رسائل دمشقية

الصورة الرمزية لـ ramahu

رسائل دمشقية - د. ابراهيم علوش

د. إبراهيم علوش

تشرين 2/8/2017

 

تركت زيارة وفد “لائحة القومي العربي” لدمشق العروبة الأسبوع الفائت انطباعاتٍ جميلةً وذكرياتٍ متميزةً لا تمحى عن روعة مضيفينا ومرافقينا هي قبسٌ من روعةٍ سوريةٍالتي لم تجعلها سنواتٌ ستٌ عجافٌ من الحرب والعدوان إلا أكثر إشراقاً وألقاً لأنها أصيلةٌ جوهريةٌ صقلتها الألفيات والقرون فهي غيرُ مفتعلة أو مزيفة كالنايلون الاستهلاكي البراق الذي يغلف مدن الملح تغليفاً بظلال العولمة. 

كان من اللقاءات التي عقدها وفدنا اللقاء النوعي مع المهندس هلال هلال الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، واللقاء الحواري مع د. مهدي دخل الله في القيادة القطرية للحزب، واللقاء الجميل الذي طرقنا فيه أروقة الذاكرة وهموم الحاضر مع د. صابر فلحوط في اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني، وهواللقاء الذي رشح عنه بيانٌ مشترك بين اللجنة و”لائحة القومي العربي”، كما كانت هناك لقاءات أخوية وودية مع رئيس اتحاد شبيبة الثورة في سورية معن عبود ومع نخبة خيّرة من قيادات اتحاد الشبيبة وناشطيه تخللتها جولة في الزبداني وأمسية حماسية مع الشبيبة الرائعة المشارِكة في مخيم الشبيبة في بلودان، كما تضمنت الزيارة لقاءاتٍ أخرى وجولةمع رابطة العباسيين في اتحاد شبيبة الثورة، ولقاء في صحيفة “البعث” كان محوره موضوع الإعلام المقاوِم، ولقاء مع الزملاء الأحبة في صحيفة “تشرين” كان محوره الصداقة والمحبة وبحث الشأن السياسي الراهن طبعاً.

اتسمت لقاءاتنا في دمشق بالحميمية والتفاعل العالي والحس الرفاقي والحوار الصريح المستند إلى القاسم القومي العربي المشترك ووحدة الانتماء لنهج المقاومة وتقاسم الهم اليومي السوري الذي يمس كل بلاد الشام وكل شرفاء العروبة التي تبقى عاصمتها دمشق حاملة الهم القومي بإباءٍ رغم كل ما ألم بها من جراح أحدثها بعض “الإخوة العرب” المتنكرين لعروبتهم كما أحدثها قلة من “السوريين” المتنكرين لسوريتهم، أما أعداء الأمة من صهاينة وإمبرياليين، فلا يكونون أعداءً لو لم يعادوا سورية.

وفي يوم الثلاثاء الموافق 25 تموز الفائت، استقبل فريقٌ من وزارة الخارجية والمغتربين في سورية برئاسة د. فيصل المقداد وفد “لائحة القومي العربي”، وكانت جلسةً تفاعلية غنيةفوجئنا فيها بسرور بمدى استعداد الدبلوماسي الضليع المخضرم للحوار الشفافمعنا مع أننا وفد شعبي عربي لا يحمل أي صفة رسمية جاء باسم مواطنين من عدة أقطار عربية ليجدد مساندة “لائحة القومي العربي”لسورية، وهم مواطنون عروبيونكانوا قد جعلوا ديدنهم خلال السنوات الماضية مساندة سورية في الوطن العربي، من تونس إلى الأردن إلى اليمن إلى غيره، كجزء من التزامهم القومي.   ولهذا نرى أن شرف الاستقبال الرسمي والحزبي الذي حظي به وفد اللائحة في دمشق تقديرٌ سوريٌ لدور الشارع المساند لسورية والمقاومة في الوطن العربي، وننوه هنا باعتصام “النخوة العربية” خاصةً، الذي يواظب عليه رفاقنا في تونس منذ عدة سنوات أمام الخارجية التونسية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية التي قُطعت في عصر المرزوقي والغنوشي ومؤتمرات “أصدقاء سورية” المأفونة، إنما الترحيب لا يقتصر علينا بالطبع، فسورية تفتح ذراعيها لكل من يقصدها صادقاً صدوقاً.

المجالس أمانات، والأمانة غالية عندنا، لكن بعض النقاط المتعلقة بالعلاقات السورية-الأردنية تستحق أن ننقلها على عاتقنا، متحملين أي خطأ محتمل من قبلنا في النقل أو عدم الدقة في التعبير، حرصاً على سورية والأردن وبلاد الشام وكل وطننا العربي.  فما يؤكده المسؤولون السوريون هو أن الشعبين السوري والأردني ليسا قريبين من بعضهما فحسب، إنما هما شعب واحد، ولذلك فإن المطلوب هو التنسيق بين القُطرين انطلاقاً من الرابط العروبي الوطيد، حرصاً على أمن البلدين من آفة الإرهاب.  وبناءً على ذلكطلبت سورية من الأردن ألا يتورط في الحرب عليها لأن الخطر الذي يواجه سورية سيواجه الأردن يوماً ما.  فإذا كانت سورية قادرة على تحمل نير الحرب المفروضة عليها مطولاً، فإن الأردن لا مصلحة له ولا قدرة على تحملها، إنما هي مصلحة “الناتو” والكيان الصهيوني. 

وقد ذهبت سورية إلى أقصى مدى في دعم كل مبادرة لحقن الدماء، لكن التنسيق الرسمي الأردني مع الكيان الصهيوني ظل يعيق على مدى سنوات تخفيف سفك الدماء في المنطقة الجنوبية، مما يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، لا الأردن أو سورية.  ويؤكد المسؤولون السوريون أن كل من “يقوص” معنا على “داعش” حالياً هو صديقنا وحليفنا، ولكنهم يردون على فكرة “اقتطاع” مناطق حدودية أو غير حدودية بأن مساحة سورية الجغرافية تبلغ 185 ألف و180 كم مربع، وكل من لا يعترف بهذه المساحة لسورية سيكون مصيره معروفاً لنا وله. 

ويضيفون بمرارة أن أفضل علاقات ما بين بلدين عربيين لا ترقى لما تصل إليه علاقات بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني (من دون ذكر اسماء)، معبرين عن الأسف من مواقف ممثل الأردن في مجلس الأمن إزاء سورية قبل أن ينتقل تمثيل المجموعة العربية إلى مصر.

الأولويات السورية في هذه المرحلة تعطي الشأن الاقتصادي درجة عالية من الأهمية، إضافةً للشأن السياسي، فهي تتضمن استعادة البادية السورية، وربط سورية بالعراق، وتحرير آبار النفط وحقول الفوسفات والمناطق الزراعية في الرقة، وفتح معبر نصيب بين الأردن وسورية بأي شكلٍ من الأشكال.  وبالنسبة للنقطة الأخيرة بالذات تم التأكيد بأن سورية طرحت رسمياً أن تبقى المعابر الاقتصادية مع الأردن مفتوحة مما يفيد الاقتصاد الأردني لا السوري فحسب، لأن مصلحة المواطن الأردني تهم سورية كما مصلحة المواطن السوري.  وعرفنا في هذا السياق أن سورية عرضت على الأردن فتح معبر مع الأردن عبر السويداء في العام 2015، لكن الجانب الأردني رفض، رغم تدخل شخصيات وطنية أردنية لتأمين فتح مثل ذلك المعبر.  وقد أوضحنا من جهتنا أن المستفيدين من فتح ميناء حيفا لنقل البضائع من وإلى الأردن والخليج هم العائق الأول أمام فتح المعابر مع سورية.

تحدث المسؤولون السوريون بأسى عن نسيان فلسطين والقدس ومحاولة حرف البوصلة عن العدو الحقيقي وخلق عدو وهمي جديد هو إيران، عادّين أن ما يحدث في الأقصى يدمي القلوب،وأن سورية لا “تتضامن” مع فلسطين، “لأننا فلسطينيون، ونحن نفكر بهموم الشعب الفلسطيني كما السوري، ولا يمكن التخلي عن القضية الفلسطينية لا فكرياً ولا أيديولوجياً”.  وقد قوبلت هرطقة “التغييرات الديموغرافية” في سورية بالكثير من الاستسخاف، معتبرين أن الكيان الصهيوني وراء كل ما يحصل في الوطن العربي، ولدى السوريين  معلومات محددة نقلاً عن مصادر دولية موثوقة تؤكد أن الكيان الصهيوني يعدّ إطالة أمد الحرب في سورية وتقسيمها هو هدفاً رئيسياً له، لكن ستبقى سورية حصناً للمقاومة وللنهج القومي، وهذا قدرها وليس خياراً.

http://tishreen.news.sy/?p=103340

للمشاركة على فيسبوك:

 

https://www.facebook.com/Qawmi

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..