Qawmi

Just another WordPress site

أجريت خلال الأسابيع الماضية انتخابات في عدة أقطار عربية مركزية: انتخابات نيابية في العراق تحدد تشكيلة الحكومة ورئيسها، وانتخابات رئاسية في كل من سورية ومصر والجزائر.   وكلها  انتخابات ذات عواقب إقليمية ودولية تتعدى آثارها حدود القطر الذي جرت فيه، فلا بد من اخذها معاً وربطها ببعضها البعض من حيث ظروفها ونتائجها.

أولاً، تميز المرشح الرئيسي في كلٍ من تلك الانتخابات بمناهضته لجماعة “الإخوان المسلمين” والمنظمات السلفية الجهادية وبأنه يخوض معركة كسر عظم معهم.

ثانياً، تميز الموقف الأمريكي والأوروبي بالامتعاض المبطن، لكن الملموس، من الانتخابات الرئاسية المصرية، والعداء السافر لمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية السورية، وتجرع كأس نتائج الانتخابات النيابية العراقية على مضض.

ثالثاً، كان المرشح الرئيسي في الانتخابات المصرية والسورية مضمون النجاح، لكن ليس بفعل التزوير أو تكرار مسرحيات انتخابات الـ99%، إنما بفضل تأييد قوى شعبية كبيرة وملموسة.

رابعاً، دعمت إيران المرشح الرئيسي في سورية والعراق، ودعمت خصمه الانتخابي حامدين صباحي في مصر، لكنها لم تتوانَ عن التقاط اللحظة التاريخية لتحسين العلاقات مع مصر بعد فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما تمت دعوتها لحفل تنصيبه، في الوقت الذي استُبعدت منه قطر وتركيا وتونس الإخوانية والكيان الصهيوني.

خامساً، عكست انتخابات العراق وسورية ومصر، والجزائر قبلها بدرجة ما، نزوعاً شعبياً عربياً عارماً نحو الأمن والاستقرار، ويمكن القول أن تأييد المرشح الرئيسي في كل من تلك الانتخابات جاء تصويتاً ضد الفوضى والانفلات والإرهاب قبل كل شيء، وليس بالضرورة تصويتاً لتأييد كل سياسة أو موقف يمثلهما المرشح الرئيسي.  فالسوريون خرجوا بالملايين، داخل سورية وخارجها، لتأييد الدولة والجيش السوريين بشكل يفوق توقعات أكثر أنصار الرئيس بشار الأسد حماسةً، والمصريون صوتوا لمن اعتبروه رجلاً قوياً يمكن أن يقود السفينة القديمة المتعبة في البحر المضطرب نحو بر الآمان، ونوري المالكي، على رغم ملاحظات عراقيين كثر عليه، من السنة والشيعة، حصل على أعلى الأصوات في بغداد، وحصلت كتلته على تفوق ستين مقعداً في مجلس النواب، متقدمةً  بعشرات المقاعد على ثاني أكبر كتلة تليها، لأنه تمكن من تقديم نفسه كمرشح قوي في مواجهة الإرهاب.

سادساً، لا ينفي ما سبق الفروق الواضحة بين الحالات الانتخابية سابقة الذكر مبدئياً وسياسياً.  فالرئيس بشار الأسد يخوض معركة وجودية ضد الطرف الأمريكي-الصهيوني دفاعاً عن سورية وعن كل الإقليم، وتمثل الانتخابات بالنسبة إليه، ولنا كمناهضين للإمبريالية والصهيونية، امتداداً سياسياً لمعارك الميدان ضد الإرهاب وداعميه الغربيين… والرئيس السيسي لم تتضح سياساته طويلة المدى بعد، ويحظى بدعم سعودي-خليجي لا يحظى به الرئيس السوري أو العراقي، لكنه اطاح بحكم الإخوان مما استفز الأمريكان والغرب، كما أنه أبعد مصر عن التورط في سورية، ويقود حالياً معركة دفاع عن الدولة والجيش المصري لا تختلف بشيء عن المعركة الموازية لها في سورية، لكن ثمة استحقاقات سياسية للدعم البترودولاري لا يمكن القفز عنها بالأماني.  أما الرئيس نوري المالكي فأتى للحكم على ظهر دبابات الاحتلال، ويتحمل بسياساته الطائفية والتهميشية جزءاً كبيراً من المسؤولية عما آلت إليه الأمور في العراق اليوم، لكن الواقع، أعجبنا أم لم يعجبنا، هو أن المالكي، ولو لأسبابٍ قد تختلف عن أسبابنا، يتخذ موقفاً داعماً لسورية في معركة الأمة المركزية التي تخوضها اليوم، وهو ليس المرشح المفضل للإمبريالية الأمريكية والغرب لرئاسة حكومة العراق، كما أنه يواجه القوى التكفيرية والإرهابية نفسها التي تعيث فساداً لا في سورية ومصر فحسب، بل في كل الوطن العربي.

سابعاً، تمخضت كل تلك الانتخابات عن تقهقر المواقع السياسية للولايات المتحدة والغرب، وتقهقر مواقع تركيا وقطر وحركة الإخوان المسلمين، في الإقليم، فيما تقدم الموقع الإيراني في المشرق العربي، وبالمعية ازداد الموقف الروسي قوةً، وهو ما يزيد احتمالات تمرير الحل السياسي في سورية.  أما في مصر، فقد تراجع الموقع الأمريكي والغربي، وتقدم الموقع السعودي-الخليجي، لكن يخطئ من يظن أن مصر بتاريخها وموقعها وإمكانياتها ووزنها يمكن أن تتحول لملحق صغير لغيرها… والعبرة تبقى بتوافر الإرادة والمشروع النهضوي في مصر، وهو ما يتوجس منه الغرب خيفةً ويراقبه الجميع، بلا استثناء، بدقة.

لا يمكن تناول الانتخابات العراقية والسورية والمصرية والجزائرية إذن من زاوية المقاييس الغربية للانتخابات فحسب في ظروف الفتنة والحرب الأهلية ومشاريع تفكيك البلدان… فالمقاييس الليبرالية الصرف، لو افترضنا حسن النوايا، التي تركز على مناهضة التمديد والتوريث ورئاسة العسكريين، تأتي في المقام العاشر بعد المئة أو الألف، بعد مقياس مصلحة الأمة.  والقوميون الحقيقيون لا يبنون مواقفهم على أي حساب قُطري، لكن مصلحة الأمة تتحدد على ضوء التناقض الرئيسي الذي يحكم الواقع السياسي هنا والآن في كل مرحلة تاريخية.  والمعركة الرئيسية للأمة اليوم هي معركة سورية، كما كانت العراق قبل بضعة سنوات.

اليوم، عندما تصبح الديموقراطية ذريعةً للتدخل الأجنبي وللتفكيك، أي عندما تصبح مناهضةً لمصلحة الأمة، يجب أن يكون اصطفافنا واضحاً مع الأجندة الوطنية والقومية، لا مع “ديموقراطيات” الدم والهيمنة الأجنبية والحرب الأهلية.  الغرب بدوره يمارس الدجل الديموقراطي فقط عندما يحلو له.  فهو يؤيد الانتخابات في أوكرانيا ويرفضها في سورية، وهو يرفض الاستفتاء الشعبي في القرم الذي أدى لانضمامها لروسيا، ويؤيد الاستفتاء الشعبي في جنوب السودان الذي ادى لانفصاله عن السودان.  وهو يدعم التخريب السافر ضد حكومات منتخبة في فنزويلا وأوكرانيا (عندما كان يانكوفيتش رئيساً)، ويتمسك بنتائج الانتخابات في مصر (مرسي) رغم نزول عشرات ملايين المصريين ضده في الشارع، وهو يهذرب صبحَ مساء في الديموقراطية وحقوق الإنسان في سورية ومصر، لكنه يقيم أوثق العلاقات والتحالفات مع ملكيات غير منتخبة في الخليج العربي والمغرب والأردن.

إبراهيم علوش

البناء 11/6/2014

للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=893886040628632&id=100000217333066

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *