Qawmi

Just another WordPress site


د.إبراهيم علوش

الجميع، في مصر وخارجها، ينتظر ما سيتمخض عنه الحراك الشعبي المصري الداعي لتنحي الرئيس محمد مرسي.  ولعل حجم ذلك الحراك، وقدرته على جمع أكثر من 22 مليوناً من التوقيعات، مؤشرٌ على تحول تاريخي في المزاج الشعبي العربي، لا المصري فحسب، بعيداً عن الحركات الإسلاموية التي هيمنت على الشارع على مدى عقود، بغض النظر عما سيتمخض عنه حراك 30 حزيران في مصر.

ومن هذه الناحية بالذات يكتسي الحراك الشعبي المصري أهمية تاريخية كبرى لأنه يكشف أن الإسلامويين راحت تنكشف أوراقهم شعبياً، فتساقطت ولم يكد “الربيع” المزعوم ينقضي بعد.   وقد بدأت تنكشف أوراقهم، بأسرع مما توقعنا، بالتحديد من حيث عجزهم عن الحكم والإدارة الكفؤة، ومن حيث مقاييس “الربيع العربي” الليبرالية المستندة لمفاهيم “الحرية” و”الديموقراطية” التي لا يمكن أن يؤهلهم فكرهم نفسه لمراعاتها بالرغم من البهلونيات الفكرية، برعاية كثيرٍ من مراكز الدراسات والأبحاث الغربية، الساعية لإيجاد مزيج مريح إمبريالياً لمصالحة الفكر الإخواني والسلفي والديموقراطية، وهو بالضبط المزيج الذي يجعل قائداً إخونجياً مثل راشد الغنوشي محبوباً لدى مراكز الأبحاث الصهيونية في واشنطن مثل “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” ومعهد “حايين صابان”.

بيد أن مقاييس الكفاءة الإدارية و”الحرية” و”الديموقراطية” ليست المقاييس الأهم التي كشفت الإخونجة والزومبجيين في مصر وغير مصر، بل المقاييس الوطنية والقومية، وهي المقاييس التي نادراً ما نسمع من يتحدث عنها في مصر في خضم الحراك الجاري حالياً، ومنه مقياس بقاء السفارة الصهيونية في القاهرة، والحفاظ على معاهدة كامب ديفيد، ومقياس التبعية الاقتصادية والسياسية، والعلاقة الذيلية مع المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومقياس الموقف الداعم لحلف الناتو في سورية، والإعلان عن إغلاق السفارة السورية فيما الصهيونية مفتوحة، الخ…

وقد كان موقفنا على هذا الصعيد، الذي كررناه بأكثر من صورة ومفصل، ضد المشاركة في الانتخابات النيابية والرئاسية والاستفتاء على الدستور في مصر، وهي المشاركة التي قدمت المشروعية لحكم الإخونجة والزومبجيين.  فإذا كان الحَكَم في الصراع الدائر بين الحُكم الحالي والمعارضة في مصر هو “الديموقراطية” و”الدستور”، وليس خيارات الحُكم الأساسية الوطنية والقومية، فإن ما تقوم به المعارضة، بالرغم من أهميته التاريخية، يكون “انقلاباً على الشرعية والدستور” فعلاً، كما يزعم مرسي وانصاره.  أما إذا كان الحَكَم في الصراع الدائر بين الحُكم والمعارضة في مصر هو الموقف من سياسات الحُكم الاقتصادية والخارجية، العربية تحديداً، فإن الحراك عندها يكتسي شرعية ثورية أكبر بكثير من أي مقياس انتخابي أو دستوري.  ولذلك فإن القيد الحقيقي على تطور الحراك الشعبي المصري اليومي هو طبيعة برنامجه وقياداته.   فإذا أردنا حراكاً لا يعيد إنتاج التبعية والتطبيع، ولا يعيد إنتاج سلطة جديدة ليبرالية تكرس خيارات الإخونجة والزومبجيين في السياسة، كما كرس الإخونجة والزومبجيين خيارات نظام مبارك، فإن المطلوب يصبح برنامجاً ناصرياً حقيقياً لا نرى قوة أو قيادة ذات وزن جماهيري حقيقي تمثله في الحراك الشعبي المصري اليوم.

وعليه نعيد التأكيد على موقفنا المبدئي الذي سبق أن أوضحناه مراراً بالنسبة للحراك الشعبي المصري:

الانتفاضة أو الحراك الشعبي لا يقيّم بمدى تعرض المشاركين فيه للمظالم التاريخية وعدائهم للسلطة المهيمنة فحسب، مع أن هذا مهم ولا يمكن تجاهله طبعاً… بل بمقياسين أساسيين:

الأول، إذا كان مثل ذلك الحراك يمتلك برنامجاً للتحرر القومي والاجتماعي من الإمبريالية والصهيونية وأدواتهما المحلية..

والثاني، إذا كان الحراك يمتلك قياداتٍ تاريخيةٍ ذات سجل واضح ومعروف في تبني مثل ذلك البرنامج،  وتمتلك البوصلة والقدرة على إدارة الصراع باتجاه تحقيق أهدافه.

ولذلك كلما نظرنا، في الحراك الشعبي المصري المتجدد، إلى محمد البرادعي، ربيب الإمبريالية في لجنة التفتيش عن الأسلحة في العراق، وكلما نظرنا إلى عمرو موسى، ربيب نظام مبارك ومنتدى دافوس والجامعة العبرية، وكلما نظرنا إلى صَدَفَة ناصرية، خاوية من أي مضمون ناصري قومي تحرري حقيقي، اسمها حامدين صباحي، ادركنا أن الحراك الذي يقوده مثل هؤلاء لا يزال أبعد ما يكون عن وصفه بكلمة “ثورة”، فلا فرق بين تطبيع وتبعية ببدلة وربطة عنق، وتطبيع وتبعية بعمامة وثوب قصير ولحية طويلة.

ولا تزال “جبهة الإنقاذ الوطني” في مصر أبعد ما تكون عن التحول إلى بديل حقيقي للإخوان…

وربما ينتج البحث الصعب عن خيارات أفضل من الإخوان، مع انكشاف أوراقهم، ديناميكية حقيقية للتغيير على المدى البعيد، فالتاريخ لا تُغلق منافذه، لكن التاريخ الحقيقي لم يبدأ بعد…

والحراك الحالي، الإخواني والمناهض له، لا يزال تحت السقف الأمريكي في المنطقة، ولو أن استمرار الحراك بحد ذاته ربما يبشر بالخير… ربما…

الجماهير ليست دائماً على حق، ولكنها لا تجمع على باطل طويلاً، وجوهر إمكانات الأمة، غير القابل للإتلاف، لا يفتأ ينتج دوماً طليعةً بعد طليعة، جيلاً بعد جيل، ولكننا لا نزال بلا طليعة بعد.

ولأن ما يجري في مصر ينعكس بالضرورة على كل الأمة العربية، فإننا نبقى مليئين بالأمل أن ينطلق منها مشروعٌ ناصريٌ حقاً سنعرف أماراته عندما نسمع قيادات جماهيرية ذات مصداقية ووزن تهدر كجمال عبد الناصر ضد الصهيونية، وضد كامب ديفيد والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وتدعو للاستقلال السياسي والاقتصادي، ولمشروع التنمية المستقل، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا في سياق مشروع قومي عربي.

فالناصرية في مصر ليست تتمة للتحرر الوطني، تحدث بعد تحقيقه، بل شرط ضروري له… وهو الدرس الذي اكتشفه كل حاكم وطني مصري مخلص منذ بدء النيل…  لا بل لا مشروع “وطني ديموقراطي” في كل قطر عربي على حدة، فإما المشروع القومي، وإما لا شيء…

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=679792468704658&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *