كيف يواجه حزب الله الحملة ضده في الشارع العربي؟

الصورة الرمزية لـ ramahu




د. إبراهيم علوش

الأخبار 2/10/2013

مع انخفاض فرص العدوان العسكري الأمريكي المباشر على سورية، دون انتهائها، ودون انتهاء أشكال  العدوان الأخرى على كل محور المقاومة في المنطقة لا على سورية وحدها، لا بد من العودة للسياق الدولي عامة والإقليمي خاصة الذي انطلق منه ذلك العدوان… وهنا لا نستطيع إغفال الربط الذي يقيمه أعداء محور المقاومة – ولو اغفلناه نحن – ما بين سورية وحزب الله وإيران، ولذلك تنصب السطور التالية على معالجة  مسالة محددة هي حملة التعبئة والتحريض ضد حزب الله في الشارع العربي، أي خارج لبنان، ووضع خطوط عريضة لكيفية مواجهتها، وهي الحملة التي يجد حزب الله نفسه غير قادر على تجاهلها فيما يتدفق سيل التكفيريين القادمين لقتاله من دول عربية مختلفة إلى لبنان ومحيطه، أو على الرد عليها بفعالية خارج حدود لبنان دون أن يُتهم بالتدخل في “شؤون الدول العربية” و”توريط لبنان” الخ…



أساس معضلة حزب الله هنا أنه رسم لنفسه حدوداً ضيقة أصغر منه بكثير ومما انجزه وما هو قادرٌ على إنجازه وهي الحدود التي تفرضها لبنانيته أولاً، كحزب يتمحور برنامجه موضوعياً حول مقاومة صهينة لبنان وأمركته،  وكحزب غير طائفي رفض الدخول في الصراعات الأهلية اللبنانية منذ تأسس (حتى باتت تهدد مشروعه المقاوم، وفقط بمقدار ما تهدده)، لكنه بقي بالرغم من ذلك حزب “طائفة”، اي أن قاعدته التنظيمة بقيت منحصرة في تلك الطائفة على الرغم من أن قاعدته الجماهيرية تتجاوز تلك الطائفة بمئات الآلاف في لبنان، وبالملايين في الوطن العربي، إن لم نقل عشرات الملايين… بدون أدنى مبالغة، خاصة منذ تحرير جنوب لبنان في أيار من العام 2000.



على سبيل المثال، عندما يكون هناك خطاب للسيد حسن نصرالله، فإن مشاهديه في دول المغرب العربي وحدها، أو مصر، أو الجزيرة العربية، ناهيك سورية وفلسطين والأردن، يكون اضعافاً أكثر من مشاهديه اللبنانيين.  فحسن نصرالله، غير حزب الله، لا يمكن اعتباره شخصية لبنانية فحسب، كما لا يمكن اعتبار حزب الله بما يمثله من قوة رادعة للكيان في الإقليم ومن نموذجٍ مقاومٍ قوة لبنانية فحسب.



وقد بذل حزب الله وسماحة السيد جهوداً كبيرة، بمعنى تجاوز نفسه، لجعل البيئة اللبنانية بيئة حاضنة للمقاومة، أو على الأقل غير معادية لها، فأصبح برنامجه الفعلي لبنانياً التأقلم مع الخصوصية اللبنانية متخلياً أو مؤجلاً لآجل غير مسمى فكرة تأسيس جمهورية إسلامية على النمط الإيراني التي تبناها عندما انطلق، وكان ذلك ضرورة موضوعية للتعايش مع البيئة اللبنانية بما تحتويه من تنوع وتعدد وتأثيرات خارجية وتحولات سريعة في المواقف على مستوى الأفراد والجماعات.  وهو تطور مهم على الصعيد المرونة الفكرية وعلى صعيد تركيز الجهود على تحشيد كل القوى والإمكانات ضمن مشروع وطني لبناني هو في حقيقته مشروعٌ قومي عربي.



ومع أن حزب الله قدم دعماً كبيراً للمقاومة الفلسطينية، وبدرجة ما لمقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، وبالرغم من الضربة الوقائية المحدودة في القصير، فإن الحزب بقي حزباً لبنانياً لا يتدخل في الشأن الداخلي العربي، ولا يطرح مشروعاً سياسياً أو تنظيمياً أو جماهيرياً خارج حدود لبنان.  وبقي ضمن لبنان مصراً بأنه لا يسعى لاستلام السلطة أو تقاسمها أو التدخل فيها ما دامت لا تتدخل بمشروع المقاومة.



أما بالنسبة للابتعاد عن السلطة ومفاسدها والتركيز على مشروع المقاومة فذلك ما يزيد حزب الله تألقاً وجاذبية بالنسبة لعدد كبير من اللبنانيين والعرب، لكن الزاوية الحادة التي لا يوليها حزب الله الأهمية الكافية هي جاذبيته لملايين العرب العاديين، من غير الشيعة بالمناسبة، بل من المسلمين السنة والمسيحيين والعلمانيين وعامة الناس…  فذلك ما يقض مضاجع أنظمة كثيرة لأنه احتياطي استراتيجي كان يمكن أن يتحول لمشروع تغيير سياسي كبير في الوطن العربي، كما في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر مثلاً.



لكن تحقيق مثل ذلك المشروع كان سيتطلب قيام حزب الله بتجاوز نفسه من نواحٍ أخرى عقيدية وتنظيمية، بمعنى طرح مشروع قومي عربي فعلياً، وتجاوز قاعدته التنظيمية التقليدية من أجل تأطير قاعدته الجماهيرية الكبيرة التي أنتجها بمقاومته ذات البعد القومي، ولو لم يكن يتبنى النهج القومي العربي.  أي أنه كان سيتطلب تجاوز “الخصوصية اللبنانية” و”الخصوصية الشيعية” في آنٍ معاً.



ولسنا هنا بمعرض إقناع حزب الله بتجاوز خطه السياسي أو توسيع قاعدته التنظيمية، فذلك أمرٌ يعود له ولقيادته وعناصره ولخياراتهم، إنما ثمة مشكلة كبيرة الآن يعانيها حزب الله بسبب حجم شعبيته ودوره العربيين تتمثل بالتحريض الطائفي السني-الشيعي المسعور في عموم الشارع العربي، حتى في بلد كالأردن يقل فيه عدد الشيعة كثيراً، وكثيرٌ من ذلك التحريض يمس حزب الله مباشرة، ويستهدف محاصرته سياسياً وعزله جماهيرياً، وإسقاط نموذج المقاومة الذي يمثله في الشارع العربي، وهو ما وضع حزب الله في حالة دفاعية فعلياً.



وقد أثمر ذلك التحريض الأعمى الممول خليجياً عن تحول عشرات آلاف الشباب العرب إلى قنابل موقوتة قادرة على تجاوز كل المعايير الإنسانية والدينية والوطنية في سعيها لمقاتلة “الرافضة”، فالمسألة لم تعد مجرد تحريض، بل تحولت إلى مشروع محدد يستند لاختراق الأراضي السورية لمحاصرة قواعد المقاومة ووضربها من الخلف، ناهيك عن اختراق هذا التحريض والتمويل لجمهور واسع من الشباب اللبناني الذين كان آباؤهم وأمهاتهم يوماً ما أنصاراً للتيارين القومي العربي واليساري في لبنان.



ومع الدعم الكامل لدور حزب الله في القصير، الذي ارى أنه تأخر في التدخل فيها، وفي غيرها، أولاً بحكم واجب دعم سورية، وثانياً لأنه مستهدف مباشرة مما يجري في سورية، فإن حزب الله لا يستطيع أن يستمر في محيط يتزايد عداء له على المستوى العربي أو اللبناني بفعل التحريض الطائفي والتمويل البترودولاري، وقد يضطره ذلك لتقديم تنازلات صعبة داخل لبنان نفسه أو لخوض معارك عسكرية داخلية أكثر ضراوةً ظل يتجنبها بقوة ما أمكنه ذلك.



لذلك بدون أن يضطر حزب الله لتغيير نهجه السياسي أو برنامجه، وبدون أن يتدخل في شؤون الدول العربية، لا بد له أن يفكر بمحاصرة الفتنة الطائفية في الشارع العربي، لا اللبناني فحسب، كإجراء للدفاع الذاتي، يعتمد على “القوة الناعمة” التي يعتمدها خصومه ضده.



أخطر شيء يمكن أن يفعله حزب الله، في الرد على مثل هذه الهجمة المسعورة، هو الرد عليها بهجمة طائفية مقابلة تحت عنوان “نحن الشيعة”، لأن ذلك هو بالضبط ما يود أن يجره خصومه إليه ليحرقوه سياسياً وطائفياً.



بالمقابل، ثمة قوى وجهات وشخصيات إسلامية سنية (ومسيحية) متنورة ووطنية في لبنان والشارع العربي معادية للتكفيريين ولفكر البترودولار ولأعداء الامة، وهؤلاء يتوجب على حزب الله أن يشجعهم على تأسيس تيارات وجمعيات ومؤتمرات وإصدار منشورات خاصة بهم لأن وجودهم وامتدادهم يقلص جماهيرية التأثير التكفيري بالضرورة.



كذلك يمكن القول أن انتشار الفكر والخط القومي واليساري والعلماني يشكل نقيضاً موضوعياً للفكر التكفيري والإخواني، ولذلك فإن من مصلحة وواجب حزب الله أن يشجع هؤلاء وأن يعقد التحالفات معهم وأن يساعدهم على تعزيز وجودهم لأنهم كانوا ويبقون حاجز النور أمام تمدد الظلام في المجتمع العربي.



إذن ما سبق لا يتطلب من حزب الله أن يؤسس فروعأً في الدول العربية، أو أن يتدخل فيها بأي شكل، لكنه يتطلب من حزب الله أن يحترم حيز حلفائه في الاختلاف معه على بعض النقاط العقائدية أو السياسية ما داموا يدعمون المقاومة بإخلاص.



ضمن فكرة احترام حيز الحلفاء، ربما يعرف حزب الله أن في المجتمع العربي ملايين يحبونه ولا يحبون إيران بالضرورة، وهذه نقطة أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار جدياً، مهما بدت غير مريحة بالنسبة له.  وليس المطلوب منه على الإطلاق أن يهاجم إيران طبعاً، أو أن يفتعل خلافات معها، ولكن ثمة مفاصل لا بد من إبراز التمايز فيها، حتى يجهض فكرة أنه مجرد “اداة إيرانية في الإقليم”.. على ما يروج خصومه.



مثلاً فعل السيد حسن نصرالله خيراً بعيد الإطاحة بمرسي في مصر عندما تجاهل القضية تماماً فيما كان موقف إيران هو التعاطف مع مرسي…



للمشاركة على الفيسبوك:


https://www.facebook.com/photo.php?fbid=734589409891630&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..