د. إبراهيم علوش
البناء 3/9/2013
في العام 2011، لم يطلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما تفويضاً من الكونغرس الأمريكي لقصف ليبيا، مما دفع نواباً من الحزب الجمهوري ومن حزب الرئيس، الحزب الديموقراطي، لانتقاد أوباما لتخطيه الكونغرس في مسألة الحرب والسلام.
وهي مشكلة تقليدية في أية حال، فالدستور الأمريكي يعطي الكونغرس، لا الرئيس، صلاحية إعلان الحرب رسمياً، لكن الرئيس، كقائد عام للقوات المسلحة، يمتلك صلاحيات استخدام القوة في حالات محدودة، مثل حالات الطوارئ أو تنفيذ المعاهدات أو الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الدولية، وهي صلاحيات سببت احتكاكاً كبيراً مع الكونغرس عبر السنوات، حيث حاول رؤساء أمريكيون مختلفون أن “يمطوا” صلاحياتهم العسكرية إلى أقصى مدى ممكن بمنأى عن الكونغرس. مثلاً، دخل الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان الحرب الكورية في الخمسينيات بدون العودة للكونغرس متذرعاً بأنه كان مجبراً كرئيس دولة عضو في مجلس الأمن على التقيد بقرار الأمم المتحدة بدعم التدخل الدولي لمصلحة كوريا الجنوبية.
كذلك دخل الرئيس الأسبق جورج بوش الأب حرب العراق تحت ذريعة الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وطرح الموضوع على الكونغرس باعتباره أمراً شكلياً، فأعطاه الكونغرس تفويضاً بدخول حرب العراق باعتباره أمراً ملزماً لمعاهدات الولايات المتحدة الدولية، فنال بوش تفويض الكونغرس، دون أن يفرط بالصلاحية المكتسبة للرئاسة بخوض حروب بدون العودة للكونغرس.
كذلك دخل بل كلينتون حرب كوسوفو بدون تفويض من الأمم المتحدة، وبدون العودة للكونغرس، بذريعة ضرورة الالتزام بمعاهدة حلف الناتو..
فما الذي دفع باراك أوباما للتفريط بصلاحية رئاسية أمريكية مكتسبة بقوة العادة بدون أن يتعلق الأمر بإعلان حرب رسمي؟
ويكتسب مثل هذا التساؤل أهمية خاصة في ضوء علاقة أوباما المتوترة والرديئة مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية بسيطة، ولكن ليس فقط لأن الجمهوريين يسيطرون عليه، إذ واجه مشاكل مع نواب من الحزب الديموقراطي أيضاً، وعمل الكونغرس خلال الفترة الماضية على تعطيل مشاريع الرئيس التشريعية لقوننة برنامجه السياسي، ومنها مشاريعه حول الموازنة الحكومية والضرائب والإنفاق على البنية التحتية والإسكان والاحتباس الحراري والهجرة وحق اقتناء السلاح الفردي وغيرها، مما اضطره لإصدار عددٍ من الأوامر التنفيذية الرئاسية لفرض بعض تلك المشاريع من فوق الكونغرس.
لذلك فإن تحويل ملف ضربة سورية للكونغرس ليس تفريطاً بصلاحيات رئاسية مكتسبة فحسب، بل يمثل قبولاً مسبقاً بحكم خصم عنيد عمل بدأب خلال السنوات المنصرمة على تهشيم باراك أوباما شخصياً وتقويض مشاريعه…
وكان قد وقع 180 نائباً جمهوريا وديموقراطياً عريضة يطالبون فيها الرئيس أوباما بتحويل ملف سورية للكونغرس، وهو ما فعله أوباما قائلاً أنه يقوم به وهو مقتنع بأنه غير مضطر للقيام به من ناحية دستورية، وهو استاذ القانون الدستوري في الجامعة.
لكن مثل هذا القول لا يغير حقيقة أن أوباما ما كان سيذهب للكونغرس إلا مضطراً. فلا غطاء من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لضربة عسكرية لسورية هذه المرة، ولا من الحلفاء في الناتو، ولا تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة أو لمصالحها، ولا تأييداً شعبياً عارماً في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية لضرب سورية التي لم تعتدِ على الولايات المتحدة بأي شكل، إنما العكس هو الصحيح. كما أن العالم ملّ كذبة أسلحة الدمار الشامل التي تبين تهافتها في العراق، وكذلك لم يقتنع الرأي العام العالمي بتلفيق كيماوي الغوطة الشرقية للدولة السورية.
ونضيف أن غبار ما يسمى “الربيع العربي” قد انقشع بدرجة كبيرة عن الشارع العربي الذي انقاد بعضه، في مشهدٍ سوريالي لا نظير له بين الشعوب، للتصفيق، أو لعدم الاكتراث، لتدمير حلف الناتو لدولة عربية هي ليبيا في العام 2011، بل نلاحظ هذه المرة رفضاً شعبياً عربياً عارماً لضرب سورية .
ورب قائل أن أخر شيء تفكر به الولايات المتحدة هو رأي الشارع العربي بما تقوم به، لكنها إذا كانت قد أطلقت في العام 2001 برنامجاً ضخماً للدبلوماسية العامة، هو “برنامج الشراكة الشرق أوسطية”، لاستمالة العقول والقلوب العربية، فإنها معنية بأن تجد دعماً شعبياً عربياً لسياساتها العدوانية، تماماً كما حدث في ليبيا، وأن يقبل الشعب العربي التبعية والتطبيع والانصياع للإرادة الأمريكية عن طيب خاطر، فذلك أقل كلفةً من الناحية السياسية والعسكرية والمالية.
وروسيا والصين تقف بالمرصاد، وثمة صراع في الإقليم مع إيران، وثمة دولة عربية كبرى اسمها مصر تعارض ضرب سورية، وكذلك الجزائر، وثمة احتمال أن يتصاعد الغضب الشعبي العربي لما لا تحمد عقباه، ناهيك عن غضب سورية والسوريين، وغضب حزب الله وحلفاء سورية. ولولا النزوع العدواني المسعور لدى حكام الخليج لتدمير سورية حتى آخر بترودولار وأخر نقطة دماء سورية، لقلنا أن أوباما يفتقد لأي غطاء أو دعم لضرب سورية.
لذلك كله لا يستطيع أن يضرب أوباما ضربة محدودة، لن تسقط النظام، وقد تكون عالية التكلفة، بدون غطاء من الكونغرس على الأقل. لكنه عندما ذهب للكونغرس كان يعرف أنه يلقي بالنرد على الطاولة دون أي ضمان للنتيجة. فإما أن يتحمل الكونغرس مسؤولية التراجع عن الضربة، وإما أن يتخذ الكونغرس قراراً بشن ضربة غير محدودة، بل ضربة شاملة على طريقة يوغوسلافيا وليبيا والعراق تقضي على سورية، كما يريد السناتور الجمهوري، والمرشح الرئاسي السابق، جون ماكين ورهطه من المحافظين الجدد، أو كما يريد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بالأحرى.
فبأي طريق سيذهب الكونغرس؟ هذا ما سنكتشفه في الأيام القادمة. فإذا نحا باتجاه رفض الضربة فإن ذلك سيكون نصراً كبيراً لسورية، لكنه لن يعني نهاية التدخل بطرق أخرى، أو حتى نهاية احتمال القيام بضربة جوية، خاصة أن أوباما لا يستطيع أن يترشح للرئاسة لولاية ثالثة، وإذا نحا الكونغرس باتجاه الحرب، فإن علينا جميعاً أن نقف مع الدولة السورية وقفة رجلٍ واحدٍ لزعزعة الأرض تحت أقدام الولايات المتحدة وحلفائها في بلادنا. وفي الحالتين لا نملك خياراً إلا القتال والصمود. فإما النصر وإما النصر عاجلاً أم آجلاً.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=715774538439784&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1
اترك تعليقاً