الجنرال دايتون: حققنا معجزة.. اسرائيليون يقودون فرقا امنية فلسطينية تفكك المقاومة

الصورة الرمزية لـ ramahu

قوات تدربت في الأردن من قبل الأمريكان

نزور الأردن ومصر وننسق مع دول خليجية وندعم حكومة سلام فياض

الجنرال دايتون: حققنا معجزة.. اسرائيليون يقودون فرقا امنية فلسطينية تفكك المقاومة

 

ـ لا نقدم شيئا للفلسطينيين دون تنسيق مسبق وموافقة اسرائيلية ودعم حكومة سلام فياض من بين مهمامنا

 

 

 

المستقبل العربي

قال الجنرال الأميركي كيث دايتون المنسق الأمني الأميركي بين السلطة الفلسطينية واسرائيل أنه يؤمن بعمق أن المساعدة على حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية.

 

جاء ذلك خلال ندوة نظمها له معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط في السابع من آيار/مايو الماضي، والذي يعتبر من أهم المراكز البحثية المؤثرة في رسم السياسة الخارجية الأميركية، وقد قال دايتون أنه هو نفسه من المتأثرين بالنصائح التي يقدمها المعهد، فضلا عن أن واحدا من مساعديه على الأقل هو من العاملين في هذا المعهد.

 

ويكشف دايتون عن أن فريق التنسيق الذي يقوده يضم ضباطا بريطانيين وكنديين، وأتراك، إلى جانب الضباط الأميركيين. وقال أنه سبق له العمل في البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، كما أنه سبق أن شغل الملحق العسكري الأميركي لدى الإتحاد السوفياتي، ما يدلل على أهمية المهمات التي يكلف بها عادة في تنفيذ السياسات الأميركية في الخارج.

 

ويجاهر دايتون في أن عمله الحالي لا يقتصر على داخل الأراضي الفلسطينية، ويتابع أنه غالباً يزور وفريقه الأردن ومصر، كما سمح لهم بالتنسيق مع دول خليجية.

 دايتون يجاهر أيضا في أن مهمته تتضمن دعم “حكومة سلام فياض المعتدلة في الضفة الغربية”، وأنهم لا يقدمون شيئاً للفلسطينيين “ما لم يتم التنسيق بشأنه مع دولة اسرائيل وبموافقة اسرائيلية”. ويتابع أن فريقه نجح في بناء رجال فلسطينيين جدد، تشكلت منهم ثلاث فرق تعمل بالتنسيق التام مع الجيش الإسرائيل، بل إن الجيش الإسرائيلي تولى قيادة قوة من هذه الفرق عملت مؤخرا على مواجهة قوات المقاومة الفلسطينية في الخليل، حيث قال القائد العسكري الإسرائيلي في المنطقة: «أنا بحاجة إلى مساعدتهم وأنا أثق بهؤلاء الشباب.. لم يعودوا يكذبون علي كما في السابق».

  أما فلسطينيا، فقد تمثل انجاز الرجال الفلسطينيين الجدد في قول دايتون أنهم نجحوا في فرض الأمن في جنين، حيث أصبح “باستطاعة الفتيات المراهقات في جنين زيارة اصدقائهن بعد حلول الظلام ودون خوف من التعرض للهجوم”..!

  ويخلص دايتون من كل ذلك، إلى أن “التغير بين الرجال الفلسطينيين الجدد في العام الماضي كان معجزة”.

  

هنا نص حرفي لحديث الجنرال كيث دايتون:

 

لي الشرف أن أحظى بفرصة التحدث أمام هذا الحضور المتميز. اسمي كيث دايتون، وأنا أتولى رئاسة فريق صغير من الضباط الأميركيين والكنديين والبريطانيين والأتراك ارسل الى الشرق الاوسط للمساعدة على ادخال  بعض التنظيم على  قوات أمن السلطة الفلسطينية.

  يطلق على هذه المجموعة اسم فريق التنسيق الأمني الأميركي، واختصاراً (USSC) . لكننا  في الواقع نشكل جهدا دوليا مشتركا. جميع أعضاء الفريق يتحدث بالإنجليزية، مع تفاوت بسيط في اللكنة [ضحك]. وآمل في هذه الأمسية أن أشارككم في أفكاري حول المواضيع التالية: السلام من خلال الأمن، ودور اميركا في بناء قوات أمن السلطة الفلسطينية. ولكن تذكروا ، وانا اواصل كلامي  بأن اميركا ليست وحدها، بل أيضاً معها كندا، والمملكة المتحدة، وتركيا  من يعمل على هذه المهمة في الوقت الراهن.

  الحديث إليكم حول هذا الفريق، الموجود معظمه هنا الليلة، هو بلا شك نتاج جهد ثمين قام به الباحثون في هذا المعهد. وهذا يذكرني بقصة سمعتها عن ونستون تشرشل. بالمناسبة أنا أحب القصص التي تروى عن تشرشل. وانبهكم بأني ساروي  قصتين في سياق حديثي.

  تقول الحكاية أنه ذات مرة حاصرت امرأة تشرشل واندفعت نحوه بصوت عال قائلة «سيدي رئيس الوزراء ألا يثيرك أن تعلم أنه في كل مرة تلقي فيها خطاباً تمتلئ القاعة وتفيض بالحضور؟».

  قال تشرشل ـ الحاضر البديهة دائماً: نعم سيدتي، هذا يثيرني، لكن  كلما غامرني هذا الشعور، يتبادر لذهني لو أنني كنت على حبل المشنقة، بدل أن ألقي خطاباً فسيكون  الحشد ضعف ما ترين» [ضحك] حسن، الليلة سأكون مباشراً وصريحاً معكم، بصورة تتلائم مع جندي خدم  بلاده قرابة 39 عاماً. سأخبركم عما هو فريد في فريقنا، وما كنا نقوم به، وما آمل أن ننجزه في المستقبل.

  سأتحدث عن الفرص المتاحة وأعرج ملامسا التحديات. سأترك السياسة والسياسات (الاستراتيجيات) لمن هم أكثر معرفة مني بها، فالدول المنخرطة في هذا  المشروع  قد أرسلت ضباطاً ليكونوا جزءاً من فريق العمل على هذه المهمة، ودعوني أستخدم عبارات يرددها الباحثون في هذا المعهد عن السبب في ذلك «إن القوانين السارية في لاس فيغاس لا يمكن العمل بها في الشرق الأوسط» وفي حين أن ما يجري في لاس فيغاس يبقى في لاس فيغاس، لكنه ليس صحيحاً أن ما يحدث في الشرق الأوسط يبقى في الشرق الأوسط.

 

مبادئ عمل فريق التنسيق

 

ونحن جميعاً في فريق التنسيق الأمني نتشاطر القناعة بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو من مصلحة  وطنية لدولنا على التوالي، وبالتالي للعالم أجمع. دعوني في البداية أعرض بعض المبادئ الأساسية التي استند إليها في عملي هذا.

  أولاً: وكما أسلفت، فإني أؤمن بعمق أن المساعدة على حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.

  ثانياً: أنا واحد ممن يؤمنون إيماناً راسخاً بحل الدولتين. دولة فلسطينية تعيش بسلام وأمن إلى جانب دولة إسرائيل، وهو الحل الوحيد الذي يحقق الاحتياجات بعيدة المدى لدولة اسرائيل وكذلك أيضاً يحقق طموحات الشعب الفلسطيني. وشكل هذا التوجه وعلى مدا طويل عماد سياسة قيادتنا القومية، وأنا أشاركها هذا التوجه.

  ثالثاً: دعوني أعلن بشكل واضح وجلي عن قناعتي الراسخة، علماً أنني أقول هذا لأصدقائي الإسرائيليين وبشكل مستمر، بأنه وكما قال الرئيس أوباما في العام الماضي إن الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير قابلة للانفصام لا اليوم، ولا  غداً وستبقى إلى الأبد ً [تصفيق].

  قبل أن أبدأ، أود أن يعلم كل شخص في هذه القاعة أنني أعتبر ـ  وأنا مخلص فيما أقول ـ أن معهد واشنطن أشهر مراكز الدراسات المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، ليس فقط في واشنطن، بل في العالم أيضاً [تصفيق] لم أنته بعد، فانا اقرأ تقارير المعهد، واتحدث إلى الأصدقاء والباحثين فيه حول قضايا هامة. العاملون هنا في المعهد قادرون على  منحك نصائح تتسم بعمق التحليل واللاانحياز. وأنا أعتمد عليها، وأشعر أحياناً أنني قد أفقد البوصلة بدونها.

 

إضافة لذلك ـ وبعضكم يجهل هذا ـ يتميز العاملون في المركز بنكران الذات. السيد مايك ايزنشتات لابد أن يكون موجوداً معنا، هل أنت هنا يا مايك؟ مايك هلا وقفت؟ [تصفيق]، ما لا يعرفه بعضكم ـ لا يا مايك يجب أن تبقى واقفاً [ضحك] هذا أمر ـ ما لا يعرفه بعضكم أن مايك ايزنشتات عقيد احتياط في الجيش الاميركي، وهو مسؤول كبير هنا في المعهد، وقد أنجز مهمة عملية كضابط تخطيط ضمن الكادر العامل معي في القدس [تصفيق]. أريد أن أخبركم أن الحكمة وسعة الاطلاع التي يتمتع بها مايك، قد ساهمت ولا تزال وبشكل فاعل في رسم الخطط الإستراتيجية المستقبلية لنا، ويجب علي يا مايك أن أقول لك إنني فخور بك، والمعهد فخور بك أيضاً، ولك الشكر الجزيل على كل خدماتك [تصفيق].

  فتشت عن الأسلحة العراقية

 

حسن، دعونا نبدأ. لقد وصلت إلى المنطقة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2005 قادماً من البنتاغون في واشنطن، حيث عملت نائباً لمدير قسم السياسة والتخطيط الإستراتيجي في هيئة الأركان. وقبل ذلك كنت في العراق، مكلفاً بمهمة البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. قد يتساءل بعضكم فيما إذا كانت المهمة الموكلة إلي راهناً في الشرق الأوسط هي مكافأة على جهودي المبذولة في العراق، أو ربما كانت فكرة لشخص ما استهدف معاقبتي [ضحك]. سيدي الوزير ولفوفتنز لن أطلب منك أن تقول لي أياً منها الاصوب [ضحك].

  قبل ذلك كنت ملحقاً عسكرياً في سفارتنا في روسيا. لكن في قناعاتي كنت جندي مدفعية [تصفيق]. شكراً لكم، أنا أقدر هذا [ضحك]. وهذا مهم لأن رجل المدفعية تعلم كيفية «ضبط النيران» فأنت تطلق الطلقة الأولى بحيث تكون أكثر قرباً ممكناً من الهدف، مستخدماً كافة المعلومات المتوفرة حولك ثم تطبق تلك المعلومات على الطلقات التالية وتضبط الإحداثيات حتى تصيب الهدف.

  هذا ما فعلناه، على وجه التحديد، أنا والفريق في الشرق الأوسط. لقد أصبحنا متعمقين في فهم سياق ودينامية الصراع من وجهة نظر الجانبين وذلك من خلال التفاعل اليومي معهما على أرض الواقع. وتبعاً لذلك ضبطنا تحديد الهدف. والآن، ظهر إلى الوجود مكتب التنسيق الأمني الاميركي، في آذار/مارس 2005، كمجهود  لمساعدة الفلسطينيين على إصلاح أجهزتهم الأمنية. حيث لم تكن قوات الأمن الفلسطينية تحت سلطة عرفات قادرة على إنجاز التماسك الداخلي، وليس لديهم مهمة أمنية واضحة أو فاعلة.  

  كانت الفكرة من تشكيل USSC (فريق التنسيق الأمني الاميركي) خلق كيان أو جهاز  ينسق بين مختلف المانحين الدوليين في إطار خطة عمل واحدة تنهي حالة تضارب الجهود. وتعبئ المزيد من الموارد وتهدئ من مخاوف الإسرائيليين حول طبيعة قدرات قوات الأمن الفلسطينية. وكان على فريق التنسيق أن يساعد السلطة الفلسطينية على تحديد الحجم الصحيح لقواتها وتقديم النصح لها فيما يتعلق بإعادة بنائها وتدريبها وتحسين قدراتها، لفرض حكم القانون وجعلهم مسؤولين أمام قيادة الشعب الفلسطيني الذي يخدمونه.

 

أسباب اختيار دايتون

 

لماذا اختير ضابط اميركي برتبة جنرال لقيادة عمل كهذا؟ حسن، هناك ثلاثة أسباب. الأول هو شعور صناع القرار السياسي الكبار أن ضابطاً برتبة جنرال سيحظى بثقة واحترام الإسرائيليين. ضعوا هذا في خانة «نعم». الثاني هو أن مقام وهيبة الجنرال سيشكل رافعة للتعاون الفلسطيني مع دول عربية أخرى، بامكانكم وضع هذا في خانة “نعم”. والفكرة الثالثة أن للجنرال نفوذاً اكبر على عملية التداخل بين مختلف الوكالات في الحكومة الاميركية. اثنان من ثلاثة ليس أمراً سيئاً [ضحك]

 

حسن، أين نحن الآن، أو من نحن وكيف  نتلاءم في السياق الإقليمي؟ وهذا مهم بمعيار ما. وسنكون الليلة لطفاء “بخروجنا عن السائد والمتبع”، لندعكم تعرفون من نكون، لأننا لا نقوم بعمل  كهذا في اغلب الاحيان. وكما قلت سابقاً نحن فريق متعدد الجنسيات. هذا مهم. العناصر الاميركيون يخضعون لقيود السفر عندما يعملون في الضفة الغربية. لكن العناصر الكندية والبريطانية لا يخضعون لمثل هذه القيود.

 

في الواقع، معظم المجموعة الإنكليزية ـ ثمانية أفراد ـ تسكن في رام الله. ومن يعرف منكم شيئاً عن المهام في أعالي البحار يعلم أن الولايات المتحدة لا تفهم أن العيش مع الناس الذين تعمل معهم أمر ثمين. أما الكنديون الذين يتجاوز عددهم ثمانية عشرة فهم منظمين في فريق يدعى محاربي الطريق. ويتنقلون يومياً في مختلف أنحاء الضفة الغربية، يزورون قادة أمنيين فلسطينيين، يطلعون على الأوضاع المحلية، ويعملون مع فلسطينيين ويتحرون الامزجة على أرض الواقع.

 

يوفر الكنديون للفريق مترجمين محترفين وهم كنديون من أصول عربية، وعلى صلة مباشرة مع السكان. الكنديون والبريطانيون هم عيوننا وآذاننا. وعندما ألتقي بقادة أمنيين فلسطينيين أو قادة عسكريين اسرائيليين أحضر معي الكنديين والبريطانيين، وكوننا فريق متعدد الجنسيات مسألة  مهمة جداً.

 

هناك نقطة مهمة أخرى وهي أننا منحنا منذ البداية العمل مع كافة أطراف الصراع باستثناء الإرهابيين. وهذا يعني أننا نتعامل بصورة يومية  مع الفلسطينيين والإسرائيليين ـ هذا أمر فريد من نوعه في المنطقة. صدقوا أو لا تصدقوا. في أي  يوم  قد ألتقي في رام الله وزير الداخلية أو قائد قوات الأمن في السلطة الفلسطينية صباحاً ثم ألتقي بالمدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية بعد ظهر نفس اليوم. 

 

غالباً يزور فريقي وأنا الأردن ومصر، وحتى أنه سمح لنا بالتنسيق مع دول الخليج. شعارنا هو التحرك إلى الأمام بحرص وتنسيق كامل مع كل الأطراف. سأريكم في بضع دقائق كيف نعمل. نحن أيضاً مرتبطين بشبكة  مع كافة المبعوثين في المنطقة العاملين في مجال الصراع العربي الإسرائيلي. فريقي وأنا على اتصال يومي مع مجموعة تدعى (EUPOL COPPS) وهو فريق من رجال الشرطة الأوروبيين، الذين يعيشون هناك وهم مسؤولون عن إصلاح الشرطة المدنية الفلسطينية.

 

ونحن نعمل معهم أيضا بصورة مشتركة على إصلاح النظام القضائي. كذلك نحن على ارتباط  وثيق مع جهود ممثل الرباعية الخاص، توني بلير وفريقه. ونحن أيضاً على صلة وثيقة بصديق لي من هيئة الأركان المشتركة العميد بول سيلفا، في القوى الجوية الذي يتابع ويراقب خارطة الطريق ويرسل تقاريره مباشرة إلى وزيرة الخارجية كلينتون.

 

وكذلك نجتمع مع لاعبين دوليين آخرين في المنطقة في سياق عملية التنسيق التي تتراوح بين الإتصال بالدول كل على حده وبالمنظمات غير الحكومية وموظفي الأمم المتحدة. لكن ربما ما هو أكثر أهمية حول من نحن هو أننا نعيش في المنطقة. نحن لم ننزل بالمظلة لبضعة أيام ثم نعود إلى الوطن. بل نبقى ونقيم هناك. في منطقة حيث يشكل فهم الحقيقة على أرض الواقع وبناء علاقات مع مختلف الأطراف حجر الزاوية في إنجاز عمل ما، يجب استثمار الوقت، وقد فعلنا ذلك.

 

كنت بعيداً عن الوطن، كما سمعتم، لأكثر من ثلاثة أعوام ونصف. وطاقم عملي يمددون اقامتهم وأحياناً تزيد مدة اقامتهم عن اقامتي. وإذا ما ذهب أحدهم إلى القنصلية الاميركية في القدس في آخر الليل أو في عطلة نهاية الأسبوع فسيرى بعض الأضواء في البناء. وغالباً ما يكون هؤلاء رفاقي. وأظن أن دزرائيلي هو القائل: «سر النجاح هو الثبات والإصرار على الهدف».

 

فوز “حماس”

 

لذا دعوني أتحدث قليلا عن التاريخ ونحدد إلى أين وصلنا منذ آذار/مارس 2005. كان الجنرال كيب وارد أول قائد لفريق الأمن الاميركي، وكانت مهمته البدء بعملية تدريب وتجهيز قوات الأمن الفلسطينية. لكن مهمته تعطلت، صراحة، بعملية الفصل الإسرائيلي الأحادي في قطاع غزة عام 2005. ولم يقم بأي عمل على صعيد مهمته.

 

وعندما انتقلت القيادة إلي في كانون الأول/ديسمبر 2005، قال لي «حظاً سعيداً». وقليلاً كان تقديري لحجم الحظ الذي كنت بحاجة اليه، ذلك لأنه بعد شهر ربحت “حماس” في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وتغيرت مهمتي بين ليلة وضحاها. وخلال الثمانية عشر شهراً التالية واجهنا وضعاً من اثنين إما حكومة «حمساوية» في الأراضي المحتلة أو حكومة وحدة على رأسها شخص من “حماس”.

 

ونتيجة لذلك، ركزنا نشاطنا التنسيقي الدولي على المساعدة بالنهوض باقتصاد غزة، وعلى نطاق واسع  من خلال التنسيق مع إسرائيل ومصر والفلسطينيين على المعابر الرئيسية، وتحديداً في معبري رفح وكارني. ونسقنا ايضا  المساعدة التدريبية التي قدمها  الكنديون والبريطانيون للحرس الرئاسي الفلسطيني الذي كان يدير تلك المعابر الحدودية.

 

ولأن الحرس الرئاسي يقدم تقاريره مباشرة الى الرئيس عباس، وليس خاضعاً لنفوذ “حماس” أُعتبروا أطرافاً في اللعبة. لكن كافة قوى الأمن الأخرى عانت كثيراً من إهمال “حماس” لها، وعدم دفع رواتبها، واضطهادها، وفي الوقت نفسه واصلت “حماس” بناء قوات أمن خاصة بها بدعم سخي من إيران وسوريا. في حزيران/يونيو 2007، كما أعتقد أنكم تعرفون، قامت “حماس” بانقلاب في قطاع غزة ضد قوات أمن السلطة الفلسطينية الشرعية.

 

وهكذا أطاح رجال الميلشيا الحمساويون المدعومين من إيران وسوريا، والمجهزين جيداً، والممولين جيداً والمسلحين جيداً، بقوات أمن السلطة الفلسطينية الشرعية مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه القوات لم تحصل على رواتب خلال ستة عشر شهرا وينقصها  التجهيز والتدريب. أحفظوا هذا في ذاكرتكم. وبغض النظر عن كل هذا صمدت القوات الفلسطينية خمسة أيام وفقدت بضع مئات من القتلى والجرحى. ولكن في النهاية مازالت “حماس” هي الرابحة، وبالتالي تغيرت مهمتي بصورة جد دراماتيكية.

 

تدريب قوات السلطة

 

وبعد أن عين محمود عباس، سلام فياض رئيساً لحكومة من التكنوقراط في  حزيران/يونيو 2007 انتقل مركز اهتمامنا من غزة إلى الضفة الغربية. في تموز/يوليو أعلن الرئيس بوش عن طلب 86 مليون دولار من الكونغرس لتمويل برنامج مساعدات أمنية لقوات الأمن الفلسطينية. ووافق الكونغرس على الفور. وعدنا إلى اللعبة مرة أخرى. وما لم يقله الرئيس هو أن ميزانيتنا في الثمانية عشر شهراُ الأولى كانت صفراً. لم يكن لدينا مال. كنت عملياً منسقاً لجهود أناس آخرين. ولكن هذه المرة لدينا النقود في جيوبنا ولدينا مهمة جاهزون لإنجازها. ومنذ ذلك الوقت سلكنا سمتا ثابتاً في دعمنا لحكومة سلام فياض المعتدلة في الضفة الغربية.

 

 وأمدنا الكونغرس والإدارة بـ 75 مليون دولار إضافيين نهاية العام. وبمبلغ 161 مليون دولار بات بإمكان فريق الأمن الاميركي الاستثمار في مستقبل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال تحسين الأمن، إذن، ماذا فعلنا؟ وحتى لا نجازف بدفعكم الى الشعور  بالملل، فعلنا ذلك في أربع مجالات رئيسية.

 

أولاً التدريب والتجهيز. ومع أننا عملنا بصورة وثيقة مع الحرس الرئاسي حتى الآن، ركزنا على تحويل قوات الأمن الوطني الفلسطينية إلى جندرما فلسطينية ـ قوة شرطة منظمة أو وحدات شرطة كما كانت ـ لتعزيز العمل الجاري من قبل الشرطة المدنية الخاضعة لنصائح الأوروبيين.

 

يستغرق برنامج التدريب مدة أربعة أشهر في مركز تدريب الشرطة الدولي  في الأردن ـ ونختصرها بالأحرف (JIPTC) وهو خارج مدينة عمان. ويمتاز  المركز بوجود كادر تدريبي اميركي ـ أردني ويتبع منهاج تدريب اميركي مطور يركز على حقوق الإنسان والاستخدام الخاص للقوة، والسيطرة على تظاهرات الشغب، وكيفية التعامل مع الاضطرابات والقلاقل المدنية. ويركز التدريب أيضاً على تلاحم الوحدة وعلى القيادة.

 

والآن يمكن أن تتساءلوا. لماذا الأردن؟

 

الجواب بسيط. الفلسطينيون ارادوا التدرب في المنطقة، لكنهم ارادوا  الابتعاد عن العشيرة، والعائلة والتأثيرات السياسية. الإسرائيليون يثقون بالأردنيين، والأردنيون متلهفون للمساعدة. تجهيزاتنا كلها غير خطرة وهي منسقة مع الفلسطينيين والإسرائيليين. تأكدوا من فهم هذا. نحن لا نقدم شيئاً للفلسطينيين ما لم يتم التنسيق بشأنه مع دولة اسرائيل وبموافقة اسرائيلية. أحياناً هذه الإجراءات تزعجني –  كان لدي شعر أكثف من هذا عندما بدأت ـ لكن لا يهم فقد جعلنا الأمور تسير على ما يرام.

 

نحن لا نعطي بنادق أو ذخيرة، وتتراوح التجهيزات بين العربات والجوارب. لدينا الآن ثلاث فرق متخرجة ـ بمعدل خمس مائة رجل لكل منها. من مركز التدريب الاميركي الأردني، وهناك فرقة أخرى قيد التدريب، وتتلمذ الخريجون بكثافة على أيدي الأردنيين الذين عملوا بجد وحماس في هذه المهمة، منطلقين من الولاء للعلم الفلسطيني والشعب الفلسطيني.

 

ما الذي بنيناه-  أقول هذا تواضعاً، ما فعلناه هو بناء رجال جدد. يتراوح متوسط أعمار الخريجين بين 20 و22 عاماً، وهؤلاء الشباب وضباطهم يعتقدون أن مهمتهم بناء دولة فلسطينية. وإذا كنتم لا تحبون فكرة الدولة الفلسطينية، فلن تحبوا بقية حديثي. ولكن إذا أحببتم فكرة دولة فلسطينية، فتابعوا الإصغاء.

 

دعوني أقتبس لكم، على سبيل المثال، ملاحظات على التخرج من كلمة لضابط فلسطيني كبير في الخريجين وهو يتحدث إليهم في اجتماع لهم  في الأردن في الشهر الماضي. قال: “أنتم يا رجال فلسطين قد تعلمتم هنا كيف تحققون أمن وسلامة الشعب الفلسطيني. أنتم تتحملون المسؤولية عن الشعب ومسؤولية انفسكم. لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل، بل جئتم إلى هنا لتتعلموا كيف تحفظون النظام وتصونون القانون، وتحترمون   حقوق جميع مواطنيكم، وتطبقون حكم القانون من أجل أن نتمكن من العيش بأمن وسلام مع إسرائيل”.

 

صناعة رجال فلسطينيين جدد

 

والآن لدى عودة شباب فلسطين الجدد هؤلاء،  أظهروا حوافز وانضباط ومهنية، ويا له من تغير –  وأنا لا أتباهى بهذا-  فقد جعل هذا التغير  ضباطاً في الجيش الإسرائيلي يسألونني في اغلب الاحيان «كم من هؤلاء الرجال الجدد تستطيع أن تصنع، وبأية سرعة، لأنهم الوسيلة التي ستؤدي الى رحيلنا عن  الضفة الغربية».

 

المجال الثاني الذي ركزنا جهودنا عليه قدرة وقابلية البناء في وزارة الداخلية. وهذا يبدو عملاً أرضياً، ولكنه حيوي بإطلاق، لأننا نحاول صياغة حكومة طبيعية. وزارة الداخلية في السلطة الفلسطينية مسؤولة عن كافة القوى الأمنية أمام رئيس الوزراء وأمام الرئيس. وعندما سقطت غزة سقطت معها وزارة الداخلية، ولم يكن هذا أمراً سيئاً، لأن الوزارة كانت تحت سيطرة “حماس”،  وانصب تركيز الوزارة الحمساوية على إنشاء ما سمي  القوة التنفيذية ـ التي كانت البديل الحمساوي لقوى الأمن الشرعية. وعندما سقطت الوزارة ـ كان سقوطها واحداً من الأمور الحسنة التي حدثت في  حزيران/يونيو 2007.

 

حسن، الوزير المعين في حكومة فياض، لم يكن لديه حرفيا ما  يعمله عندما دخل مكتبه، وقد شكى لي ذلك وقال إنه لا يملك حتى آلة كاتبة. فكروا في هذا. من يتكلم عن الآلات الكاتبة هذه الأيام؟ لكنه لا يملك حتى آلة كاتبة. في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة استثمرنا أموالاً كافية وعناصر كافية في جعل وزارة الداخلية ذراعاً قائدة للحكومة الفلسطينية ولديها ميزانية كافية، لتفكر بطريقة استراتيجية وتخطط عملياتياً. كما قلت إنها مفتاح الوضع الطبيعي في فلسطين. ولم تعد القرارات الأمنية في فلسطين من صنع رجل واحد في منتصف الليل، وبهذا اجتزنا طريقاً طويلاً.

 

المجال الثالث هو البنية التحتية. من الصعب وصف الوضع البائس للتسهيلات الأمنية الفلسطينية التي واجهناها في البداية  ـ لم تكن حقاًً ملائمة للسكن البشري. في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة عملنا مع المقاولين الفلسطينيين لبناء كلية للتدريب الفني  للحرس الرئاسي في أريحا، وكذلك أيضاً  قاعدة عمليات من نوع جديد يمكنها اسكان – كما هو واقع الحال الآن – اسكان الفا من القوى الامنية الفلسطينية العائدين من الأردن على قمة تلة خارج مدينة أريحا.

 

ونخطط لبناء قاعدة عمليات أخرى  في جنين وبموافقة ودعم كاملين من الجيش الإسرائيلي. ونحن أيضاً في وسط إعادة بناء مركز تدريب للجندرمة والشرطة الفلسطينية، ايضا في اريحا. وعلي أن أخبركم عن الشعور بالفخر والثقة الذي يبديه المستفيدون من هذا العمل الذي كان مثار تقدير من الزوار الاميركيين والحلفاء لهذه المواقع، بمن فيهم مبعوثين من الكونغرس. ولأول مرة أرى من العدل القول أن القوى الأمنية الفلسطينية تشعر بأنها الفريق الفائز.

 

والمجال الرابع الذي ركزنا عليه هو تدريب القادة الكبار. يبدو هذا نوعاً من الغباء ـ لكنه في الواقع برنامج صغير_ لكنه من وجهة نظري من المحتمل أن يكون واحدا من اعظم الفوائد المستدامة. لقد خرّجنا فعلاً نوعين من الرتب رائد ومقدم وعقيد من خلال دورة أقرب إلى حلقة بحث لمدة ثمانية أسابيع حيث لدينا ستة وثلاثون رجلاً من مختلف القوى الأمنية وقد تعلموا كيف يعالجون القضايا اليومية وكيف يعملون بصورة مشتركة واحترام للمعايير الدولية. أنه العمل الأكثر شعبية الذي قمنا به.

 

لقد حضرت حفلتي تخرج وكانتا أشبه بتخرج جامعي. فقد احضروا عائلاتهم. وكافة قادتهم حضروا أيضاً والجميع باللباس الرسمي. إنه أمر يستحق المشاهدة لأنهم يشعرون اليوم بأنهم يدخلون مجتمع الأمم من حيث معاملتهم كقادة كبار لشعب قد حان الوقت ليدير فعليا  شؤونه وحياته كدولة.

 

وأجرينا امتحاناً أخيراً لهذه الدورة، وهو سؤال تتطلب الاجابة عليه مقالا. ويتم اختيار سؤال من أصل عشرة أسئلة. ويمكن أن يدهشكم أن تعلموا أن المقال الاكثر شعبية- واختاره  أكثر من 50%  هو سؤال «لماذا حقوق الإنسان مهمة في فلسطين؟ والآن من كان يتوقع هذا؟ وهل تعرفون لماذا؟ لقد حصل القادة المتخرجون على الترفيع وعلى مواقع أكثر مسؤولية.

 

إن قائد الفرقة الجديدة لوحدة الأمن المتدربة في الأردن، الذي زرته في الأسبوع الماضي، وهو واحد من الخريجين في دورة القيادة، هو الآن فخور ومسرور بما تعلمه وبأنه يطبق ما تعلمه في قيادته لوحدة جديدة مؤلفة من خمسة مائة رجل من الذين سيعودون إلى الضفة الغربية.

 

حسن، ماذا لدينا نحن والفلسطينيون ـ وعلي أن أؤكد هنا ـ عما أنجزه الفلسطينيون؟ لأنني أوفر القوة لهم وبالتالي أساعدهم. لكنهم قاموا بالكثير بأنفسهم. دعونا نتحدث عن الوقائع على الأرض. إن فريق الأمن الاميركي بالشراكة مع الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين قد مضى على عمله ثمانية عشر شهراً والنتائج تفوق اكثر  توقعاتنا تفاؤلا. وهي على صلة وثيقة بعنوان حديثنا «السلام عبر الأمن» الحقائق على الأرض تغيرت وسوف  تستمر بالتغير.

 

أنا لا أعلم كم واحد منكم يدرك أن الفلسطينيين، في السنة ونصف الماضية، قد انخرطوا في سلسلة ما يدعونه الهجوم الأمني عبر الضفة الغربية، وبمنتهى الدهشة بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وبسلسلة من الجهود المتواصلة لاستعادة حكم القانون في الضفة الغربية وإعادة بناء السلطة الفلسطينية. بدءاً بنابلس ثم جنين والخليل وبيت لحم. لقد أثاروا اهتمام المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية. بقراراتهم وانضباطهم ودوافعهم والنتائج التي حقوقها.

 

قيادة اسرائيلية لقوات فلسطينية

 

وعلي أن أخبركم. أن الشباب الذين تدربوا في الأردن هم المفتاح. لنتوقف قليلاً عند الخليل، لأن أي واحد منكم إذا كان يعرف شيئاً عن الخليل فهي مكان صعب. إنها أكبر مدينة في الضفة الغربية، وفيهاعدد كبير من المستوطنون وهم عدوانيون، وهي مكان مقدس لليهود والعرب. منذ عام رفض جيش الدفاع الإسرائيلي أي اقتراح يسمح للسلطة الفلسطينية بتعزيز حاميتها في الخليل، وهي قوة لا يزيد عديدها عن400 شرطي ودركي مع أنها أكبر مدينة في الضفة الغربية.

 

اردنا أن نعزز قوتهم ببعض المتخرجين من البرنامج الأردني، قالوا لا، ولكن أداء هؤلاء الخريجين في جنين، حيث كانت أول مكان لانتشارهم، كان جد مؤثر، بحيث أنه بعد ستة أشهر لم يسمح الجيش الإسرائيلي فقط بتعزيز القوة في الخليل، بل قادها أيضاً. وكانت هناك قرى في محافظة الخليل لم يشاهدوا شرطياً فلسطينياً بالزي  الرسمي منذ العام 1967. فكروا في هذا . ليس بعد الآن.

 

 في ذلك المكان الذي ساد فيه القانون القبلي، وقانون الشريعة مكان القانون العلماني للسلطة الفلسطينية. دعوني أقدم لكم مثالاً مدهشاً. أخبرني محافظ الخليل ـ منذ ثلاثة أشهر ـ أن القوى لاحقت أربعة شبان أدينوا بكونهم حلقة اجرامية، وقد تم احتجازهم. وهم في السجن.

 

وفي صباح اليوم التالي. ذهب المحافظ إلى عمله، فوجد أربعة شيوخ جالسين خارج مكتبه، وعرف ماذا سيحدث. هؤلاء الشبان ينتمون إلى أقوى العشائر في منطقة الخليل، كانت تجربته في الماضي مع هؤلاء الشبان كالآتي: «أعيدوا إلينا أولادنا ليس بإمكانكم الاحتفاظ بهم، نحن نعلم كيف نتعامل معهم». حسن اليوم اختلف الأمر. قال المحافظ وهو يجلس إلى مكتبه. دخلوا علي وقال رئيسهم الشيخ: نحن نعلم أنكم اعتقلتم أولادنا الأربعة ليلة أمس ونحن نراقب ما تفعلونه خلال الشهرين الماضين. وجئنا لنقول لكم أننا نؤمن بكم وبإمكانكم الاحتفاظ بهم. نحن لا نعرف كيف نتعامل مع هؤلاء الأولاد. إنهم اولادكم، لقد عادت السلطة، دعونا نمضي» [تصفيق].

 

حسن كنت في الخليل الأسبوع الماضي  حيث كانت مجموعة – حوالي 125 رجلا –  ممن تدرب في الأردن وعددها 125 متدرباً، من الفرقة الثانية الخاصة لقوات الامن الوطني تعمل تحت امرة قائد المنطقة،  تقدم الدعم لرجال الشرطة والدرك فيما سمي  باتفاق أوسلو المنطقة A وأيضاً في المنطقة B، التي تتبع السيطرة الإسرائيلية حسب اتفاق أوسلو. لماذا هم في المنطقة B؟ لأن القائد العسكري الإسرائيلي في المنطقة قال: «أنا بحاجة إلى مساعدتهم وأنا أثق بهؤلاء الشباب-  لم يعودوا يكذبون علي كما في السابق».

 

هذا أيضاً تحوّل ذو مغزى جيد، وسأخبركم بما رأيت، وبالتقارير التي تلقيتها من الكنديين والبريطانيين الذين يتنقلون أكثر مني، وفحواها أن التحول الذي كان موضع جدل في أصعب مدينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد أصبح عميقاً. وفي وسط كل هذا لم يعد هناك صدامات ـ سواء بين القوات الأمنية الفلسطينية والجيش الإسرائيلي أو بين القوات الفلسطينية والمستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في المنطقة. هذا أمر رائع، وأعتقد أننا سعداء به.

 

الحملات الأمنية

 

عبر الضفة الغربية تتسم الحملات الأمنية بالتشدد مع العصابات المسلحة وسط وجود بارز للشرطة، وبتفكيك  الميليشيات غير الشرعية وبالعمل ضد نشاطات “حماس” غير الشرعية، وبالتأكيد على أمن وسلامة المواطنين الفلسطينيين. وقد تضاءلت الجريمة. وباستطاعة الفتيات المراهقات في جنين زيارة اصدقائهن بعد حلول الظلام ودون خوف من التعرض للهجوم. وكذلك المحلات الفلسطينية الآن مفتوحة بعد حلول الظلام. حيث لم يكونوا كذلك من قبل، أي قبل عام لا أكثر.

 

وتقترب الحياة من حالتها الطبيعية في أكثر المناطق. ففي تقرير لصندوق النقد الدولي نشر في نهاية شباط/فبراير، وهو دائماً ما ينتقد الجميع يقول «خلال العام 2008 حققت السلطة الفلسطينية تقدماً جوهرياً على صعيد الأمن في عدد من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك عبر نشر قوات الشرطة والأمن. ونتج عن هذا مستوى عال من الاستقرار والثقة بالعمل. بحيث أن العام 2008 كان الأكثر ربحية للسلطة الفلسطينية من العقد الماضي.

 

الآن وفي لقاءاتي مع القادة الفلسطينيين الأسبوع الماضي، في طولكرم ونابلس في الشمال والخليل وبيت لحم في الجنوب، تبين لي أن هناك ثقة عميقة في قدراتهم وفي تعليقاتهم الإيجابية حول التعاون مع الجيش الإسرائيلي في المنطقة. في بيت لحم، ولدهشتي أشار قائد المنطقة بفخر أنه هو والقائد الإسرائيلي قد عملوا معاً حيث كان منع التجول مطبقاً منذ العام 2002 في الضفة الغربية، ولكنه لم يعد يطبق في بيت لحم، وأنه سمح للفلسطينيين بإدارة نقاط التفتيش الخاصة بهم للسيطرة على أعمال التهريب.

  الوضع قد يكون هشاً، هناك تحديات كثيرة على الطريق. لكن هناك تقدم حقيقي لتغيير الحقائق على أرض الواقع. لكن التحدي الكبير ـ وهذا هو التحدي الذي اريدكم ان تقصوه اذا لم تقصوا أي شيء الليلة _  كان في كانون ثاني/يناير 2009. وكما يحلو لضباط الفريق البريطاني القول «البرهان على الحلويات يأتي بعد الأكل». وعلى امتداد السنة الماضية لم يكن هناك تحد أمني في الضفة الغربية يوازي التحدي الذي واجهه الفلسطينيون في حفظ القانون والنظام أثناء عملية الرصاص المسكوب ـ الغزو الإسرائيلي لغزة في كانون ثاني/يناير.

 

قبل الغزو البري، حذرني سرا اصدقائي في الجيش الإسرائيلي من أن توترات شعبية كبيرة قادمة إلى الضفة الغربية، وتوقع البعض انتفاضة ثالثة ـ وهو أمر يرعبهم لكنهم رغبوا  بالمخاطرة لإيقاف إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل. إلا أن أياً من هذه التنبؤات  كما ظهر فيما بعد لم يتحقق .حدثت تظاهرات وكان بعضها صاخباً، لكن أيام الغضب الموعودة  التي دعت إليها “حماس” باستمرار فشلت في أن تترجم عملياً.

 

لماذا حدث ذلك؟ حسن. كان هناك  سببان. الاول كما أعتقد أن المهنية والأهلية الجديدة  التي تمتعت بها القوى الأمنية الفلسطينية الجديدة قد تضمت تعاملاً مدروساً ومنضبطاً مع التظاهرات الشعبية. وكانت التوجيهات من رئيس الوزراء والرئيس واضحة فقد سمحت بالتظاهرات دون أن تسمح لها بالتحول إلى العنف، ولذلك أبعد المتظاهرين بعيداً عن الإسرائيليين.

 

وفي هذا الوقت، وخلافاً لأي وقت في الماضي، كان لدى الرئيس أو رئيس الوزراء الأدوات المناسبة للمهمة. وشعر الجيش الإسرائيلي أيضاً ـ بعد أسبوع أو نحوه ـ أن الفلسطينيين كانوا هناك وأن بإمكانهم الوثوق بهم. في الواقع، فإن القسم الأكبر من القوات الإسرائيلية تحركت إلى غزة من الضفة الغربية ـ فكروا في هذه للحظة ـ والقائد كان غائباً لثمانية أيام متتالية. وهذا يكشف عن نوع الثقة، التي وضعت في هؤلاء الناس الآن.

 

على أية حال  تعمد الاسرائيليون الحد من ظهورهم وبقوا بعيداً عن التظاهرات، ونسقوا نشاطاتهم اليومية مع الفلسطينيين ليتأكدوا أنهم ليسوا في المكان الخطأ والزمان الخطأ من أجل أن يتجنبوا صداماً أو أن يبقوا بعيداً عن التظاهرات القادمة. وهكذا كان القائد الفلسطيني وبطريقة نموذجية يبلغ القائد الإسرائيلي في المنطقة بقوله «لدينا تظاهرة متجهة من نقطة A إلى نقطة B. وهي قريبة من نقطة تفتيش لكم هنا في بيت إيل. نأمل أن تغادروا النقطة لمدة ساعتين من أجل أن تمر التظاهرة، وعندها يمكنكم أن تعودوا».

 

وهذا ما فعلوه على وجه التحديد ـ يا للروعة. حدثت تظاهرات كبيرة ضد غزو غزة بالطبع، لكنها في معظمها كانت سلمية. ولم تخرج عن نطاق  السيطرة، وطبق رجال الشرطة والدرك ما تدربوا عليه في الأردن، وبخلاف الأحداث الماضية لم يقتل أي فلسطيني في الضفة الغربية خلال الأسابيع الثلاثة من الوجود الإسرائيلي على أرض غزة. هذا أمر جيد جداً.

 

تقييم سياسي

 

السبب الثاني وهو في اعتقادي يحتاج إلى مزيد من الدراسة ـ وبإمكان معهدكم أن يساعدنا على ذلك ـ  وهوما لم اتوقعه. سمعت هذا في الشمال وفي الجنوب. الموضوع الملح هو أنه بالرغم من أن السكان في الضفة الغربية لم يدعموا غزو غزة ـ لكنهم كانوا في الحقيقة غاضبين جداً مما فعله الإسرائيليون ـ ولكنهم لا يدعمون “حماس” ولا يؤيدونها.

 

ما أقوله هنا أنهم اظهروا دعمهم للسكان بالتبرع بالدم وإرسال الملابس، والأغذية وأشياء من هذا القبيل. لكنهم لم يخرجوا ليتظاهروا لصالح “حماس”. تظاهروا لصالح الناس في غزة. لكن “حماس” لم تكن موضع اهتمامهم. لماذا؟ لأنهم أدركوا أن “حماس” قد جلبت الفوضى والكارثة لغزة، والناس في الضفة لم يعودوا راغبين بمثل هذه الأمور. بالإضافة إلى وجود قوات أمن بينهم، وقد بدأوا باحترامها. وبطريقتي أقول: «المأمول من النظام قد تفوق على المأمول من الفوضى».

 

حسن إلى أين نذهب من هنا؟ إذا وافق الكونغرس سنواصل مبادراتنا مع وزارة الداخلية الفلسطينية لتمويل وإعادة بناء القوى الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال المزيد من التدريب والتجهيز والتأهيل وتكثيف العمل مع الاتحاد الأوروبي والمزيد من البنى التحتية، ولدينا الآن خطط على الورق وتجهيز ثلاثة فرق أخرى في الأردن ـ أي ما يعادل خمسة عشر ألفاً من قوات الأمن الوطني، وإقامة قاعدتي عمليات، ولدينا خطط لتوسيع تدريب القادة بما في ذلك المستوى المتوسط من الضباط.

 

وندرك جيداً أن هناك حاجة لبنية ادارية ولوجستية ووظيفية فريدة من نوعها للسلطة الفلسطينية. ونعمل  بجد وجهد مع وزارة الداخلية ورؤساء الأمن لتصميم أمور كهذه تناسب الفلسطينيين، ونعمل بصورة مشتركة مع القادة العسكريين الإسرائيليين في الضفة الغربية لاكتشاف الخيارات للتقليل من آثار أقدام (وجود) الجيش الإسرائيلي، مع تقدم قدرات الفلسطينيين والبرهنة على ذلك. كان هناك تقدم قد حصل فعلاً. وأريدكم أن تعلموا هذا ـ بموازاة الجهود التي بذلها الجيش الإسرائيلي لتقليل وجوده الأمني وخاصة في الشمال.

 

ومن خلال جهود الفريق البريطاني في رام الله، أخذنا بيد منظمات الدفاع المدني الفلسطيني المهملة، معظمكم لم يسمع بها من قبل، لكن هؤلاء كانوا أول المتجاوبين. وهم رجال الإطفاء والإسعاف. إنهم على جدول ميزانيتنا الآن. وسوف نساعدهم. ولدينا خطة تدعى المبادرة التدريبية في الضفة الغربية، حيث لدينا خطط لمواصلة سلسلة من الدورات في الضفة الغربية حول القيادة والأمور اللوجستية، والإسعافات الأولية والصيانة واللغة الإنكليزية وتدريب قادة الفرق والسياقة. ويشرف على  كل هذا بريطانيون وأتراك مع الأخذ في الاعتبار نقل الإشراف إلى الفلسطينيين أنفسهم فيما بعد.

 

طريق طويل

 

حسن. لنعد إلى موضوع السلام عبر الأمن. هل يمكن أن يحدث هذا فعلا ؟ هذا موضوع شائك. هل الطريق أمامنا طويل لذلك؟ تراهنون أننا سنفعل والتحديات على الطريق شائكة ومخيفة. الوقت قد لا يكون في صالحنا. عمل جدي ينبغي أن نقوم به ضد الإرهاب، ونحن نكتشف خيارات مع الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين في هذا المجال. إذا كان لابد من دولة فلسطينية فثمة عمل جاد بانتظارنا على الحدود، وعلى إدارة المعابر التي يشرف عليها الكنديون. ثم هناك أيضاً غزة وتشكيلات “حماس” المسلحة التي تشكل تحدياً ضخماَ لمستقبل الدولة الفلسطينية.

 

لكنني أود أن أقول لكم أن الأمر غير ميئوس منه. إن استمرار وجود فريق صغير ومتمرس ومكرس نفسه للعمل، اميركي وبريطاني ويعمل مع كافة الأطراف، ويعيش معهم، ويدرك تضاريس الأرض بإحساس عسكري قد بدأ بإعطاء نتاج وفير. نحن نبني حقائق جديدة على الأرض من أسفل إلى أعلى، ولدينا شركاء حقيقيون في المملكة الأردنية وفي السلطة الفلسطينية، وفي دولة إسرائيل. لا نستطيع فعل كل شيء بالطبع لكننا نعتقد أننا نخلق الظروف والأسس الأمنية إذا شئتم، التي ستجعل من المهمة الصعبة أمراً أسهل قليلاً.

 

وآخذ على عاتقي تلك الكلمات الطيبة التي رددها صديقي وهو مسؤول كبير وصارم وبراغماتي في الجيش الإسرائيلي، وهو ناقد لاذع فيما مضى ولم يعد كذلك الآن. وهو القائل ـ وأنا أقتبس قوله مباشرة من الجريدة «الفريق الأمني الاميركي قام بعمل عظيم، وكلما عمل الفلسطينيون أكثر سنفعل نحن الإسرائيليون أفضل» والآن أضع نصب عيني هذه الكلمات التي يجب أن تبقى وتتحول إلى حقيقة واقعة.

 

ومرة أخرى فإن موضوع حديثنا هو السلام من خلال الأمن: فالطريق إلى السلام في هذه المنطقة أمر في غاية الصعوبة،  كلكم تعلمون هذا وأنا أقول أنه يمر عبر غابات من سوء الفهم، ونقص الثقة، والجراح القديمة، والضعف السياسي والمؤسساتي، والمفسدون الذين يريدون لنا أن نفشل جميعاً، وهناك مخاطر في كل خطوة على الطريق. ولكن بالمقارنة مع السنوات الماضية نحن الآن على الطريق الصحيح، وباستطاعتنا تحديد خطوات تقدمنا إلى الأمام. نحن نتقدم إلى الإمام. السلام عبر الأمن لم يعد حلماً مستحيلاً. أظن أن هيرتزل هو القائل: إذا أردت شيئاً فلن يكون حلماً.

 

وكعسكري محترف أقدر حذر الإسرائيليين ونفاذ صبر الفلسطينيين. ولكن من المفيد أحياناً النظر إلى الخلف كما النظر إلى الأمام. أعيد إلى الأذهان الاجتماع في شباط/فبراير بوجود ضابط إسرائيلي كبير متشدد ومسؤول مباشرة عن أمن إسرائيل. كنا نتحدث في مكتبه عما لم يحدث في الضفة الغربية في كانون الثاني/يناير وحول التوقعات في المستقبل. اعتدل في جلسته وقال: «التغير بين الرجال الفلسطينيين الجدد في العام الماضي كان معجزة. جيلي نما مع الإنتفاضات والآن لدى الأمل في أن أطفالي لن يواجهوا الشيء نفسه. وبالنتيجة آمل أن نخاطر باتخاذ خطوات إلى الإمام، وكان صادقاً فيما يقول. بقي حذراً ولكن آملاً، وأنا كنت كذلك.

 

حسن، وعدتكم بقصتين عن تشرشل. لذا سأنهي بواحدة. وأريدكم أن تفكروا بآخر كلمات تلك القصة، لأنها الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا اليوم في أيار/مايو 2009 كفريق أمني اميركي. وهذه واحدة من القصص المفضلة لدي عن تشرشل. آمل أن لا تسيء إلى شخص في الفريق. في الفترة الأخيرة للحرب العالمية الثانية، كان المد في صالح الحلفاء، ولذا كانت سكرتيرة تشرشل تنظم مواعيده مع جماعات الضغط المدنية. وفي يوم ما نظمت السكرتيرة لقاء له مع رئيسة اتحاد الاعتدال المسيحي البريطاني في تعاطي الخمر [ضحك] أنا متأكد أنكم ترون إلى أين تسير الأمور.

 

وفي الوقت المحدد، وفي مكتب ونستون الواسع وفي القاعة البيضاء الفسيحة، تقدمت سيدة صغيرة الحجم وعلى رأسها قبعة كبيرة، وقفت أمام مكتبه، وبلا مقدمات راحت تؤنبه على تعاطيه الخمر [ضحك] قالت.. ونستون، لقد حسبنا كمية سموم الشراب التي استهلكتها منذ بداية هذا العام وستملأ نصف مكتبك هذا من الأرض إلى السقف. عار عليك ماذا يمكن أن تقول لنفسك؟

 

حسن، مرة أخرى، ونستون لا تنقصه البديهة، نهض من مقعده ووضع يديه في جيبه ونظر إلى الأرض ثم نظر إلى السقف وقال «آه نعم يا سيدتي إنه إنجاز كبير ولكن يلزمني المزيد من العمل لإملاء النصف الباقي» [ضحك[

 

 

الرابط باللغة الانجليزية:

 

http://www.washingt oninstitute. org/templateC07. php?CID=456

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..