حول بعض المواقف الملتبسة من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة

الصورة الرمزية لـ ramahu



د.إبراهيم علوش


يتزايد التوتر بين الحكم الجديد في مصر وبين الغرب وامتدادته عشية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة كما تجلى ذلك بتصاعد لهجة الإدانة والشجب الغربيين، وأبرزها خطاب أوباما بنفس الاتجاه، وتعليق مناورات “النجم الساطع” المشتركة مع الجيش المصري، وقيام عدد من الدول الغربية باستدعاء السفراء المصريين، وقيام دول غربية أخرى (مثل الدنمارك) بتعليق المساعدات لمصر، ودعوة فرنسا وبريطانيا وأستراليا مجلس الأمن للإنعقاد، ومحاولة إصدار “إعلان رسمي” عنه حول الوضع في مصر لولا تصدي روسيا والصين لتلك المحاولة، ونضيف في هذا السياق، لا خارجه، تصاعد الهجمات المسلحة ضد الجيش المصري في سيناء، والاستمرار بمحاولة زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي داخل مصر نفسها بغطاء سياسي وإعلامي من تلك القوى الغربية.



ونلاحظ هنا أيضاً تقاطع الموقف الإيراني الرسمي إزاء مصر مع الموقف الغربي، والأمريكي تحديداً، كما تجلى من خلال تصريحات للرئيس روحاني ولمساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، في الوقت الذي تزداد فيه حدة التوتر بين الولايات المتحدة ومصر، وكان يفترض أن يكون الاصطفاف الإيراني على العكس من ذلك طبعاً إذا كانت ثمة رغبة حقيقية بتخليص مصر من التبعية وقيود كامب ديفيد، وهو ما يطرح كثيراً من التساؤلات… خاصة في ضوء دعم الإخوان في مصر وغيرها ومشاركتهم في الحرب الكونية على سورية ومحاولة تفجير المشرق العربي برمته في صراع سني-شيعي مدمر.



ونلاحظ أن قناة الجزيرة وأخواتها في عائلة الإعلام الأصفر حاولت الترويج لخط إعلامي يستميل الليبراليين، خاصة بعد استقالة البرادعي، يقوم على نقد استخدام “القوة المفرطة” في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في مسعى لتحشيد خصوم الإخوان من أصحاب النزعات الليبرالية و”الديموقراطية” ضد الحكم الجديد في مصر، مقدمةً مقارنةً مع حكومة أردوغان التي قضت اثني عشر يوماً في فض اعتصام ساحة تقسيم، بعدد أقل بكثير من القتلى.



والحقيقة أن المقارنة بين ساحة تقسيم من جهة، ورابعة العدوية والنهضة من جهة أخرى، يتعامى عن مجموعة كبيرة من الحقائق والحيثيات التي تجعل السياقين مختلفين تماماً. فاعتصام تقسيم كان يعتمد على طيف كبير من القوى الشعبية ولم تكن له قوة مركزية تحركه مثل حركة الإخوان المسلمين، ولا مرشد أعلى، ولا امتدادات تنظيمية إقليمية تتجاوز تركيا، ولا مشروع سيطرة على السلطة بأي وسيلة ممكنة، ولا تغطية من الولايات المتحدة، ولم يكن في ميدان تقسيم قوى مسلحة قتلت 43 شرطياً تركياً، ولا امتدادات عسكرية، كما في سيناء، تضغط على الجيش التركي من الخلف، بل أن الأكراد كقوى منظمة، أحجموا عن المشاركة في احتجاجات تقسيم وما تلاها، ولم يكن في ميدان تقسيم متاريس خرسانية ومؤسسات موازية للدولة، ولم يرد المشاركون في تقسيم على فض اعتصامهم بحرق مؤسسات الدولة المدنية ودور العبادة كما فعل الإخوان “المسالمون” في مصر، الخ…



ولو حاول الحكم الجديد في مصر أن يزيل اعتصامي رابعة العدوية والنهضة تدريجيا، باستخدام قوة أقل، لاستجلب على رأسه ردود الفعل الغربية نفسها، مع فتح الباب لنقل الاعتصامات من قبل قوى منظمة كبيرة من ساحة لأخرى في عملية استنزاف لا تنتهي، بموازة تصعيد الضغط من سيناء وسياسياً وإعلامياً، أي أن الكلفة الداخلية عليه كانت ستكون أعلى والعائد أقل، ففضل أن يستجلب كلفة خارجية أعلى لتحقيق عائد داخلي أكبر. وهذه الخطوة بالذات، المحسوبة من منظور مصلحة النظام قبل أي شيء أخر، تعني أنه فتح مواجهة كبيرة مع الولايات المتحدة التي تعاملت مع الأمر باعتباره تحدياً مباشراً لها، وكل شيء، في مصر وفي المنطقة، بات يعتمد على كيفية تعامل الحكم الجديد في مصر مع ردة الفعل الأمريكية هذه…



للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=708143615869219&set=a.659772147373033.1073741827.185865588097027&type=1

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..