في السجن، عشية يوم الاستقلال

الصورة الرمزية لـ ramahu

pal

د. فايز أبوشمالة

 

 

كان يوماً لا ينسى من أيام سجن نفحة الصحراوي، حين رقص بلاط السجن على أنغام الفرح بيوم الاستقلال، وتطايرت أصداء الأمل فوق الأسوار، وماج السجناء، ولعلعت ضحكاتهم في الغرف الرطبة، إنه يوم الإعلان عن قيام دولة فلسطين، اليوم الذي تدق فيه اليد المضرجة أبواب الحرية، وتحطم أقفال السجان والقضبان.

في ذلك اليوم خرجت إلى باحة سجن نفحة الصحراوي وفي يدي ناي (شبابة) صنعتها داخل السجن، والتفّ من حولي السجناء في حلقة الدبكة، وصدحت الحناجر، وزغردت عصافير الدوري مع السجناء، وتحشرجت آهات الشوق مع الأجواء الانفعالية، وكان الأخ ياسر الأغا من مدينة خان يونس يسجل وقائع الفرح سراً بجهاز تسجيل صغير مهرب. قبل أن يتقدم ضابط الأمن الإسرائيلي إلى الباحة، ويطلب من ممثل المعتقل أن نسلمه الناي، فهذه القطعة من البلاستك بطول ثلاثين سنتيمتر، والمثقوبة ستة ثقوب، ممنوعة أمنياً. وهنا صرخ بعض السجناء باللغة العبرية: “شالوم”. ألم تسمع يا ضابط الأمن الأخبار؟! من اليوم بيننا وبينكم سلام، انتهى زمن الحرب، سنعيش سوياً في هذه الديار بلا موت وبلا إطلاق نار، ألم تسمع بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عن قيام دولة فلسطين؟!

هز ضابط أمن السجن رأسه، وابتسم، وقال باللغة العبرية: هم هنالك في الجزائر يعلنون ما يشاءون، وأنا هنا أفعل ما أشاء، هذا الناي ممنوع، سأنتظر حتى تكملوا فرحكم بإعلان دولتكم، ولكن بعد ذلك عليكم تسليمي الناي.

كان استقلالاً زائفاً، هذا ما قالته الأحداث المتتالية، فقد تبين أن رقص السجناء كان وهماً، وأن فرحهم للحرية كان حزناً، عندما أفاق الشعب على اتفاقية أوسلو التي سمحت بعودة كل أولئك القادة الذين دخلوا من المعابر، وتحت عين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بينما السجناء الذين نفذوا التعليمات ما زالوا حتى يومنا هذا من نوفمبر لسنة 2009 في السجون الإسرائيلية، وأملهم الوحيد بالتحرر هو نجاح صفقة “شاليط”.

لقد سلمنا الناي في السجن دون مشاكل، وأكثر من ذلك؛ فقد جمع النشيطون من بعض التنظيمات سلاح المقاومة، وحملوه في سياراتهم الخاصة، وسلموه للمخابرات الإسرائيلية مجرد التوقيع على اتفاقية أوسلو، فكان الرد الإسرائيلي مزيداً من الرصاص والموت.

بعد واحد وعشرين عاماً على إعلان قيام دولة فلسطين، هنالك تفكير لدى السيد فياض بإعلان الاستقلال الفلسطيني من جديد، وكتب الإسرائيلي “يوسي سريد” مقالاً في صحيفة هآرتس، بعد اتصاله هاتفياً بالسيد عباس، يدعوه قبل الاستقالة إلى الإعلان عن قيام دولة فلسطين من طرف واحد على أن يدعو اليهود المستوطنين سكان الدولة الفلسطينية إلى السلام.

فإذا أعلن السيد عباس دولته كما يقال، وأعلن السيد فياض الاستقلال دون انتظار الإسرائيليين؛ فماذا سيفعل الفلسطينيون بإعلان الدولة السابق، وبيوم الاستقلال السابق؟!.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..