حول حملة النظام المصري على حزب الله

الصورة الرمزية لـ ramahu

 hizb

د. إبراهيم علوش

 

حملة النظام المصري على حزب الله ليست فقط سياسية، بل هي سياسية وميدانية فعلياً، وهي ترتبط ببعدين أساساً، داخلي وخارجي. 

 

داخلياً، باتت شعبية نصرالله وحزب الله كبيرة جداً في الشارع المصري، منذ تحرير جنوب لبنان صعوداً.  فالحملة الحالية التي تصور دعم الحزب للمقاومة كعدوان على مصر وتعدٍ عليها، بينما هي في الواقع عدوانٌ من قبل النظام المصري على موقف الشارع المصري من المقاومة، إن مثل هذه الحملة هدفه جزئياً تعبئة الشارع المصري ضد حزب الله خاصة والمقاومة العربية عامة من خلال محاولة إثارة الحس القطري أو الإقليمي المصري في مواجهة فصائل المقاومة العربية، ويجب على فصائل المقاومة العربية أن تنتبه لهذه اللعبة جيداً، وأن لا تستحي من إظهار مقدار حبها لمصر الأرض والشعب، مقابل مصر النظام. 

 

خارجياً: النظام المصري ينفذ ما يسميه “التزامات” تجاه الطرف الأمريكي-الصهيوني، وهي كالتزامات السلطة الفلسطينية ترتبط بإستراتيجية سحق المقاومة وتجفيف منابعها الخ… 

 

وهناك من ربط توقيت إثارة المشكلة مع حزب الله بتجاهل أوباما والإدارة الأمريكية الجديدة للنظام المصري وتركيزه بالمقابل على تركيا والكيان الصهيوني وإيران… وحتى على النظام السعودي، لكن النظام المصري لا يجرؤ أن يفتعل أزمة، كما يذهب البعض، ليعيق تطور العلاقات الأمريكية-الإيرانية.  فالمبادرات الأمريكية تجاه إيران ضرورة موضوعية في الإقليم للخروج من العراق.  والتنسيق الأمريكي-الإيراني حول العراق مر بمراحل مد وجزر من قبل، واللعبة كانت وتبقى لعبة توزيع الغنائم في الإقليم. 

 

فما جرى ضد حزب الله قرار أمني وميداني يسر الكيان الصهيوني سياسياً بالتأكيد، ولا يخرج عن طوع الولايات المتحدة ولا يضع العصي في دواليب مشاريعها السياسية في المنطقة، ولا يصيب إيران بقدر ما يصيب غزة وأهلها، وهو يستهدف شل الدعم للمقاومة الفلسطينية لوجستياً وسياسياً وميدانياً.. ودعونا لا ننسى أبداً هنا أن المستهدف أولاً هو من ينال الدعم، أي غزة والمقاومة الفلسطينية، والمستهدف خلفهما هو نهج المقاومة وتأييده في الشارع المصري. 

 

أما من يزعم أن الهدف من حملة النظام المصري على حزب الله هو تخريب العلاقات الإيرانية-الأمريكية، من خلال إظهار إيران وكأنها تمد يدها في الداخل المصري وتعبث فيه، فكأنه يقول فعلياً أن المقاومة العربية ليست نبته محلية أصيلة وضرورية بل زرع إيراني، وكأنه يقبل ضمناً بدعاية “المعتلّين العرب” بأن الفصائل المقاوِمة في الوطن العربي هي امتدادات إيرانية، وكأنه يقول بأن غزة محمية إيرانية، وكأنه يقول بأن النظام المصري يمتلك قراراً سياسياً مستقلاً وإرادة حرة وجرأة على التدخل في مشاريع الولايات المتحدة، وهذا كله ليس فيه شيء من الصحة.

 

هنا لا بد أن نذكر بشيئين: 1 – أن دعم المقاومة وفك الحصار عن غزة هو حق وواجب كل عربي، 2 – أن من يحاصر أهل غزة ومقاومة غزة يفقد مشروعيته، ناهيك عن عدم وجود مشروعية تاريخية له أساساً بسبب وجوده ضمن نظام التجزئة القطرية، وناهيك عن عدم وجود مشروعية سياسية له بسبب علاقته مع العدو الصهيوني، وعدم وجود مشروعية شعبية له بسبب تفريطه بمصالح الناس وانتهاكه لحقوقهم.  إن نظاماً كهذا يجب أن يسقط، وفي ذلك تكمن مصلحة الشعب المصري والأمة العربية.  أما اللعب على وتر الوطنية المصرية للتحريض ضد المقاومة كنهج وكقوى، وليس فقط ضد حزب الله، فلن يمر على الشعب المصري الذي يعرف بالسليقة من يمثل التهديد الحقيقي لأمنه، ومن الذي يريد لمصر أن تعود لمجدها وعزها…

 

وفي النهاية من قرر أن الحدود العربية مقدسة؟!!  بل هي زائفة… أما التقسيمات الموجودة بينها فوهمية، فما بالك إذا كانت توجد مقاومة لا بد من دعمها؟!  فإذا كان دعم المقاومة يقتضي انتهاك حرمة “الحدود” العربية السخيفة، فإن دعم المقاومة يصبح له أجران، أجر دعم المقاومة، وأجر انتهاك الحدود العربية في خضم دعم المقاومة!  ولو كانت غزة تقع على حدود سوريا أو لبنان، فإن الكلام نفسه يبقى صحيحاً.  لا بل أنه يبقى صحيحاً دون أن تقع غزة على حدود لبنان أو سوريا…  فدعم المقاومة لا يحتاج لإذن من أحد، حتى من سوريا أو حزب الله.

 

وفي صراع بين قوة مقاومة وبين نظام عربي يرتبط بمعاهدات مع العدو الصهيوني لا يمكن أن يقف المواطن مع النظام العربي، أو حتى على الحياد، وهذه بديهية إذا كانت تحتاج لمناقشة، فإننا نكون قد دخلنا في المحظور قبل أن نبدأ، لأن تأييد نظام عربي مرتبط بالطرف الأمريكي-الصهيوني هو… (إملأ الفراغ من عندك!). 

 

تأييد المقاومة بالمناسبة لا يعني تأييد إيران أو مشاريعها في المنطقة بالمناسبة، وهي مشاريع هيمنة أيضاً لا يجوز أبداً أن ننجر لتأييدها.  إن تأييد المقاومة يعني ببساطة، وبالحد الأدنى، تأييد فصائل المقاومة الموجودة هنا والآن، وليس في رؤوسنا، في مواجهة الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه، وهو تأييد مشروط وموضعي ولا يجوز أن يتحول أبداً لتأييد إيران أو تركيا أو حتى لتأييد هذا التفصيل الخلافي أو ذاك فيما لا يتعلق بممارسة المقاومة على الأرض، مثلاً، ببرنامج أحد فصائل المقاومة الثقافي أو الاجتماعي، أو بخريطة تحالفاتها.  لكن نحن كمواطنين يجب أن نؤيد المقاومة.  نقطة على السطر.

 

أما الأحكام الصادرة في الأردن ضد متهمي حركة حماس، فليس إلا تتمة لما قام به النظام المصري ضد حزب الله، وهو بالأساس رسالة أمنية وسياسية لكل من يفكر بدعم المقاومة من خلال دول الطوق التي يعتبر الأردن إحداها.  وما يعزز هذا الاستنتاج هو أن تلك الأحكام الجائرة صدرت على خلفية انفراج في العلاقة بين النظام الأردني وحركة حماس.  فهذه الأحكام ذات طابع سياسي بالضرورة، وليست لها أية قيمة قانونية أو قضائية.   

 

 

 

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

ردان على “حول حملة النظام المصري على حزب الله”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..