حملة “أين البترول” في الميزان القومي الجذري:

الصورة الرمزية لـ ramahu


حملة “أين البترول” في الميزان القومي الجذري:

دعوة للتأميم.. أم حراك من أجل التقسيم؟؟

عبد الناصر بدروشي

خاص – لائحة القومي العربي

08 / 06 / 2015

لا ينكرن أحد علينا توجسنا من أي حراك مطلبي أو دعوة لقيام ثورة ثانية أو ثالثة أيا ك

ان عنوانها. حراكات الربيع المسموم التي حولت الوطن العربي إلى بحر من الدماء وانفلات مشاريع تفكيك الكنتونات العربية المفككة أصلا من عقالها عن طريق زرع الفتن الطائفية واثارة النزعات الانفصالية ونشر الإرهاب والتكفير، كانت تحمل في بداياتها شعارات براقة وقدمت خطابا يدغدغ آمال التواقين للتحرر والكرامة. فبعد أن تغنى “ثوار” فريدوم هاوس بقيم الحرية والديمقراطية والكرامة وتلبّسوا بلبوس الثورة وباعوا الشعب العربي أوهاما ووعودا بتحويل وطنهم إلى جنة ديمقراطية يطيب فيها العيش، سرعان ما تبددت تلك الوعود وانقشعت وتبين بأنها أضغاث أحلام، لا بل انقلبت إلى كوابيس مرعبة.



برعت الامبريالية المتمرسة في إخضاع الشعوب في اختلاق جيل جديد من الحروب أشد فتكا وأقل كلفة من الحروب المباشرة التي خاضتها في إطار سعيها لاستعباد الأمم ونهب مقدراتها، استخدمت فيها أسلحة غير تقليدية تقوم على مبدأ القوة الناعمة واختراق العقول وهدم قيم التحرر الوطني والسيادة الوطنية لدى الشعوب واستبدالها بأخرى، مما يسمح باستيعاب وتوجيه أي حراك جماهيري بما يخدم مصالح الامبريالية (نموذج الثورات الملونة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية التي استهدفت الأنظمة الوطنية والمستقلة).


يتكرر سيناريو الثورات الملونة نفسه اليوم في وطننا العربي تحت عنوان “ثورات الربيع العربي” التي أتت على الأخضر واليابس، ثورات تكرس مزيدا من التبعية ومزيدا من التقسيم ومزيدا من التخلف، ثورات تحاك في دهاليز وكالات الاستخبارات الأمريكية ويقودها الصهيوني برنارد ليفي !!!


اذا ليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل حراك ينادي بالتحرر هو كذلك بالضرورة. فلنتريث قليلا قبل أن نحكم على حملة “أين البترول ” في تونس المطالبة بتأميم النفط وغيرها من الحملات المطالبة بتوزيع الثروات الباطنية على عامة الشعب. وليكن واضحا أن الاختراق الفاضح لحراكات الشارع العربي من قبل القوى الامبريالية لن يقودنا إلى إدانة أي حراك كيفما اتفق، ولكن علينا أن نحدد معايير واضحة تحدد اصطفافنا خلف اي حراك من عدمه.


إننا نعتبر في لائحة القومي العربي أن المقياس الأول لدعم أي حراك ليس مدى صحة المظالم التي قام من أجلها، بل:

* أن يكون برنامج الحراك وطنيا، بمعنى الانطلاق من معالجة القضايا الوطنية من منظور مصلحة البلد ككل التي لا تتناقض مع مصلحة الأمة العربية لا من مصلحة هذه الجهة أو تلك،
* أن تكون قيادة الحراك مكونة من شخصيات وقوى وطنية وقومية لا من عناوين جهوية وفئوية أن يكون الحراك مفعلا من الداخل لا مرتبطا بقوى الهيمنة الخارجية،
* أن يكون بالأخص مناهضا للامبريالية والصهيونية وأذنابهما، دون أن يصبح ذلك ذريعة للتفريط بالسيادة القومية ولو لجهة حليفة.


إذا قمنا بوضع حملة “أين البترول” في الميزان القومي الجذري نجد أن:

1)  المظالم التي تدعي الحملة بأنها قامت من أجلها هي محقة وفيها مغالطة في آن واحد، فالثروات في عموم الوطن العربي وتونس النفطية وغير النفطية منهوبة من طرف الشركات العبر قطرية. إلا أن محاولة أصحاب الحملة إقناع الشعب بأن تونس تسبح فوق بحار من النفط هي مغالطة، وهذا لا يعني أننا ضد التصدي للشركات الأجنبية الجاثمة على صدورنا والناهبة لخيراتنا فنحن مع تأميم كل قطرة نفط وكل ذرة فسفات وكل الثروات الأخرى .

2)  برنامج الحراك ليس برنامجا وطنيا بدليل الخطاب الجهوي المقيت الذي تصدره المواقع التي أطلقت الحملة والذي يقسم القطر التونسي إلى شمال وجنوب يتحدث عن ضرورة عودة إيرادات البترول للولايات التي يستخرج منها وبالتالي ضرب مركزية الدولة وطرح إمكانية إقامة فدراليات. كما أن التصدي لنهب الثروات الباطنية يكون ضمن مشروع تحرري شامل يضع الوحدة الوطنية أولى أولوياته، فمن يدعوا للتأميم، إن كان صادقا في دعواه، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرضى بالتقسيم، ومن يناهض الهيمنة الامبريالية لا ينخرط في مشروعها أي مشروع تفكيك الأقطار العربية، فالتقسيم لن يزيدنا إلا ضعفا وبالتالي لن يجلب لنا إلا مزيدا من التبعية ومزيدا من الهيمنة الاستعمارية .

3)  قيادات الحراك لا هي قومية ولا وطنية بل هي قيادات جهويّة التوجه تتحدث باسم ولايات دون أخرى وعن حقها في إدارة ثرواتها، ولئن رُوِّج بأنها حملة شبابية لا قيادة لها، تماما كما روجوا لثورات الربيع المزيف التي نفذتها أياد شباب (المدونين) جندته أكاديمية التغيير لصاحبها اليهودي جورج سوروس وتم توجيهها وتأطيرها إعلاميا عبر قنوات التضليل، فهذا يزيد من احتمالية انحرافها والتلاعب بها، فكيف لحملة أو لثورة أن تنجح بلا قيادات وبلا تخطيط وبلا تنسيق للموارد والجهود!!!!!

إذا، حملة “اين البترول” من منظور مصلحة الأمة العربية وحتى المصلحة القطرية لن تجلب لتونس الا مزيدا من التبعية ومزيدا من نهب الثروات، وهي تندرج ضمن سعي الأمريكان والمنظمات الدولية لتكريس اللامركزية وضرب مركزية الدولة كمقدمة وتمهيد لمشروع التفكيك، بدليل اقتصار الحركات على مناطق جغرافية بعينها وبدليل عدم ارتباط هذه الحراكات ببرنامج وطني شامل وجامع بدل مطالبتها بتوزيع ثروات الجهة لصالح ابناء الجهة ولتنمية الجهة، كما ان دعم المرزوقي للحملة وهو الذي يقدم نفسه على انه ابن الجنوب و صاحب نظرية “تقسيم تونس الى ستة اقاليم يكون لكل اقليم منفذه البحري الخاص…” كفيل بان يدفعنا لإدانة هذا الحراك، فحملة المطالبة بتأميم الثروات الباطنية لا بد من أن تقوم بقيادة وقوى قومية ووطنية وأن تكون جزءا من برنامج شامل يهدف إلى إنهاء الهيمنة الامبريالية على تونس وتحويل تونس من محمية غربية الى قطر متحرر من سطوة قوى الهيمنة الخارجية، أما حراك أين البترول هذا فهو حراك ضال ومشبوه تفوح منه ريح ربيعية نتنة وإن حمل شعارات ثورية وإن تغنى بالثورة وان شتم الغرب والأمريكان.. فهو لا يصب إلا في مصلحة الغرب والأمريكان.

كقوميين جذريين نحن لسنا من أنصار الدولة القطرية.. لكننا في المقابل نعيش في زمن انفلات مشاريع التفكيك الجهوية والطائفية من عقالها نقف ضد أي حراك يستهدف مركزية الدولة، لأنه يهدف بالضرورة لإضعاف الدولة وإسقاطها لصالح مشروع الفوضى والتقسيم وليس لصالح الوحدة.

نعم لتأميم ثرواتنا الباطنية ووضع حد لنهبها من طرف شركات الهيمنة الاستعمارية!
نعم لبسط سيطرة الدولة على مواردها و وحقها في تقرير وتحديد كيفية توزيع عائداتها!
لا لضرب مركزية الدولة!
لا للفتنة.. لا للتمييز بين أبناء الشعب على أسس جهوية (شمال وجنوب…)!

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi


Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..