التهديد الأمريكي القادم من الجنوب السوري لن يكون أفضل حالاً من “عاصفة الجنوب”

الصورة الرمزية لـ ramahu

18155341_1634161206614080_374570057_n

“جبهة جنوبية” قد تشعل كل المنطقة

التهديد الأمريكي القادم من الجنوب السوري لن يكون أفضل حالاً من “عاصفة الجنوب”  

د. إبراهيم علوش

يصعب أن لا يلاحظ المرء أن تغير اللهجة الرسمية الأردنية الناعمة نسبياً إزاء سورية خلال القمة العربية في عمان نهاية الشهر الفائت جاء مباشرة عقب تبدل لهجة الإدارة الأمريكية إزاء سورية، لا كنتاج لمشكلة ما بين سورية والأردن، وأن التصعيد الإعلامي بدأ عملياً مع تصريحات تناولت “مستقبل الحكم في سورية”، مع أن مثل هذا الأمر شأنٌ سوريٌ داخلي!  وترافق ذلك مع تبني الاتهامات الأمريكية بصدد كيماوي خان شيخون،  ومن ثم تأييد استهداف مطار الشعيرات، بالتناغم مع تصعيد إعلامي أمريكي وغربي جديد ضد الدولة السورية كان ما سبقه مباشرة هو جنوحٌ تدريجيٌ نحو تطبيع العلاقات وتبريد اللهجة واعتبار الحرب على الإرهاب التكفيري الأولوية الأولى.

التصعيد الإعلامي بين طرفين حرصا لسنوات على تجنبه في ظروف دقيقة وحساسة يبدو أنه نتاج تحول في الأجندة الميدانية والسياسية لأحدهما، لتصبح المواجهة الإعلامية مؤشراً، مع غيرها، لما قد يأتي على الأرض، بدءاً بمشاريع “المناطق الآمنة” في سورية التي ظل ترامب يلهج بها قبل وبعد وصوله للبيت الأبيض، وصولاً للتحشيد العسكري الأمريكي والبريطاني على الحدود السورية-الأردنية، وما رشح عن سياحة وفد عسكري أمريكي وبريطاني في مناطق تسيطر عليها العصابات المسلحة جنوب سورية، والتقارير المتواترة عن ارتفاع كبير في منسوب الدعم والتدريب لبعض الفصائل المحسوبة على غرفة “الموك” في الأردن والتي يبدو أن تُهيأ لدور ما جنوب سورية، ومنها فصائل ما يسمى بـ”الجبهة الجنوبية” التي تقاتل جنباً إلى جنب مع “النصرة” في المنشية وغيرها، فكيف يعقل القول أن تعزيزها يأتي في سياق السعي لمحاربة “داعش” و”النصرة” جنوب سورية؟!   ويذكر أن الوفد الأردني في لقاء الآستانة في شباط الفائت أكد أن فصائل “الجبهة الجنوبية” باتت مستعدة لمحاربة “داعش” و”النصرة”.

ولا ينكر الكتاب المحسوبون على النظام في الأردن: 1) تزايد الحشود على الحدود الأردنية-السورية، 2) بالتنسيق مع الولايات المتحدة، 3) ومع قواتها الموجودة على الأرض في الأردن، 4) وأن هناك خططاً للقيام بعمليات عسكرية داخل سورية، 5) وأن هناك علاقة دعم لمجموعات مسلحة داخل سورية، كما يستطيع أن يرى من يجرُد بعض ما كتب خلال الأيام الماضية، مع أنه أمرٌ لا يمكن أن تقبل به أي دولة ذات سيادة في العالم.

ذريعة محاربة “داعش” ماثلة في الخلفية دائماً بالطبع، لكنْ عندما يبدو أن الحصيلة الموضوعية لـ”محاربة داعش” هي وضع اليد بشكل مباشر أو غير مباشر على قطعة من الجغرافيا السورية، من ريف حمص جنوباً إلى الرقة شمالاً، ضمن استراتيجية التعاون الأمريكي مع بعض الفصائل الكردية لفصل شرق سورية عن غربها، ومن بؤرة حوض اليرموك إلى عموم سهل حوران جنوباً، لتحويله إلى منطقة نفوذ خارجة عن سيطرة الدولة السورية بغطاء أمريكي وإقليمي، فإن المرء لا يسعه إلا أن يتساءل: أليس من المنطقي أن يبدأ من يسعى لمحاربة “داعش” وأخواته بالتنسيق الحثيث مع القوة الأولى التي تحارب الإرهاب على الأرض لا أن يعاديها ويحاربها؟  وأن تكون استراتيجية محاربة “داعش” وأخواته منبثقة من ضرورة تعزيز الحكومة المركزية في دمشق وإعادة كل جزء من سورية لسيادة الدولة؟  أوليس من المنطقي، بعد ما جرى في الصومال والعراق وليبيا واليمن، وما جرى في سورية نفسها، أن يفهم من يقول أنه يريد محاربة “داعش” أن السعي لتفكيك البلد وإضعاف حكومته المركزية سوف يخلق البيئة الأمثل لانتشار نسخٍ أخرى من فيروس الإرهاب التكفيري (والنزعات الانفصالية) بعد “داعش”؟  وهذا إذا أردنا تجاهل كل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة وحلفاؤها لـ”داعش” والتكفيريين عموماً لسنوات.

إذاً يدور الحديث فعلياً عن شيء آخر غير محاربة “داعش”، أو بذريعة محاربة “داعش” بالأحرى، وهو السعي لوضع اليد على أجزاء من سورية، مما لا يختلف قيد أنملة عن مشروع التفكيك الصهيوني للمنطقة، كما أن محاولة اقتطاع “منطقة آمنة” لا يختلف بشيء عن سعي الكيان الصهيوني الفاشل لتأسيس شريط حدودي في القنيطرة، في سياق دعمه المباشر للعصابات المسلحة في الجنوب السوري، واستهدافه الحثيث لمن يحارب تلك العصابات المسلحة في القنيطرة وعموم سورية والإقليم.

ولا شك في أن الحركة الصهيونية العالمية، التي راحت تعزف مؤخراً على وتر الكيماوي السوري، ليست ببعيدة عن تحولات الإدارة الأمريكية ومن يسير في ركابها، ولا الدولة العميقة في الولايات المتحدة ببعيدة عنه، ولا عما يجري من تحشيد وتلويح باستخدام القوة، ولو لم يتم.  وذلك أن استخدام القوة بشكل غير متكرر لإبقاء التهديد باستخدام القوة بشكل متكرر ماثلاً، يحقق الكثير من الأهداف السياسية بكمية أقل من الجهد والموارد البشرية والمادية، ويمثل مبدأً من مبادئ الفلسفة السياسية للإمبريالية الأمريكية.  لكن مثل هذه العنتريات لا تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن القيادة السورية المخضرمة ليست من النوع الذي يضعف أمام التهديدات الأمريكية، وقد سبق أن وضِعت في موقفٍ أصعب بكثير عشية احتلال العراق، من دون أن يرمش لها جفن، ولترامب أن يسأل كولن باول إن كان لا يصدق.

باختصار، التهديد الأمريكي القادم من الجنوب السوري، سواء تحقق أم لم يتحقق، أو تحقق بشكل جزئي عبر وكلاء سوريين أو إقليميين، ما دام الموقف الروسي صلباً، لن يكون أفضل حالاً من “عاصفة الجنوب” من قبل، ومن التهديد الذي احتضنته تركيا من الشمال، والذي تسبب بدمارٍ كبير، لكنه لم ينجح بتحقيق أهدافه، لا بل استورد حالة عدم الاستقرار إلى الداخل التركي.  والفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن قبل أسبوعين ضد مشروع قرار أمريكي-بريطاني-فرنسي ضد سورية أسقط الرهانات على انقلاب في الموقف الروسي في سورية، لأن التمدد الأمريكي يمثل محاولة لمحاصرة روسيا أيضاً، وهذا لا تلعب روسيا فيه.

في جميع الأحوال، قد يتصاعد العبث بالجنوب السوري، لكن الأمريكيون والبريطانيون سيرحلون إن عاجلاً أم آجلاً، وسيظل أهل المنطقة ليدفعوا الثمن، والأخطر على الأردن وأمنه واستقراره من فشل مشروع فتح الجبهة الجنوبية هو نجاحه، لأن الجبهة الجنوبية ليست إلا مشروع مأسسة التفكيك وعدم الاستقرار في سورية، ومثل ذلك الثقب الأسود سوف يجر الأردن أيضاً في ركابه.

http://tishreen.news.sy/?p=86695

تشرين، 26/4/2017

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..