مروح على مصر: لماذا لا يبتلع النيل المصريين؟

الصورة الرمزية لـ ramahu

 

محمد منصور – عن القدس العربي

كان أطرف ما قاله أحد المتحدثين في الفيلم الوثائقي ‘مروح على مصر’ الذي بثته قناة ‘الجزيرة’ والذي يتحدث عن العمالة المصرية في الأردن… أن الحكومة المصرية تتمنى لو تستيقظ فتجد الثمانين مليون مصري وقد ابتلعهم النيل كي ترتاح من مطالبهم ومشاكلهم وتأمين لقمة عيشهم… في إشارة لتشجيع الدولة نفسها للشباب المصري على الهجرة، ونشرها إعلانات مجانية عن فرص العمل في الخارج على بعض المواقع الإلكترونية لوزاراتها كي تخفض من نسب البطالة أو تصدرها إلى الخارج!

هذه اللقطة الطريفة على طريقة خفة الظل المصرية، ذكرتني برائعة الأخوين رحباني: (ناطورة المفاتيح) فبعد أن مل الناس من ظلم الملك وتسلطه وجشعه ومقاسمته لهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم، وبعد أن يئسوا من إمكانية خلعه وتغييره… قرروا أن يهاجروا جميعاً ويتركوا له المملكة خاوية… لكن (فيروز) التي لم تعتد في أي مسرحية من مسرحياتها أن تهجر أرضها، قررت أن تبقى لتكون (ناطورة المفاتيح) التي تتحدث باسم شعب هاجر كله فراراً من وطن ضاق حتى صار على مقاس الحاكم… ومن حاكم ظالم صار هو الوطن وصادر الوطن وخيراته!

والواقع أن الأشقاء المصريين هم قاب قوسين أو أدنى من مثل هذه الهجرة الفانتازية الشاملة التي يتركون فيها البلد لمن ملك واستملك ويمضون… فهجرتهم من أجل العمل في شتى بقاع الأرض، صارت ظاهرة شبه جماعية بين الشباب وليست حالة فردية أو استثنائية… بل ربما أضحى الاستثنائي والشاذ اليوم، أن يفكر الشاب المصري في مطلع حياته العملية في البقاء في مصر من أجل تأمين وبناء مستقبله!

فيلم ‘مروح على مصر’ الذي أعده وأخرجه أحمد عدنان الرمحي وكتب له السيناريو إبراهيم قواسمة، يقدم حقائق مروعة عن حجم العمالة المصرية في الأردن… فالأردن ليس بلداً غنياً يمكن ان يجتذب العمالة الخارجية، فهو بلد محدود الموارد، يعيش على قطاع السياحة وقليل من الزراعة والمساعدات الخارجية، ناهيك عن أنه يعاني من أزمة خانقة في الموارد المائية، تجعله من بين أفقر عشرة بلدان بالموارد المائية في العالم… 

رغم ذلك اجتذب الأردن العمالة المصرية، وبدأت موجات الهجرة منذ السبعينيات أو ما بعد حرب أكتوبر، حين تم تسريح مئات الآلاف من الجيش والقوات المسلحة، ووجد الكثير من هؤلاء أنفسهم عاطلين عن العمل… وقد ترافق ذلك مع الفورة النفطية في الخليج فبدأ حلم الهجرة نحو منابع النفط… سواء في الخليج أو في العراق. كان الأردن معبراً نحو العراق… وبسبب حسن العلاقات المصرية الأردنية على الدوام، تحول في غير مرحلة إلى مقصد للعمالة المصرية… التي راحت تعمل في شتى المجالات… وفي السنوات الأخيرة، صار سفر المصري للعمل في الأردن، حلماً وليس خياراً ثانياً… وصار هناك سماسرة لتأمين عقد العمل فيه، فالأمر ليس سهلاً، لكنه يبقى بسبب القوانين الأردنية المتساهلة أهون من حلم السفر إلى الخليج… وفي كل الأحوال… يبقى حلم السفر للعمل في أي مكان أفضل من البقاء في مصر…. وإلا فما الذي يدفع خيرة الشباب المصري للغربة، ليس بحثاُ عن فرصة عمل مضمونة ومحترمة، بل لمزاولة أعمال دنيا قال أحدهم إنه غير مستعد لممارستها في بلده… لكن الظروف الصعبة دفعته للقبول بها في الغربة! 

قدم الفيلم أرقاماً ذات دلالة عن العمالة المصرية، فعدد غير المقيمين يتراوح بين (300-400) ألف، بينما يبلغ عدد المقيمين حوالي (200) ألف… وبين هؤلاء وأولئك ثمة عمالة غير نظامية تخشى الترحيل، بل وتعتبر القبض عليها بهدف الترحيل أشبه بمواجهة ملك الموت… وثمة بطالة مذلة، تستجدي أي عمل شريف بأي أجر… لكن مرارة الانتظار والاستجداء تجعل المرء لا يدرك أي البطالتين أكثر مرارة: أهي في الغربة أم في الوطن؟!

لم يتوقف الفيلم عند أرقام وحالات عامة فحسب، بل تابع حالات خاصة… لأربعة من الشباب المصريين العاملين في الأردن… صور المهن التي يزاولونها، الحياة القاسية التي يعيشونها، المبالغ الزهيدة التي يحولونها، الهدايا البسيطة التي يشترونها عندما يعودون، والطريق البرية والبحرية الشاقة والمرهقة التي يقطعونها لأنه من غير المسموح اقتصادياً أن يركبوا طائرة… صور كل هذا مجبولا بالمعاناة والألم والحرمان والاشتياق، وعالجه بحس إنساني بالغ الرقي، وجعل من هذه الدراما التسجيلية عنواناً لحياة مصرية هي قطعة من العذاب داخل الوطن وخارجه… فالوطن يضيق بأبنائه، ومن الطبيعي عندما تفيض العمالة المهاجرة عن الحاجة أن يضيق الآخرون بها، وأن تبرز المشاعر القطرية… لذا يقول أحد النقابيين الأردنيين في الفيلم: (العمالة الوافدة من مصر لا يمكن أن توصف بأنها عمالة ماهرة… معظم من يأتون يدخلون بفيزا عامل خدمات… وهناك كم كبير وعمل محدود مما يؤدي إلى بطالة بينهم) ثم يطالب بأن تذهب فرص العمل للشباب الأردني لأنه أولى بها! 

قد يبدو هذا الكلام شتيمة للعمالة المصرية، وثمة من سيتجاهل الحقيقة في توصيف واقع هذه العمالة، وفي الحالة التي تصدر بها، فهي تخرج من وطنها وهي تبحث عن لقمة عيش، تعاني بطالة لم تتح لها خبرة عملية كافية، تذهب لكي تؤمن لقمة العيش لا لتؤمن مستقبلا أو تدخر… ولذلك تخسر هذه العمالة عمرها ورصيدها وسمعتها المهنية، ويبدو حلم العودة إلى الوطن محفوفاً بالخسارة نفسها التي ذهب بها المغترب… وذهبت بعمره! 

إن فيلم (مروح على مصر) المشغول بلغة فنية راقية، صنعت إحساساً درامياً من صميم هذه المادة التسجيلية، يبقى على الصعيد الموضوعي نموذجا لحال العمالة المصرية في الخارج… وهو نموذج مخفف في قسوته عن حالها في الخليج أو في أماكن أخرى… لكن رغم ذلك كله، يبقى عنواناً للألم والضياع وهدر الكرامة، ولسياسة حكومات (وطنية) جعلت الوطن أضيق من لقمة عيش أبنائها… ولم يعد بوسعها وهي تشجع على اقتناص فرص العمل في الخارج، سوى أن تتمنى لو يهاجر شعبها ويترك لها مصر تنعم بها خاوية!

المذيع المبحوح على الفضائية السورية! 

لم يكن ظهور الممثل نضال السيجري على الفضائية السورية لتقديم حلقة جديدة من برنامج (أنت ونجمك) استضاف فيها الممثلة فاديا خطاب، وهو مبحوح الصوت… حالة اضطرارية يمكن قبولها. فالبرنامج المذكور برنامج مسجل، أي يحضر مسبقاً وليس محكوماً بضرورات البث المباشر، ونضال بالأساس ممثل يمارس تقديم البرامج كنشاط مواز… لم يلمع فيه قدر لمعانه في التمثيل… وهكذا فليس ثمة مشكلة في استبداله عندما يصاب بنزلة برد أو مشكلة ما في حنجرته يفقد معها صوته الطبيعي… ويتكلم بصوت يشكل اعتداء على أذن المستمع. 

(ليس على المريض حرج) بالتأكيد… ومن الطبيعي أن يغيب ممقدم برنامج بُحّ صوته، في وسط كالتلفزيون السوري فيه كوادر كثيرة و بعض مذيعيه ومذيعاته يبحثون عن فرصة ظهور… 

أعتقد أن معد البرنامج ومخرجه ومديرة القناة التي بثته مسؤلوون عن السماح بظهور نضال لتقديم برنامج وهو غير قادر على إيصال أسئلته بصوت مقبول ومستساغ… فأبسط مقومات أي مذيع في أي قناة في العالم أن يكون سليم الصوت، واضح النبرات… وهذه أيضاً أبسط درجات احترام المهنة واحترام المشاهد الذي نتوجه إليه كي لا يعرض عنّا!

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..