الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة
بيروت –15/16/17 كانون الثاني/يناير 2010
د.نجلاء نصير بشور
في غرفة الانتظار لدى طبيب أطفال في واشنطن، جلست طفلة تبلغ من العمر حوالي الثماني سنوات قرب جدتها، تستمع إليها بشغف وهي تقرأ لها قصة للأطفال حول إنشاء “دولة إسرائيل” والانتصار الذي حققته استعادة “أرض الميعاد”. بالقرب منها جلست أم فلسطينية قرب طفلتها ولا شيء معها سوى بعض أحاديث من الذاكرة سمعت عنها من بعض الكبار عن بلدها . إلا أنها لم تكن تفكر يوماً بأن تقرأها لأبنائها باعتبارهم صغاراً ” بكير عليهم ليفهموا مثل هذه الأمور”. وفكرت الأم أنه حتى إن أرادت فأين تجد ما يكتب للأبناء حول القضية.
عادت الأم الفلسطينية إلى حيث تقطن في عمان لتستقبل ابن أخيها العائد من بريطانيا حيث يدرس، لتستمع إلى ما يرويه بمرارة عن تجربته في التعرف إلى طالب إسرائيلي صدمه بالمعلومات التاريخية التي يمتلكها والحجج المنطقية التي نجح من خلالها بإقناع الطلاب من حوله بعدالة “قضيته” مقابل إرهاب العرب. وكم أسقط بيد الطالب الفلسطيني حيث لم يستطع مجابهته بالمعلومات التي يمتلك نتفاً منها أو مقارعته بأي حجة لم يكن على بينة منها.
صحيح أن عاطفته وحماسته كانت قوية ولكنها لا تقنع أحداً.
أذكر هاتين الحادثتين لما لهما من دلالات حول تربية أبناءنا على فهم قضايانا لا سيما القضية الفلسطينية، وتعريف أبناء العالم بها، وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاهها وحقهم في المقاومة من أجل استرداد حقوقهم الوطنية والقومية كمواطنين. حيث يبدو جلياً تقصيرنا الواضح في هذا المجال مقابل الإصرار الصهيوني على التوجه للكبار والصغار، بحملة دؤوبة لا تتوقف لنشر المعلومات التي تثبت وجهة نظرهم وتكسب الدعم لهم في كل ما يفعلون. وينطبق الأمر نفسه على المقاومة في العراق وظروف الاحتلال وادعاءاته، حيث لا يمكن فصله عن الحركة الصهيونية ومطامعها.
وتتميز هذه الحملة بالخصائص التالية:
أولاً، استخدام التاريخ القريب والبعيد لإظهار “الظلم والاضطهاد الذين أحاقا بالشعب اليهودي” من قبل سكان الأرض، مقابل التمييز الإلهي لهم كشعب الله المختار والذي وهبهم “أرض الميعاد” ليقيموا عليها دولة هي حقهم منذ الأزل، وحيث أقاموا دولة متقدمة ديمقراطية تدافع عن “حقها في الوجود” مقابل “الإرهاب” الذي يمارسه عليها الفلسطينيون، مما يؤدي إلى الشعور بالذنب الإنساني تجاه هذا الشعب العظيم المقهور وإلى الرغبة في الدفاع عنه.
ثانياً، استخدام كافة الوسائل التي من شأنها ان تؤثر على العقل من خلال إثارة المشاعر الإنسانية المرهفة بحيث تؤدي بالضرورة إلى تبلور موقف داعم لهم بل ومتحيز إلى جانبهم ، يعتبر كل ما يفعلونه حق وعدل. فركزوا اهتمامهم على وسائل الإعلام المختلفة والأدب بكل فئاته والفنون على أنواعها وبشكل خاص المسرح والسينما. ولابد أن العديد منا شاهد منذ بضع سنوات فلم “لائحة شاندلر” وقبله “اختيار صوفي” وتأثر بكليهما.
ثالثاً، الاهتمام الخاص بالأطفال والناشئة، لقد أدرك الصهاينة منذ البداية أهمية هذا الجيل في بناء المستقبل وضمان الاستمرار. فأنتجوا لهم الحكايا والمسرحيات وكتب المعلومات والملصقات والألعاب، بكثرة وبطريقة جذابة. وربما كان أبرز مثال على ذلك “معرض القدس” الضخم الذي أقيم في مدينة ديزني للأطفال منذ بضع سنوات والذي حاول إثبات هوية القدس اليهودية عبر العصور.ولم تجد نفعاً حينها الاحتجاجات العربية والتي اقتصرت على بعض أبناء الجالية العربية في الولايات المتحدة. حيث سمع بها في بلادنا فقط ندرة من المهتمين المتابعين لما يحدث في الخارج ولكن دون أي رد فعل يذكر.
لقد أدرك أعداؤنا أهمية التربية والتثقيف لنجاح أهدافهم. وكما توجهوا لأبنائهم وللعالم بتلك الحملة المركزة الفعالة، توجهوا إلى أبنائنا الصامدين في أرضهم بحملة مركزة من نوع آخر، استهدفت بالدرجة الأولى محاصرة وضرب إمكانيات النهوض التربوي والإنساني العربي في مهدها، ساعدهم فيها دفع كبير وفره ذلك الصمت العربي الصارخ.
وما الهجمة الصهيونية الشرسة في كل من الضفة الغربية وغزة خلال الاجتياحات والهجمات والاحتلال ثم إعادة الاحتلال، على المؤسسات التربوية والثقافية في المدن الفلسطينية إلاّ تعبير عن استهدافها لهذا النهوض. فقد استهدفت المدارس بالتدمير والاقفال، كانت آخرها مدرسة الفاخورة في غزة حيث استشهد العديد من الأطفال والمعلمين. كما استخدمت المدارس كمراكز عسكرية وكمراكز اعتقال. ونذكر أنه خلال عملية “الدرع الواقي” وحدها أقفلت 1289 مدرسة ومنعت 50% من الطلاب في الضفة وغزة من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم. وما الجدار العازل الا للعزل بين الطلاب ومدارسهم وجامعاتهم كأحد أهم الأهداف. وبالإضافة إلى المدارس قامت قوات الاحتلال بتدمير المؤسسات التربوية والثقافية وأحرقت ومزقت كافة المستندات والكتب وأجهزة الكمبيوتر والوسائل السمعية البصرية التي وجدتها فيها. وبهذا تكون الآلة العسكرية الإسرائيلية قد وجهت جام وحشيتها ليس فقط على البشر والبنى التحتية للمجتمع لتغتال الحاضر الفلسطيني المقاوم و إنما على المستقبل وما يبنيه من مواطنية وعصرية. وربما كان من أهم الدلائل على ذلك الطريقة التي تعاملت بها هذة القوات مع سفينة الأخوة اللبنانية حيث منعت وصادرت من تضمنته حمولتها من ألعاب وقصص للأطفال تم تجميعه بناء على طلب من مؤسسة تربوية في غزة تحتاجه في عملها لمعالجة ما خلفه العدوان من تأثيرات نفسية على الأطفال، كما كان عددا من الألعاب قد كتب عليه أسماء أطفال في غزة.
وليس هذا إلا استمرار لسياستها الدائمة التي تهدف إلى محاولة تجهيل الشعب الفلسطيني من ناحية وفصله عن انتمائه لوطنه العربي من ناحية أخرى. فقد سعت منذ الاحتلال الأول عام 1948 إلى حرمان العديد من أبنائه من التعليم لاسيما منه التعليم العالي. وشوهت تاريخه العربي في المناهج التي فرضتها على طلابه، حيث قدمته كتاريخ فتن ومؤامرات وحروب داخلية، لا تجد فيها أي انتصار وأي مقاومة لأي تدخل أجنبي. ناهيك عن إلغاء أي ذكر لمساهمات حضارية من أي نوع في أي مرحلة من التاريخ. والهدف جعل الفلسطيني لا يشعر بالاعتزاز بالانتماء إلى أمته. كما وجهت هذه المناهج الطلاب العرب إلى الانتماء الطائفي وليس القومي، حيث صورت المجتمع الفلسطيني بأنه يتكون من طوائف دينية ليس إلا تعيش جميعها في وئام في ظل الديمقراطية الإسرائيلية.
واستكملت محاولاتها هذه عند احتلالها ما تبقى من فلسطين عام 1967 ، حيث قامت وبعد أسابيع من دخول مدرعاتها ودباباتها، بتعديل المناهج الأردنية التي كانت مطبقة في الضفة الغربية . فألغت كتاب “القضية الفلسطينية” و حذفت كل ما يتعلق بالمقاومة وانتصاراتها في كافة الحقب والمراحل التاريخية في كتب التاريخ والأدب والدين. وعمدت إلى حذف كافة الآيات القرآنية و الأشعار الوطنية التي تحث على الجهاد. كما ألغت كل ما يتعلق بإبداعات العرب ومساهماتهم الحضارية والعلمية.
بالمقابل نرى في أقطارنا العربية خارج فلسطين مناهج لا تتعامل مع فلسطين كقضية عربية مركزية، فهي تكاد لا تذكر فلسطين ولا قضيتها ولا الأخطار الصهيونية التي تحيق ببلادنا، ولا تذكرها ضمن القضايا القومية العالقة. ولا توجه بكل الأحوال طلابها لتحمل أي مسؤولية تجاهها، كمواطنين عرباً يسعون لبناء مجتمع عصري متحرر.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكم القليل الذي ورد في المناهج العربية عن فلسطين قد تم تقليصه لاسيما بعد اتفاقيات أوسلو. ومثالاً على ذلك فقد ألغي كتاب “القضية الفلسطينية” من المناهج الأردنية وكذلك مادة عن القضية الفلسطينية في مناهج الجامعة اللبنانية.
ولكن رغم هذه المناهج المعادية في فلسطين المحتلة والمقصرة في أقطارنا العربية، نرى الشباب والطلاب العرب في فلسطين يشكلون عماد الثورة والانتفاضة، وشباب وطلاب العرب في أقطارهم المختلفة يشكلون جذوة التحرك الشعبي الضاغط لتحمل الدول المسؤولية تجاه فلسطين بما يتناسب مع كونها قضية العرب المركزية.
وفي الوقت نفسه الذي نشهد فيه تلك التحركات المثيرة للآمال بمستقبل مشرق نجد أن الثغرة تكمن في افتقاد هؤلاء الشباب للمعلومات اللازمة عن فلسطين وقضيتها وتاريخها. فالعاطفة الوطنية و القومية قوية ولكنها تحتاج إلى وعي ومعرفة تضمن تبلورها واستمرارها ليصبح الشباب قادرين على التأثير في إحداث تغيير في سياسات دولهم وتسهم في توضيح رؤيتهم لدورهم . كما تكون مادة تساعدهم في التعاطي مع هيئات وأفراد في دول العالم المختلفة ممن ازداد تعاطفهم مع قضيتنا ويحتاجون للمعلومات للاستمرار وتوسيع دائرة التعاطف وكذلك ممن يعملون ضدها وعلى شبابنا مواجهتهم بالمعلومات.
إن المسؤولية هنا تقع بالدرجة الأولى على كاهل المؤسسة التربوية النظامية الرسمية وهذه تحتاج الى قرار سياسي. كما أنها تقع على عاتق مؤسسات التربية غير النظامية لاسيما مؤسسات الإعلام والتي بدورها تخضع للقرار السياسي و مؤسسات الاتصال ومؤسسات المجتمع المدني من هيئات ثقافية وتربوية، وبشكل خاص المؤسسات الإقليمية العربية كمنظمة اليونسكو والألكسو والاسيسكو.
وأذكر أن وزراء التربية العرب قد أقروا في أحد اجتماعات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في بداية الثمانينات، اعتماد ثلاث كتب مدرسية تعرف بالقضية الفلسطينية يطبق كل منها في نهاية كل مرحلة من مراحل التعليم، الإبتدائي والإعدادي والثانوي، في المدارس في كافة الدول العربية. وقد أنجزت الكتب الثلاث وكان لي شرف كتابة كتاب المرحلة الابتدائية. إلا أن هذه الكتب ما زالت في مستودعات المنظمة إن كانت ما زالت موجودة. أما منظمة اليونسكو فمراكزها العربية ترفض التعاطي بهذا الموضوع باعتباره موضوعاً في “السياسة” الممنوعة على موظفي منظمات الأمم المتحدة.
إن الهجمات المتكررة على مدن فلسطين وقراها والعراق بمناطقه كافة والمجازر الصهيونية في لبنان، قد علمت الكثيرين منا عبر متابعتهم لمحطات التلفزة عن أسماءها وأحيائها ومعالمها ولكن من خلال المآسي والمجازر والدم والدمار والذي ربما يثير الغضب والأسى. ولكننا بحاجة لمعرفة وتعلم من نوع آخر يظهر لنا جمال هذه المدن والقرى وعراقة معالمها وحضارتها وإسهامات أبنائها وتاريخها وبسالة أهلها، أهلنا، وتضامنهم في الدفاع عنها على مدى التاريخ. فهذا النوع من المعرفة من شأنه أن يحفز على التصميم والأمل بين أبنائنا ويوفر لهم مادة من الحقائق يواجهون بها أعداءهم ويجيشون بها أصدقاءهم.
ولما كانت وسائل المعرفة غير متوفرة للشباب الفلسطيني لاسيما في الشتات، والشباب العربي في أي مكان من خلال المصادر العادية كالمناهج المدرسية ووسائل الإعلام باعتبار أنها جميعها تحتاج إلى قرار سياسي من السلطات الحاكمة. فإن المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة لتوفير وسائل تبقي القضية حية في عقول وقلوب الناس، من خلال تركيزها على حقنا التاريخي ومفهوم العدالة وأشكال المقاومة المتعددة التي مارسها شعبنا على مدى التاريخ. فتوفير قصة أو ملصق أو مسرحية أو أغنية من شأنه مساعدة المعلم في المدرسة العربية أينما كانت في عرض القضية من خلال نشاطات مرافقة للمنهاج.
ولكن هذا لايعني أن توفير مثل هذه الوسائل يحل المشكلة بالكامل وإنما لا شك يساعد المعلمين والأهل على السواء، الذين يملكون الرغبة القوية في تربية طلابهم وأبنائهم بهذا الاتجاه. إذ أن معظم المعلمين في مدارس الأقطار العربية يواجهون قيوداً من الخوف من السلطات العليا تكبلهم بما يمكن أن تفرضه عليهم من عقوبات إن هم تطرقوا إلى موضوع “حساس” كفلسطين. فبالرغم من كثرة التصريحات للمسؤولين التي تعتبر فلسطين قضية قومية أولى ،إلا أن العديد من المعلمين في دولهم يخافون حتى من ذكر فلسطين باعتباره كلام في السياسة يعاقب عليه القانون بالفصل من الوظيفة، فيتجنبوه. وعندما نقول المعلمين في الأقطار العربية فنحن نشمل المدارس التي تتوجه للفلسطينيين وتحديداً مدارس وكالة غوث اللاجئين. وهنا تكمن مأساتنا بالمقارنة مع العالم، حيث يعالج الكتاب والرسامون والإعلاميون والمسرحيون والمبدعون قضاياهم بكل شفافية وصدق وينقلوها لأبناءهم دون قيود بل ويستحقون عليها الجوائز العالمية. بينما نحن لا نجرؤ على الحديث عن قضيتنا وحتى أحياناً على إجابة عن سؤال من طالب متحمس. والأسوأ من ذلك أن جميع الدول العربية وقعت على اتفاقية حقوق الطفل التي تشمل حقوقاً يتم انتهاكها بغالبيتها في كل من فلسطين والعراق. وبينما تسعى هذه البلدان لإدخال “ثقافة الحقوق” في مناهجها كتطبيق للاتفاقية إياها، إلا أن المعلمين والمسؤولين لا يجرؤون على إيرادها من ضمن النماذج حول تلك الإنتهاكات.
وربما كانت تجربتي في إنتاج وسائل تربوية محدودة عن فلسطين وأبنائها تعبيراً عن واقع آمل أن يتعاون المخلصون من أشخاص وهيئات من أجل تغييرة وتطويره. فقد أنتجت مؤسسة تالة للوسائل التربوية في لبنان بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني خريطة “فلسطين الحضارة ” والهدف منها تعريف أبناء فلسطين والعالم بمعالم فلسطين الحضارية وغناها بهذا الإرث الكبير الذي ساهم في بنائه شعبها العربي بفئاته المختلفة، لبنة لبنة على مر العصور، والذي يتنوع من حيث الثقافات واحتضان الأديان، ولكن تبقى فيه الثقافة العربية أساساً. المشروع الأهم كان سلسلة قصص أبناء عن فلسطين بعنوان “سلسلة حنين”. تروي حكايات أبناء من فلسطين يعيشون ظروفها القاسية، في الوطن وخارجه في المخيم وفي المدينة. يستعيدون أحداثها من النكبة إلى النكسة إلى الثورة فالانتفاضات المتلاحقة.
وتوقعت اقبالاً كبيراً على هذه الكتب لبساطتها وجمالها وفائدتها، وخلوها من أي كلمات يمكن أن تحرج الحكومات والهيئات التعليمية على حد سواء، وإنما اعتمدت الإيحاء، إيماناً منا بقدرة أبنائنا على التفكير والإستنتاج. فالأهالي العرب، كما اعتقدت يودون تعريف أبنائهم بالقضية وكذلك المدارس العربية والهيئات الأهلية تسعى للاستفادة من مثل هذه الوسائل. إلا أنه بالرغم من الاهتمام الصادق لندرة من المخلصين للقضية لم أجد ذلك الإقبال بل ربما ووجهت بالمديح للجهد مترافقاً مع الهروب من الالتزام. فلا المؤسسات الداعمة قبلت أن توزع منها على الطلاب في المدارس رغم “التقدير العالي” ولا وكالة غوث اللاجئين ابتاعت منها لطلابها سوى عدد أصابع اليدين في لبنان، وبالطبع ندرة من المكتبات العربية العامة أو المدارس اختارتها من بين كتبنا. من أسوأ ما واجهت في إحدى الدول العربية المحيطة في فلسطين رفض المسؤولين التربويين القاطع لاستخدام أي كتاب حول فلسطين، وكان هذا من قبل المدارس الخاصة والحكومية وومدارس الوكالة على حد سواء، والحجة أن الحديث عن فلسطين هو حديث في السياسة وهذا ممنوع ويهدد المعلمين بفقدان عملهم. أما الأمر المضحك المبكي فقبول المسؤولين قصصاً وحكايات عن انتهاكات لحقوق شعوب أخرى كالسود وحتى اليهود وليس شعوبنا.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن أن ننمي ثقافة المقاومة بين الجيل الجديد في ظل هذا الوضع المحبط. ومن خلال الإستفادة من الطريقة التي اعتمدها أعداؤنا التي تركز على طرح “قضيتها” بجرأة وإصرار وتصميم في المناهج المدرسية ، ومراكزهم الثقافية وبيوتهم. واعتماد المعلومات التي تتوجه للعقل، في قالب يحفز العواطف. ومن هذا المنطق أتقدم.
وأختم ببعض التوصيات التي يمكن أن نسعى من قبلنا لتحقيقها في البلدان العربية والخارج.
على صعيد مؤسسات التعليم في فلسطين
1. مساهمة الجهاز التعليمي في الأقطار العربية بأجر يوم عمل واحد من أجل بناء ما تهدم من مؤسسات تربوية في فلسطين.
2. إقامة اتحادات المعلمين العرب يوم تضامن مع فلسطين يتشاركون به مع اتحادات مماثلة في أقطار العالم المختلفة.
3. الدعوة الى توأمة مدارس رسمية وخاصة في الدول العربية مع مدارس في فلسطين ومساعدتها في إعادة بناءها وتجهيزها بكافة الوسائل التربوية لاسيما المختبرات والمكتبات والأجهزة. و إقامة نشاطات للتواصل بين الطلاب العرب في أقطارهم مع اخوتهم في فلسطين عبر وسائل الاتصال المختلفة، لما لذلك من فائدة لكلا الفئتين.
4. دعوة المنظمات التربوية الإقليمية كمنظمة اليونسكو والألكسو والاسيسكو للتعاون من أجل وضع برامج لإعادة بناء المؤسسات التربوية والثقافية التي دمرت وتوفير الدعم العلمي والتربوي لها والعمل على إعداد برامج تلفزيونية تربوية لتعويض ما فات من خسارة خلال العدوان المستمر عليها لا سيما في غزة.
على صعيد الأقطار العربية
1. ادخال مادة تعليمية حول فلسطين في مناهج التعليم المدرسية العربية لكافة المراحل وذلك على شكل فصل يضاف الى كتب التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والأدب العربي، وكذلك ضمن مواد الفنون والموسيقى . واعتماد المدارس للكتب الثلاث الخاصة بالقضية الفلسطينية التي أعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في بداية الثمانينات لمراحل التعليم الثلاث (الابتدائي والتكميلي والثانوي)، والتي لم تطبق في أي بلد عربي.
2. شمول مادة التاريخ وبالتفصيل والتحليل مقاومات العرب ضد الغزاة عبر التاريخ، وأبرز قياداتها ورموزها والحالات الشعبية التي رافقتها، والبطولات التي قام بها أناس عاديون لم تبرز أسمائهم بل أظهروا بسالة كبيرة ضد الاحتلال والظلم.
3. إدخال مواضيع وفصول ونماذج عن الأدب المقاوم في مادة الأدب العربي في فلسطين والعراق ولبنان ودول عربية أخرى واجهت الاستعمار وقاومته.
4. تضمين مادة الإقتصاد فصولاً عن الأطماع الأجنبية في ثروات بلادنا ومدى استقلايتنا في استغلالها واستفادتنا الكاملة من خيراتها، كونها تشكل إحدى الأسباب الرئيسية للإعتداءات علينا والتي تأخذ أشكالاً مختلفة.
5. تضمين مادة العلوم انجازات العرب العلمية التاريخية وتأثيرها على الحضارة العالمية، كما أنجازات العلماء العرب في الحاضر أينما وجدوا.
6. إدخال مادة متطورة حول فلسطين على المستوى الجامعي ضمن مواد الثقافة العامة المطلوبة من الطلاب من كافة الاختصاصات.
7. اعتماد يوم فلسطين في المدارس والجامعات العربية تقام فيه أنشطة متنوعة حول فلسطين ضمن برنامج النشاطات اللامنهجية تشمل نشاطات مسرحية وفنية وأدبية ومسابقات معلومات.
8. دعوة محطات التلفزة العربية الى إنتاج برامج وأفلام وثائقية تتضمن معلومات عن فلسطين الوطن والقضية،بالإضافة إلى البرامج التي تقدم آراء حول القضية. وانتاج مسلسلات وأفلام تدور أحداثها حول فلسطين وفيها.
9. إنشاء موقع ” المقاومة العربية” التفاعلي يتوجه للشباب والأطفال، يتضمن معلومات وصوراً عن البلدان العربية التي تواجه الاحتلال والتدخل الأجنبي ومظاهر المقاومة التي يقوم به أبناؤها. ما يوفر معلومات عن تلك البلدان ، لاسيما فلسطين والعراق، تشمل الجغرافية والحضارة والتاريخ والواقع الحالي بمؤسساته والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانتهاكات القوات المعتدية الإسرائيلية والأمريكية ومظاهر المقاومة العربية لها بكل أشكالها. ويمكن الاستعانة بالموسوعة الفلسطينية بقسميها كأساس لذلك. على أن يتم تجديدها باستمرار. ودعوة المنظمات الإقليمية المتعددة للمساهمة في إنجاز هذا المشروع وتأليف هيئة خاصة تضمن استمراره.
10. الدعوة لإنتاج وسائل تربوية متنوعة يمكن للمعلم أن يستعين بها للتعريف بقضايا العرب ومقاومته، تجعل تقديمها وتعلمها عملية حيوية وجذابة. ويشمل ذلك الخرائط والكراريس والقصص والألعاب والكتب المصورة وأفلام الفيديو/ الاسطوانات المضغوطة.
11. دعوة منظمة الأليكسو(المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) الى اعتماد مشروع جديد على نسق مشروع “كتاب في جريدة” يكون “كتاب فلسطين في جريدة” يتضمن كتبا مختارة لكتابات من فلسطين وعن فلسطين تصبح بمتناول أوسع عدد ممكن من القراء.
ولابد من القول أن تنفيذ الاقتراحات المذكورة آنفا يمكن أن يساهم ليس فقط في جعل فلسطين قضية العرب الأولى لدى الأجيال الجديدة وينمي حس المسؤولية تجاهها باعتبارها أساس الصراع الذي الذي نرى تداعياته في غير قطر عربي، و إنما في جعلها قضية العرب الموحدة والتي تجعل الجميع يتجاوز الحساسيات القطرية والفئوية من أي نوع في سبيل نقطة التقاء واحدة : فلسطين.
بيروت 15/1/2010
اترك تعليقاً