ذكرى 15 آيار : فلم (إحتلال 101) الوثائقي قد يسيء أكثر مما يفيد

الصورة الرمزية لـ ramahu

د. إبراهيم علوش

العرب اليوم، 18/5/2010

http://freearabvoice.org/?p=383

الطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة، كما يجري المثل.   ولعل أوسع طريق إلى جهنم في المقاومة الإعلامية والثقافية للخطاب الصهيوني، خاصة ذاك الموجه إلى الجمهور الغربي بالتحديد، ربما ترسمه  محاولة بعضنا ممارسة فهلوة تقمص مفردات الخطاب الصهيوني وأساليبه نفسها التي أسهمت بتشكيل وعي الإنسان الغربي بصدد القضية الفلسطينية. 

هنا قد تحدث “نكبة”، من نوع أخر، فكرية، ثقافية، أو إعلامية، تودي بنا إلى جحيم إدانة أنفسنا بلساننا، على أمل نيل رضا “الغرب”، أو “اليهود التقدميين”.  وإذ نقدم خطابنا المفترض من خلال مفردات الصراع المتفشية في التيار الأساسي في المجتمع الغربي، أو من خلال نماذج الفكر الليبرالي المنطلقة من أولوية الفرد وحقوق الإنسان ومحاربة العنصرية، فإننا نهمش الروابط القومية والحضارية، مثل العروبة الإسلام، وهوية الأرض التاريخية الراسخة، وبالتالي نمسخ قضية فلسطين إلى نزاع حدودي بين عرقيتين أو طائفتين، عرب ويهود، نعترف لكليهما بحق الحياة على الأرض، سوى أن إحداهما ما برحت تسعى للتمدد الاستيطاني على حساب الأخرى!  فيا حبذا لو كفت عن ذلك؟!

القضية بالنسبة للفيلم الوثائقي “احتلال 101” Occupation 101 إذن هي نزاع حدودي سببه جشع اليهود للأرض، بالرغم من استعداد العرب الفلسطينيين للتعايش معهم من حيث المبدأ، وكما تدل مشاريعهم السلمية، فنرجو من الغربيين أن يتفهموا ذلك؟! 

وليس مطلوباً بالطبع أن نقوم بترجمة حرفية من الخطاب القومي أو الإسلامي (المتشدد؟) عندما نخاطب الغربيين، لكن من المطلوب على الأقل أن لا نتخلى عن ثوابتنا، مثل أن الأرض عربية، وأن اليهود فيها غزاة لا حق لهم فيها، وأخيراً وليس أخراً، أن المقاومة المسلحة حق مشروع بكل المقاييس من أجل تحرير أرض عربية الهوية منذ عدة ألفيات قبل الميلاد.

فيلم “احتلال 101” موجود على موقع يوتيوب على الإنترنت في أحد عشر جزءاً، وقد حضره عشرات الآلاف، منذ أن تم إطلاقه في ذكرى احتلال فلسطين (النكبة) عام 2007.  وهو من إخراج وإنتاج وكتابة وتصوير سفيان وعبدالله عميش.  وثمة نسخة من الفيلم على القرص المدمج يتم تداولها أيضاً.  والفيلم بالإنكليزية، غير مترجم للعربية، مدته ساعة ونصف، وعنوانه مستمدٌ من تصنيف المساقات الدراسية في الجامعات الأمريكية، فكيمياء 101 مثلاً تعني مبادئ الكيمياء لطلاب السنة الأولى، وكذلك جغرافيا 101،  رياضيات 101، أو تاريخ الفن 101، الخ… بالتالي فإن “احتلال 101” تعني شرح أسس الصراع وخلفياته للمبتدئين في ساعة نصف. 

لكن بالرغم من محاولة “احتلال 101” الجادة للوصول إلى المشاهد الغربي، خاصة لجهة إيصال بعض حقائق الصراع المغيبة، والمعروفة جيداً بالعربية، فإنه يعاني من عدة ثغرات حقيقية قد تجعله مسيئاً أكثر مما هو مفيد.

أول تلك الثغرات سبقت الإشارة إليها، وهي الإطار العام الذي يصور المشكلة بالمستوطنين اليهود الذين يقضمون الأرض الفلسطينية، وبالتالي يحول قضية عروبة الأرض بشكل عام إلى قضية صراع على الحدود، وعلى حق الفلسطينيين بالعيش (أو التعايش؟) بكرامة على أرضهم إلى جانب اليهود الغزاة.  فبعد المقدمة التاريخية، تتمحور معالجة المضمون في الفيلم حول الضفة الغربية بالتحديد، والقدس الشرقية، وحول مشكلة التوسع الاستيطاني فيهما…  فهل تنتهي القضية الفلسطينية وتُحل لو توقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية مثلاً؟!  وهل يتمثل حل الصراع بالتعايش السلمي بين الغزاة وأصحاب الأرض الأصليين أم بالتحرير؟!

ثاني تلك الثغرات هي أن اثنين وثلاثين متحدثاً وخبيراً بقضايا الصراع العربي-الصهيوني في الفيلم، من أصل خمساً وثلاثين، إما غربيون أو يهود غربيون أو “إسرائيليون”.  وهذه كارثة إعلامية لأنها توحي بأن العرب والفلسطينيين غير قادرين أن يعبروا عن أنفسهم وعن قضيتهم.  كما أن عدداً كبيراً من المتحدثين تحدثوا بصفتهم يساريين “إسرائيليين”، وهذه كارثة سياسية بدورها، لأن تجعل من هؤلاء مرجعية النقاش حول القضية الفلسطينية، بينما هم غزاة على أرض فلسطين مثلهم مثل اليميني الصهيوني أو أي يهودي في فلسطين ما دام يسير على أرضي ويسكن بيتي. 

ثالث تلك الثغرات هي توظيف تلك القلة القليلة من العرب الذين ظهروا في الفيلم، مثل د. رشيد الخالدي في الولايات المتحدة،  ود. إياد السراج في غزة، لإدانة العمليات الاستشهادية الفلسطينية في الخاتمة باعتبارها “غباءً” وما شابه…  بينما المقاومة المسلحة بكل الوسائل حق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال بكل المقاييس.   ومن الواضح أن الشخصيات العربية الثلاثة التي تم اختيارها للتحدث عن الاحتلال، وأحدها من أصل أرمني، معروفة عامةً بتوجهاتها “المعتدلة” وبدعواتها للتقرب من الرأي العام الغربي أو اليهودي، وتقديم “المطلوب” سياسياً لتحقيق ذلك الغرض، وبمواقفها الإيجابية من التمويل الأجنبي، مما يجعل موقفها من العمليات الاستشهادية تحصيل حاصل على أية حال.   لكن من قال أن مثل هؤلاء يستطيعون التعبير بشكل صحيح عن مواقف الشعب العربي الفلسطيني ورؤاه؟!

رابع تلك الثغرات هي الغياب العام للاجئ الفلسطيني خارج فلسطين عن الفيلم بعد المقدمة التاريخية، مع أن فهم أسس الصراع سيصعب كثيراً على المبتدئين إن تم تغييب هذا البعد المركزي الراهن.  وهو من أهم الفروق التي تميزنا عن مثالي جنوب افريقيا أو الهند السلميين، حيث لم يكن أغلب الأفارقة يعيشون خارج جنوب أفريقيا، ولم يكن أغلب الهنود لاجئين في ظل الاحتلال البريطاني، ولم تكن القضية قضية لجوء أو هوية أرض في الهند أو في جنوب أفريقيا.

وإذا كان مخرجا الفيلم قد أصابا شيئاً من النجاح في إبراز بعض الجزئيات والحقائق المغيبة عن وسائل الإعلام الغربية، فإن محاولة تقديم الصراع برمته من زاوية ليبرالية غربية لا يمثل نصراً دعائياً فلسطينياً على الإطلاق، إذا كانت قضية “العنصرية” و”حقوق الإنسان” وإلى ما هنالك، ستصبح بديلاً عن الحلقة المركزية في الصراع، وهي هوية الأرض برمتها، وهل هي عربية أم يهودية.   والقول أن الهوية التاريخية للأرض هي الهوية العربية بالمناسبة لا يعني أن هوية الأرض باتت تاريخاً فحسب يمكن أن نغطيه في الجزء الأول من الفيلم وكفى الله المؤمنين شر القتال، بل يعني أن الأرض تبقى عربية بغض النظر عن الغزاة العابرين.    

نعم، نحن بأمس الحاجة لطرح قضيتنا بطرق مبتكرة ومبدعة.  هذا لا جدال فيه.  لكن ثمة فرق بين طرح القضية الفلسطينية بطريقة تروق لليهود والغربيين وتخدم من يطرحها أحياناً، وبين طرحها بطريقة صحيحة تخدم أصحابها فعلا.   فاستبعاد أصحاب القضية وجعل أكثر من نصف المتحدثين، في فيلم عن قضيتنا، من اليهود أنفسهم قد يعجب المتغربين في العقل والفؤاد، لكنه يكشف أيضاً عن انعدام الثقة بالنفس وعن عقد نقصنا تجاه “الخواجات” الأجانب وتجاه من يحتلون أرضنا من اليهود.  تخيلوا فيتنامياً مثلاً يقدم فيلماً بالفرنسية عن احتلال الأمريكيين لبلاده لا يتحدث فيه إلا أمريكيون، وبضع فيتناميين يدعون للتعامل حضارياً مع الأمريكان في الوقت الذي يرتكبون فيه أبشع الجرائم في فيتنام؟!!

وبجميع الأحوال، علينا أن نعيد النظر بكل هذا التركيز المفرط على الوصول للرأي العام الغربي، وكأن العالم كله قد تقلص حتى لم يبق فيه إلا رأياً عاماً غربياً.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..