د. إبراهيم علوش
عودة جورج ميتشل، مبعوث الإدارة الأمريكية ل”الشرق الأوسط”، إلى المنطقة لا يحمل معه جديداً هذه المرة سوى تغير لهجة الإدارة الأمريكية واقترابها أكثر وأكثر من الموقف “الإسرائيلي” فيما يسمى “عملية السلام“.
ومن هذه الزاوية تحديداً، زاوية سقوط القناع الذي قدم أوباما نفسه من خلفه للعرب حكوماتٍ وشعباً، يأتي ميتشل ليعتصر المزيد من التنازلات الرسمية العربية والفلسطينية تحت عنوان “إعادة تحريك عملية السلام“.
وعلى رأس هذه التنازلات مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالمشاركة بلقاء ثلاثي مع نتنياهو وأوباما، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الثالث من شهر أيلول الحالي، وهو ما يمثل فعلياً تراجعاً لأوباما، وليس فقط لعباس، عن مطلب ” تجميد الاستيطان”… وكانت السلطة الفلسطينية قد استظلت بهذا الموقف الأمريكي “المعلن” لتقدم نفسها بصورة أقل تهالكاً في العلاقة مع الكيان الصهيوني فتحاوياً وفلسطينياً وعربياً، دون أن يعني ذلك للحظة تخفيف التنسيق الأمني والسياسي مع العدو الصهيوني طبعاً.
ثانياً، يأتي ميتشل ليطالب الدول العربية المسماة “معتدلة”، بأن تقدم جوائز “صغيرة” لإدارة نتنياهو لتوافق على “تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان” في الضفة الغربية (فقط! لا القدس…)، ولكي تقبل الانخراط فيما يسمى “العملية السلمية“. ومن هذه الجوائز الاسترضائية، كما رشح من وسائل الإعلام، السماح للطيران “الإسرائيلي” بالمرور عبر المجال الجوي لتلك الدول، والسماح للأفراد وللوفود السياحية والتجارية والإعلامية “الإسرائيلية” بحرية الدخول والتحرك في الدول العربية والاتصال بالجهات الرسمية فيها، بالإضافة إلى البدء بإعادة فتح الممثليات “الإسرائيلية” التي تم إغلاقها مع الانتفاضة الثانية عام 2000 أو خلال العدوان على غزة… وفوق ذلك، على الدول العربية الاعتراف بالهوية اليهودية لدولة “إسرائيل”… مقابل التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان!
إن مطلب “تجميد الاستيطان” هو مطلبٌ سخيفٌ بكل ما للكلمة من معنى، ويمثل سقفاً أدنى من أي شيء قدمه الرسميون العرب والفلسطينيون أو قبلوا به حتى الآن. وبالتالي فإن تحول هذا المطلب التافه إلى مرجعية للنقاش الدائر حالياً حول ما يسمى “عملية السلام” يمثل نصراً ديبلوماسياً وسياسياً صهيونياً سواء تم “تجميد الاستيطان” أم لا… فالحديث لم يعد يدور حول انسحاب من “أجزاء من الضفة الغربية”، أو حتى من مناطق السلطة الفلسطينية التي تم اقتحامها بعد بدء الانتفاضة الثانية، بل عما هو أقل بكثير.
لكن ميزة ما يجري هنا، بالرغم من طابعه الهزلي والتراجيدي في آنٍ معاً، هو: 1) بدء انكشاف حقيقة إدارة أوباما، وسقوط الأوهام حولها، مما يفقدها القدرة على تقديم نفسها ك “وسيط محايد” أو كمشروع جديد مختلف عن المشروع الإمبريالي-الصهيوني الذي تمثله، 2) انكماش حيز المناورة أمام الجهات الإعلامية والسياسية الفلسطينية والعربية المعادية لنهج المقاومة ولثقافة المقاومة، 3) انكشاف ما يسمى “المبادرة العربية للسلام” أمام التعنت الصهيوني
اترك تعليقاً