Qawmi

Just another WordPress site

الرئيس جمال عبدالناصر
الرئيس جمال عبدالناصر

 

في ذكرى الثورة: رسالة الى شباب ناصر 
دياب أبو جهجه

 

ما هو عدد الشباب العربي اليوم الذي ما يزال يحتفل بثورة تموز /يوليو أو ما يزال يعرف قيمتها التاريخية بالنسبة لهذه الأمة؟ سؤال يراودني وأنا أقرأ رسائل البريد الالكتروني التي تصلني من رفاقي وإخواني بمناسبة عيد الثورة. هل انعدمت الحاجة الى الثورة اليوم وأصبحنا نحن المؤمنين بمبادئها وبضرورتها بعضا من جنس في طريقه الى الانقراض؟ أم أن هنالك بركانا ثوريا خاملا قد توقظه هزة صغيرة ليفجر حممه في كل الاتجاهات؟ أسئلة من الصعب الاجابة عليها من دون الدخول في غياهب التكهنات. الا أن ما هو مؤكد هو أن قسما ليس بالامكان حصره من الشباب العربي لا يزال يتمسك بالمنظومة الفكرية لثورة تموز /يوليو أو في الحد الأدنى بقيمتها الرمزية. ألوف من الشباب العربي يتواصلون عبر الانترنت في مجموعات ناصرية وقومية يحاولون تشكيل وعيهم الثوري الخاص بطرق تتماهى مع عصرهم ومع تركيبتهم النفسية وشؤونهم اليومية. يحبون الموسيقى ولكنهم لا يعبدون الموسيقيين، بعضهم متدين ولكن من دون غلو أو طائفية ولا ادمان على القشور في مواجهة جوهر الدين، وبعضهم غير متدين ولكن من دون كره للدين ولا انكار لدور الثقافة الاسلامية في تكوين الشخصية العربية.


شبان يتحمسون لكرة القدم ولكن لا تخدرهم انتصارات فرقهم عن ادراك الواقع المهزوم الذي نعيش فيه ولا تخدعهم تصريحات المدربين الوطنيين التي تعزو النصر الى تشجيعات وتوجيهات الرئيس أو الملك فتجعلهم يحبون نظاما يعرفون أنه مرض اجتماعي قاتل وزعيما يعرفون أنه عميل وسارق ومفلس أخلاقيا. شباب يحبون برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد ولكنهم يحبون حزب الله أكثر وحماس وكتائب ثورة العشرين


شباب يعشق ويغني ويحب ويغازل ولكنه أيضا يبكي لأطفال غزة ويغضب ويتظاهر ويواجه ويوفق بين حبه للحياة الذي لا لبس فيه وحبه للكرامة التي لا حياة تستحق العيش من دونها. شباب اذا ما غضب وانفعل لا يفقد قدرته على التفكير والنقد. واذا ما التزم في اطار تنظيمي لا يفقد قدرته على النقد والنقد الذاتي. شباب لا يزال يؤمن بأن فلسطين عربية من نهر الأردن الى البحر المتوسط ويؤمن بأن تحريرها واجب قومي وأمر لا مفر منه ويوقن أن ‘اسرائيل’ زائلة لا محالة. شباب يقاطع كل من يدعم عدوه ولا يتهاون في ذلك. ويحارب التطبيع بكل ما أوتي من قوة. شباب يرتكب أخطاء ولكنه يتعلم ويتقدم ويستمر. شباب يحب عبد الناصر.


نعم شباب يحب عبد الناصر رغم كل محاولات التشويه التي تقودها قوى هي ذاتها جزء من التركيبة الفكرية السلطوية الاجتماعية المرضية التي يجب الانقلاب عليها والاطاحة بها. يدرك هذا الشباب أن أي محاولة لتحرير الأمة من الاستعمار والاحتلال لن يكتب لها النجاح اذا لم تتم الاطاحة بالتركيبة الفاسدة التي سمحت لهذا الاحتلال والاستعمار بأن ينخر في جسد الأمة. هذه التركيبة الداخلية التي تنتج وهن الأمة وضعفها من أفكار بالية قروسطية وطبقات انتهازية طفيلية مرتبطة بالخارج ووعي لا تاريخي منفصل عن الواقع، كلها يجب القضاء عليها قضاء تاما وناجزا والا فانها ستحاصر الثورة، أي ثورة، وترتد عليها.


هذا الدرس فهمه عبد الناصر متأخرا ووافته المنية قبل أن يتمكن من ضرب كل من استغل الثورة ليكرس هيمنة طبقات معينة أو يخلق طبقة بديلة من العسكر تتحالف عمليا مع الطفيليين والانتهازيين.
الشباب الناصري الجديد يدرك أن لا ديموقراطية سليمة من دون حكم الشعب المباشر وانتاج مؤسسات قادرة، ليس فقط على الورق ولكن بالفعل، أن تنتج السلطة، وتحاسب المسؤولين من أصغر موظف الى رئيس الجمهورية


علمتنا تجربة الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان من المفترض به أن يكون هذا الاطار الديمقراطي الشامل أن الانتهازيين وبقايا الاقطاع والبورجوازية هم الأقدر على ادارة اللعبة السياسية بشكل يسمح لهم بتسلق هرم القرار. وتعلمنا كذلك بأن الجيش ليس ضمانة لأنه متنوع تنوع المجتمع وقابل للافساد والارتهان مثله مثل أي قطاع اجتماعي آخر. وأهم درس علمتنا اياه ثورة تموز /يوليو هو بأن القائد الملهم والشريف والشهم لا يستطيع أن يقوم بالمهمة لوحده ولا بد له من مؤسسة حزبية تكون هي القائد الحقيقي وتستمر من بعد أن يفنى هو في قيادة الثورة والتغيير. وما حصل بعد وفاة عبدالناصر من انقلاب تام وشامل على الثورة من قبل من كان مقربا اليه ومحل ثقته يبين بشكل لا يقبل الجدل أن الاعتماد على شخصية تاريخية فذة لا يمكن أن يعوض بناء مؤسسات حزبية عقائدية تنتج قياداتها ديمقراطيا. عبدالناصر نفسه أدرك كل هذا وحاول استدراك الامر من خلال شروعه بتأسيس حزب سري تحت اسم ‘طليعة الاشتراكيين’ وذلك بهدف القيام بثورة داخل الثورة تطيح بمراكز القوى الفاسدة وترسخ اشتراكية المجتمع كشرط أساسي لانتاج ديمقراطية سليمة. الا أن وفاة عبد الناصر سمحت للسادات بطرح نفس الشعار أي تصفية مراكز القوى ولكن من أجل تصفية القوى الناصرية والاشتراكية وتمكين مراكز قوى ليبرالية وبورجوازية مرتبطة بالخارج من الحلول مكانها. ولا تزال مصر اليوم ترزح تحت حكم هذه المافيا الساداتية .


لم أرد لهذه المقالة أن تكون نشازا في ذكرى الثورة ولكنني لا أحب التصفيق ولا أهوى النوستالجيا. إن واجبي هو أن أقول للشباب العربي الذي ما زلت أنتمي أليه بأننا نحب عبدالناصر لأنه مثل أول مشروع تحرري قومي تقدمي في تاريخ هذه الأمة المعاصر وأطلق مسيرة دخولها من جديد في التاريخ. وجمال عبدالناصر مثل بالنسبة للعالم الثالث برمته قائدا ثوريا تحرريا ملهما وداعما لقضايا الشعوب المحقة وبذلك سيبقى ناصر حبيب الملايين وشخصية ايقونية في تاريخ هذه الأمة والعالم. وفي نفس الوقت على الشباب العربي أن يتخطى تجربة عبدالناصر بانيا عليها الى تجربة تستفيد من الأخطاء وتتفاداها وبالتالي ينتج تجربة هي بنت عصرها وزمانها ومجتمعها. ان هكذا دينامية فكرية هي في صميم الفكر الناصري وجوهره التقدمي


وعلينا أن نتوقف عن انتظار القائد الملهم وندرك بأن القائد هو الشعب والفكر وهذا الشباب عينه. فانتم هم القادة يا شباب الأمة وعليكم تقع المسؤولية ومنكم سيأتي الفعل أو لن يأتي. أنتم نبض الثورة المستمر في بلادنا وخزان التغيير القادم. فأنتم يا شباب ناصر تشبهون أمتنا العربية وتجعلونها أمة شابة فتية رغم قدمها قدم بابل وممفيس وقرطاج


كاتب من لبنان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *