Qawmi

Just another WordPress site



د. إبراهيم علوش

البناء 9/10/2013


كان أحمد الجربا رئيس “الائتلاف الوطني السوري” قد أعلن استعداده لإرسال ممثلين لمؤتمر جنيف 2 بعيد لقائه مع بان كي مون في نهاية أيلول، لكن ردود الفعل السلبية إزاء ذلك الإعلان داخل الائتلاف وخارجه، ومنه إعلان جماعة “الإخوان المسلمين” في سورية بأنهم قد ينسحبون من الائتلاف، والإنشقاقات الميدانية التي تلت باتجاه الجماعات التكفيرية، أدت تدريجياً لرفع سقف شروط مشاركة “الائتلاف” في جنيف 2 إلى حدود تعجيزية، وصولاً للتشكيك بحضوره في مؤتمر صحفي باسطنبول في 7/10/2013 إلا بضمانات سعودية وقطرية وإماراتية وأردنية… وبإشراف “الجامعة العربية”!



جاء ذلك بعد يومٍ واحد فقط من إطراء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على تجاوب سورية السريع مع القرار 2118، وعلى إعلان كيري ولافروف بعيد لقائهما في أندونيسيا بأن الحل في سورية سياسي، وأن الولايات المتحدة وروسيا ترغبان بعقد مؤتمر جنيف 2 في منتصف شهر تشرين الثاني المقبل.



الجديد في المشهد اليوم هو معاندة الفصائل السورية المسلحة الممولة خليجياً والمدعومة تركياً للتفاهم السياسي المتبلور بين روسيا والولايات المتحدة حول سورية، وشجبها لتراجع الولايات المتحدة عن القيام بضربة عسكرية لسورية، وإصرارها على تصعيد نبرة الخطاب الإعلامي وعلى تصعيد التفجير الميداني حتى والكفة تميل لغير مصلحتها، وقبل تصريحات الجربا كان ما يسمى “الجيش الحر” و”المجلس الوطني” قد أعلنا مواقف متشددة بصدد لجنيف 2.



يفسر بعض المحللين ذلك المشهد بالصراعات الضارية بين الجماعات السورية المسلحة وعدم قدرتها على الاتفاق على برنامج سياسي موحد أو أطر تمثلها في جنيف 2، لكن تلك الجماعات تعرف جيداً أنها ما كانت لتستمر أسبوعاً لولا الدعم المالي والعسكري والغطاء السياسي الذي يقدمه لها حكام الدول المنخرطة عبرها بالعدوان على سورية، فمعارضتها للحل لا تأتي بدون رضا أسيادها ومموليها. لذلك فإن التفسير الأكثر ملاءمة للعناد ووضع العصي في دواليب الحل السياسي هو ببساطة أن القيادة السعودية لا تريده، كما لا تريده القيادة القطرية، وعلى هذه النقطة بالذات يتفق الطرفان اللذان سبق أن تصارعا بضراوة سورياً وإقليمياً.



وفيما تبدو الدبلوماسية الروسية وكأنها تنجح، بعد دفع الضربة العسكرية عن سورية، بإبعاد الولايات المتحدة عن الجماعات المسلحة السورية التي باتت تعلن رفضها للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 إلا بشروط تعجيزية، فإن التقارب الإيراني-الأمريكي ظهر بدوره وكأنه يعزل القيادة السعودية التي لا تملك إستراتيجية عليا سوى التبعية للولايات المتحدة، ومن هنا جاءت الخطوة الخليجية للتواصل مع الكيان الصهيوني بغرض ممارسة ضغط وتأثير داخل الولايات المتحدة يدفع باتجاه إعادة عقارب الساعة الإقليمية إلى اللحظة التي كانت فيها الولايات المتحدة على وشك أن تضرب سورية وتصعد ضد إيران. وكانت قيادات صهيونية مختلفة قد عبرت بدورها علناً عن امتعاضها من تراجع الولايات المتحدة عن ضرب سورية ومن انفراج الأجواء الأمريكية-الإيرانية.



إذن بعدما عجزت تركيا وعجز الكيان الصهيوني وحكام الخليج عن إسقاط الدولة السورية راحوا يدفعون باتجاه تدخل عسكري أمريكي مباشر في سورية، لكن الولايات المتحدة غير مهيأة لدخول حرب أخرى، فالذكرى المرة لتجربتي أفغانستان والعراق، والأزمة المالية للحكومة، والضربة الاستباقية للدبلوماسية الروسية شقت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة بصدد سورية، ومن هنا لم يعد من الممكن البقاء إلى ما لا نهاية ما بين تأجيل الحل السياسي، الذي تدخل حكام الخليج وتركيا لإعاقته مراراً منذ أيام هيلاري كلينتون، وبين انتظار وعود حسم الجماعات المسلحة للصراع في سورية بلا سلاح إستراتيجي مضاد للدبابات والطائرات تخشى الولايات المتحدة أن يقع في أيدٍ غير مأمونة بالنسبة لها.



باختصار، التوازن الحالي غير مستقر، وغير مضمون، على الرغم أنه يسير أكثر وأكثر لمصلحة سورية وروسيا وإيران حالياً. والرهان يبقى على قدرة الجيش العربي السوري ميدانياً على تقويض أي أمل لدى النخبة الحاكمة الأمريكية بأن الدولة السورية يمكن إسقاطها عسكرياً من الداخل، وعلى قدرة روسيا على الوصول لتفاهمات مع الولايات المتحدة يمكن فرضها فرضاً على حكام الخليج وتركيا… والعائق هو اللوبي الصهيوني طبعاً وهو ليس عائقاً سهلاً بكل تأكيد ولن يتورع عن محاولة ابتزاز كل الأطراف بدون استثناء لتحسين شروط وجوده وهيمنته. وبالنهاية يتقاطع إبقاء سورية في حالة استنزاف مع الإستراتيجية الصهيونية والأمريكية طويلة المدى.


للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=738384962845408&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1&relevant_count=1

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *