دعوة (الرابي عوفاديا يوسيف) لإبادة الفلسطينيين

الصورة الرمزية لـ ramahu


 

التلمود لا يزال مرشداً في الحياة السياسية في “إسرائيل”

 

 

أحمد أشقر * 

عند نشر هذا المقال ستكون المفاوضات المباشرة بين “إسرائيل” وأشلاء (م. ت. ف) قد انطلقت أو تكاد. وكما صرّح رئيس حكومة “إسرائيل”، (بنيامين نتنياهو)، فإن هدف هذه المفاوضات هو تعزيز أمن “إسرائيل” واعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة. حيث يشكّل أمن “إسرائيل” قضية عقدية- من عقيدة- لدى غالبية دول العالم بما فيها غالبية الأقطار العربية. وأما الاعتراف بيهوديتها فهو الأهم، إذ لا يمكن مقارنة شدّة دماره علينا حتى بالاحتلال الصليبي لبلادنا واتفاقية (سايكس- بيكو) والاحتلال البريطاني والنكبة عام 1948 وما تلاها من نكبات متسلسلة معاً؛ كذلك فإن قصفنا بالسلاح النووي غير المُستبعد أسهل هو الآخر! فالاعتراف بيهودية “إسرائيل” يعني الانقلاب على التاريخ وتدميره، وتدمير الوعي العربي الفلسطيني منذ جدتنا الأولى عنات إلى الأجيال التي ستولد لحظة الفناء الأخيرة!

 

كنت ولا أزال على يقين تام- يتعزز أكثر فأكثر كلّما قرأت حرفاً جديداً في اللاهوت والفقه اليهوديين الكلاسيكي منهما والمعاصر- بأن الصهيونية هي الفقه المعاصر لليهودية. وقد كتبت ونشرت، وكتبت ولم أجد ناشراً بعد، وحاضرت وتحدثت عن الموضوع ومُنعت أيضاً. كنت ولا أزال أعتقد أن نشوء “إسرائيل” هو حالة فريدة في تاريخ الإنسانية بما تمثله من تزاوج الخرافة والأسطورة والدين والحداثة؛ إنها حالة فريدة وخاصة جداً في اختراق الوعي الانساني ومحاولة تدميره بالكامل، حيث بات نجاحها قاب قوسين أو أدنى، للأسف، في غياب من يقاومها.

إن تصريح (نتياهو) المذكور ودعاء (الرابي عوفاديا يوسيف): “أبو مازن وكل هؤلاء الأشرار– فليختفوا من العالم. فليضربهم الله ضربة قاضية، هم وهؤلاء الفلسطينيين”، وردود الفعل العالمية سواء الرسمية أو الإعلامية ليست إلا تأكيداً على ما أقوله.

 

كانت ردود الفعل باهتة لا ترتقي إلى درجة خطورة التصريح المذكور، الذي هو دعوة صريحة إلى إبادة الفلسطينيين. فقد عبرت أمريكا عن أسفها لأن هذا التصريح لا يخدم المفاوضات المباشرة. وبالتأكيد لو كان التصريح يخدمها لأيدته! أما بقية دول العالم فإنها لم تسمع بنداء أهم الشخصيات الدينية- السياسية في “إسرائيل”، القائل بضرورة إبادة أعرق شعوب الأرض الذي قدم لها الأبجدية: الشعب الفلسطيني!

 

دعاء (الرابي عوفاديا يوسيف) لإبادتنا ليس الأول من نوعه؛ فقد قال في عام 2009 إنّ “المسلمين أغبياء ودينهم بشع مثلهم”. كما دعا عام 2001 إلى “إبادة العرب”، واصفاً إياهم بـ”الأفاعي أبناء الأفاعي”. هذا ما تسرب إلى وسائل الإعلام. أما ما تحتويه فتاواه وعظاته المشمولة في أكثر من 150 كتاباً فهو الأخطر، لأنه يكتبها بتمعن مع أسانيد من النصيّات الـ”تناخية” والـ”تلمودية”.

 

إن حمّى قادة الكيان بأن يعترف العرب بكيانهم “إسرائيل” كدولة يهودية أو دولة للشعب اليهودي، كما يعبر عنها (نتياهو) وبقية قادته يستند إلى الجذور الـ”تناخية” لليهودية_ الصهيونية. فقد ورد فيها ما يأتي: “جَمْع يهوه النوعي” (تثنية 14: 2). و”جَمْع أعظم من أن يعد ويحصى لكثرته” (يهوشع 1: 10). و”أبناء يهوه” (يهوشع 10: 1).  وعليه، وبسبب سمو مكانته بين بقية جموع الإنسانية، عليه أن يسكن منعزلاً، “جمع يسكن منعزلاً وبالـgoyem لا يكترث” (العدد 23: 8). ليس للـgoy  أو الـgoyem أي مرادف بكل لغات الكون. إنها حالة فريدة وخاصة من كراهية الآخرين.

 

أما (الرابي عوفاديا يوسيف) فيستقي كراهيته لنا نحن العرب من الـ”تلمود” بشقيه البابلي والأورشليمي/ الفلسطيني، فهو الأقسى على الـgoyem؛ حيث يُكثر من وصفهم بأنهم “دنسون وأنهم ليسوا آدميين ويمارسون الجنس مع الحيوانات والموتى وقطع اللحم، وأنهم أفاعي أبناء أفاعي” (يبموت  س أ، أ). و”لحمهم لحم حمير” (يروشلمي برخوت ف.ج، هـ.د).

 

إذا، إنها حالة مذهلة من تحالف الدين مع السياسة في “إسرائيل”. حتى ليمكننا القول بأن الصهيونية هي الذراع المادي لليهودية.

 

من هو (عوفاديا يوسيف) الذي لا ينفكّ عن الدعوة لإبادتنا؟

 

ولد المذكور في بغداد عام 1920. شغل مناصب دينية كبيرة في التدريس والإفتاء والتأليف في مصر وفلسطين، كان أهمها إشغاله منصب الحاخام الأكبر الشرقي للكيان الصهيوني في السنوات 1973 – 1983. إثر توليه المنصب عدّل من مكانته؛ فقد كان يعتبر الثاني من حيث المرتبة، حين كان الـ(رابي) الأشكنازي هو الأول، ويليه الشرقي، فحوّل الشرقي إلى مساوٍ للأشكنازي بالضبط. ويعتبر عوفاديا يوسيف المفتي ذا المكانة الأكبر عند اليهود في العصر الحالي. كما يعتبر مجدداً في كل شيء، وليبرالياً بعض الشيء في فتاواه، لصالح اليهود طبعاً .ويعتبر موفقه من إقامة الكيان الصهيوني موقفاً مركباً، ويتحفظ على اعتباره “بداية الخلاص”. إذ يعتبر إقامته معجزة، إلا أن المعجزة لم تشمل كل يهود العالم. ويبدو أن “بداية الخلاص” لن تتم إلا بإبادتنا. رغم ذلك فإنه يؤيد دراسة أبناء الشبيبة اليهود في المدارس الدينية على الالتحاق بالجيش، لكنه لا يشجع على عدم الخدمة فيه.

 

و(يوسيف) اليوم هو الزعيم الروحي لحركة “شاس” السياسية- الدينية، التي تجنح أكثر وأكثر باتجاه أكثر المعسكرات تطرفاً وفاشيةً في الحياة السياسية في الكيان. لذا نسمع منه أحياناً مواقف مضطربة؛ فمرّة يؤيد الانسحاب من بعض “المناطق المحتلة” ومرة يعارضه.  وقد انضمت (شاس) في عام 2010 إلى المؤتمر الصهيوني العالمي.

 

وتنبع أهمية (عوفاديا يوسيف) في الكيان لكونه أسهم بتنظيم أبناء اليهود من أصول عربية وشرقية أخرى في حزب يعتبر من أركان السلطة والحكم في إسرائيل، خاصة الأجنحة الأكثر تطرفاً ويمينيةً فيه. أي بدلاً من السعي لتنظيم اليهود من أصول عربية وشرقية- قام بتنظيمهم في أكثر الأطر عداءً للعروبة والشرق. وتنبع أهميته، كذلك، من فتواه في قضية إشكالية جداً، حيث حلّل للنساء حمل السلاح. وتعتبر هذه الفتوى مهمة لدى الفئات الأكثر عدوانية في الكيان، من أجل تجنيد النساء تجنيداً فاعلاً في المشروع الاستعماري. قبل فتواه هذه تلكأ غالبية الفقهاء اليهود بتجنيد النساء للجيش. لأن النصّ واضح: “لا يكون أداة رجل [سلاح] على امرأة […]” (تثنية 22: 5 والـ”تلمود البابلي”ن نظام النساء نزيد، ورقة نز ط: أ).  أما هو فقد قال عكس ذلك لذا يمكن قراءة اسمه وفتواه في كل النصّوص التي تناقش تجنيد النساء في الحراسة والعدوان والجيش المنتشرة كثيراً في المجلات والصحف الدينية اليهودية.

 

هذه هي الصهيونية واليهودية- وهذان هما (نتنياهو) و(عوفاديا يوسيف)، إنهما يشربان من نفس النبع

 

باحث في مقارنة الأديان*

ashkar33@hotmail.com


Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..