Qawmi

Just another WordPress site

1_53584_1_6

 

 

 

تختلف المقاربات للقضية الفلسطينية في صف المدافعين عنها باختلاف أطيافهم الفكرية وألوانهم السياسية مما يجعل من الصعب الاتفاق على استراتيجية موحدة للتعامل معها. والاشكالية تكمن في تعريف اصل القضية وتحديد الموقف المبدئي العقائدي تجاهها ومدى الاقتناع بامكانية نقل هذا الموقف الى أرض الواقع وتحويله الى استراتيجية عمل

دياب أبو جهجه

20/08/2009

 

.
ولنأخذ بعض الأمثلة حول ما نعنيه هنا بتعريف أصل القضية وتحديد الموقف منها. أذا ما اعتبرنا أن أصل القضية هو نزاع على الأرض بين شعبين لكل منهما حق بدولة منحه اياه المجتمع الدولي من خلال قرار تقسيم فلسطين فلا بد للموقف من أن ينطلق من هذا التعريف ليعتبر احتلال أي طرف لأراض تعود الى الطرف الآخر حسب القرارات الدولية أمرا مرفوضا وبالتالي نقف ضد المحتل ونطالبه بوقف الاحتلال ونطالب بعودة اللاجئين الى ديارهم والتعويض عن خسائرهم. وقد يجد دعاة هذا القول مسوغا لدعم المقاومة سلمية كانت أم عسكرية. ولكن وبما أن المسألة بالنسبة اليهم هي مسألة نزاع حدودي وقانوني بين جارين لكل منهما حق تقرير المصير فسوف يميل دعاة هذا القول في نهاية المطاف الى الطرق الدبلوماسية والمفاوضات والى التسويات. وبالتالي فان الطرح القانوني للموقف المناصر للقضية الفلسطينية والمرتبط حكما بما يسمى زورا وبهتانا بالشرعية الدولية وهي في واقع الأمر لاشرعية غطرسية يفرضها مجلس الأمن الدولي الذي يعكس ميزان القوى العسكري والاقتصادي، لا بد لهذا الطرح من أن يصل في النهاية الى الاعتراف بشرعية الصهيونية ومشروعها.


أما اذا اعتبرنا أن اصل القضية هو احتلالاسرائيل’ للمقدسات سيكون الموقف متوجها الى تحرير المقدسات الدينية وحالما يتحقق هذا التحرير او يتم ايجاد الية معينة لنقل السيادة عليها الى المؤمنين بها قد تخفت حدة الصراع ونعتبر أن المسائل الأخرى تحل من خلال العودة أو التعويض عن اللاجئين وقليل من الحوار بين الأديان ومن ثم نصل الى التطبيع. وبالتالي فان الطرح الذي يتبنى أن أصل المعركة يكمن في احتلال الأقصى وغيره من الأماكن المقدسة هو قابل للتعايش مع المشروع الصهيوني في فلسطين اذا ما توفرت شروط قسمة حق ما وبامكانه أن يبرر الاستسلام للمشروع الصهيوني بأنه جنوح الى السلم وتعامل باللتي هي أحسن مع أهل الكتاب من اليهود.


ويبقى الموقف الثالث وهو النظرة الى الصراع من منطلق كونه صراعا قوميا مع مشروع استعماري استيطاني على أرض الأمة وهو وجود لا شرعية له وليس بالامكان اضفاء اي شرعية عليه لا من قرار أممي ولا من أي هيئة أخرى لأن الشرعية الوحيدة على أرض الأمة العربية هي للأمة العربية جمعاء. ويرى هذا الطرح بأن الكيان الاستعماري الذي بني على أساس هذا المشروع هو بالتالي كيان غير شرعي ولا يجب الاعتراف به لأنه يشكل نقيضا وجوديا لوجود شعب البلاد الأصلي وسيادته على أرضه كاملة. عندها يتحول الصراع من صراع حدود (أو سيادة على مقدسات) بالامكان حله بالتفاوض والتسويات الى صراع وجودي بين شعب مقهور وغزاة مستعمرين أجانب. وتبعات هذا التعريف من حيث الموقف هي أن انتهاء الصراع وحل القضية حلا عادلا لا يكون الا بانتهاء الغزو وتفكيك الكيان الاستعماري وفرض سيادة الشعب على أرضه بعد طرد الغزاة منها. هذا كان موقف الأحرار في العالم من كل العمليات الاستعمارية والاحتلالات على مر العصور.


ويبقى علينا أن نقارب مدى امكانية تحويل هذا الموقف الى استراتيجية عمل وماهية هذه الاستراتيجية. ونستقي هنا من التجارب التاريخية للشعوب ومنها شعبنا العربي في الجزائر والشعب الفيتنامي بأن الشعوب التي آمنت بقضيتها ووجوديتها وبنت مقاومتها على قناعتها تلك ولم تساوم نجحت بتحرير أراضيها وطرد الغزاة والمستعمرين. أما الشعوب التي استكانت للمستعمر ووقعت معه المعاهدات والاتفاقات من أجل التعايش السلمي واقتسام الأرض، مثلما فعل السكان الأصليون لأمريكا الشمالية ولأستراليا، ما لبثت أن اكتشفت بأن المستعمر العنصري المتعالي الذي لا يقيم اعتبارا لانسانيتها أصلا، نكث العهود وأمعن فيها ابادة وتذويبا حتى اضمحلت وأبيدت ابادة شبه كلية أما ما بقي من هذه الشعوب فيعيش اليوم في محميات أشبه بتلك التي تقام للحيوانات المهددة بالانقراض بينما رسخ المستعمر كيانه على الأرض التي اغتصبها وتمكن منها بلا منافس.


ان المقاومة والمسلحة منها بالدرجة الأولى، هي التي تضمن البقاء والاستمرار والمعاهدات ما هي الا مخادعات من المستعمر هدفه منها كسب الوقت واثباط الهمم المقاومة وشق الصفوف. المقاومة هي نهاية المستعمر عاجلا أم أجلا وطالما استمر الشعب بالمقاومة ورفض الاذعان لنهائية كيان المستعمر اللاشرعي، أدرك المستعمر بان كيانه زائل لا محالة. ولنأخذ عبرة من جنوب أفريقيا التي أدرك فيها المستعمر بأن مقاومة الشعب الأفريقي له ولدولته لن تموت ولن تخفت فاستبق الأمور معلنا استسلامه وتفكيك نظامه العنصري وقبل العيش تحت حكم غالبية الشعب لأنه كان يدرك بأن البديل سيكون ان يرمى في البحر يوما ما ليعود من حيـــث أتى.


أما المستعمر الصهيوني فمن خلال تركيبته العنصرية الموغلة بالانعزالية والتجبر والنابعة من مزيج للمفاهيم التلمودية العنصرية ولعنصرية الرجل الأبيض أنتج فكرا بالإمكان اعتباره الأشد تخلفا وتقوقعا في التاريخ، فهو لن يقبل واقع الحال ويضع معادلة الصراع قبل ان نضعها له نحن من خلال عقدة شمشون وعقدة الماسادا. هذا العدو سيقاتلنا حتى الرمق الأخير ولن يقدم أي تنازلات الا لكي ينقض علينا ويأخذ مقابلها تنازلات أكبر منا. ومن هنا، ومن خلال الطرح القومي الصحيح للقضية نضع نحن له المعادلة ذاتها التي وضعناها للمحتل الفرنسي في الجزائر ونلتزم بها دون أن نحيد عنها قيد أنملة: ‘الحقيبة أو التابوت‘! 


كاتب من لبنان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *