني، وهذا التناقض هو الأبرز الذي لمحته من ثنايا الاحتجاج الشعبي، وهؤلاء ربما يستخدمون المرشح الخاسر حسين موسوي كحصان طروادة لزعزعة قبضة النظام ليس إلا، وهم يشكلون كتلة حقيقية في المجتمع الإيراني… عدة ملايين ولو كانوا أقلية، غير الإصلاحيين الذين صوتوا لموسوي ضمن سياق أخر، وهي قوة اجتماعية-سياسية بحكم وجودها في المدن وتعاطيها مع وسائل الإعلام الحديثة.  هذا على الصعيد الداخلي الإيراني، أما على الصعيد الخارجي، فلا شك أن الطرف الأمريكي-الصهيوني لا يعجبه أن تنافسه إيران على السيطرة على الإقليم، ولذلك فقد سارع لتبني هذه الاحتجاجات ولتوظيفها سياسياً لزعزعة استقرار النظام بدوره.  والطرف الأمريكي-الصهيوني يفضل الإصلاحيين لأنهم أكثر استعداداً للعب دور وكيل إقليمي بدلاً من قطب إقليمي، ولأنهم أقل تنافسيةً بكثير مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، ويعتبرون أن المحافظين ورطوا إيران في صراعات خارجية مع قوى كبرى لا قبل لإيران بها.   ولذلك يرون تخفيف التوتر ويميلون للتفاهم والتعاون مع أمريكا أكثر مما يميلون لمناطحتها.  وفي النهاية، يمثل الطرفان، المحافظ والإصلاحي، جناحي مشروع قومي فارسي، لكن الإستراتيجيات تختلف.  كما أن بعض التوجهات الديموقراطية الحقيقية في الاحتجاج الإيراني الداخلي لا يمكن دعمها لأنها على استعداد أكبر للتفاهم مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، وللعودة لعصر الشاه بشكل أو بأخر، مما لا يقل خطورة على العرب من مشروع هيمنة فارسي تحت قناع إسلامي، وهو ما يجب أن ينتبه له جيداً بعض العرب الذين سارعوا لتأييد ذلك الاحتجاج سواء ببعده المدعوم خارجياً أم ببعده الديموقراطي الداخلي.  باختصار، لا يمكننا أن نؤيد أي الطرفين.       

 

س: باعتبارك باحث متخصص في الشؤون العربية لماذا الدول العربية تدخل دائما في لعبة محاور؟ هل الأمر يتعلق بانعدام الثقة بين العرب أم أن للعرب قابلية للتوظيف في التوازنات الإقليمية؟

 

ج: المحاور العربية، مثل الصراعات العربية-العربية، هي نتيجة طبيعية لمنظومة التجزئة التي قسمت العرب إلى 22 دولة.  ولو كانت لنا دولة وحدة عربية لاختفت مثل هذه الصراعات إلى غير رجعة.  كما أن التدخلات الخارجية التي تستغل منظومة التجزئة لتعزيز تحالفات معينة، مثلاً التحالف الذي قادته السعودية ضد عبد الناصر، لما وجدت موطئ قدمٍ لها.  وما زال المعتدلون العرب اليوم أدوات لمحاصرة كل ما يتعلق بالمقاومة… لكن بغض النظر عن هذا، ستستمر الصراعات العربية-العربية دوماً ما دمنا دولاً، لا دولة، عربية.  كما أن التجزئة تخلق الضعف والمنافذ التي تتيح لقوى الهيمنة الخارجية أن توظفنا في لعبتها الدولية. 

 

كما أن ثمة قوانين جغرافيا سياسية تحكم العلاقات بين الدول، وبالتالي لو افترضنا جدلاً أن نظامين عربيين متجاورين وصل لسدة الحكم فيهما قيادتين من نفس التوجه العقائدي بالضبط، فإن السؤال يبقى ماذا ستكون طبيعة العلاقة بينهما، وأيهما سيفرض شروطه ومطالبه ومصالحه على الأخر، مما يخلق صراعاً كامناً، يخرج إلى العلن أحياناً، بينهما، فما بالك لو تبنيا توجهين عقائديين مختلفين؟!  مثلاً، من سيسطر على المشرق العربي: سوريا أم العراق؟  من سيسيطر على المغرب العربي: الجزائر أم المغرب؟  وهل الصحراء الغربية إلا الرمز غير المعلن لهذا الصراع؟! إذا تركت سوريا لبنان تماماً، ألن يصبح موطئ قدم للقوى الساعية لمحاصرتها وإسقاط نظامها؟  وإذا أفلت اليمن من قبضة السعودية، ألن يحدث الشيء نفسه؟  وهل تهدد المصالح المصرية في السودان أم تفرض مصر هيمنتها على السودان؟ الخ… هذه معادلات جغرافيا سياسية مستقلة عن أية رغبة ذاتية، أو نوايا حسنة أو سيئة، وحتى عن التوجه العقائدي للأنظمة الحاكمة ضمن حدود الأقطار العربية، فهي تفعل فعلها مثل قانون الجاذبية الأرضية.  وعندما رسم الاستعمار حدود التجزئة كان يعرف تماماً ماذا يفعل، وقد خلق بيئة مناسبة تماماً لهيمنته علينا هي بيئة التجزئة، ولذلك لا حل لهذه الصراعات إلا بقيام دولة الوحدة العربية، فهذا ليس مجرد شعار، بل هو ضرورة لبقائنا كأمة.   وتخيل معي لو كان العرب كتلة واحدة لما وقف المغرب كل هذه المدة أمام تحرير جزيرة صغيرة مثل جزيرة ليلى، بل لاستعاد سبتة ومليلة وربما جزر الخالدات أيضاً.  وبالمناسبة، إن عدم التحرك باتجاه الوحدة لا يعني الوقوف بجمود على أرض الزمن، بل يعني أننا نعود للوراء، والدليل على ذلك هو انتقال مشروع التفكيك من تفكيك الأمة إلى تفكيك الأقطار إلى أجزاء أصغر، ومنها مشروع تفكيك السودان أو العراق أو المغرب واختراع دول جديدة في كل مكان من المنطقة الكردية في العراق إلى جنوب السودان إلى الصحراء الغربية إلى الدويلة الفلسطينية منزوعة السيادة على شذرات من فلسطين. 

 

س: وكيف تنعكس لعبة المحاور هذه على القضية الفلسطينية خاصة بعد تشتت الكيان الفلسطيني بين حماس وفتح؟

 

ج: تنعكس الصراعات العربية وغير العربية بالتأكيد على الساحة الفلسطينية كما تنعكس على غيرها، غير أن الانقسام الأساسي في الساحة الفلسطينية هو انقسام تاريخي ما بين خطين ونهجين منذ أكثر من مئة عام: خط النضال والقتال، وخط التسوية والتصفية.  فقد كان هناك دوماً من يرى التفاهم مع الانتداب البريطاني أو الحركة الصهيونية لتحقيق مصالحه الخاصة أو المرتبطة بشريحة اجتماعية صغيرة على حساب الوطن، ومن يرى أن الاحتلال يعني ضرورة نشوء مقاومة وطرح هدف التحرير.  وهذا الانقسام يشق الساحة الفلسطينية كخط أحمر عبر تاريخنا المعاصر ولو اختلفت العناوين والأسماء في طل مرحلة.  وهو انقسام طبيعي ولا يمكن أن يلتقي عميل ومقاوم في إطار واحد إلا إذا كان ذلك الإطار مشبوهاً.   وبالتالي لا يمكن تناول الخلاف بين السلطة الفلسطينية وحماس إلا كامتداد لهذا الصراع التاريخي ما بين نهج المقاومة ونهج التسوية.  ومن الطبيعي هنا أن تجد المعتدلين العرب مع السلطة وغيرهم مع المقاومة.  فالصراع بين نهج المقاومة ونهج التسوية فلسطينياً يقابله الصراع بين المعتدلين والممانعين على الساحة العربية طبعاً.  أما الصراع بين فتح وحماس فلا يمكن أن يحل إلا بعودة فتح لنهج المقاومة أو تخلي حماس عن المقاومة، ولا حل غير هذين الحلين.  أما إذا أصبح الطرفان على نفس النهج سلباً أو إيجاباً، فإن أية صراعات تبقى بعدها لا تنبع من تحالفاتهما العربية، بل من التنافس الداخلي على السلطة.

 

وأود أن ألفت النظر هنا إلى الخطاب الأخير لخالد مشعل في دمشق والذي اقترب فيه كثيراً من طرح فتح، وهو ما يشكل خطورة حقيقية على نهج المقاومة في الساحة الفلسطينية، لكنه لن يرضي الغرب عنه إلا إذا قدم المزيد والمزيد من التنازلات.

 

مع كل المودة والتقدير لأخوتنا الأعزاء في المغرب العربي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *