Qawmi

Just another WordPress site

 

MOROCCO-ECONOMY-DEMO

دياب أبو جهجه

القدس العربي

09/07/2009

 

كانوا 82 مقاتلا انطلقوا من المكسيك على متن قارب مترهل تتسرب اليه المياه متجهين الى شواطئ كوبا يقودهم مفكر ثوري اسمه فيديل كاسترو وهدفهم اسقاط حكم الدكتاتور الفاسد المدعوم من الولايات المتحدة، باتيستا. تسلل المقاتلون الثوريون عبر البحر وقسموا أنفسهم مجموعات صغيرة عندما وطأوا اليابسة الكوبية انتشروا في الأدغال يجمعون الأنصار ويبنون المخيمات التدريبية. كان بعضهم يعتبر فكرتهم جنونية وفيديل ‘مجنونا قليلا’ كما قال له تشي غيفارا عندما قرر الانضمام اليه، الا أن هذا الجنون الحالم وهذا الحلم المتفجر بحس الحق والعدالة، مهما تكن العواقب، لا شك أنه لعب دورا محوريا في حكايتهم

.
لم تدعمهم دولة ولم تقف وراءهم قوى الا أنهم وضعوا لانفسهم منهجا واضحا في الثورة لخصوه بشعار ‘الوطن أو الموت‘. لم يحاربوا في البداية من أجل ايديولوجيا معقدة أو متفلسفة بل انتفضوا من أجل العدالة في الوطن وضد المفسدين من أصحاب الكروش الكبيرة المستعبدين للشعب والناهبين لثرواته. التخلص من هؤلاء واقامة نظام وطني ونظيف كان هدف ثورتهم الأول. ولأن غايتهم كانت نظيفة حافظوا على نظافة اساليبهم فكانوا يعيشون بين القرويين ويحمونهم ويطببونهم وكان من يسرق أو يعتدي على مدني من المقاتلين يعدم رميا بالرصاص لأن مسؤولية الثوري بنظرهم كانت أكبر من مسؤولية الانسان العادي وبالتالي فان أخلاق الثوري عليها أن تتخطى أخلاق الانسان العادي بدرجات.


كانت لديهم ثوابت لا نقاش فيها أما ما عدا ذلك فكان النقاش من هواياتهم ولم يكن يفسد عندهم للود قضية. وبالرغم من بنيتهم التنظيمية التراتبية الا أن الروح الرفاقية كانت سائدة ولم يتعال قادتهم على جنودهم ولم يتوان قائد عن الانقضاض في الخط الأمامي قبل الجندي. كانوا مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل قضية وليس من أجل مكسب لا في الدنيا ولا في الآخرة. كان يحركهم الحب كما قال غيفارا، حب الوطن والعدالة وحب الناس المساكين والفقراء.


82
مقاتلا ثوريا امنوا أنهم قادرون على بناء ثورة مناهضة للامبريالية في خاصرة الولايات المتحدة الامريكية ونجحوا في ذلك. مارسوا وتمرسوا على ما يسميه ابراهيم علوش رياضيات الحلم، ورياضيات الحلم هي ضرورة أن نحلم دون أن ينسينا حلمنا الكبير حسابات واقعنا ومتطلباته منا وضرورة أن نحسب لهذا الواقع ونحلله رياضيا ولكن من دون أن يفقدنا ذلك قدرتنا على انتاج أحلام تغييره وتحويلها من خلال عملنا الى فعل. ورياضيات الحلم هذه وجه آخر لما يسميه عصمت سيف الدولة جدل الانسان. أي العملية الجدلية التي تنشأ بين واقع الانسان، كفرد أو جماعة، وبين تطلعات الانسان التي ينتجها ذهنه وفكره ووعيه. وهذه العملية الجدلية تتم في الانسان ومجتمعه وليس خارجهما وتحل بالعمل من أجل أن يتم الانتقال من ما هو كائن الى ما يجب أن يكون وفقا للتطلعات البشرية. والمركب الجدلي هنا واقع جديد يختلف عن سابقه ولا يتطابق كليا مع التطلعات التي أدت اليه وتستمر العملية الى ما لا نهاية.


اذن على الانسان أن يحلم، وأن يبني تطلعات ويعمل من أجل تحقيقها ولكن عليه أن ينطلق دوما من واقعه ومن قراءة متجردة قدر الامكان لهذا الواقع. وهنا نطرح سؤالا، واقعنا العربي المتعفن اليوم في كل أقطارنا بما فيه من فساد وتسلط وقمع واحتلال وتخلف ورجعية الى اخر موسوعة الأمراض الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية، الا يتطلب تغييرا جذريا؟ الا يجعل هكذا واقع من الضروري أن تنتج مجتمعاتنا حركات ثورية جامعة تنتفض من أجل مصالح الناس وكراماتها وعزتها؟


سانتا كلارا عربية


لا شك أن حركات المقاومة المسلحة تمثل أقرب ما عندنا اليوم الى حركات ثورية مماثلة. الا أن مشكلة هذه الحركات أنها بمعظمها ذات طرح مذهبي ضيق لا يصل حتى الى طرح اسلامي توحيدي تحرري ناهيك عن طرح قومي يتخطى المذاهب والطوائف والأديان. كما أن مشروع حركات المقاومة المسلحة في بلادنا لا يتخطى الدفاع عن الأمة في وجه أعدائها ولا يعبر عن نفسه من خلال مشروع تغييري شامل ولو على مستوى قطر من الأقطار. وتهادن حركات المقاومة الأنظمة الرسمية لاعتبارات عديدة كلها برأينا واهنة وانتهازية الطابع. وتغفل بذلك حقيقة ارتباط أعداء الداخل بأعداء الخارج وضرورة ضرب الفساد والديكتاتورية تماما كما يضرب الاحتلال والغزو.

أما الحركات القومية واليسارية المسلحة وهي المرشحة لانتاج تجربة الـ 82 أكثر من غيرها فهي غارقة بالتكلس الفكري وبعيدة عن أي مراجعة حقيقية لتجاربها من خلال نقد ذاتي عميق يتخلى عن الفاسد والمدمر ويعيد انتاج الناجح. ومع غياب قيادات تاريخية مثل جورج حبش ووديع حداد وقبلهما جمال عبد الناصر وعجز الأطر القومية واليسارية التي انجبت هؤلاء أو أسسوها هم، عن تكريس استمرارية بنفس الزخم وبنفس الجرأة التي طبعت ذاك الجيل المؤسس، تحولت الأحزاب القومية الى شلل فولكلورية مصفقة لزعيم أو عائلة أو متعهدي احتفالات ومهرجانات في هذه الذكرى أو تلك.


و تبقى الحركات البديلة التي تنمو كالطفيليات على أجساد الأحزاب والأطر والمؤسسات الكبيرة وفي جوف كل منها مشروع زعيم أو مشروع قائد من الصنف الشللي والاستئثاري كل همه أن يتحول الى القائد الذي انتجه قبل أن ينشق عنه. مشروع ‘زويعم’ بكل ما يتطلبه ذلك من كرش وشعارات جوفاء وجوقة من المصفقين الانتهازيين والأميين عموما.


أما الأخلاق الثورية فتكاد تكون منعدمة حيث تتضخم الأنا عند المناضل أو المجاهد العربي الطامح بشكل لا مثيل له. ونكران الذات أبعد الصفات عن معظم الرفاق والأخوة أما النقاء الثوري فيعتبر حماقة وقلة شطارة. أما من كان ناكرا لذاته أو نقيا ثوريا فهو غالبا ما يعكس أمراضا اجتماعية أخرى من تلك التي تنخر في مجتمعنا مثل انعدام الانضباط وغياب الدقة وسيطرة الوعي التلفيقي والاجتزائي والمقاربة اللاعلمية. مع كل هذا يبدو انتاج مشروع الـ 82 في بلادنا من رابع المستحيلات.


82
مقاتلا ثوريا عربيا يرفعون علما واحدا يرى كل عربي فيه نفسه مهما كان لونه أو دينه. يتنقلون في الجبال والسهول والوديان بين ناسهم ولا يقتلون شعبهم ولا يتعالون عليه ولكنهم أيضا لا يكررون مقولات الناس كالببغاوات عندما تكون رجعية ومتخلفة فهم يدركون دورهم كطليعة ثقافية تعمل على تغيير المفاهيم البالية لدى الناس وتحويلها الى مفاهيم تقدمية ومستعدون دوما لنقد جمهورهم وتثقيفه. وفي نفس الوقت يتحلون بصبر أيوب على شعبهم ولكنهم لا يصبرون ساعة على ظلم الأنظمة وجورها وفسادها.
82
مقاتلا ثوريا يعيشون على ثوابت هذه الأمة ويموتون عليها، قد يتحولون الى كرة ثلج تكبر وتكبر حتى تصل الى ‘سانتا كلارا’ عربية وتحقق نصرا يرفع بعض هذا الظلم ويجلب بعض ذاك العدل ويلهم بذلك الشباب من المحيط الى الخليج. 82 شابا وصبية من بلادنا يستطيعون ان يفعلوا ذلك شرط أن يعرفوا ماهية رياضيات الحلم ومعنى الجدل الانساني ويكونوا على أتم الاستعداد لرفع شعار بعمق وجرأة ‘الوطن أو الموت’ وتحمل تبعاته.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *