بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً على القضية، يعود القاضي التشيلي خوان كارلوس للنبش في القضية ، وإحالة العقيد ماريو مانريكيس إلى المحاكمة، بتهمة اغتيال الشاعر والمغني والملحن فكتور جارا …
فيكتور جارا … التشيلي الثوري، الذي صنع بدمه ملحمة فنية ثورية، تسمر لها بدن التاريخ يعود إلينا صدى صوته، ونبش أوراقه من جديد …
في لونكين إحدى قرى تشيلي ، ولد لعائلة من البسطاء والفقراء، درس المسرح والموسيقى، ونصب مديراً للمجموعة الموسيقية كيلبجون ، اتسمت أغانيه بالانتماء للفقراء والفلاحين، وبتلاحم الفن بقضايا البسطاء، لتغدو أغانيه نبض الثقافية التشيلية بدءاً بأغنية ” دعاء للفلاح ” مروراً ب ” أذكرك أماندا ” وهي ابنته التي قد كانت اصيبت بالسرطان وهي في عمر خمسة عشر عاماً لتتحول أغنية اماندا إلى إحدى أشهر الأغنيات الإنسانية في تاريخ تشيلي…
لم تكن أغانيه مجرد كلمات عارية من مصداقيتها، بل صاحبة رسالة قوية، كرسالته للفلاح التشيلي، حين يقول جارا : ” آن لك ان تستريح … “
فيكتور جارا الفنان التشيلي الثوري، كان مؤيداً لحكم الزعيم سلفادور الليندي، حاكم سانتياغو، والذي فاز بائتلاف القوى الاشتراكية ، الشيوعية، واليسارية …
المعارضة بقيادة بينوتشه لم تكن عفوية، بل كانت موجهة ، وكانت مدعومة من قبل ال C.I.A والحكومة الأمريكية والتي كان يرأسها ريتشارد نكسون .وفي يوم الانقلاب، الحادي عشر من أيلول عام 1973 . كانت الدبابات تحاصر القصر الرئاسي للرئيس سلفادور الليندي وتطالبه بتسليم نفسه، والاستقالة، إلا أنه رفض الخروج بل وارتدى الوشاح الرئاسي والذي يميز رؤساء تشيلي. وعندما اقتحموا القصر فضل الانتحار على تسليم نفسه .
مناصري سلفادور الليندي، وأثر وصول خبر اغتياله، نظموا مهرجاناً ثورياً نضالياً في ساحة الملعب ، وكان هناك حاضراً شاعر ومغني الثورة التشيلية فيكتور جارا …
والذي بدأ يغني أغانيه للثورة وللحرية وللفقراء، وكان القهر يمزق أبناء سنتياغو المتواجدين في الملعب، والذين تجاوز عددهم ألوف مؤلفة …
فيكتور جارا غنى لهم العديد من الأغاني … كانت وقفته مهيبة … العام هو 1973، قبل ثلاثة سنوات غنى على نفس الملعب أغنية للشعوب الفقيرة مهنئاً اياهم بفوز الحزب الاشتراكي واليساري ، فغنى لهذا الفوز المبشر بعصر جديد … وهو الآن يغني على اعتاب احتضار هذا الانتصار …
كان يغني وعيناه تقطر دماً … حتى وصلت دبابات
الانقلاب على مشارف الملعب، وحاصروا الملعب وأغلقوا جميع أبوابه … ثم طلبوا من فيكتور جارا كسخرية واستهزاء أغنية النصر للبسطاء التي غناها قبل ثلاثة سنوات لانتصار سلفادور الليندي .. وبدأ فيكتور جارا يغنيها، والمسدسات والبنادق فوق رأسه، بدأ يغنيها ويداه تتمزق من عزف الجيتارا، حتى سال دمه وتجرحت يداه، من شده قهره، ثم بتروا يديه وقهقهوا وصرخوا به أن يعزف الآن، وفعلاً بقي يغني، وغنى أغنية ” المناضل جيفارا ” وغنى لابنته ” أذكرك أماندا ” وغنى … ثم … أردوه قتيلاً ، وأبادوا الألوف المتواجدة في الملعب ، في إحدى أبشع المجازر الدموية …
فيكتور جارا … تحول إلى أحد أهم أركان الثقافة التشيلية، وإلى رمز للفكر الحر …
وبعد مرور أكثرة من ثلاثين عام، على اغتيال فيكتور جارا، يعود الأحرار للنبش في قضيته، حيث يؤكد القاضي خوان كارلوس بانه يملك براهين وإثباتات تؤكد تورط منركيس احد ضباط جيش الانقلاب في اغتيال فيكتور جارا …
الملعب في سنتياغو اليوم يحمل اسم ” ملعب فيكتور جارا ” ، فتح الملف من جديد اعتبره الفنانين والمثقفين في تشيلي ” انتصاراً للثقافة التشيلية ” مؤكدين ان فيكتو
ر جارا لم يقتل إلا لسبب التحامه المستميت في الجماهير وقضاياهم، وقطعه للخط الفاصل بينه والثورة ليمتزجا معاً في ألحان رهيبة تأخذك إلى لب الصراع الإنساني ، وعظمة البسطاء في بناء الحياة …
فيكتور جارا … بعد أكثر من ثلاثين عام، يعود الملف من جديد لعيوننا، وتعود أغانيك تلسعنا … فتح الملف هو نصر للثقافة الحرة، هو تجلي الحق في أبهى معانيه، ودعم للثوار … لن يغلق أي ملف بعد اليوم … فيكتور جارا نعدك … ونعد الثوار … سيثأر لكم البسطاء في كل الملاعب …
لسماع بعض أغاني فيكتور جارا
[youtube]http://www.youtube.com/watch?v=en8yqVxuT-U[/youtube]
اترك تعليقاً