د.إبراهيم علوش
البناء 4/12/2013
أثار قانون التظاهر الجديد الذي بدأ تطبيقه الأسبوع الماضي في مصر حفيظة قوى وشخصيات أيدت الإطاحة بنظام مرسي إذ اعتبرته يمس بحقوق مكتسبة من ثورة الشعب المصري ضد نظام حسني مبارك وعلى رأسها حق التظاهر والاعتصام غير المقيد.
من جهة أخرى، ولأسباب مختلفة، اشتد النقد لقانون التظاهر الجديد أمريكياً وأوروبياً، حتى وزير الدفاع الأمريكي تشك هاغل اعترض عليه، بالإضافة إلى الامتدادات المألوفة المصرية والإقليمية والدولية طبعاً، ومنها الأمين العام للأمم المتحدة كي مون والمفوضة الأممية العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي … ناهيك عن منظمة “هيومن رايتس واتش”، ومن النادر أن يحظى قانون تظاهر محلي بهذا المستوى من الاهتمام والانتقاد الدوليين. فلماذا يحظى قانون التظاهر المصري الجديد بمثل هذا التركيز الدولي؟
أما التنظيم الدولي ل”الإخوان المسلمين” فمن البديهي أنه لم يفوت الفرصة لتوجيه سهام النقد للقانون الجديد وتنظيم الوقفات ضده ومحاولة ركوب موجة الممتعضين غير الإسلاميين منه من أجل إسقاطه، مثلما اسقطت احتجاجات شعبية من قبلُ قانوناً مماثلاً للتظاهر حاول “الإخوان المسلمون” تمريره في عهد مرسي عندما كان مجلس الشورى والجمعية التأسيسية محصنين ب”إعلان دستوري” (غير دستوري) يحفظهما من الحل.
الطريف ليس فقط أن قانوني التظاهر في عهد مرسي والسيسي متشابهان جداً، بل أن وزير الداخلية المعني بتنفيذ القانون الجديد هو نفسه محمد إبراهيم الذي جيء به في تعديلات كانون الثاني 2013، التي أتت أيضاً بثلاثة وزراء جدد من “الإخوان” لحكومة هشام قنديل. والحقيقة أن ثمة عدداً من الوزراء المشتركين بين حكومتي قنديل والببلاوي على رأسهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي طبعاً.
حتى لا يبقى الحديث في حيز العموميات، دعونا نقارن قانون التظاهر المقترح في عهد مرسي بقانون التظاهر الحالي، فكلاهما ينص على التعبير السلمي الذي لا يخل بحركة المواصلات والممتلكات وسير الأعمال وينص على الإخطار المسبق التفصيلي من قبل منظمي التظاهرة في قسم أو مركز الشرطة الأقرب لمكان التظاهرة، سوى أن القانون الحالي ينص على الإخطار قبل 24 ساعة فيما ينص قانون التظاهر الإخواني على الإخطار قبل ثلاثة أيام!
كذلك ينص القانونان على حق وزير الداخلية أو مدير الأمن بإلغاء أو نقل أو إرجاء أو تحويل مسار التظاهرة سوى أن قانون مرسي للتظاهر يتطلب موافقة “قاضي الأمور الوقتية” على قرار الداخلية والأمن فيما يعطي القانون الجديد لطالبي ترخيص التظاهرة حق الاعتراض عليه أمام القاضي نفسه… وفي قانون مرسي للتظاهر يحق للمحافظ أن يبعد المتظاهرين ما لا يزيد عن مئتي متر عن المكان المستهدف بالاحتجاج، وفي القانون الجديد يجب على المحافظ أن يبعدهم من خمسين إلى مئة متر!
وفي قانون مرسي للتظاهر يتم فض التظاهرة بالتدرج من خلال الانذار الشفهي ثم خراطيم المياه ثم القنابل المسيلة للدموع ثم الهراوات كما في القانون الجديد. وفي قانون مرسي للتظاهر لا تجوز الإقامة أو نصب الخيام أو إقامة منصات للخطابة أو الإذاعة في الأماكن المخصصة للتظاهر (كرابعة العدوية مثلاً) وفي القانون الجديد ثمة تحديد أكثر تعميماً يمنع الاعتصام بالمطلق.
وفي قانون مرسي للتظاهر يمنع ارتداء الأقنعة أو حمل الأسلحة أو المفرقعات أو الألعاب أو المواد الحارقة أو إقامة المتاريس أو حرق الإطارات أو تعطيل حركة المرور تماماً كما جاء في القانون الجديد، ويعاقب بالحبس المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه كل ما ارتكب افعالاً مخالفة لقانون التظاهر “الإخواني” أما في القانون الجديد فالعقوبة هي الحبس ودفع غرامة تتراوح ما بين الخمسين والمئة الف جنيه.
أي ليس مفهوماً من الناحية النظرية احتجاج “الإخوان” ومناصريهم على القانون الجديد الذي حاولوا تبني قرينه عندما كانوا في الحكم، ولا من المفهوم أن يشارك من ثاروا على “الإخوان” معهم ضد القانون الجديد ولا نقول أبداً أنهم ليس لديهم ما يحتجون عليه.
لكن ثمة فرقاً جوهرياً بين القانونين في الواقع هو منع الاجتماعات العامة وتسيير المواكب والتظاهرات في أماكن العبادة تحديداً. فالقانون الجديد يستهدف منع “الإخوان” من استخدام المساجد لتعبئة مناصريهم لإسقاط الحكم الجديد تماماً كما يستهدف قانون التظاهر “الإخواني” منع الخصوم من تعبئة الشارع لإسقاط حكم “الإخوان”.
في الحالتين لا يمكن أن ننظر للقانون ككيان مستقل محايد بل كأداة بيد السلطة، أي سلطة، لمحاصرة خصومها وتقييد حركتهم، حتى في الدول الغربية. الفرق هو أن حكم “الإخوان” كان مدعوماً من الإدارة الأمريكية والأوروبية التي تخاف من تنفيس قدرتها على التدخل في البلدان عبر ثورات ملونة على النمط الأوكراني. فالنظر للقانون بالمجرد من زاوية المقاييس المثالية للديموقراطية وحقوق الإنسان هو تسطيح للمسألة الأهم: أين تصطف السلطة التي تفرض ذلك القانون، ومعارضوها، بمقياس المصلحة القومية والوطنية ومقياس التناقض مع الإمبريالية والصهيونية في أي لحظة تاريخية؟
بعد ذلك فقط يمكن أن نناقش أي قانون من الزاوية المجردة للديموقراطية وحقوق الإنسان إن كان ثمة زاوية مجردة في أي قضية سياسية. لكن من حق الناس أن يعترضوا على قانون قد يشعرون أنه يذهب بحقوقهم السياسية، ومن واجب الحكم أن يعرف كيف يميز في التعامل بين هذا النوع من المعارضين وبين أدوات الخارج، ولا بد من منظومة تميز بينهما.
كذلك على الحكم الجديد في مصر أن ينتبه أنه أقدم على خطوة راحت تشق مناصري ثورة 30 يونيو، وان أعداءه يحاولون الاستفادة من ذلك. وما يثير القلق أن ذلك يترافق أحياناً مع تساهلٍ مع مجرمي نظام مبارك، مما يوحي لا بمواجهة الخارج وأدواته بل بالعودة إلى الماضي. فلا بد من موقف أوضح من رموز النظام الأسبق أيضاً.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=777226502294587&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً