تغذية الإرهاب في سورية عبر الأردن: ثمة من يلعب بالنار

الصورة الرمزية لـ ramahu

د.إبراهيم علوش
البناء
5/2/2014


لم تكن الجولة الأولى من أعمال مؤتمر جنيف 2 قد عُلقت عندما تسربت تقارير غربية عن تسليم أكبر شحنة أسلحة أمريكية للجماعات المسلحة جنوب سورية عبر الأردن.  وكان موضوع تسليح “المعارضة” السورية يقدم في وسائل الإعلام قبيل جنيف 2 كأحد “شروط” مشاركتها فيه.  غير أن أرخبيل القوى والشخصيات المشاركة في ما يسمى “الائتلاف الوطني السوري” المفتقدة لإرادة موحدة، أو مستقلة، لا يضعها بموضع فرض الشروط على من أسسوها ومولوها وحركوها، فلا يمكن فهم استئناف التسليح الأمريكي تحديداً، في خضم جنيف 2 بخاصة، إلا في سياق التناقضات والسعي لحلها بين اللاعبين الإقليميين والدوليين المتورطين في دعم الإرهاب في سورية.



كانت وكالة رويترز في تقريرها المنشور في 27/1/2014 قد تذرعت بأن تجاوز قرار إيقاف المساعدات العسكرية للجماعات المسلحة السورية، المفروض من الكونغرس الأمريكي منذ الصيف المنصرم، جاء لأن مسؤولي الأمن القومي الأمريكي وأعضاء الكونغرس باتوا أكثر يقيناً بأن الأسلحة المسلمة في جنوب سورية سوف تذهب إلى “الثوار المعتدلين” وتبقى بأيديهم ولن تصل للفصائل الجهادية المتطرفة!!



وكان الكونغرس الأمريكي قد فرض قيوداً على إرسال المساعدات العسكرية لسورية خوفاً من وقوعها بأيدي عناصر “متطرفة”، مكتفياً بمساعدات عسكرية غير قتالية مثل أجهزة الاتصالات والمراقبة وغيرها.  وفي خضم ذلك استمرت شحنات الأسلحة الممولة خليجياً تتدفق على سورية، فيما ازدادت شقة الخلاف بين إدارة أوباما وكل من: 1) الجمهوريين، 2) اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، 3) الحكومة الصهيونية، 4) بعض الحلفاء الدوليين والإقليميين من الخليج لتركيا لأوروبا.   وكان موضوع الخلاف هو طريقة تعاملها مع كل الملف السوري، لا مع موضوعة شحن الأسلحة فحسب، ومع الملف الإيراني طبعاً.



استئناف التسليح كان لاسترضاء بعض أولئك الحلفاء إذن ودفعهم للقبول بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2، فكانت تلك نقطة تقاطع إذن بين الجمهوريين والديموقراطيين في الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني يرى فيها كل طرف موطئ قدم لتحقيق برنامجه: إدارة أوباما باستيعاب خصومه من المعسكر نفسه، وإطلاق آلية التفاهمات الدولية والإقليمية، والجمهوريون واللوبي الصهيوني وحكام الخليج لاختراقها وإحباطها.



في الآن عينه لم يغب عن مسؤولي الملف السوري في إدارة أوباما أن أي اتفاق لا يمكن إلا أن يكون انعكاساً لميزان القوى الميداني والسياسي، وأن الجيش العربي السوري ما برح يحقق إنجازاتٍ على الأرض في مكافحة الإرهاب، قبل وخلال جنيف 2، وأن ذلك لا بد له أن يفرض نفسه على بنود أية تسوية سياسية للأزمة السورية بطريقة لن تعجب واشنطن وحلفاؤها.



من هنا جاءت أكبر شحنة أسلحة يتم تسليمها للجماعات المسلحة السورية عبر الحدود الأردنية منذ بداية الأزمة لتحفز إعادة إطلاق هجوم كبير لـ”الثوار” على طريق درعا-دمشق وجنوب العاصمة دمشق، حسب تقرير لصحيفة “دايلي تلغراف” البريطانية في 28/1/2014.



أما توريط الأردن في إمرارها والشحنات الخليجية الأخرى بموازاتها وقبلها فيأتي لسببين:


أولاً، لأن الأردن الرسمي خلال الأشهر الأخيرة كان يحاول الإبحار بسفينته في المياه المضطربة ما بين التيار السعودي الحار، من جهة، الذي يحاول الزج بالأردن بالكامل في معمعان دعم الإرهاب في سورية، وبين تيار إدارة أوباما البارد، من جهة أخرى، المتحفظ على تقديم تسليح كبير ونوعي يمكن أن ينتهي بأيدي الجماعات الأكثر تطرفاً، والساعي لإخراج الولايات المتحدة من أزماتها الداخلية والخارجية عبر تفاهم مع روسيا، وبالتالي في سورية ومع إيران.  أما وقد تقاطع الحليفان المتعارضان، فلا بأس من إمرار مثل هذه الشحنات، والحليف الصغير لا حيز أمامه للمناورة إلا في حال اختلاف الحليفين الكبيرين ما دام قراره الوطني ليس مستقلاً بالأساس.



ثانياً، لأن ما ذهب إليه تقرير رويترز من أن الجماعات المسلحة بين شمال الأردن وجنوب دمشق أكثر ملاءمة للمزاج الأمريكي، من تلك المتواجدة في حلب وإدلب والرقة ودير الزور مثلاً، ليس مجرد ذريعة إعلامية… فتلك الجماعات تستمد زخمها وتنظيمها وتسليحها وتدريبها من قاعدة خلفية في الأردن بإشراف سعودي وغربي.  وقد نشر موقع “ذي ناشونال” الإماراتي تقريراً على موقعه في 28/12/2013 من إعداد فِل ساندز وسهى معايعة يشير لوجود مركز قيادة عمليات سري في الأردن، تحت إشراف ضباط عرب وغربيين، يقدم دعماً حيوياً لـ”الثوار” الذين يقاتلون على الجبهة الجنوبية، مقدماً لهم السلاح والإرشاد التكتيكي حول كيفية مهاجمة الأهداف في الدولة السورية.  ويضيف ذلك التقرير أن ذلك المركز الموجود في مقر قيادة المخابرات في الجندويل في عمان يوجه الآليات وبنادق القنص ومدافع الهاون والأسلحة الرشاشة الثقيلة والخفيفة والذخائر لوحدات “الجيش السوري الحر”، دون إعطائهم صواريخ مضادة للدبابات أو الطائرات، وهو ما تم تجاوزه في شحنة الأسلحة الأمريكية الأخيرة التي تضمنت أسلحة مضادة للدبابات!



في الحالتين ثمة توريط للأردن في حربٍ تستهدف استقراره واستقرار كل سورية الطبيعية ومصر والخليج والمغرب العربي، لا استقرار الدولة السورية فحسب، سوى أن الأردن لن يحتمل انتقال موجات الإرهاب إليه عبر سورية التي هزت دولاً عربية مركزية مثل العراق وسورية ومصر.  فثمة من يلعب بالنار هنا إرضاءً لهذا الطرف الدولي أو الإقليمي أو ذاك.



لذلك ليس مفاجئاً أن يحدِث التعامل الرسمي الأردني مع الأزمة السورية انقساماً في صفوف صناع القرار السياسي والأمني الأردني.  ومن ذلك مثلاً تحذيرات د. معروف البخيت المتكررة، وهو اللواء الركن المتقاعد، والمستشار الأمني للمخابرات، ورئيس الوزراء مرتين، والسفير السابق في الكيان الصهيوني: “الأردن أمام احتمال لجوء سورية إلى دحر المسلحين  بمنطقة حوران باتجاه الأردن وإرغامهم على دخول الأراضي الأردنية، مما يعني نقل جزء من الحرب الجارية بسورية إلى داخل الأراضي الأردنية”!

والعبرة لمن اعتبر…


للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=815868001763770&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1&stream_ref=10

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..