لم تعتد الأحزاب اللّبنانيّة والفصائل الفلسطينيّة في مناسبات سبقت أن تحشد أكثر من المئات من الغاضبين والساخطين أمام سفارة “النظام المصري”. كما لم يمثّل هذا الاعتصام حالة مختلفة من حيث العدد الجماهيريّ, فلم تتعدّى المشاركة “المئة” من أربعة تنظيمات حزبيّة وأطراف يساريّة مستقلّة, لم تعمل بالشكل الكافي ومنذ أسابيع على تجييش الساحة تجاه ممارسات النظام المصريّ ضدّ أبناء غزّة, مقابل عتاد أمنيّ مجهّز لاعلان حرب وجيش من الكاميرات المخابراتيّة التي تفوق أعداد المتجمهرين عديدا” في دولة تدّعي مرارا” وتكرارا” ديمقراطيّتها وحمايتها الحريّات العامّة.
وبغضّ النظر عن الأعداد وقيمتها المعنويّة والماديّة في هكذا تحرّكات, الاّ أنّ المشاركين عبّروا اليوم عن رفضهم للتواطؤ العربيّ وعلى رأسه نظام مصريّ يساهم يوميّا” في قتل المئات وجرح الآلاف من الفلسطينيّين بذريعة حماية الحدود والحقوق.
حملوا اللافتات وردّدوا الشعارات المندّدة ورفعوا علما” فلسطينيّا” كبيرا” باتجاه السفارة وقاموا باقفال الشارع المؤدّي اليها. فما قوبلوا من عناصر مكافحة الشغب الملقّبين “بالفهود” الاّ بالعنف والضرب بأسوء مظاهره. ولم يكن اعتداؤهم ردة فعل بل كان موجّها” لاضعاف عزيمة الشباب ومحاولة قاسية لتشتيت الصفوف المرصوصة. وقد تحوّلت العصي في أيديهم وفوهات بنادقهم أدوات لغلّهم الشخصيّ ضدّ المتظاهرين ومنهم الفتيات خصوصا”. أدوات تحتسي الشاي في المحن وتصبّها على ناشطين يعبّرون بأبسط ما لديهم عن سخطهم تجاه كلّ ما يدور من اتفاقيات تحت الطاولات.
من هنا أطلقت أولى بوادر الأمل في “سابقة” لم يشهدها لبنان منذ فترات طويلة وانتفاضة الورق أمست واقعا” على الأرض.
فكلّ هذه الممارسات من السلطات الأمنيّة وعلى حدّتها لم تزد الشباب الاّ ممانعة” واقتناعا” بايصال صوتهم. وبالرغم من أنّ المدّة المقرّرة للاعتصام كانت قد انتهت الاّ أنّهم أصرّوا على مخالفة قرارات بعض قياداتهم الجبانة بالتراجع والانسحاب. وقرّروا على عاتقهم الشخصيّ تحمّل مسؤوليّة ما ينتج عن أحزابهم أو السلطات تجاه ما يقوموا به على الأرض. فمضوا بهتافاتهم التي طالت القيادات وحمّلتها تخاذل الشارع ومشاركتها “بالصمت العربيّ” الذي أصبح عنوانه الرئيسّي “حرق الأعلام” وتلاوة بيانات رفض وشجب وتنديد.
اترك تعليقاً