مشروع تهويد القدس اقتصادياً

الصورة الرمزية لـ ramahu

img_0052

نبذة عن اقتصاد الاحتلال في مدينة القدس

  ومشروع تهويد القدس اقتصادياً

 

د. إبراهيم علوش

 

http://www.alarabal yawm.net/ pages.php? news_id=164721

العرب اليوم، 7/6/2009

 

بالنسبة لمدينة بحجم القدس، يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة أرباع مليون نسمة، وتعتبر في نفس الوقت أكبر مدينة “إسرائيلية”، فإن الاقتصاد يبدو متواضعاً، وخالياً من أي تجمعات صناعية ذات شأن، في دولة تتباهي على محيطها بتقدمها الصناعي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي.  لا بل أن ألمناطق المخصصة للصناعة والبنية التحتية في القدس ومحيطها لا تتجاوز 2،2 بالمئة من مجموع القدس المحتلة، فيما تبلغ المناطق المخصصة للصناعة والبنية التحتية ضعف ذلك الرقم في تل أبيب (تل الربيع)، وسبعة أضعاف ذلك الرقم في حيفا، حسب مكتب الإحصاء المركزي “الإسرائيلي” في 24/5/2006.

 

فالقدس البعيدة عن ميناء يافا أو غزة مثلاً لا يقوم اقتصادها على الصناعة أو التجارة أو الزراعة، بل على أهميتها السياسية والدينية، وعلى رمزيتها في الصراع، ولذلك حرصت دولة العدو على إبقاء المدينة غير صناعية، للمحافظة على طابعها الخاص، ليس حرصاً على البيئة أو الإنسان، بل حرصاً على مزاعمها التلمودية طبعاً، حيث تتعامل دولة العدو مع المدينة كتراث ثقافي يهودي، وتعتبرها عاصمتها.  

 

وتلعب السياحة وبالأخص السياحة الدينية إلى الأماكن المقدسة في القدس دوراً رئيسياً في اقتصاد المدينة (خاصة البلدة القديمة)، إذ يزور القدس حوالي مليوني زائر سنوياً، كما تكثر فيها المدارس الدينية اليهودية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية لدولة الاحتلال والخدمات العامة، حيث تظهر أرقام مكتب الإحصاء المركزي “الإسرائيلي” أيضاً أن نسبة العاملين في المكاتب الحكومية والخدمات العامة والفنادق والمطاعم والجامعات والصحة هي في القدس أعلى منها في بقية الكيان الصهيوني، بينما نسبة العاملين في الصناعة من مجموع القوة العاملة في القدس أقل بكثير من المتوسط العام لدولة الاحتلال.

 

وعلى الرغم من أن تل أبيب تبقى بلا منازع العاصمة المالية والاقتصادية للكيان الصهيوني، فإن عدداً متزايدة من شركات التكنولوجيا المتقدمة والبرمجيات (النظيفة صناعياً) تنقل مقراتها إلى القدس، في الوقت الذي يتم فيه تشييد طريق سريع يفترض أن ينتهي عام 2011 لربط القدس وتل أبيب، كما تم تأسيس منطقة صناعية اسمها حارهتزفيم في شمال القدس لاستضافة فروع لعشرات الشركات الكبرى، ومنها شركة إنتل، وشركة تيفا الدوائية، وشركة ECI  لتصنيع معدات الاتصالات.  أما بعض القطاعات الاقتصادية المزدهرة تاريخياً بين يهود القدس العربية المحتلة فمنها قطع وصقل الماس والطباعة والنشر، كما تزدهر الآن الصناعات التكنولوجية والأبحاث والتطوير، بالارتباط مع الشركات اليهودية في المستعمرات القائمة في الضفة الغربية، كما أن هناك توجهاً نحو تنمية قطاع الخدمات المالية والتأمين.

 

وهناك دعم حكومي كبير للشركات الجديدة الناشئة في القدس، فقد بات واضحاً للمخططين الاقتصاديين في الكيان أن الأهمية الرمزية والسياسية للقدس لا تكفي بحد ذاتها للقيام بأود المدينة الأولى في دولة الاحتلال.  فقد ارتفع معدل الفقر (النسبي) بين اليهود فيها بين عامي 2001 و2007، حيث بلغ ضعف مستواه في المدن “الإسرائيلية” الأخرى حسب موقع Israel Insider على الإنترنت في 11/1/2007 الذي ذكر نقلاً عن دراسة للجامعة العبرية في القدس أيضاً أن متوسط الدخل الشهري للموظف في القدس بلغ حوالي 1400 دولار حتى ذلك التاريخ،  بينما بلغ المتوسط الشهري للموظف حوالي 1700 دولار في تل أبيب مثلاً.  ويذكر أن القطاع السياحي تعرض لضربة كبيرة في مطلع انتفاضة الأقصى، الانتفاضة الثانية، بين عامي 2001-2004، مع العلم أن حصة العرب من الدخل السياحي في القدس قليلة جداً، ولا تتجاوز سبعة بالمئة من المجموع حسب أحد المواقع على الإنترنت. 

 

القدس، هذه المدينة المشيدة على أرض مسروقة، وعلى مزاعم رمزية مفبركة، باتت تلتهم كل شيء عربي من حولها وداخلها، بتوسعة الاستعمار اليهودي فيها، وبالتمدد كالأخطبوط للقرى العربية في محيط القدس… هذه المدينة الغريبة في الأرض الحبيبة باتت تسعى اليوم لإعادة اختراع نفسها اقتصادياً عن طريق إستراتيجية تتيح للمستعمرين اليهود الحياة والبقاء من خلال الاعتماد بدرجة أقل على الدعم الحكومي، في الوقت الذي تعمل فيه تلك الإستراتيجية على إفراغ القدس من سكانها العرب، والسعي لتخفيض عددهم من ربع مليون إلى أقل من ثمانين ألفاً حسب أحد التقديرات، أساساً من خلال الجدار العازل الذي أخرج مئة ألف من المقدسيين خارج المدينة، والذي قسم المدينة إلى ثلاثة أجزاء، البلدة القديمة عن أحياء القدس الشرقية، والقدس الشرقية عن القرى العربية المحيطة، وذلك بعد عزل العرب الفلسطينيين فيها عن الضفة الغربية التي كانت تشكل القدس سوقاً اقتصادياً لهم.

 

وقد انتخب غرباء المدينة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 السيد نير بركات رئيساً لبلديتها، وهو رائد استثمارات في قطاع التكنولوجيا، وذكرت صحيفة البوسطن غلوب الامريكية في 27/3/2009 في هذا السياق أن بركات زار جامعة هارفارد ليلتقي البرفسور مايكل بورتر واضع إستراتيجية تعزيز تنافسية المدن وتطويرها، التي وضعت إستراتيجية تطوير اقتصاد القدس بناء عليها.  وهي إستراتيجية تقوم على تعزيز السياحة الدينية، والسياحة العلاجية، وتطوير الخدمات الصحية والمالية في المدينة. 

 

وهذه الإستراتيجية تمثل في الواقع تتمة لمشروع تهويد المدينة سكانياً وحضارياً وثقافياً، فالاقتصاد هنا خاضع للسياسة والثقافة، وليس العكس، وهو حلبة صراع سياسي ضارٍ على هوية القدس، وهوية المسجد الأقصى.  وهنا تقوم الإستراتيجية الصهيونية على تطوير اقتصاد ذاتي للقدس، بلا عرب، أو بالقليل من العرب. 

 

أما سكان القدس الأصليين، العرب، فيتعرضون لحصار اقتصادي خانق ومضايقات منهجية وبيروقراطية من دولة الاحتلال لدفعهم للمغادرة، وهم لا ينالون نزراً يسيراً من الخدمات التي يتلقاها غرباء المدينة بينما يدفعون الضرائب، ومنها ما قدره أحد المواقع على الإنترنت بستة عشر نوعاً من  الضرائب القاسية، وعلى رأسها ضريبة “الأرنونا” التي بلغت ثلاثمئة شيكل على المتر المربع الواحد في عام 2008.   وهذه الضريبة تعني تراكم المستحقات الضريبية على صاحب المتجر العربي وصولاً للحجز على محتوياته ومصادرته، واعتقال صاحبه، مما أدى لإغلاق عشرات المتاجر العربية.

 

بالمقابل، يقاوم المقدسيون هذه السياسة الصهيونية بالتركيز على التعليم ونيل الشهادات الجامعية، وبالاستثمار في المجال الفندقي والعقاري، وبالرغم من ذلك، فإن سياسة الاحتلال بتهويد القدس اقتصادياً لا بد من مواجهتها بخطة عربية لتعزيز صمود أهل القدس والحفاظ على عروبتها، وليس فقط بالمجهود الفردي لأهل القدس، والحديث يدور هنا عن خطة اقتصادية طبعاً، ضمن خطة مواجهة شاملة. 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..