ناجي علوش: المصالحة المطروحة خيانة

الصورة الرمزية لـ ramahu

حاوره: محمد النجار

قال قيادي الفلسطيني البارز وأحد القيادات الأولى للثورة الفلسطينية ناجي علوش إن المصالحة الفلسطينية بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بالشكل الذي تطرح به اليوم تسهم في تصفية القيادة الفلسطينية.

واعتبر في حوار مع الجزيرة نت أن جهود المصالحة تحاول الجمع بين طرف ما زال مصرا على القتال وطرف يصر على “الاستسلام”، واعتبر أن توقيع ورقة المصالحة اليوم يخدم “الطرف المستسلم”، وقال “لا تفاهم عندما تكون هناك خيانة”.

وهذا النص الكامل للحوار:

كيف ترى الأزمة التي تمر بها القضية الفلسطينية اليوم، وأين ترى المشكلة؟

الأزمة كبيرة ولم تبدأ اليوم، وإنما بدأت منذ العام 1948، وهي تتلخص في أن عدونا عدو ماكر وقد عمل بكل ما يستطيع ليمتلك كل أسباب القوة السياسية والعسكرية والدولية في الوقت الذي كان فيه وضعنا غير مهيأ للعمل.

استطاع عدونا أن يبني مفاعلا نوويا، وأن ينتج قنابل ذرية وأسلحة جرثومية وجيشا كبيرا لم يبن لمحاربة الفلسطينيين فقط، بل كان لبنائه هدفان، الأول منع الجيوش العربية من أن تؤثر في مشروعه الاحتلالي، والثاني أن تخوض دولة العدو الصهيوني القتال إلى جانب الإمبريالية الأميركية والعالمية في الصراع مع الاتحاد السوفياتي قبل انهياره.

الأزمة ظهرت عندما جاءت حركة فتح وقالت إن حل القضية يجب أن يكون فلسطينيا، في حين كنا نقول إن الحل يجب أن يكون عربيا، وهذا ما عمق أزمة القضية الفلسطينية، لكن الأمور بدأت تنفرج عندما انتقل الفلسطينيون إلى الكفاح المسلح، وبدأت البنادق تصل إلى أيدي الشعب، فبدأ هناك اتجاه فلسطيني جديد لم يعد فلسطينيا منغلقا، ولا عربيا خياليا، بل أصبح واقعيا ومرتبطا بالواقع.

وظهر أن المقاومة هي أفضل الطرق للتعرف على العدو ومكامن قوته وضعفه، وبدأنا نكتشف أننا عندما نناضل ونقاتل نكون أكثر قوة منا ونحن نختلف ونتكلم على الأفكار.

هناك قوى في شعبنا ما زالت مؤمنة بأن حل القضية حل عربي، ويحتاج إلى قوى الأمة العربية، وهذا الحل ليس خاطئا، ولكنه غير قائم وغير واقعي، لأن الأنظمة العربية بدأت تتجه للانصياع للمخططات الهمجية الأميركية والتقرب من العدو الصهيوني ولم تعد تفكر كما كانت تفكر بالخمسينيات والستينيات تحت ضغط الجماهير بأنها يجب أن تستعد لمواجهة العدو الصهيوني.

نحن لا نتوقع من الآن فصاعدا حربا كحرب أكتوبر/تشرين الأول أو حرب العبور، لأن الأنظمة العربية مقتنعة اليوم بأن الحل حل أميركي، وبالتالي فهي تتجه يوما بعد يوم نحو الولايات المتحدة، بينما في رأيي أن العدو الرئيس للأمة العربية وللفلسطينيين هو الولايات المتحدة، والعدو الصهيوني مجرد تابع أو فرع من هذه القوة الإمبريالية المسيطرة على العالم.

تقول إن الأنظمة العربية لا زالت مقتنعة بالحل الأميركي، وكأنك تقول إنها جزء من المشكلة أكثر منها جزءا من الحل، إذن ما المطلوب فلسطينيا؟

المطلوب أولا التصميم على أن القتال هو الحل وأن أي حل لا يراهن على أن القتال هو الحل فهو حل استسلامي، وأنا منذ العام 1974 كتبت كتابا يؤكد أن القتال هو الذي سيقود للحل.

أما المساومة والتسوية فهو تصفية للقضية الفلسطينية، واليوم نحن نعيش مرحلة تصفية القضية الفلسطينية لولا إرادة بعض جماهير شعبنا وقواه التي تحافظ على خط القتال، ولولا هذه القوى لحدثت التصفية.

وما شاهدناه في غزة من قتال ومثله هو ما يؤخر التصفية، ورغم كل الضباب واليأس فإنه وما دام هناك مقاتلون مؤمنون فإن الخطر يتراجع شيئا فشيئا.

أما النظام العربي فمهمته الآن هي تنفيذ المخطط الأميركي بإيجاد حل عربي رسمي صهيوني لكي يصبح الوطن العربي كله مزرعة أميركية صهيونية تخضع العرب كما أخضعت الشعوب الأخرى.

النظام العربي لا يريد للفلسطينيين أن يكونوا مقاتلين بل يريدهم كما كانوا عام 1948 ينتظرون قائدا يأتي من بغداد أو دمشق أو القاهرة ليقول لهم كيف يقاتلون أو كيف يصالحون.

أما الشارع العربي فهو مع المقاومة ومع القتال بل والمشاركة في القتال، وبالتالي المطلوب اليوم حشد أكبر عدد من القوى التي تمتلك السلاح وتصمم على القتال وترفض الحل الأميركي رفضا قاطعا جازما لا تردد فيه، وتعبئة الشارع العربي ضد السياسة الرسمية العربية التي تسعى للاستسلام.

الانقسام الفلسطيني اليوم وانحياز بعض العرب للسلطة الفلسطينية ومشروع التسوية وانحياز البعض الآخر لحماس وقوى المقاومة وما بين ذلك من حصار لهذا الطرف ودعم طرف آخر ألا تراه ضارا بالقضية؟

الموضوع لم يبدأ الآن، منذ العام 1974 عندما اتخذ قرار في مؤتمر القمة بأن يكون العرب داعمين، كان الهدف من ذلك التنصل من القضية الفلسطينية ودفع الفلسطينيين لمد يدهم للعدو الصهيوني وللأميركان للتفاهم على الحل.

وهذه الأزمة ظلت تتفاقم وهي الآن في ذروتها، لأن القيادات الفلسطينية منذ العام 1974 وهي تسعى لدفع الطرف الرسمي العربي إلى أن يكون جزءا من التصفية.

موقف النظام العربي من التصفية ظهر في مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002، وهذه المبادرة هي الشكل العربي للتصفية، وهو ما حول الأنظمة العربية إلى جزء من المؤامرة الدولية لتصفية قضية شعبنا.

ولكن الانقسام الفلسطيني اليوم يتسع، وهناك محاولات عربية حثيثة لجمع الطرفين الكبيرين للمصالحة، ما رأيك في جهود المصالحة العربية؟

الوضع الفلسطيني منقسم، ولكنه انقسام طبيعي لأنه انقسام فيه طرفان، طرف يقاتل ويصر على القتال، وطرف مستسلم مصر على الاستسلام، ومن الطبيعي أن يستمر هذا الانقسام ما دامت هناك قوى تصر على خط الاستسلام وترى فيه الخط الذي يجب أن يحتذى، ولو لم تكن حماس موجودة لبرز طرف فلسطيني آخر ورفض الاستسلام وقال إن القتال هو الحل.

هذا الانقسام طبيعي لا لأننا نريد له أن يستمر، بل نريد أن تحشد قوى شعبنا لنقاتل جميعا ونجبر العدو على أن يتراجع وأن يعترف بحقوقنا.

وهذا الانقسام بدأ منذ 1923 وتبلور عام 1935 عندما ابتكرت بعض العائلات الفلسطينية موقفا معاديا للقيادة الرسمية الفلسطينية وهي قيادة الحاج أمين الحسيني، بحجة أن هذه القيادة متشددة وأنها لا ترى سبيلا إلا القتال.

أما الآخرون فكانوا يرون أن التفاعل مع بريطانيا يمكن أن يحدث حلا للشعب الفلسطيني، وقاد ذلك إلى مأساة عام 1948 لأن القوى بدل أن تحتشد اختلفت، والحاج أمين الحسيني في ذلك الوقت لم يكن مخطئا بل كان يمثل الموقف الوطني.

وكأنك تقول إن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للانقسام الفلسطيني؟

نعم التاريخ يعيد نفسه، لأن عدونا عندما يعجز عن مواجهة قوة الشعب الفلسطيني يخترع النزاعات لمحاصرته، وعندما تطورت الحركة الفلسطينية وقامت ثورة عام 1936 التي استطاعت أن تسيطر على أجزاء كبرى من الأرض الفلسطينية وأن تضع العدو البريطاني الصهيوني في مأزق لجأت لخلق صراع داخلي بين العائلات الفلسطينية الكبرى وتحديدا عائلتي النشاشيبي والحسيني.

وأنا شاهدت بأم عيني في بيرزيت عندما كنت طفلا شبانا فلسطينيين كانوا يلبسون أحذية جديدة وملابس أنيقة ويحملون بنادق إنجليزية يقومون بتفتيش البيوت والبحث عن الثوار وشاهدت إعدام أحد الثوار، وهؤلاء كانوا يسمون بفرق السلام، وهؤلاء كانت تقودهم العائلات الفلسطينية المتفاعلة مع بريطانيا.

الآن نشاهد أن هناك من يريد أن يدفع الخلاف بين حماس وفتح إلى هذا المستوى.

الطرفان تقاتلا فعلا، ولكن من الطرف الذي يمثل فرق السلام التي تحدثت عنها؟

نعم هناك قيادات ترى أن لا حل إلا السلام، عبر الولايات المتحدة وعبر الاعتراف بالعدو الصهيوني وما يريده، والتفاهم معه على ما يريد.. الأجهزة الأمنية التي يكونها الجنرال دايتون وظيفتها كفرق السلام القديمة، أن تقتل المصممين على القتال، مع الأسف أن نقول إن التاريخ الفلسطيني يعيد نفسه، هذا مؤسف لكنه حقيقي.

ولكن هناك من يرى أن الانقسام ضار بالقضية الفلسطينية بغض النظر عن المسميات، لأن القضية تتآكل وتتدهور بينما الانقسام يكبر، وهناك مطالب شعبية فلسطينية بإنهاء هذا الانقسام، كيف ترى ذلك؟

هذا الموقف يخدم الطرف المستسلم، لأنه لا إمكانية للتفاهم عندما تكون هناك خيانة.

وكأنك تقول إن المصالحة بشكلها اليوم ضارة بالقضية الفلسطينية؟

المصالحة مطروحة اليوم بطريقة تقود إلى أن تصبح كل الأطراف الفلسطينية فرق سلام، وهذا الطرح هدفه تصفية القضية الفلسطينية وليس المحافظة عليها.

ولكن الانقسام ضار بالإنسان الفلسطيني الذي يعول عليه في أن يحمل المشروع الوطني، فالحصار يشتد في القطاع، وهناك جدار يبنى على الجانب المصري قد يخنق سبل الحياة وليس المقاومة فقط، ما رأيك؟

الهدف الأساسي من الخطة الأميركية التي يتبناها النظام العربي هو خنق المقاومة وقتلها، وأن تتبنى الجماهير هذا الخط القاتل للمقاومة.

هل تتفق مع من يقول إن أزمة الشعب الفلسطيني اليوم هي في قياداته أو بعضها على الأقل؟

نعم، لأن المطلوب هو أن تكون هناك قيادات على مستوى من الشجاعة لتواجه الوضع الراهن بشجاعة وتقدر على حشد الشعب.

الشعب يريد قيادات نوعية كعز الدين القسام الذي ذهب بـ11 رجلا، وقرر أن يبدأ بالمقاومة وعندما اصطدم مع الحكومة الإنجليزية قال لرجاله موتوا شهداء ومات هو شهيدا.


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/76C1A7C6-45C8-4830-ADB9-9A2BF0F428FA.htm

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..