إفراج مشروط عن معتقلي “جك”، والمسيرة تستمر

الصورة الرمزية لـ ramahu


الحقيقة أنني أقول للرفاق دوماً أن الاعتقال العادي الذي يُحسب بالساعات أو الأيام أو حتى الأسابيع ليس اعتقالاً يُعتد به، ولا يجعل ممن يتعرض له بطلاً قومياً، خصوصاً إذا لم يترافق مع معاناة استثنائية في ظروف السجن أو التحقيق، وإذا ما قارناه بالسنين والعقود التي امضاها معلمو النضال المعتقلون في سجون العدو الصهيوني والأنظمة العربية التابعة له.



أما صمود الجكيين على مدى خمس سنوات وسبعة أشهر وأسبوعاً على رصيف جامع الكالوتي، في كل الأحوال الجوية والسياسية، للمطالبة بإعلان بطلان معاهدة وادي عربة وإغلاق سفارة الكيان في عمان، خصوصاً عندما تتوه بوصلة البعض عن العدو الرئيسي في خضم “الربيع العربي” المزعوم وغيره، وفي العواصف الثلجية والقيظ ظهيرة أيام رمضان، وأما إصرار الرفاق الرائعين والرفيقات اللبوات على المجيء لاعتصام “جك” في الأسابيع الأخيرة خصوصاً، تحت وطاة التهديد الجدي بالاعتقال والضرب والقمع والتضييق الذي رأوا رفاقهم يتعرضون له، ومن دون أن يعرفوا إن كان سيعودون لمنازلهم أم لا ذلك الخميس، ومتى، وماذا سيحدث لهم، أسبوعاً بعد أسبوع، حتى لو لم يرتكب العدو الصهيوني مجزرة أخرى في ذلك الأسبوع بالذات، فتلك مدرسة أخرى في النضال لا يعرفها الآخرون، مدرسةٌ لا يتجاوز عمر بعض اساتذتها عشرين عاماً، لكنهم تمكنوا، رغم ذلك، من تطويع غيلان المخاطرة وعدم اليقين التي تحاصر القلب الثائر من أجل عيون الأردن وفلسطين والأمة العربية.




ولا نستطيع أبداً أن نقول أننا تفاجئنا باعتقالنا البارحة، بعد سلسلة الاستدعاءات الأمنية والاعتقالات والضرب والقمع والمضايقة التي لحقت بمناضلي “جك” خلال الأسابيع الماضية. وقد جاء اعتقالنا البارحة الخميس في موقف السيارات خلف مسجد الكالوتي بالمناسبة، قبل موعد الاعتصام بدقائق، وأتشرف أنني كنت أول أربعة يتم اعتقالهم في الشاحنة التي تغطى زجاجها بالشبك الحديدي، ولم أكن آخر من يُفرج عنهم، بل ذهب ذلك الشرف للرفيق هاني النشاش الذي أفرج عنه اليوم قبل الظهر بقليل، بعد “تلبسه” باستخدام هاتفه النقال لتصوير الكفالة التي وقعها، مما أخر الإفراج عنه إلى ما قبل ساعة ونيف، وقد آثرنا، كجماعة “جك”، انتظار الإعلان عن الإفراج حتى يكون آخر واحد منا قد خرج منصوراً. فعذراً للتأخير. المهم، تم الإفراج عن الرفيق هاني قبل قليل، وعن 11 من أصل 12 معتقلاً ما بين الواحدة والثانية فجراً بكفالة مشروطة بعودتنا لمديرية أمن العاصمة يوم الأحد في الساعة الثامنة صباحاً، وإلا سيتم التعميم علينا، على أن يتم “إيداعنا لدى المحافظ”، كما ينص الشرط. وقد قيل لنا أننا، بعد محاولاتنا المتعددة لمقابلة محافظ العاصمة من دون جدوى، سنحظى بشرف مقابلته أخيراً يوم الأحد صباحاً! فلعله خير…




الحقيقة أن ظروف الاعتقال عامةً لم تكن سيئة، باستثناء عملية الاعتقال نفسها والشدة التي رافقتها، وإلقاء 12 منا في شاحنة لا تتسع لأكثر من ستة أشخاص، مع الحارسين والسائق، لكن “البيت الضيق يسع الف صديق”، لا مشكلة! ويجب أن نقول للأمانة أن تعامل مرتبات وضباط الأمن العام معنا جميعاً كان محترماً ولائقاً وودوداً، كما لم يتعرض أيٌ منا لإساءة أو ضرب أبداً، على العكس… اتوا لنا بالماء على نفقتهم الخاصة ووضعونا في أحد مكاتبهم، بدلاً من الزنازين، حيث تناوبنا على الجلوس على المقاعد الثلاثة المتوفرة، ولن أقول أكثر، حتى لا يتعرضوا للتأنيب من الجهاز المدني الذي يتبعون له إدارياً وهو وزارة الداخلية وبعض موظفيها المدنيين الذين كان تعاملهم سيئاً وغير لائق وغير محترم، سياسياً قبل الاعتقال، وخلال الاعتقال في “المقابلة” التي حظينا بها مع أحد مساعدي المحافظ في مبنى محافظة عمان، الذي اتحفنا بتعاملٍ فظٍ وعُرفي تقليدي من النمط العثماني، بعد نقلنا هناك بالشاحنة التي يسمونها “الزنزانة”، وهي زنزانة “سفري” في الواقع تتمثل أماكن الجلوس فيها بخشبتين رفيعتين طويلتين مثبتتين على حيطانها تتحولان طبيعياً إلى “فلقة” مع المطبات في الطريق، مما ذكرني بقول امرئ القيس: “عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ”، لكن طبعاً “النزول” ممنوع… والوقوف.




أضيف أن حملة التضامن معنا التي شارك فيها رفاقنا الجكيون واللائحيون غير المعتقلين، والتي حلق فيها أصدقاؤنا الشرفاء في الأردن وخارجه، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام القليلة التي اهتمت لأمر اعتقالنا، كان لها دورٌ كبيرٌ في تسريع الإفراج عنا، لأن ما وردنا في البداية كان يشير بوضوح أننا لسنا بصدد العودة لمنازلنا قريباً. فكل الشكر والتقدير لكل من أبدى الدعم والمساندة، فهي معركة واحدة من دون أدنى شك، معركة وطنيي الأردن وفلسطين والعرب ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، وقد عبر ما كتبه بعض الشرفاء عن تمثلٍ حقيقيٍ لرسالة اعتصام “جك”، وعن تبنٍ للقضية، لا عن تضامن عابر فحسب، بعباراتٍ تنضح صدقاً وأصالة تحملنا المزيد من المسؤولية لمتابعة المسيرة حتى النهاية، واحذر من ذكر اسماء من ابدعوا حتى لا أنسى منهم أحداً، وهم رفاق واصدقاء وحلفاء حقيقيون، ثروة المناضل الحقيقية في زمن الردة، ولا يفوتني أبداً أن أنوه بالذين هرعوا لمديرية أمن العاصمة بعد منتصف الليل، ومنهم اثنا عشر شخصاً كفلوا المعتقلين الـ12، كان يمكن لمعظمهم أن يكونوا معتقلين معنا لو لم يتأخروا دقائق عن الاعتصام، لأنهم كانوا تقليدياً من المشاركين فيه. فكفلونا، وكان يمكن أن نكون نحن من يكفلهم.




نقطة أخيرة: التقط بعض الاصدقاء أن ما جرى معنا ومع اعتصام “جك” هو جزءٌ من نهج عام في الساحة الأردنية يتمثل بالعودة لنمط القبضة الأمنية، من القضايا المثارة ضد الإعلاميين إلى تسييج الساحات، لا ساحة الكالوتي فحسب، إلى منع مهرجان إحياء ذكرى الشهيد صدام حسين في مجمع النقابات المهنية قبل أيام، إلى اعتقال بعض الناس على بوستات عابرة على فيسبوك، إلخ… وهذا صحيح تماماً، لكن لا بد من الإشارة أن مثل هذا النهج لا يمكن فصله عن أمرين: 1) نهج تعزيز التطبيع مع العدو الصهيوني ومحاولة فرضه فرضاً، من خلال الدولة، على المواطن الأردني، ومن ذلك رعاية منح دراسية وفرص توظيف لآلاف الأردنيين في الكيان الصهيوني، 2) نهج إفقار المواطن والتغول على قوته برفع الأسعار والضرائب، وهو نهج الخصحصة وبيع البلاد للأجنبي. فالترابط بين القمع، والإفقار، والتطبيع، هو ترابط عضوي، ولا يجوز، ولا يمكن، فصل التصدي لإحدى تلك الظواهر بمعزل عن الاثنتين الباقيتين. ولذلك نصر في “جك” أن “بطلان وادي عربة أساس التغيير”، فهذا ليس مجرد شعار، بل هو برنامج سياسي للعمل في الأردن لا نرى برنامجاً غيره، فمعاهدة وادي عربة اصطفاف إقليمي في السياسة الخارجية، ونهج ذو تبعات في السياسات الداخلية.



أخيراً، وليس آخراً، نراكم في اعتصام جك الـ304 الخميس المقبل الساعة 5.



منسق جك،

إبراهيم علوش

8/1/2015



للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi




Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..