Qawmi

Just another WordPress site



د.إبراهيم علوش
البناء 31/12/2014


وثيقة التفاهم على صيغة الحل السياسي في سورية التي قالت وسائل إعلام مختلفة أن “هيئة التنسيق الوطني” و”الائتلاف الوطني السوري” على وشك توقيعها تمثل إقراراً من هذين الطرفين اللذين أصرا في السابق على رفض محاورة القيادة السورية، بأنهما باتا مستعدين لمحاورة الدولة السورية، وصولاً لـ”حل سياسي” للأزمة السورية، كما تمثل تراجعاً عن تصلبهما إزاء مطلب “إسقاط النظام” بشكل مسبق، هذا التصلب الذي صب الزيت على نيران الأزمة، إلا أن أي قراءة دقيقة لما رشح عن بنود تلك الوثيقة يؤكد بأنها ليست أكثر من حصان طروادة سياسي يستهدف الحصول بقوة دفع المبادرات الروسية والمصرية والدولية على ما تعذر تحقيقه بطرق أخرى.



لا بد بدءاً من التذكير بأن كلا “الائتلاف” و”هيئة التنسيق” يفتقد لـ: 1) الوزن الميداني، و2) القاعدة الجماهيرية العريضة، أي أنهما ليسا بأي حالٍ نداً للدولة السورية أو حتى للقوى التكفيرية المتطرفة التي كثيراً ما نسمع المتحدثين باسم “التنسيق” و”الائتلاف” يبررون جرائمها بذريعة أنها مجرد “ردة فعل طبيعية على جرائم النظام”!!!!



إنما تكمن قيمة الطرفين سياسياً بأن “الائتلاف” يمكن لعب ورقته إعلامياً كـ”معارضة خارج”، و”التنسيق” يمكن لعب ورقتها إعلامياً كـ”معارضة داخل”، غير “داعش” و”النصرة”، بالرغم من بعض التداخلات بين “النصرة” و”الائتلاف”… فهما طرفان محمولان على جناح حاجة إدارة أوباما لطرف سوري بديل من التكفيريين الصريحين، وحاجة روسيا ومصر لطرف من النوع نفسه لإخراج حل للأزمة السورية، وإدراك اطراف التوافق الخليجي الناشئ (السعودي-القطري) بأن الإصرار على اسقاط القيادة السورية عسكرياً وصل إلى منتهاه وانتقال أطراف ذلك التوافق بالتالي لمحاولة اسقاط القيادة السورية عبر بوابة “الحل السياسي” مع ابقاء الضغط العسكري والإرهابي على سورية في محاولة لاستدرار التنازلات من الدولة السورية في المفاوضات، وهي اللعبة نفسها التي تلعبها الإدارة الأمريكية أيضاً.



يدرك طرفا الوثيقة طبعاً أنهما لا يملكان قدرات ذاتية تؤهلهما ليكونا حتى نداً ثانوياً للدولة السورية، ولذلك تتمحور وثيقتهما على فرض: 1) مرجعية دولية وإقليمية لمشروع حل الأزمة السورية، 2) المطالبة بقرارات ملزمة من مجلس الأمن الدولي إزاء سورية تتعلق بوقف إطلاق النار أو تصدير السلاح أو تشكيل قوات “حفظ سلام” عربية ودولية.



وعلى الرغم من حديث الوثيقة عن وحدة سورية وسيادتها، فإن مثل هذه البنود تذهب أول ما تذهب بسيادة سورية، فهي دعوة لوضع سورية تحت الوصاية الدولية والإقليمية، ولإعادتها لزمن الانتداب، كما أنها تمثل محاولة لاختراق “الفيتو” الروسي والصيني على استصدار قرارات دولية ملزمة بشأن سورية بذريعة أنها تأتي في سياق تثبيت الحل السياسي للأزمة، إنما يدرك كل ذي عقل ما يأتي به التدويل من مآسٍ، من اليمن إلى ليبيا فالعراق والصومال… حتى الانتخابات يفترض أن تكون مراقبة دولياً لتأتي بمجلس نيابي يقوم هو بانتخاب الرئيس!



أما بالنسبة لوحدة سورية، فإن مشروع الاختراق يتمثل ببند وضع الجيش العربي السوري تحت القيادة الملزمة لمجلس عسكري مؤقت يخضع لحكومة المؤقتة تخضع بدورها لمرجعية دولية!!! وهذا البند، فضلاً عن كونه محاولة لنزع أهم ورقة من يد الدولة السورية في مواجهة العصابات المسلحة والتكفيريين، يترك وحدة سورية مثل ريشةٍ في مهب الريح تلعب بها أهواء أطراف “معارِضة” سورية، إذا صحت تسميتها كذلك، هي بالأساس أدوات بيد حكام تركيا وقطر والسعودية وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وهي القوى نفسها التي حاولت تفكيك سورية على مدى سنوات الأزمة. فالجيش والقوات المسلحة ضمانة وحدة سورية واستقلالها، ووضعه تحت وصاية الأطراف السورية المرتبطة بالخارج لا يختلف عن وضعه تحت وصاية ذلك الخارج مباشرةً من الناحية الفعلية.



المشكلة إذن في التدويل، وفي محاولة السيطرة على قيادة الجيش في “المرحلة الانتقالية”، حتى قبل الوصول لحل سياسي وانتهاء المفاوضات، وهو ما يمثل استغباءً للعقول في الواقع، ويا حبذا لو ردت القيادة السورية بمطلب وضع جيوش “هيئة التنسيق” وفيالق “الائتلاف” تحت قيادة هيئة أركان الجيش العربي السوري خلال فترة التفاوض ريثما يتم التوصل لاتفاق!!



البنود الأخرى مثل إطلاق سراح كل المعتقلين وعودة كل المعارضين في الخارج بدون قيد أو شرط وإصدار عفو شامل عن جميع المطلوبين، دونما تمييز، يشمل فعلياً كل المتورطين بالإرهاب والتآمر على سورية، حتى ممن لا ينضوون تحت لواء “هيئة التنسيق” أو “الائتلاف الوطني”، فهي دعوة مفتوحة لتصعيد الأزمة لأجل غير مسمى بالرغم من إشارة الوثيقة لـ”محاربة الإرهاب”.



فكرة جمع اطراف المعارضة غير التكفيرية اسماً وزجها في التفاوض مع الدولة السورية يعبر عن أزمة تهميشها ميدانياً من قبل الأطراف الأكثر تطرفاً ودمويةً، ويعبر عن أزمة داعمي تلك الأطراف المعارِضة وتفككها وفشلها وذهاب ريحها، ولولا تلك الأزمة لما وصلت للتراجع عن المطلب المسبق بـ”إسقاط النظام”، وهذا التقهقر ليس تقهقرها وحدها، بل هو تقهقرٌ للأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لها، مما سمح لروسيا ومصر أن تدخل على الخط أصلاً لتسمح لتركيا وحكام الخليج ودول الناتو أن ينزلوا عن الشجرة العالية التي صعدوا إليها، وغنيٌ عن القول أن الدولة السورية العريقة في خبراتها الدبلوماسية وحنكتها السياسية لن تمر عليها محاولة تحويل تلك الخطوات التراجعية إلى حركة التفاف من الخلف أو إلى مناورة استراتيجية لانتزاع “إسقاط النظام” سياسياً من بين فكي الهزيمة، ومن المؤكد أن الدولة السورية والجيش العربي السوري، ونحن على أبواب العام الجديد، لن تسمحا بعملية “نصب” سياسية من هذا النوع بالرغم من كل الجروح والآلام، حفاظاً على الأهداف السامية التي قدمت التضحيات كلها لاجلها.



للمشاركة على الفيسبوك:




Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *