تقرير غولدستون: التخلص من الأوهام القاتلة

الصورة الرمزية لـ ramahu

 MIDEAST-PALESTINIAN-ISRAEL-POLITICS-ABBAS

دياب أبو جهجه

08/10/2009

 

السلطة الفلسطينية قررت دعم طلب تأجيل البحث بتقرير غولدستون الأممي الذي يتضمن فيما يتضمنه اقرارا بارتكاب ‘اسرائيل’ جرائم حرب خلال معركة غزة. هذا هو الخبر الذي هز الشارع العربي وفجر الغضب ضد السلطة الأوسلوية ورموزها وعلى رأسهم محمود عباس. وطبعا الغاضبون كل الغاضبين محقون اذا ما انتموا الى الشعب العربي القابض على الجمر في موقفه الرافض للكيان الصهيوني وللتطبيع معه والداعم للمقاومة. الا أن هذا الغضب وفي نفس الوقت يظهر أن الأوهام لا تزال حية ترزق في بلادنا.

الأوهام مثلا بأن أبو مازن ومن لف لفه هم شيء آخر مختلف عن ما تعارف العالم بتسميته عملاء للاحتلال. لماذا هذا التوهم لا أدري. فالسلطة وأجهزتها تنسق منذ أوسلو سياسيا وأمنيا وعسكريا مع العدو الصهيوني. السلطة تطارد المقاومين وتوقفهم وتحاول تفكيك البنية التنظيمية للمقاومة (حتى تلك التابعة لفتح) خدمة للاحتلال وللعراب الأمريكي. فلماذا نتفاجأ اذن؟ هل نحتاج الى الخيانة العارية لكي نشخصها؟ دعوني أقول لكم ما هي الخيانة في كتابي، الخائن هو كل من وضع يده بيد العدو وصافحها حتى ولو تفنن المتحدثون باسمه في كيل الشتائم للعدو بعد ذلك. الخائن هو كل من اعترف بشرعية الوجود الصهيوني على شبر واحد من أرض العرب، والخائن هو كل من أنكر هوية فلسطين العربية من النهر الى البحر أو ساوم عليها أو شكك فيها. وعقوبة الخيانة العظمى في كل الشرائع والقوانين والأديان والأعراف مريعة


والأنكى من ذلك أن الغثيان أصاب بعض السياسيين العرب من جراء الموقف الذي اتخذته السلطة العميلة (ورجاء عدم الطلب منا عدم وصفها بالعميلة لأن طلب كهذا هو طلب تغطية للعمالة واضفاء للاحترام عليها وهو يلامس العمالة بحد ذاته) ونقول لهؤلاء أن الغثيان هو ما يصيبنا من مواقفكم التي لا تقل انبطاحا أمام الصهيوني عن موقف عباس. لماذا تصاب بالغثيان اليوم يا عمرو موسى وأنت تلتقي برئيس دولة الكيان وتجالسه وكأن شيئا لم يكن خلال حرب غزة وتبقى جالسا حتى بعد أن يخرج أردوغان. لماذا كنتما هنالك أصلا؟ أنت وأردوغان؟ لاسماع صوت العرب والمسلمين للصهاينة والعالم؟ واذا كان هو خرج ونجح في ايصال رسالة قوية فماذا فعلت أنت؟ أنا بصراحة أصابني الغثيان من وجودك هناك ومن غثيانك اليوم وأنت لست سوى شاهد زور على نظام رسمي عربي بمعظمه متواطئ ومهترئ بكامل مكوناته.


لا مفر من العودة الى الثوابت ولفظ الأوهام السخيفة التي تعيق تقدم قوى التحرر في هذه الأمة. ومن هذه الأوهام أسطورة الوحدة الوطنية الفلسطينية (و اللبنانية والعراقية وغيرها من الوحدات الوطنية المنشودة). الوحدة الوطنية مطلوبة على أساس الثوابت وهي تحرير الأرض من خلال المقاومة وعدم المساومة على شبر منها ورفض الارتهان للخارج وعدم التفريط بكل الحقوق القومية لشعبنا في أرضه تحت أي حجة كانت ولا سيما حجة الشرعية الدولية التي هي لا شرعية ولا دولية أصلا. مصدر حقوقنا هو علاقتنا التاريخية بوطننا العربي وارتباط شعبنا بأرضه وضمانة حقوقنا هي البندقية التي يجب ان تظل مرفوعة دوما وأبدا حتى تحرير الأرض كل الأرض. أذا كانت الوحدة الوطنية على هذا الأساس فأهلا وسهلا واذا لم تكن على هذا الأساس فملعون أبو الوحدة الوطنية وكل من ينشدها على اساس التفريط بالحقوق التاريخية لشعبنا هو أيضا عميل. هل شهد التاريخ وحدة وطنية بين قوى مقاومة وأخرى عميلة أو حليفة للاحتلال؟ هل ممكن هذا المنطق الا في بلادنا التي ينخر بها اللامنطق حتى أعماق النخاع؟ كفى سياسة تبويس اللحى هذه فالوطنية ليست مجاملات ومن يجامل فيها فقد خانها.


وبعد العودة الى الثوابت أي الى أن ‘ الصراع مع الصهيونية صراع وجود وليس صراع حدود’ و’ما أخذ بالقوة لا يستعاد بغير القوة’ لا بد من دفن أسطورة المجتمع الدولي مرة والى الأبد ورفض كل قرارات الأمم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن والمضي قدما في طرح مفهوم بديل للشرعية يستند الى الحق التاريخي للشعوب في أرضها وسيادتها على تلك الأرض


وعدم انتظار تقارير مثل تقرير غولدستون التي وان أقرت جزئيا باجرام الكيان الصهيوني لا بد لها من أن تدين المقاومة أيضا وبالتالي فهي تساوي بين الضحية والجلاد، وكذلك عدم انتظار محاكم دولية ولا ترهات مماثلة لأن حقوق الشعوب لا تأتي الا من خلال نضالها المستميت من أجلها.
وعلينا أيضا التخلص من وهم أن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين. فلسطين جزء من الأمة العربية والعالم الاسلامي ومن هنا فأن قضية فلسطين قضية كل العرب بالدرجة الأولى وقضية كل المسلمين بالدرجة الثانية ومن ثم فانها قضية كل أحرار العالم لأنها تمثل التجلي الأوضح لاجرام النظام الامبريالي في عصرنا الحاضر


ان حصر قضية فلسطين بالفلسطــــينيين هو مخطـــط صهيوني وكل من دعم هذا المنطق أو نظر له يسير في هذا المسار. هذه قضيتنا جميعا ولا حق لأحد بأن يحتكرها أو يقرر أين يأخذها.
وعلينا التخلص من وهم انتظار صحوة الأنظمة العربية، فعندما نقول أن فلسطين قضية العرب فاننا نعني الشعب العربي طبعا ولا نعني حكامه. لأن هؤلاء الحكام عموما لا يمثلون الشعب ويجثمون على صدره كنوبة الربو الثقيلة رغما عنه، لا بل أن معظمهم متآمر ومتعامل مع الصهاينة والأمريكان ويتبع ما يملى عليه. كفانا خلطا بين الشعب العربي والأنظمة لأن هذا الخلط يستعمل من قبل الأعداء لاثباط الهمم وضرب مصداقية العروبة والعرب. نحن نعرف أن الحكام جزء من المشكلة الا أنه لا بد من ادراك حقيقة أن الحل كل الحل يكمن في استنهاض الشعب العربي من المحيط للخليج في عاصفة قومية تكتسح الحدود والحكام والاحتلالات وترمي المستعمرين في البحر رغم أنف المجتمع الدولي وكل منظماته الحكومية وغير الحكومية التي تتباكى على حقوق الانسان اليهودي والغربي والأقليات في بلادنا بينما حقوق الانسان العربي والمسلم مستباحة في كل مكان من قبل نفس الحكومات التي تمول هذه المنظمات السرطانية.

 

لا حل الا بطرح قضية الصراع بهذه الجذرية البعيدة عن التمييع والكف عن محاربة العوارض واستعمال المسكنات بدل الشروع في استئصال الورم استئصالا كليا. ان استعمال مسكنات مثل الشرعية الدولية والوحدة الوطنية (مع العملاء) ودعوة الحكام للنصرة، وفلسطينية القضية، الى آخر اللائحة يخفف الالم قليلا ويلهينا عن الحقيقة المميتة والمتمثلة بأن الورم السرطاني ما زال في جسمنا ويتمدد كل دقيقة وسيقضي علينا عاجلا أم آجلا.أما اذا ما أوقفنا المسكنات ستخف الأوهام وتتعرى الآلام فيظهر جليا عمق المرض ويتضح أن لا حل الا الحل الجذري وهو الاستئصال ولو دون مخدر. على الشباب العربي أن يرمي هذه الأوهام وراء ظهره ويمضي قدما كي يبدأ بتنظيم نفسه تحضيرا لمعركة شاملة عاصفة، معركة أداتها البندقية الخفيفة والعبوة الناسفة والصاروخ المضاد للدروع والصاروخ القصير المدى، واستراتيجيتها حرب العصابات العنقودية التي لا ينفع معها لا طائرة ولا دبابة ولا جهاز مخابرات وميدانها كل شبر من أرضنا يحتله عدو.

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

رد واحد على “تقرير غولدستون: التخلص من الأوهام القاتلة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..