من العراق للبحرين، حراك المحاصصة الطائفية حراكٌ للتدمير لا للتغيير

الصورة الرمزية لـ ramahu



ثمة أزمة مصداقية وأخلاقية يعاني منها من يناصر حراكاً شعبياً دون أخر بناء على نفس المقاييس… فمن غير المفهوم مثلاً أن يناصر المرء الحراك الشعبي في العراق وأن يعارض الحراك الشعبي في البحرين، أو العكس إذا دعم المرء الحراك الشعبي في البحرين دون العراق.

وليس المقياس الأول لدعم أي حراك هو مدى صحة المظالم الحقيقية أو المفترضة التي تخلق الظروف المؤاتية للحراك، مع أن هذا مهم، لكن الأهم منه هو:

أولاً، أن يكون برنامج الحراك وطنياً، بمعنى الانطلاق من معالجة القضايا الوطنية من منظور مصلحة البلد ككل، ومن منظور مصلحة الأمة العربية، لا من منظور مصلحة هذه الطائفة أو تلك، أو هذا العرق أو تلك الجهة أو تلك.

ثانياً، أن تكون قيادة الحراك مكونة من شخصيات وقوى وطنية وقومية، لا من عناوين طائفية أو عرقية أو جهوية فئوية.

ثالثاً، أن يكون الحراك مفعّلاً من الداخل، المحلي والعربي، لا مرتبطاً بقوى الهيمنة الخارجية بغض النظر عن اسمها، وأن يكون بالأخص مناهضاً للإمبريالية والصهيونية واذنابهما، دون أن يصبح ذلك ذريعة للتفريط بالسيادة القومية ولو لجهة حليفة.

ونلاحظ بالمقابل أن الحراك “الشعبي” في العراق والبحرين يفتقد لكل تلك الشروط، وأنه لا يطرح برنامجاً وطنياً، ولا ينطلق من انتماء عروبي، ولا تقوده قوى وشخصيات وطنية وقومية، ولا يمكن تنزيهه عن أجندة قوى الهيمنة الحارجية، الإقليمية أو الدولية، بل هو حراك يرفع المحاصصة الطائفية عنواناً، وتسيره قوى وشخصيات طائفية، ويصب مباشرة في طاحونة قوى الهيمنة الخارجية.

والحراك الذي تكون عناوينه وآلياته وقيادته طائفية، ومؤداه توسع النفوذ الإقليمي للقوى الطامعة بنا على حساب العرب وطناً وشعباً ومشروعاً، هو حراك غير جدير بالدعم، حتى لو حركته مظالم حقيقية.

والحراك الذي لا يتخذ استقلال العرب وتحررهم وتوحدهم ونهضتهم شعاراً له يبقى حراكاً عليه علامات استفهام كبيرة ولو صب عندنا أو في خانتنا مؤقتاً، ولا يمكن أن يكون تقاطعنا معه، كمشروع قومي عروبي، إلا مؤقتا، لأنه حراك تفكيكي بالضرورة.

ومن البديهي أن حسابات دولة قومية عروبية محاصرة، تتعرض لخطر التفكيك ويتم استهداف مؤسساتها مباشرة، مثل سورية، لن تكون نفسها حسابات تيار قومي عربي شعبي صاعد متحرر من حسابات الدولة… والدولة المحاصرة المستهدفة من حقها ومن واجبها أن تستخدم كل الأوراق المتاحة لها.

فليكن واضحاً إذن أن الحديث هنا لا يدور حول تحالف القيادة السورية الضروري مع إيران في هذه المرحلة، ولا عن علاقة حزب الله الضرورية مع إيران، بل يدور حول تقييم الحراك الشعبي العربي داخل وخارج البحرين والعراق الذي لا يتبنى برنامجاً وطنياً أو عروبياً، ولا تقوده شخصيات قومية أو عروبية.

ونلاحظ بالمقابل أن السيد حسن نصرالله، وقيادة حزب الله عموماً، هي شخصية وطنية وعروبية، وأن دور السيد والحزب، في منع صهينة لبنان وأمركته هو دور وطني عروبي، فيما لا ينطبق الحكم نفسه على معظم القيادات الشيعية والسنية في العراق مثلاً.

ولو كان شعار “إسقاط النظام” في البحرين والعراق، غير طائفي، وغير مرتبط بقوى الهيمنة الخارجية، الإقليمية أو الدولية، لاختلف التقييم بالضرورة.

أخيراً، في الوقت الذي يجب أن نتفهم فيه جيداً استحقاقات علاقة حزب الله وسورية مع إيران، فإن ذلك لا يجوز أن يصبح بالنسبة لنا كقوميين عروبيين رخصة لدعم الأجندة الإيرانية في الخليج العربي، ولدعم تمدد النفوذ الإيراني، حتى ونحن نؤكد أن العدو الحقيقي لهذه الأمة هو الإمبريالية والصهيونية وأذنابهما، لا إيران، خاصة في هذه المرحلة.

فالعروبي الحقيقي يرفض أي هيمنة خارجية بغض النظر… ولو غضب طرفا النقيض من مثل هذا الموقف.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..