Qawmi

Just another WordPress site





ترجمة وتقديم: إبراهيم علوش

4/4/2014


المقابلة أدناه نشرتها صحيفة “أبوريا” الفنزويلية (الموالية لحكومة ماذورو) في 23/3/2014، وهي مقابلة  مع مواطن كوبي عمل على مدى عقود كعميل مزدوج.  فقد استقطبته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه)، ليتبين أنه في واقع الأمر ضابط في الأمن الكوبي، ولم يتضح من المقابلة في أي مرحلة من حياته وعمله استقطبه الأمن الكوبي أو السي أي إيه، لكن كلامه في المقابلة يوحي أن ذلك ربما تم في العام 1994، بعدما بدأ التواصل مع الحلقات المشبوهة للسي أي إيه بين عامي 1988-1989.



صاحب المقابلة كاتب وأستاذ جامعي كوبي يُخرِج فيها إلى بؤرة الضوء، من وراء الكواليس، طريقة عمل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في سعيها لتنظيم “ثورات ملونة” من خلال اصطياد أشخاص من البيئة الثقافية بخاصة، مثل اساتذة الجامعات والطلبة والفنانين والكتاب، وكيف تعجب السي أي إيه حتى فكرة تعرض أحد “القادة الشعبيين” الذين تم استقطابهم للقتل في الشارع لكي يحولوا الأمر إلى مادة دعائية لمشروعهم، وكيف يقدم المخترقون انفسهم كـ”ثوريين” أحياناً، ودور الإعلام المفصلي في “الثورات الملونة”، وإلى ما هنالك..



وقد سبق لبعضنا أن قرأ واستدل من بين سطور الأحداث والوقائع على الكثير مما أدلى به الرجل، لكن الفارق هو أنه يعرفه من الباطن، فهو لا يتكهن ولا يستدل، بل يبرز الاختراق الاستخباري الأمريكي في مجال العمل النقابي والطلابي والثقافي .  وفيما اعتقدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنه واحدٌ منهم، كمدير لبعض مشاريع السي أي إيه في كوبا في إحدى المراحل، كان راؤول كابوتي يعمل مع جهاز المخابرات الكوبية طوال الوقت!



يذكر العميل المزدوج كابوتي ليبيا وسورية لماماً، لكن بدون تفاصيل، ولن يكون من الصعب على القارئ النبيه أن يسقط الخطوط والدوائر التي رسمها في موطنه كوبا، وفي فنزويلا، على الحالة العربية وغيرها من الدول التي عاشت ردات رجعية مدعومة إمبريالياً تحت عنوان “الثورات الملونة”.



ويمكن إيجاد النسخة الإسبانية الأصلية من المقابلة على هذا الرابط:



ويمكن إيجاد ترجمة إنكليزية لها هنا:




المقابلة طويلة، لكننا لا نعتذر على ذلك، فكل حرف فيها مهم لمن يرغب أن يفهم: 1) حقيقة “الثورات الملونة” في عالمنا المعاصر، 2) طريقة عمل أجهزة الاستخبارات الغربية في إسقاط وتجنيد المثقفين والمناضلين والطلبة والنقابيين وغيرهم من فئات “المجتمع المدني”.


نص المقابلة:


من هو هذا الرجل، ولمَ تخافه السي أي إيه؟  لأنها ظنت أنه واحدٌ من رجالها، ليتبين أنه على النقيض من ذلك تماماً.  والآن ها هو يكشف على الملأ ما يعرفه عنهم…


راؤول كابوتي مواطن كوبي.  لكنه ليس كأي كوبي.  فقد تورط في شبابه مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي إيه).  عرضوا عليه كمية لانهائية من المال ليتآمر على كوبا.  لكن شيئاً غير متوقع حدث بالنسبة للولايات المتحدة، لأن كابوتي كان يعمل في الواقع مع الأمن الوطني الكوبي.  منذ تلك اللحظة خدم كعميلٍ مزدوج.  تعلم قصته، من خلال هذه المقابلة الحصرية مع برنامج “تشافيز حي”، التي تمت في هافانا:



س: ما الذي ادى لتورطك مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟

ج: بدأ ذلك بعملية استمرت سنوات عدة، عدة سنوات من الإعداد والاصطياد.  كنت قائداً لحركة طلابية كوبية في ذلك الوقت تمخضت عنها منظمة “جمعية الأخوة سايز الثقافية”، وهي مجموعة من المبدعين والرسامين والكتاب والفنانين الشباب.  عملت في مدينة في جنوب وسط كوبا هي “سينفويغوس” اتسمت بخصائص شديدة الأهمية للعدو لأنها كانت مدينة كان يتم تشييد قطب صناعي كبير فيها وقتها.  كانوا يبنون مركزاً كهربائياً، كان الوحيد في كوبا، وكان هنالك الكثير من الشباب يعملون فيه.  لذلك كانت مدينة تضم عدداً من المهندسين الشباب.  لذلك السبب أيضاً، كان فيها مهندسون شباب كثيرون من خريجي الاتحاد السوفييتي.  ونحن نتحدث هنا عن السنوات الأخيرة من الثمانينيات عندما كانت توجد عملية تسمى “برسترويكا” في الاتحاد السوفييتي.  وكان العديد من المهندسين الكوبيين، ممن وصلوا لكوبا في ذلك الوقت، قد تخرجوا من الاتحاد السوفييتي، وكانوا يعتبرون أناس تشربوا فكرة الـ”برسترويكا” (تعني بالعربية “إعادة البناء” – المترجم).  لهذا السبب كانت منطقتنا مثيرة للاهتمام بحكم وجود كثيرٍ من الشباب فيها.  وحقيقة كوني قائداً شبابياً  لمنظمة ثقافية في ذلك الوقت عمِلَت مع قطاع مهم من المهندسين المهتمين بالفنون اصبحت موضع اهتمام بالنسبة للأمريكيين الشماليين، فبدأوا بالتردد على الاجتماعات التي نحضرها، ولم يعرّفوا انفسهم ابداً كأعداء، أو كموظفين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.



س: هل حضر عددٌ منهم، أم الشخص نفسه دوماً؟

ج: عدة أشخاص.  لم يقدموا انفسهم ابداً كموظفين في السي أي إيه، ولا كأناس قدموا لإثارة المشاكل أو أي شيء من هذا القبيل.



س: من ظننتهم؟

ج: قدموا انفسهم كأناس جاؤوا لمساعدتنا ودعم مشروعنا الثقافي، ممن يملكون القدرة على تمويله، وبأن لديهم فرصة لتحويله إلى واقع. المقترح، كمقترح، بدا مثيراً للاهتمام لأنه، نعم، كان مشروعاً في العالم الأدبي يحتاج لمعرفة ناشر، وعلاقات مع محررين.  إنه سوق معقد.  وقد اتوا وفي جعبتهم اسماء ناشرين.  وما حدث هو أنهم، خلال فترة التواصل معنا… ما أرادوه فعلاً اصبح بديهياً، لأنهم حال قيامهم بالاتصال، حال بدئهم بالتردد على اجتماعاتنا، وحالما وعدونا بالتمويل، اتت معهم شروط تمويلنا.



س: ما هي الشروط التي وضعوها؟

ج: اخبرونا: لدينا القدرة على وضع السوق تحت تصرفكم، وأن ندخلكم لأسواق الكتب والنحت والأفلام وما شابه، ولكننا نريد الحقيقة، لأن ما نبيعه في السوق هو صورة كوبا.  وصورة كوبا يجب أن تكون واقعية، صورة صعوبات، وما يجري في البلاد.  لقد أرادوا تشويه حقيقة كوبا.  كان ما يطلبونه هو انتقاد الثورة، بناء على خطوط الدعاية المضادة لكوبا، التي قدموها لنا.



س: كم بلغت موازنة اولئك الناس؟

ج: جاؤوا بكمية غير محدودة من المال طبعاً لأننا اكتشفنا مع الوقت من أين اتى.  مثلاً، كانت هناك وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية USAID، التي كانت داعماً كبيراً، والمتعاقد العام لهذه الموازنة، التي مررت المال عبر منظمات غير حكومية تم اختراع العديد منها فقط من أجل كوبا. كانت منظمات غير حكومية غير موجودة، تم خلقها حصرياً لهذا النوع من العمل في كوبا، ونحن نتحدث عن آلاف وآلاف الدولارات.  لم يكونوا يعملون بموازنات صغيرة. ولأعطي مثالاً: عرضوا علي مرة عشرة آلاف دولار فقط لأدخل عناصر معادية لكوبا في الرواية التي كنت اكتبها.



س: عن أي سنة نتحدث هنا؟

ج: حوالي 1988-1989.



س: حسب رأيك ما هو عدد الناس الذين تواصل معهم أولئك الناس او اصطادوهم؟

ج: في الحقيقة لم يدم نجاحهم طويلا، لأن كوبا كانت توجد فيها ثقافة مواجهة شاملة مع مثل هذه الأشياء، وقد عرف الناس بأنه كان يوجد أمر مريب وراء قصة رغبة أولئك الناس بمساعدتنا.  لم يكن ذلك شيئاً جديداً في تاريخ البلاد.  لذلك السبب، كان من الصعب عليهم أن يصلونا.  في لحظة تصميم، في العام 1992 تقريباً، عقدنا اجتماعاً، كل أعضاء المنظمة، وقررنا طردهم.  لم يعد مسموحاً لهم أن يحضروا المزيد من اجتماعاتنا.  اولئك الناس، الذين كانوا يأتون وفي جعبتهم اقتراحات ملموسة ومساعدة اقتصادية مشروطة كانوا يقدمونها لنا.  ما حدث هو أننا في اللحظة التي فعلنا فيها ذلك، فرفضناهم وطردناهم من مقر الجمعية، بدأوا بالتحديد…   بدأوا بزيارتي، تحديداً، ورفاق أخرين، أناس شباب.  نجحوا مع بعضهم، أو ربما يجب أن أقول أنهم نجحوا بإخراج بعضهم خارج البلاد أيضاً.



س: ما هي نوعية الأشخاص التي كانوا يبحثون عنها، بشكل عام، إذا كان يمكن تحديد نوعية من هذا القبيل؟

ج: أرادوا قبل كل شيء أن يقدموا كوبا كأرضٍ تحكمها الفوضى، وبأن الاشتراكية في كوبا لم تنجح في تلبية حاجات الشعب، وبأن كوبا بلدٌ اوقعته الاشتراكية في فقرٍ مطلق، وبأن الاشتراكية كنموذج لا يعجب احداً.  كان ذلك ما يرمون إليه، قبل كل شيء، في ذلك الوقت.



س: كم قضيت من الوقت كعميل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟

ج: كنت في هذه القصة من البداية حتى العام 1994.  ففي ذلك العام ذهبت لهافانا، عدت للعاصمة، وهناك، في العاصمة، بدأت أعمل في اتحاد عمال الثقافة، وهو اتحاد يمثل العاملين بالثقافة في العاصمة، فأصبحت أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لهم، لأنني مضيت لإدارة اتحاد يضم 40 ألف عضو في مدينة هافانا فقط، بعد أن كنت قائداً لمنظمة شبابية تضم أربعة آلاف عضو فحسب.  ثم أصبح الأمر أكثر إثارة للاهتمام.  توالت الاتصالات. في تلك الفترة ظهرت استاذة جامعية من جامعة جديدة حضرت في مهمة إطلاق عملية إنتاج أعمالي الأدبية، لتصبح مديرة أعمالي، ولتنظم لي المناسبات الأدبية.



س: هل يمكن أن تعطي اسمها؟

ج: كلا، لأنهم كانوا يستخدمون اسماء مستعارة.  لم يستخدموا اسماءهم الحقيقية أبداً. وكان ذلك النوع من العمل، أي الترويج لي ككاتب، هو محط اهتمامهم.  فقد أرادوا أن يحولوني إلى شخصية بارزة في ذلك العالم. الترويج لي الآن، ومساومتي معهم بطريقة غير مباشرة.  ثم، في العام 2004، وصل لهافانا شخص معروف في فنزويلا هو السيدة كيلي كيدرلينغ (تم تعيينها قائماً بأعمال السفارة الأمريكية في فنزويلا في 2011، وتم طردها مع اثنين من الدبلوماسيين الأمريكيين في فنزويلا عام 2014 – إ. ع). جاءت كيلي لهافانا لتصبح رئيساً لمكتب الصحافة والثقافة. عقدوا لقاء.  ثم رتبوا لحفلة كوكتيل، وفي تلك الحفلة التقيت مع اثني عشر “موظفاً” أمريكياً شمالياً، بل أمريكياً شمالياً وأوروبياً.  لم يكونوا أمريكيين شماليين فقط.  كانوا جميعاً أناس يتمتعون بالخبرة، بعضهم حصل عليها من داخل الاتحاد السوفييتي السابق، وغيرهم شارك في تدريب الناس وإعدادهم في يوغوسلافيا السابقة، في الثورات الملونة، وكانوا مهتمين جداً بي…



اصبحت كيلي قريبة جداً مني.  بدأت بإعدادي.  بدأت بتعليمي، وبدأت اتلقى منها تدريباً محكماً: بناء المجموعات البديلة، المجموعات المستقلة، تنظيم القادة الشباب وإعدادهم، ممن لا يشاركون في عمل مؤسساتنا الثقافية.  وكان ذلك في فترة 2004-2005. وفي فترة 2005-2006 اختفت كيلي فعلياً من المشهد.  وعندما بدأت اعمل، وضعتني في اتصال مباشر مع ضباط السي أي إيه. يفترض أنني كنت ملتزماً معهم، وكنت جاهزاً لمهمتي المقبلة، ووضعوني باتصال مع رينيه غرينوالد، وهي ضابط في السي أي إيه عمل معي مباشرة، ومع رجل اسمه مارك واترهاين كان في ذلك الوقت رئيس “مشروع كوبا” التابع للمؤسسة الأمريكية للتنمية.

هذا الرجل، مارك، بالإضافة لإدارته لـ”مشروع كوبا”، كان على اتصال مباشر مع كوبا لتمويل مشروع مضاد للثورة، كما كان متورطاً بالعمل ضد فنزويلا.  أي أنه كان رجلاً يعمل، مع معظم فريق موظفيه في ذلك المشروع الشهير، ضد فنزويلا أيضاً.  كان المشروعان وثيقي الاتصال، وأحياناً كان على المرء أن يجتهد كثيراً ليفرق بين من كانوا يشتغلون على كوبا، ومن كانوا يشتغلون على غيرها، لأنهم كانوا في أحيانٍ كثيرة متشابكين.  مثلاً، كان هناك فنزويليين اتوا ليعملوا معي، كانوا قد عملوا في واشنطن أيضاً، وكانوا مرؤوسين في المؤسسة الأمريكية للتنمية والسي أي إيه، وقد اتوا لكوبا ليدربوني ولإحضار المستلزمات…  ومن هناك نشأت فكرة خلق مؤسسة، أو مشروع يسمى “تكوين”.



“التكوين” كان قالباً، كفكرة، للعديد من الاشياء التي تجري في العالم اليوم، لأن “تكوين” هو مشروع موجه لشبيبة الجامعات في كوبا.  كانوا يفعلون شيئاً مشابهاً في فنزويلا.  لماذا؟  كانت الفكرة أن يتم تحويل الجامعات – فقد كانت دوماً ثورية، تنتج ثوريين، اتى من صفوفهم عددٌ من ثوريي البلدين – وأن يتم تحويلها إلى مصانع للرجعيين.  إذن، كيف تفعل ذلك؟ بصناعة القادة.  ما الذي بدأوا يفعلونه في فنزويلا؟ ارسلوا طلاباً ليوغوسلافيا، بتمويل من المعهد الجمهوري الدولي الذي كانت تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID ومعهد البرت أينشتاين، وأرسلتهم، في مجموعات من عشرة، مع اساتذتهم.

س: هل لديك اسماء الفنزويليين؟

ج: لا، فنحن نتحدث عن مئات ممن تم ارسالهم.  تحدثت مع البرفسور، وراقبت إحدى تلك المجموعات وتتبعت أخرى، لأنهم كانوا يعملون على المدى الطويل.  كانت الخطة نفسها قد طبقت في كوبا. روجت “تكوين” في الجامعة لخطة منح تدريبية لقادة الطلبة الكوبيين والأساتذة الجامعيين. كانت الخطة مشابهة جداً (في كوبا وفنزويلا – إ. ع).  ايضاً، في العام 2003، أعدوا هنا في هافانا مساقاً في قسم رعاية المصالح الأمريكية بعنوان “الإطاحة بقائد، الإطاحة بديكتاتور” تم استقاؤه من تجربة الأتوبور في إزالة سلوبودان ميلوسوفيتش من السلطة.  وكانت الخطة داخل الجامعة الكوبية أن يتم العمل على المدى الطويل، لأن مثل هذه المشاريع يتطلب دوماً وقتاً طويلاً لقطف الثمار.  لذلك السبب، بدأوا أيضاً في فنزويلا.  واعتقد أيضاً، لكن ليس عندي دليل على هذا، اعتقد بأنهم بدأوا في فنزويلا قبل حكومة تشافيز، لأن خطة تحويل جامعات أمريكا اللاتينية، التي كانت دوماً من أهم مصادر العملية الثورية، إلى جامعات رجعية، هي اقدم من العملية الفنزويلية البوليفارية، فالهدف كان قلب الاتجاه وخلق جناح يميني جديد.



س: هل عملت السي أي إيه في العاصمة كراكاس فقط؟

ج: كلا، عبر كل فنزويلا.  لدى “تكوين” حالياً خطة منح لخلق قادة في كوبا. إنهم يقدمون المنح للطلاب ليذهبوا للجامعات الأمريكية الشمالية الكبيرة، ليدربوهم كقادة، مع دفع كافة النفقات.  يدفعون تكاليفهم، ويقدمون لهم منحاً كاملة. نتحدث عن فترة 2004-2005 هنا.  كان الأمر واضحاً.  ثم يعود أولئك القادة للجامعة عند نقطة ما.  إنهم طلاب.  يذهبون لينهوا المرحلة الطلابية. وعندما لا يعود اولئك القادة طلاباً، يذهبون لوظائف مختلفة، وإمكانيات مختلفة، كمهندسين، وكحملة شهادات في قطاعات مختلفة من المجتمع الكوبي، لكن هناك غيرهم ممن يستمر في العمل على إعداد القادة ضمن الجامعة.  وقد كانت إحدى أهم مهمات القادة أن يحتلوا قيادة منظمات الشبيبة الرئيسية في الجامعة.  في حالة كوبا، نحن نتحدث عن “اتحاد الشبيبة الشيوعية” و”فدرالية الطلبة الجامعيين”.  أي أن المهمة لم تكن خلق منظمات موازية في ذلك الوقت، بل أن يصبحوا قادة المنظمات الموجودة أصلاً في كوبا، ليتم بعدها تشكيل مجموعة من القادة في استراتيجيات الانقلاب “الناعم”.  أي تدريب الناس على اللحظة المواتية لبدء “الثورات الملونة” الشهيرة، أو “الحروب غير العنفية”، التي، كما تعرف جيداً، لا تمت بصلة لفكرة اللاعنف.



س: عن ماذا كنت تبحث في الاستاذ الجامعي من أحل اصطياده؟

ج: الاساتذة الجامعيون سهلون جداً.  عليك أن تحدد اساتذة جامعيين مستاءين من المؤسسة، أناس محبطين، لأنهم اعتبروا أن المؤسسة لم تضمن لهم أي شيء، أو لم تعترف بجدارتهم.  إذا كانوا أكبر سناً، يكون ذلك افضل.  لم يحددوا لنا سناً.  ابحث عن أشخاص أكبر سناً، تختارهم… إذا أرسلت خطة منحة، أو إذا ارسلتها وفي الفرصة الأولى قمت بإرسال دعوة لهم للمشاركة في مؤتمر دولي عظيم في أحد العلوم، فسيكونون ممتنين لك للأبد لأنك كنت الشخص الذي اكتشف موهبتهم، التي لم يسبق أن اعترفت لهم بها الجامعة من قبل!  ثم أن ذلك الرجل الذي ترسله للدراسة في الخارج، إذا كنت من جامعته، وكان يشارك في مؤتمر كبير، ونشرت أعماله، ثم لقنته منهاجاً أكاديمياً، فإنه عندما يعود إلى كوبا، فإنه سيعود بمنهاج أكاديمي ضخم، لأنه شارك في حدث علمي من الدرجة الأولى، ونجح في مساقات علمية من جامعات مهمة، فإن تأهيله الإكاديمي سيصل السماء مقارنة بغيره، عندها سيصبح نفوذه في الجامعة أكبر، لأنه سيتم الاعتراف به كشخصية رائدة في حقله، مع أن ذلك الرجل يمكن أن يكون في الواقع جاهلاً جداً.



س: كم كان ذلك النوع من الاصطياد مؤثراً، وما هو نوع المهام التي أتوا لينجزوها هنا؟

ج: في حالة كوبا، لم يحصلوا على نتيجة تذكر.  أولاً، كان هنالك سبب مهم جداً، لأنني كنت أنا مدير المشروع، وأنا لم أكن، في الواقع، عميلاً للسي اي إيه، بل كنت عميلاً للأمن الكوبي.  لذا، مر كل المشروع من بين يدي، وظنوا أنني من سينفذه.  وقد مرت الخطة دوماً عبر العمل الذي كنت استطيع القيام به، وما فعلناه هو أننا ابطئنا تلك الخطة بقدر الإمكان، لنبقى حالاً في صورة ما يتم تخطيطه.  لكن فكر بهدف الخطة.. كانوا يحسبون اللحظة التي تختفي فيها الشخصيات التاريخية للثورة الكوبية.  كانوا يخططون على مدى خمس أو عشر سنوات، عندما يختفي فيديل كاسترو من المشهد السياسي، وراؤول، والقادة التاريخيون للبلاد.  كانت تلك هي اللحظة التي ينتظرونها، وعندما يحدث ذلك، كان علي أن أغادر الجامعة، مع كل الدعم الذي يمكن أن تقدمه الصحافة العالمية والمنظمات غير الحكومية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وكل الناس الذين يعملون بتمويل من السي اي إيه، لتنشأ منظمة تقدم نفسها أمام الجمهور كبديل لما تفعله الثورة.  ذلكم هو ما كان يفترض أن يحدث مع “معهد تكوين من أجل الحرية”.



س: ما هو ذلك المعهد؟

ج: كان على “معهد تكوين من أجل الحرية” أن يتبنى خطاباً ثورياً من الناحية الظاهرية، لكن الفكرة كانت هي تشويش الناس.  الفكرة كانت بأن يقولوا بأنهم ثوريون، وبأن ما يريدونه هو القيام بتغييرات في الحكومة، لكن فعلياً، عندما تأتي لجوهر المشروع، عندما تسال نفسك: “ما هو المشروع؟”، فإن الخطاب كان، والمشروع، متطابقان تماماً مع خطاب ومشروع اليمين التقليدي.  فالتغييرات التي كانوا يروجون لها كانت نفسها التي روج لها اليمين لمدة طويلة في البلاد.



عملياً، كادوا يحصلون على فرصتهم الكبيرة، حسب معيارهم، عام 2006، عندما أعلن التلفزيون بأن فيديل كاسترو سوف يتنحى عن مسؤولياته الحكومية لأسباب صحية، وقد قالوا دوماً بأن الثورة الكوبية سوف تموت عندما يموت فيديل.  لأن الثورة كانت فيديل، وفي اليوم الذي لا يعود فيه موجوداً، إما بالموت أو ترك الحكومة، فإن الثورة الكوبية سوف تسقط في اليوم التالي.  وحسبوا بأنه ستكون هناك مواجهات داخلية، وسيكون هناك استياء من هذا وذاك.  وهي حسابات لا أعرف من أين وصلوا إليها، لكنهم صدقوها.  في تلك اللحظة، اعتقدوا أن الوقت حان للعمل.



س: نحن نتحدث عن العام 2006.  ماذا كانت الخطة؟

ج: اتصلوا بي اوتوماتيكياً.  التقينا، رئيس محطة السي أي إيه وأنا، هنا في هافانا.  وأتى موظفون دبلوماسيون، وقال لي احدهم: سوف ننظم استفزازاً.  سوف ننظم انتفاضة شعبية في ضاحية مركزية في هافانا.  سيذهب شخص هناك ليحتج من أجل الديموقراطية، ولسوف ننفذ مجموعة من الاستفزازات في مواقع مختلفة بطريقة تضطر معها قوات الأمن الكوبية أن ترد على أولئك الناس، وبعدها سنبدأ حملة صحافية كبيرة ونبدأ بالتفسير كيف سيعمل كل هذا.  الجزء المثير للاهتمام في ذلك، ما لفت نظري، كان هذا: كيف يملك موظف في قسم رعاية المصالح الأمريكية أن يدعو وسائل الإعلام الرئيسية، ليتجاوبوا معه بمثل ذلك الخنوع؟  كان شيئاً مثيراً للانتباه حقاً.  كانت الفكرة – حتى أنني قلت لهم هذا – بأن ما يخبرونني إياه هو محض جنون.  هذا الرجل الذي ذكرتموه، واسمه ألسي فررير – الرجل الذي اختاروه – كان عميلاً شاباً وطبيباً، وقد اختاروه ليكون زعيم الانتفاضة.  قلت لهم: هذا الرجل لن يستطيع أن يحرك احداً.  لن يحتج أحد في وسط هافانا.  ولم يكن اليوم الذي اختاروه لتنظيم الاحتجاجات سوى يوم ذكرى ميلاد فيديل كاسترو نفسه، وقد اخبروني عن الموعد!  فقلت: انظر يا صاحبي، إذا قرر ذلك الرجل، في ذلك اليوم، أن يذهب للشارع ليطلق التصريحات ضد كاسترو، فإن الناس سوف يردون بخشونة.  من الممكن حتى أن يقتلوه.  فكيف ترسلونه إلى حيٍ عمالي متواضع ليثير مثل هذه الأشياء، ابناء المنطقة سوف… فقاطعني: بصراحة، إن أفضل شيء يمكن أن يحدث بالنسبة لنا هو أن يقتلوه، سيكون ذلك رائعاً… ثم فسروا كيف سيحدث ذلك.  كل ما على الطبيب الشاب أن يفعله هو أن يقوم بالاستفزاز.  سوف يذهبون للشارع، وهناك سوف يحدث صدام.  إذا حدث ذلك، فإن الإعلام سيتكفل بالباقي.  وقالوا لي: سوف نبدأ حملة إعلامية كبيرة لنظهر بأن هناك فوضى في كوبا، وبأن كوبا لا يمكن حكمها؛ وبأن راؤول كاسترو في كوبا غير قادر على الإمساك بزمام السلطة؛ بأن المدنيين يتعرضون للقتل؛ وبأن القمع يطال الطلاب والناس في الشارع؛ بأن الشرطة ترتكب الجرائم.  يا له من تشابه مع ما يجري في فنزويلا!  إنها ليست صدفة.  إنها هكذا.



س: ماذا كان يفترض أن يحدث في تلك الظروف؟

ج: عندما يتم خلق مصفوفات الرأي العام جميعها، وبعد أن تقوم مصفوفات الإعلام بتشكيل مثل هذه الصورة، فإن العالم برمته ستتكون لديه صورة عن كوبا باعتبارها كارثة كبرى، وبأنهم يقتلون الناس، وبأنهم يقتلونهم جميعاً.  ثم كان على منظمتي أن تتمم المهمة الأخيرة.



س: ماذا كانت تلك المهمة الأخيرة؟

ج: حسناً، أن أدعو الصحافة العالمية، بصفتي استاذا جامعياً وكاتباً وقائداً لتلك المنظمة، وأن اخرج علناً لمطالبة حكومة الولايات المتحدة بالتدخل في كوبا، لضمان حياة المدنيين والإتيان بالسلام والهدوء للشعب الكوبي، بأن اخاطب البلاد باسم الشعب الكوبي.  تصور ذلك!



لقد تساقطت تلك الخطة عليهم.  لم تأتِ لهم بأية نتيجة، لكن كما تستطيع أن ترى، من الطريقة التي سارت فيها الحرب في ليبيا، والطريقة التي تم فيها ترتيبها… لقد كان أكثر من ثمانين بالمئة من المعلومات التي رأيناها مفبركة.  وهم يفعلون الشيء نفسه في سورية، وفعلوه في أوكرانيا. لقد سنحت لي الفرصة بأن اتحدث مع الكثير من الأوكرانيين، بما أنهم كانوا في القواعد، وهم أناس يفضلون الاتحاد مع أوروبا.  حاولت التحدث معهم مؤخراً لأعرف كيف جرت تلك العمليات… لقد تفاجأوا من الصور التي كان يتم بثها حول العالم.  كانت هنالك أماكن توجد فيها مجموعات يمينية، من أقصى اليمين، حيث وقعت أحداث من هذا النوع، حيث كانوا يحرقون، لكن معظم التظاهرات لم تتسم بتلك الصفات.  فهذا هو، مرة أخرى، تكرار لنفس المخطط، اعتماداً على وسائل الاتصالات.

س: العلاقة بين السي أي إيه والسفارات، في كل بلد، هل هي مباشرة إذن؟

ج: نعم، مباشرة تماماً. في كل سفارة في أمريكا اللاتينية، يوجد ضباط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعملون فيها خلف واجهة العمل الدبلوماسي.



س: حسب معلوماتك، هل هناك وجود أكبر للسي أي إيه في المنطقة؟

ج: حسناً، في لحظة ما، كانت الإكوادور قوة رئيسية في هذا، إذ كان يوجد فيها تركيزٌ عالٍ منهم، وطبعاً فنزويلا، وذلك أنني عندما حضرت معرض الكتاب في كاراكس في 2012، وجدت كل الأشخاص الذين عملوا معي ضد كوبا، كل ضباط السي أي إيه، ومنهم كيلي كيدرلينغ، في كاراكس في ذلك الوقت.  وقد ظهرت على برنامج تلفزيوني على التلفزيون الفنزويلي تحدثت فيه عن هذا الموضوع، بحذر شديد، لأننا نتحدث هنا عن بلدين توجد بينهما علاقات دبلوماسية، وهذه ليست الحال مع كوبا، أي أن كوبا ليست لديها علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.  بل هو عدو معلن.  لكننا نتحدث هنا عن موظفين في السي أي إيه لديهم صفة دبلوماسية، لذلك كان من غير الملائم التعريض بهم علناً بدون امتلاك ادلة ملموسة يمكن عرضها.  لكن المقابلة تمت، كما تمت إدانة ما يجري.  كيلي كيدرلينغ خبيرة في هذا النوع من الحروب.  ليس لدي أدنى شكك حول هذا إذا تتبع المرء مسارها، عبر البلدان التي خدمت فيها، وطبيعة النزاعات التي وقعت فيها.



لقد جالت في سلسلة من بلدان العالم حدثت فيها أوضاع متشابهة، كما حاولت أن تفعل في فنزويلا، وعندما تحلل وضع فنزويلا وما يجري فيها اليوم والطريقة التي عملت فيها…  اعتقد أنهم في فنزويلا كانت خاصية عملهم بأنهم كانوا أكثر هجوميةً بكثير في التلاعب بالمعلومات.  لقد كانوا هجوميين تماماً إلى حدٍ تستطيع معه أن تقول أنهم وقعوا بأخطاء فادحة.  فقد كانت هناك صورٌ في الإعلام من الواضح أنها لم تأتِ من فنزويلا.  وقد رأيت صورة شهيرة من بينها يظهر فيه جندي مع صحافي معه كاميرا:  لقد كانوا كوريين! لقد كانت تلك الصورة من كوريا.  لقد كانوا آسيويين.  لم يبدوا كفنزويليين على الإطلاق.  أيضاً، البزات التي يرتدونها.  لقد كانوا هجوميين جداً في تلك الصورة التي تقدم ما يجري في فنزويلا لبقية العالم.  بالنسبة لمعظم الناس في العالم، كانت تلك الصورة ما يرونه…



س: إنهم يتحكمون بالإعلام.  هل تعرف أية حالة لأي صحفي معروف أو غير معروف كان، على ما رأيت، في عملية التدريب؟

ج: لا.



س: من قناة CNN مثلاً؟

ج: لا، كان هناك شخص لديه الكثير من الروابط معي في ذلك الوقت كان يخدم كصلة وصل للقاء مع ضابط من السي أي إيه، واسمه الشخص انطوني غولدن، وكان يعمل مع وكالة رويترز.  لكن الحقيقة أنه كان مستقلاً عن رويترز.  أما قناة الـCNN فقد كانت دوماً متصلة بشكلٍ وثيق بهذه الأشياء.  فالـCNN، منذ اللحظات الأولى لتشغيلها، قبل هذه الخطوة الأخيرة، وفوق كل شيء، قناة الـCNN بالإسبانية، كانت أداة لا غنى عنها لأولئك الناس، لكن المشكلة أن عليك أن تفهم شيئاً واحداً:  لفهم ما يجري، ولتكون قادراً على شن حملة إعلامية، عليك أن تفهم أن اي محطة تلفزيونية لا تتصرف من تلقاء ذاتها. فهنالك الشركات المتكتلة، تكتلات الاتصالات، من الذي يديرها؟  مثلاً، شركة تايم ورنر وAOL، وكل شركات الاتصالات الكبيرة – تلفزيون الكابل، قنوات الأفلام، التلفزيون عامة – من هو رئيسها في النهاية؟  هنا هي شركة وستتنغ هاوس.  هناك هي شركة جنرال الكتريك.  أي أن الشركات التي تبني الطائرات الحربية، وتملك صناعة السلاح الأمريكية، يملكها نفس الأشخاص الذين يملكون شبكات التلفزة واستديوهات الافلام والصحف والمجلات ودور النشر.  لذا فإن نفس الأشخاص الذين ينتجون الطائرات الحربية، والبسكويت التي تتناوله في الليل، والذين يقدمون لك فناناً ما، هم أنفسهم الذين يحكمون صحف كل العالم.  فمن الذي يساءلهم عما يفعلونه في النهاية؟



س: عندما ترى ما يحدث في فنزويلا وتقارنه مع ما فعلته هنا في كوبا، ما هو الاستنتاج الذي تستخلصه؟

ج: إنها استراتيجية جديدة عكفوا على تطويرها اعتماداً على الخبرة التي حصلوا عليها من كل أرجاء العالم، لكن أنا أرى، ومقتنع، بأنهم لم يحصلوا على نتائج تروق لهم إلا عندما كان الشعب في تلك الأماكن لا يدعم الثورة (المناهضة للإمبريالية – إ. ع).  لقد نجحوا مع ميلوسوفيتش لأن ميلوسوفيتش كان زعيماً يوغوسلافياً عانت صورته كثيراً بفضل الأشياء التي وقعت في يوغوسلافيا.  الشي نفسه حدث في أوكرانيا لأن يانكوفيتش كان رجلاً لا يتمتع بالكثير من الدعم الشعبي، ووقعت على نتائج في أماكن أخرى لا تتمتع فيها الحكومات بدعم الشعب كثيراً.  وحيثما كانت توجد حكومة شرعية، حكومة قوية، وشعب يميل للدفاع عن الثورة، فإن الخطة فشلت.



س: في أي طور يدخلون عندما تفشل الخطة؟

ج: سوف يستمرون بالخطة، محاولين تطويرها دوماً.  نحن العدو.  أي فنزويلا وكوبا وكل ما يبدو في أمريكا اللاتينية كبديل.  نحن منشقو العالم.  إننا نعيش في عالم تحكمه الرأسمالية حيث تسود الطريقة الرأسمالية الجديدة في الحياة، فلا يستطيع المرء الآن حتى أن يسميها إمبريالية.  إنها شيء جديد، شيء يذهب أبعد بكثير مما كتب عنه تلامذة الماركسية في أيامٍ مضت.  إنها شيء جديد، حديث.  إنها قوة، معولمة فعلياً، للشركات الكبرى متعدية الحدود، والمراكز العالمية العملاقة التي خلقوها.  لذلك نحن العدو.  نحن نقدم مشروعاً بديلاً.  الحل الذي يقدمه العالم لنا ليس هذا.  نحن نعرف كيف نقدم مثل ذلك المشروع البديل، وكوبا وفنزويلا ودول الألبا (التحالف البوليفاري لشعوب أمريكتنا، أي أمريكا الخاصة بنا، ويضم فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا والإكوادور وبوليفيا وعدد من الدول الامريكية اللاتينية الصغيرة – إ. ع) اظهروا جميعهم بأننا يمكن أن ننجح، وبأن يوماً أو يومين أو أكثر عبارة عن لا شيء.  الثورة الكوبية قيد الوجود منذ 55 عاماً، وقد تمكنت بالإرادة السياسية من تحقيق أشياء لم تتمكن حكومة الولايات المتحدة، بكل مال العالم، أن تحققها.



وكما أقول لطلابي: هل تستطيعون أن تتخيلوا لو أن حركة المحتجين في إسبانيا، وآلاف وملايين العمال العاطلين عن العمل في إسبانيا، ومثلهم من اليونانيين، ومثل أولئك الناس في العالم، يعرفون ماذا يفعلون؟  هل تستطيعون أن تتخيلوا ماذا سيحدث لو عرف أولئك الناس من هو تشافيز؟  أو من هو فيديل؟  أو بعض الأشياء التي نفعلها هنا؟  أو الأشياء التي نفعلها بموارد قليلة لهذا الحد، فقط بإرادة صنع الثورة وتقاسم الثروة؟  ماذا سيحدث للرأسمالية عندها؟  كم ستدوم بعدها؟  هذه الرأسمالية التي تضطر لإنفاق مليارات الدولارات كل يوم لبناء صورتها وخداع الناس؟  ماذا سيحدث لو عرف اولئك الناس من نكون؟  ما هي الثورة الكوبية، حقيقة، وما الثورة الفنزويلية؟  لأنك لو تحدثت لإسباني وسألته عن تشافيز، فإنه سيعطيك جواباً فظيعاً عنه، لأن ذلك هو ما زرعوه في ذهنه.  فقد تلتقي شخصاً عاطلاً عن العمل فيقول لك أن تشافيز شخص سيء لأن وسائل الإعلام اقنعته بذلك.. لكن فقط لو عرف أولئك الناس كيف هي الأمور حقاً!!  لذلك لا يستطيعون أن يسمحوا لأعداء هائلين مثلنا أن يقفوا هناك على بابهم.



س: من وجهة نظر السيادة الوطنية لشعبنا، كيف نستطيع أن نوقف السي أي إيه عند حدها؟  سبق أن تناولنا وعي الشعب، وهو أمر أساسي في مواجهة مثل هذه الأعمال، لكن، بشكل ملموس، كيف يستطيع المرء أن يتنبأ بما تقوم به السي أي إيه؟  ما الذي يمكن عمله؟  وما هي توصياتك؟

ج: افكر بما قاله تشافيز، وما قاله فيديل دوماً، فهو مفتاح هزيمة الإمبراطورية (الولايات المتحدة كما تلقب في أمريكا اللاتينية – إ. ع)، وذلك هو الوحدة.  إنها ليست مجرد شعار.  إنها حقيقة.  إنها الطريقة الوحيدة لهزيمة مشروع كهذا، مشروع تديره “الخدمات الخاصة” والرأسمالية.  لا يستطيع المرء أن يهزم مثل ذلك المشروع إلا بالوحدة.



س: تقصد وحدة الشعب والجيش؟

ج: نعم، الوحدة بكل معانيها.  الوحدة القائمة على التعددية، في الشعوب، لكن الوحدة كأمة، الوحدة كمشروع.  حيثما يكون الشعب منقسماً، هنالك واقعٌ أخر.



س: أين علينا أن نركز؟  في أي منطقة يجب أن نركز قوانا لندافع عن انفسنا إزاء مثل هذه الأعمال، هذا النوع من الهجمات؟

ج: إن الجيش الذي يمكن أن يهزم مثل هذا المشروع هو الشعب.  أؤمن أن التجربة الكوبية علمتنا ذلك جيداً.  وثمة تجارب في العالم تشير لذلك بوضوح.  ما الذي حدث في العالم عندما لم يكن الناس أنصار الدفاع عن الثورة (المناهضة للإمبريالية – إ. ع)؟  وحيثما كان الناس انصارها، ما الذي حدث؟  ثم هناك حالة كوبا.  لقد نجحنا في دحر السي أي إيه والإمبراطورية ملايين المرات، لأن الشعب كان نصيراً للثورة.



س: هل تستفيد السي أي إيه من شبكات التواصل الاجتماعي عند وضع خططها؟

ج: إنهم أساتذة في ذلك المجال. نعم، ثمة إدانات لسنودن وكل ما تمخض عن فضيحة ويكيليكس، وكل تلك الأشياء التي لم تعد سراً على أحد، لأننا كنا قد شككنا بها أما الآن فقد تم إظهارها على الملأ. لقد تبين أن السيرفرات، الإنترنت، هي ملكهم.  كل السيرفرات في العالم تنتهي في الخوادم الأمريكية الشمالية.  إنهم أم الإنترنت، وكل الشبكات والخدمات مسيطر عليها من قبلهم.  يستطيعون الوصول لكل المعلومات على الإنترنت، وهم لا يترددون بتسجيلها.  الفيسبوك هو بنك معلومات استثنائي.  فالناس يضعون كل شيء على الفيسبوك: شبكة اصدقائهم، أذواقهم، الأفلام التي شاهدوها، ما يستهلكونه… إنها مصدر مباشر للمعلومات.



س: هل تواصلت مع كيلي كيدرلينغ بعد ما حدث في فنزويلا؟

ج: لا لم يكن لي أي تواصل معها.  ولا أعرف إلى أين ستذهب بعد طردها من فنزويلا (على خلفية اللقاء بإرهابيين وتمويلهم).



س: بالخبرة التي تمتلكها كيلي كيدرلينغ، إلى أي مدى تعتقد أنها تمكنت من اختراق فنزويلا والجامعات الفنزويلية؟

ج: أنا واثق بأنها نجحت بذلك إلى حدٍ بعيد.  فهي عميل ذكي جداً، مستعد جيداً، قدير جداً، ومقتنعة بما تقوم به.  كيلي هي شخص مقتنع بالدور الموكل إليها.  إنها مقتنعة بعدالة ما تقوم به، من وجهة نظرها.  فهي ممثل للرأسمالية من دون قيد أو شرط، لأنها من نخبة الرأسمالية.  وهي مندمجة عضوياً في الأعمال التي تقوم بها.  وليس في ذهنها أي تناقض من أي نوع حولها.  وبناء على خبرتها في مجال عملها، وقدراتها، أنا مقتنع بأنها نجحت إلى حدٍ بعيد، وأنها سوف تستمر في القيام بالدور ليس فقط الآن، بل لفترة طويلة قادمة، لقلب اتجاه الريح في الجامعات الفنزويلية.  وما يجري الآن سوف يستمر إلى أبعد نقطة يمكن أن يصلوا إليها على المدى البعيد، وهو ما سيختبر العملية البوليفارية، بمقدار ما يدرك الشعب ما الذي يمكن أن يحدث: إذا أصبح اليمن الفاشي خارج السيطرة، فإنه يمكن أن يعود للسلطة مجدداً.



س: أي نوع من الأشخاص، ممن يملك صلات، ويستطيع الوصول للناس، مثل ناشط في حركة سياسية مثلاً، يمكن أن تصطاده السي أي إيه؟

ج: سوف يحاولون ايجادهم… سوف يحاولون القيام بذلك بالتأكيد. إذا كان شاباً وقائداً، سيحاولون أن يصطادوه عبر اهتماماته.  علينا أن ندرب قادتنا.  لا نستطيع أن نترك ذلك للحس العفوي، لا نستطيع أن نتركه للعدو.  فإذا فعلنا، سنخلق فراغات سيملأها العدو.  أي مشروع بديل نتركه بلا حراسة، أي مشروع بديل، أي مشروع بديل لا ندرك الحاجة للاقتراب منه، سيكون مشروعاً سيحاول العدو بالضرورة أن ينفذ إليه، مستخدماً الكمية الهائلة من المال التي خصصها لهذا الغرض، وهي كمية بلا حدود، بالنسبة للموارد المستخدمة، لأنهم يلعبون بالمستقبل، وهنا يصبح الشباب هم المفتاح.



الأمر الجيد هو أن الشبيبة هم حاضر أمريكا اللاتينية في الزمن الحاضر.  فالثورة الأمريكية اللاتينية الموجودة هناك، والموجودة في كل مكان، هي ثورة الشباب.  ولو لم تكن، فإنها لن تحقق أي نتائج.  فإذا استطعت أن تجعل الشبيبة يفكرون بشكل مختلف، إذا نجحت بجعل اليافعين يعتقدون بأن الراسمالية المتوحشة هي الحل لمشاكلهم، لن تكون هناك ثورة في أمريكا اللاتينية.



للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=850996568250913&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1&stream_ref=10

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *