د. إبراهيم علوش
البناء 6/11/2013
لماذا يهرع كيري إلى مصر بعدما أرغت الولايات المتحدة وأزبدت بعيد الإطاحة بمرسي فقطعت جزءاً معتبراً من مساعداتها العسكرية لمصر واوقفت تسليم شحنات أسلحة أمريكية لها مطالبةً بشكل مباشر وغير مباشر بإعادة الإخوان المسلمين للحكم في مصر وهي تنوح على “الديموقراطية” وترثيها؟!
على الأرجح يعود ذلك للتوتر الشديد الذي أصاب الولايات المتحدة (كما تجلى في الكونغرس ووسائل الإعلام الأمريكية) بعد استقبال مدير الاستخبارات العسكرية الروسية فاكسلاف كوندراسكو قبل أيام على رأس وفد عسكري وأمني روسي التقى بعدد من كبار المسؤولين المصريين على راسهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
وقد رشحت أنباءٌ في وسائل الإعلام خلال الزيارة الروسية وبعدها عن توجه مصري لعقد صفقات أسلحة مع روسيا، وعن تهيئة لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر. وهو ما يبدو أنه دفع الولايات المتحدة لابتلاع كبريائها ومحاولة ترميم العلاقة مع مصر بالرغم من اقتران زيارة كيري مع موعد محاكمة الرئيس المخلوع بثورة شعبية محمد مرسي.
وزير الخارجية المصري نبيل فهمي عزز هذه الأنباء في مقابلة له قبل وصول كيري لمصر بيوم واحد قال فيها ما مؤداه أن مصر لا تعادي الولايات المتحدة، إنما تعمل على تنويع علاقاتها وشراكاتها ومصادرها العسكرية والأمنية… وهو ما يعني، إذا تم تنفيذه فعلياً، تحولاً استراتيجياً في السياسة الخارجية المصرية باتجاه دول البريكس ومبدأ التعددية القطبية بديلاً للتبعية للولايات المتحدة. وهو بالضبط ما تخشى الولايات المتحدة أن تفعله مصر!
كما أشار الرئيس بشار الاسد في مقابلته مع قناة الميادين فإن من السابق لأوانه اطلاق استنتاجات حول ما ستؤول إليه الأمور في مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. لكن من المؤكد أن رد فعل الحكم الجديد في مصر على تقليص المساعدات الأمريكية من خلال تطوير العلاقة مع روسيا هو تطور إيجابي بالاتجاه الصحيح الذي يخدم مصلحة سورية والعرب والأفارقة وشعوب العالم الثالث. وكان نبيل فهمي قد قام بزيارته الدولية الأولى لروسيا وليس للولايات المتحدة في شهر أيلول المنصرم.
ولا شك بأن من يختزلون المشهد السياسي بمقياس الأبيض أو الأسود لن يستطيعوا فهم ما يجري في مصر (أو غيرها) في صيرورته وانتقاله الممكن إلى كائن. فلو قمنا بجردة حساب مصرية سريعة بعد الإطاحة بالإخوان فإننا يمكن أن نلحظ الجوانب الإيجابية التالية:
1) تلقي مشروع أخونة المنطقة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية ضربة تكسر الظهر في مصر وفي الإقليم،
2) إخراج مصر بما تمثله من ثقل ووزن من المعركة ضد سورية، وانتقالها إلى معارضة العدوان عليها،
3) فتح آفاق فك التبعية بعد تدهور العلاقات بين مصر وبين الغرب وفرض العقوبات عليها، ويلاحظ بالذات هنا الموقف السلبي لصندوق النقد الدولى من الحكم الجديد في مصر.
وفي الجانب السلبي نلاحظ ما يلي:
1) أولاً وقبل كل شيء استمرار وجود السفارة الصهيونية في القاهرة ومعاهدة كامب ديفيد كما كانت أيام مرسي ومبارك،
2) تشديد الحصار على غزة مما يسبب معاناة شديدةً لأهلها،
3) ازدياد التنسيق مع العدو الصهيوني خاصة لجهة تأمين حرية الحركة للعمليات الأمنية في سيناء.
من البديهي أن دخول حكام السعودية والخليج على خط دعم مصر بالمساعدات جاء لمنع انزلاقها بسرعة نحو دول البريكس، وأن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة اصابه الرعب، ضمن السياق نفسه، من تحرر مصر من الهيمنة الأمريكية إذا تم إيقاف المساعدة الأمريكية بالكامل. كذلك من الواضح أن الإسلامويين كانوا قد هددوا بتفجير الوضع أمنياً بصورة علنية لو تمت الإطاحة بمرسي وحكم المرشد، وأن مصر لا تستطيع أن تخوض معركة ضد الإرهاب في سيناء وبقية مصر وظهرها مكشوف للكيان الصهيوني. ومن المفهوم بمنطق الجغرافيا السياسية أن الحكم الجديد في مصر لا يستطيع ترك موطئ قدم للإخوان المسلمين في غزة بعدما أطاح بحكمهم في القاهرة (ولا ترك موطئ قدمٍ للإخوان في الخرطوم بالمناسبة!).
من المهم أيضاً أن لا تكون نوايا الحكم الجديد في مصر مكشوفة للطرف الأمريكي-الصهيوني إذا كان يضمر الانقلاب على كامب ديفيد، ولا نقول أن ذلك هدفه، إنما نقول أن مصر اليوم على مسار تصادمي مع الغرب، وأن عاقبة ذلك لا يمكن أن تكون حميدة بالنسبة لكامب ديفيد والسفارة الصهيونية في القاهرة. لكن خيار التفاهم مع نتنياهو، وهو الخيار الذي نحا حكام السعودية باتجاهه من منطلق أخر هو فرض الرجعية على المنطقة، يبقى مطروحاً على الطاولة أيضاً لتخفيف الضغط الأمريكي عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن.
السؤال الوحيد يبقى: هل يعتبر مثل ذلك الخيار استراتيجية أم تكتيكاً بالنسبة لحكام مصر الجدد؟ وهل وضعوا في اعتبارهم أن من حرك الإسلامويين في سورية ودعمهم في ليبيا قد يكون نفسه من يحركهم ويدعمهم في سيناء ومصر؟!!
نقطة أخيرة: زيارة كيري للمنطقة ككل، وليس فقط لمصر، أتت في وقتٍ تعاني فيه الإدارة الأمريكية إشكالات جمة مع حلفائها التاريخيين في المنطقة، مع السعودية والكيان الصهيوني بسبب تراجعها عن العدوان المباشر على سورية، ومع المغرب بسبب المشروع الأمريكي لتوسعة صلاحيات الأمم المتحدة في الصحراء الغربية تمهيداً لفصلها.. ومع تركيا وقطر بسبب عدم دفاعها عن دورهما الإقليمي. فثمة ظرف إقليمي أتاح لمصر أن تخطو خطوة صغيرة باتجاه التخلص من التبعية. فمصر ليست معلقة في فراغ، وتحكمها قوانين الجغرافيا السياسية كغيرها.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=757864504230787&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً