(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج 46
بيان ضد القرضاوي يدين تجاوزاته على ثوابت الأمة والدين، ومحاولته تجيير الدين الحنيف لخدمة أجندات مشبوهة لمصلحة قوى محلية متواطئة مع دول استعمارية عالمية وأخرى إقليمية لها مطامع واضحة في الإقليم
رد وتنديد بتصريحات القرضاوي لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في 8/12/2011 التي برر فيها التدخل الدولي في سوريا، ودعا للتعامل بحكمة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة
لقد تحول الداعية الإسلامي الذي سوقته للجماهير أجهزة الإعلام الخليجية وخاصة القطرية إلى مثير للفتنة والصراعات المحلية، وقد تسببت فتاواه الحديثة في إراقة دماء الآلاف من الأبرياء والآمنين وإلى تدمير البنية التحتية وتهديد السلم الأهلي في أكثر من دولة عربية، هذه الفتاوى التي ناقض فيها نفسه في فتاواه السابقة المعروفة التي كانت تحرم اللجوء للعنف من قبل جماعات إسلامية في الجزائر ومصر وليبيا، تحديداً حين كان ينعت الجماعات التي تلجأ للعنف في مواجهة الحكومات بالتطرف والجهل بمقاصد الدين العامة وأولياته، فإذا به ينقلب بين ليلة وضحاها إلى منظر ورائد من رواد جماعات العنف السياسي المنظم ويحوِّل الجهلة والمتطرفين، حسب ما نعتهم بالأمس، إلى ثوارٍ مصلحين ودعاة مخلصين يذودون عن حمى الدين القويم. وما هم بمصلحين ولا مخلصين، بل هم مفسدون، “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” (سورة البقرة 11 و12).
وكأن التشريع الفقهي عند الشيخ ليس أكثر من عجينة مرنة يشكلها حسب أهوائه وأهواء من يدين لهم بالشهرة والغنى الفاحش، فيا له كيف “اشترى بآيات الله ثمنا قليلاً” (التوبة 9)!
ها هو الذي يقدم نفسه للأمة على انه احد مجددي الدين وعماد المدرسة الوسطية المعتدلة في القرن العشرين يفتي بخلع هذا الحاكم وبقتل ذاك وسفك دمه، وبجواز الاستعانة بأعداء الأمة والطامعين فيها وبالتمكين لهم في بلادنا، وفي نفس الوقت يحرم على المتظاهرين في بلد آخر مجرد التظاهر للمطالبة بحقوقهم لأن مطالبهم تتعارض ومصالح النظام النفطي الخليجي، حتى لقد غدت بلادنا أو أوشكت أن تتحول إلى ساحات حروب وشقاق ونزاع وفتن وظلمات يقتل فيها الأخ أخاه ويستحل فيها الجار مال وعرض جاره ولا يأمن فيها المرء على نفسه وماله.
أين الدين من القرضاوي وأمثاله من شيوخ السلاطين وما يدعون إليه من إسلامٍ معتدل؟! هل الاعتدال في الدعوة للقتل وللتعاون مع الأجانب من أعداء الأمة؟!
أين الدين من إثارة الفتن واستباحة الأوطان للأجنبي ليعيث فيها فساداً وتدميراً بأموالنا ومقدرات الأجيال القادمة وتبريكات أئمة الضلال والقلاقل؟!
وأين الدين من هرطقات المصاب بفايروس عشق الناتو وسفك دماء الأبرياء المدعو يوسف قرضاوي الذي حمله إمام وخطيب الحرم المكّي الشيخ عبد الرحمن السديس مسؤولية الدماء التي سفكت في ليبيا وسوريا؟!
يوسف قرضاوي يتخذ من قاعدة أمريكية اسمها قطر ملاذا له، والأجدر به أن يقول قول الحق في وجه سلاطين العمالة والتبعية في الخليج وممالك العرب. ولعل ما صرح به في نفس المقابلة للفايننشال تايمز حول أمكانية التعايش مع العدو الصهيوني يفسر السياق الذي يتخذه في معاداته للنظام في سوريا ويلقى الضوء على اصطفافه ومن هم على شاكلته. وإذا كان يفتى بمنفعة التدخل الناتوي صراحة فهو غير جاهل بمفاسده، علما بأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، هذا لو قبلنا جدلا بوجود أي منفعة لاستقدام العدو إلى أرضنا أصلا وفى ظل نظام يدعم المقاومة. ونسوق هنا الحكم الشرعي الثابت القاضي بحرمة الاستعانة بعدو للأمة في الصراعات المحلية، وبإجماع الصحابة على رفض الاستعانة بالروم في الصراع الدموي الذي دار بين علي ومعاوية، وبإجماع فقهاء الشام ومصر على حرمة الاستعانة بالفرنجة ضد السفاح الظالم حاكم مصر شاور زمن نور الدين وصلاح الدين.
يوسف قرضاوي، ببساطة، بعيد كل البعد عن جوهر الدين ومقاصده، ولهذا بات مع غيره من فقهاء السلاطين أداةً لتهديم الأمن القومي العربي تستخدم الدين لتمرير المشاريع التي تخدم الإمبريالية والصهيونية، وتعمل على تشويهه عن طريق توظيف الفتاوى في خدمة أعداء الأمة، وهو ما ينسجم تماماً مع مشروع إنتاج أنظمة وتيارات وشخصيات توالي الغرب وتزعم الإسلام، والقرآن واضحٌ وضوح الشمس في هذا، كما جاء في سورة الممتحنة، الآية رقم 9: “إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”، وكأنما هذه الآية قد نزلت في الصهاينة الذين أخرجونا من ديارنا وحلفائهم في الناتو.
لكن يوسف القرضاوي ومن هم على شاكلته ليسوا مشكلة فقهية فحسب، بل مشكلة سياسية وطنية بامتياز، تتدثر بعباءة الدين لخدمة أهداف سياسية للقوى المهيمنة على الثروة والسلطة والقرار في زماننا الراهن. ونحن لسنا من دعاة “الوسطية” و”الاعتدال” بالمعنى الذي طرحه مركز راند عام 2005 مثلاً لإنتاج “إسلام مدني ديموقراطي” على مقاس المصالح الأمريكية، فتلك مفاهيم استشراقية لا شأن لنا بها. بل نرى أن الدين، فضلاً عن أبعاده الروحية، يجب أن يركز في مرحلة التحرر من الأجنبي على التصدي للممارسات التي تخدم استمرار تنصيب الأجنبي وصيا على امتنا، والتحريض علنا ضد وجوده والتعامل معه، والاصطفاف إلى جانب القوى الفاعلة ضد التدخل الأجنبي – بعيدا عن الانجرار وراء الشعارات والتوصيفات المخلة بحقيقة الدين كمشروع تحرر.
يوسف قرضاوي يفتي الآن بالتعامل الحكيم مع الكيان الصهيوني بعد فتاواه السابقة بدعم الانتفاضة في فلسطين، وفي تأييد العمليات الاستشهادية، موظفاً رصيده السابق، على طريقة “خذها مني”، لينقض على مواقفه السابقة، دون السماح لأحد بتحليل ما يقول أو مناقشته أو نقضه، ومستخدماً قنوات السيل الإعلامي لتضليل عامة الناس. وهو ما يشابه تماماً ما فعلته قناة الجزيرة في تمرير خريطتها المشوهة والمقزمة لفلسطين.
سبعون ألفاً، بالحد الأدنى، قتلوا في ليبيا بسبب القصف الجوي للناتو والحرب الأهلية المدعومة من الخارج التي أفتى القرضاوي بجوازها. وها هو القرضاوي يدعو لتكرار هذا في سوريا، وإننا لندين ونشجب مثل هذا الموقف المعيب.
ولكن إذا تغاضينا هنيهة عن ضلالات القرضاوي في تبرير التدخل الأجنبي في ليبيا وسوريا، وفي الدعوة للتعاطي المرن مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، دعونا نسأله: ما هو حكم وجود قاعدة العيديد على أرض قطر التي يحمل جنسيتها؟ وما هو الحكم الشرعي بانطلاق الطائرات الأمريكية منها لقتل أبناء الشعب العراقي؟!
ودعونا نسأله: ما هو حكم الحصار الاقتصادي – بل الحرب الاقتصادية – على الشعب السوري؟
ودعونا نسأله: ما هو الحكم الشرعي لمشاريع التفكيك والحروب الأهلية كما في الصومال والسودان، والتي تغض الجامعة العربية الطرف عنها؟
ودعونا نسأله: ما هو الحكم الشرعي لتبعية بعض الأنظمة العربية لأمريكا؟
يسقط فقهاء السلاطين وفتاواهم! وستبقى سوريا حرة عربية!
لائحة القومي العربي
12/12/2011
اترك تعليقاً