حول الصمود الليبي في وجه الهجمة الاستعمارية

الصورة الرمزية لـ ramahu

 

د. إبراهيم علوش

21/4/2011

  

الصمود الليبي في مواجهة تمرد مسلح مدعوم مباشرة من حلف الناتو ومغطى دولياً وضع كثيرين، ممن تعاملوا مع حالة ليبيا كثورة شعبية عارمة لإسقاط النظام، في حرجٍ شديد.  فإذا كان معمر القذافي يستقوي بسلاحه على الشعب، كما قالوا، فإن ترسانة حلف الناتو أضخم حجماً وأكثر تطوراً وأشد ضراوةً بما لا يقاس من ترسانة القذافي العسكرية!  كما أن القرار الدولي بحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا يطبق بشكل أحادي تماماً يتيح تصدير الأسلحة، عبر المجلس العسكري المصري وغيره، إلى متمردي حلف الناتو، ويحظر تصدير الأسلحة إلى دولة عالم ثالث تحاول صد عدوان خارجي عسكري وسياسي واستخباراتي علني فيها – بغض النظر عن أية ملاحظات أخرى على سياساتها وقياداتها تختلف جوهرياً عما يروجه الإعلام الأصفر من أكاذيب عنها. 

وعندما نسمع أن قافلة من عشرات أو مئات الآليات والدبابات لمتمردي حلف الناتو في ليبيا، كما ذكرت وسائل الإعلام، تعرضت لقصف حكومي ليبي، فإن المرء يصبح في حيرة من أمره حول جدوى الإصرار على تسويق “الفارق العسكري الكبير” بين “الثوار” و”قوات القذافي”، كما تسمي وسائل الإعلام “المتمردين”، من جهة، والدولة الليبية، من جهة أخرى، ما دام “الثوار” يملكون هذا الكم من القوات المجوقلة، ولا تمتلك ليبيا أي سيطرة في الجو، فيما يمتلك “الثوار” غطاءً جوياً من حلف الناتو لا يستطيعون البقاء في أي مدينة يوماً واحداً بدونه!

ولنلاحظ التناقض الصارخ بين القول أن “الثوار” أضعف عسكرياً بما لا يقاس من “قوات القذافي”، وبين الدعم العسكري والاستخباراتي والسياسي الرهيب الذي يحظون به، فيما الولايات المتحدة لا تزال تقدم دعماً لوجستياً واستخبارياً وإستراتيجياً لحملة حلف الناتو في ليبيا بالمناسبة، بالرغم من انسحابها من عمليات القصف الجوي جزئياً بسبب المعارضة الداخلية للتورط في حرب ثالثة بلا أفق غير أفغانستان والعراق. 

ولنلاحظ أن حلف الناتو يقدم دعماً عسكرياً تكتيكياً من الجو للثوار المزعومين على مستوى المدن والحملات الصغيرة، ولنلاحظ أيضاً أن وسائل الإعلام الغربية تتحدث علناً وتكراراً عن وجود “مستشارين” من القوات الخاصة البريطانية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون – فقط لأن حلف الناتو يتيح لهم مثل تلك السيطرة…

كم نظام عربي أو عالم ثالثي كان سيصمد أمام هجمة منسقة من حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي بهذا الحجم ومن هذا النوع تشترك فيها طائرات غربية وخليجية وأردنية من الجو، وقنوات الجزيرة والعربية والبي بي سي من الأقمار الصناعية، وأدوات محلية ليبية من البر بعضها مخترق جاء من الغرب، وبعضها لديه مظالم مشروعة لكنه يفتقد للبوصلة السياسية، ناهيك عن بعض المتطوعين السلفيين القادمين من مصر وغيرها ممن شاهد عشرات الألوف مقابلات مع بعض جرحاهم على موقع يوتيوب؟! 

لكن المحرجين من الصمود الليبي غير العادي يزعمون أن الغرب الذي يهاجم ليبيا ويتدخل فيها  هو الذي يريد مثل ذلك الصمود، وأنه لو أراد إسقاط القذافي لأمكنه القيام بذلك عندما يرغب، لكنه لا يرغب لكي يجعل تدخله البري مطلباً شعبياً عربياً وليبيا… ولكن من يذهب لمثل هذا يتجاهل أن حلف الناتو وحلفاءه يلقون بكل ثقلهم السياسي والعسكري والديبلوماسي والإعلامي ضد الحكم الليبي، وأنهم يضربون أي تحرك عسكري أو قوى ليبية مقاومة للتدخل الأجنبي يصلون إليها بلا هوادة، فالتدخل العسكري المباشر واقع بغض النظر عن طريقة إخراجه.   والحقيقة البسيطة تبقى أن ليبيا تصمد في وجه الرياح العاتية لأن هناك قوى كافية شعبية ورسمية وعسكرية وأمنية مؤازرة لمواجهة التدخل الأجنبي.   وانسحاب الأمريكيين جاء بسبب إدراك تلك الحقيقة المرة بالنسبة لهم، وهي حقيقة تضع صورة دمائهم وأشلائهم على أرض العراق وأفغانستان أمام أعينهم الزائغة لو فكروا بالاجتياح البري.

فإذا حدث تدخل بري بعد هذا، فإن ذلك سيكون بسبب الصمود الليبي، وبسبب فشل المتمردين، رغم الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري غير المحدود الذي تلقوه، وفشلهم في كسب تأييد شعبي كافٍ في ليبيا يقلب الميزان على الأرض لمصلحتهم، ولأن الولايات المتحدة تريد أن تورط أوروبا في حرب تضعف اقتصادها كما أضعفت حربا العراق وأفغانستان الاقتصاد الأمريكي.  وسيكون صمود ليبيا عندها هو ما يدخل أوروبا عنق الزجاجة.

بيد أن حلف الناتو بمنعه الحكم الليبي من استعادة المدن والمناطق التي يسيطر عليها المتمردون (فقط بفضل حلف الناتو)، وبتكريس الاعتراف الدولي بمجلس الحكم الانتقالي العميل، وبتصدير النفط من مناطقه، وانتقاله لمرحلة تشكيل بنك مركزي، وهو ما لا يعقل أن تفكر به ثورة في المرحلة الأولى لانطلاقها، يفرضون تقسيماً فعلياً لليبيا ينسجم بالمجمل مع “مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير” لتقسيم عموم المنطقة.  فمن يدعم التدخل الأجنبي في ليبيا حالياً يدعم تقسيمها، ويدعم مشروع “الشرق أوسطية” فعلياً.  والليبيون لا يمكن أن يكونوا مع تقسيم بلدهم، ولا مع تسليم ثروتهم النفطية لقوى العولمة. 

ألا يدل ذلك الصمود غير العادي، على الأقل، أن قطاعاً كبيراً من الشعب العربي الليبي لا يرى في متمردي حلف الناتو بديلاً ذا مصداقية، ويرى بالمقابل أن الحفاظ على استقلال ليبيا في هذه اللحظة التاريخية يتطلب دحر الهجمة الاستعمارية الشعواء قبل الحديث عن أي نقد للقذافي وأي تغيير وأي إصلاح لا نجادل في حق الناس في ممارسته؟! 

وفي النهاية، ماذا يعني “التغيير” الداخلي في الوطن العربي بأدوات خارجية سوى تكريس التبعية للخارج؟!  وكيف يمكن أن نسميهم “ثواراً” من يضعون أيديهم بيد قوى استعمارية غربية، أو قوى رسمية عربية تابعة لها؟!  وأين الثوار الحقيقيين في وطننا العربي من الهجمة الاستعمارية على ليبيا؟!  ولماذا يخفت صوتهم إزاءها؟!  وهل يليق أن يكون صوت الاحتجاج على تلك الهجمة أعلى في الشارع الغربي والأفريقي والعالمي مما هو في الشارع العربي، حتى لو لم يقدم الشارع العربي دعماً لمتمردي حلف الناتو طبعاً شبيهاً بالدعم الذي قدمه للحراك الشعبي والشبابي في مصر وتونس؟!  وهل وصل اختلاط الأوراق إلى حد يجعلنا نرى التعامل مع حلف الناتو كقضية خلافية؟  وهل استدعاء حلف الناتو مجرد “غلطة” ارتكبها المتمردون، كما يوحي البعض، أم أنه دليل على ترتيب مسبق أو تنازلات كبرى قدموها؟  وفي الحالتين، إذا أصبحت العمالة لحلف الناتو قضية خلافية، ما الذي نثور من أجله أصلاً؟! 

مرة أخرى، لا بد من التمييز بين الثورات في الدول التابعة للإمبريالية مثل مصر وتونس، و”الثورات” الدول الممانعة أو المستقلة أو حتى شبه المستقلة أو المستهدفة…  مهما كانت الملاحظات على سياساتها وقياداتها.  فالثورات لا تجري في فراغ، بل في فضاء جغرافي سياسي محدد، والدول التي تعاند الإمبريالية، ولو شبر على من الحلبة السياسية، لا يفيدنا أبداً كشعب عربي أن يتم تفكيكها إلى دويلات أو أن يتم استبدالها بحكم جديد “ديموقراطي” لكنه يلتزم بالأوامر الخارجية حرفياً ويتفانى في تنفيذها.

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

رد واحد على “حول الصمود الليبي في وجه الهجمة الاستعمارية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..