د. إبراهيم علوش
12 نيسان 2017
معذرةً من أبي تمام، لكن قصيدته (ما اليوم أولَ توديعٍ ولا الثاني) تعبر، قبل ألفيةٍ وربع الألفية تقريباً، عن وحدة الحال في وطننا العربي الكبير اليوم حين قال:
(بالشام أهلى وبغدادُ الهوى وأنا بالرقتين وبالفسطاط إخواني)
المعركة ضد الإرهاب التكفيري والعدوان الإمبريالي وأفاعي البترودولار والمشروعين الصهيوني والعثماني، باتت توحد بلادنا، رغم كل المتعبين من عروبتهم، وبدلاً من (فظهورُ العيسِ أوطاني) كأنما قصد أبو تمام: (فبلادُ العربِ أوطاني)!
تمر على بغدادنا الذكرى الرابعة عشر للتاسع من نيسان على وقع عدوانٍ أمريكيٍ صاروخيٍ على شامنا، ورقتنا وفراتنا تنهشهما غيلان من خارج التاريخ، تكفيريون وعثمانيون ووهابيون و”ميديون”، ويمننا صامدٌ مدمّى بين التكفير على الأرض والوهابية في السماء وأمريكا في البحر، وليبيانا تنزف، وسيناءنا، وسوداننا، ومغربنا العربي تَرفَع فيه فتنٌ شتى عقيرتها، والقتل اليومي وأمواج التهويد تتلاطم على فلسطيننا، لكن الفصل الجديد في كتاب التخريب كان عنوانه الأخطر في الأيام الأخيرة فسطاطنا في تفجير داعش للكنائس في أحد الشعانين، كانت محاولة استهداف البابا تواضروس فقرة فيه…
وقد علق صديقٌ بعد الانفجار الأول في طنطا أن ما حدث ما كان ليحدث لو انضمت مصر إلى جوقة الترحيب بالعدوان الصاروخي الأمريكي على قاعدة الشعيرات الجوية في حمص، وأن وصفة تفجير الصراع بين الأقباط والمسلمين برسم التنفيذ، وأن دور مصر، حماها الله، آتٍ.
وإنّه لمن الصعب أن لا يلاحظ المرء أن توقيت تفجيري طنطا والاسكندرية الدمويين جاء على خلفية تضارب الموقفين الرسميين المصري والسعودي من العدوان الصاروخي الأمريكي على الشعيرات خصوصاً، ومن توجيه ضربة عسكرية أمريكية-ناتوية لسورية عموماً، كخلاف بانت معالمه بعد أشهر قليلة من 3 يوليو ووصول الرئيس السيسي للحكم، كما أشرت في “الأخبار” اللبنانية في 5/9/2013 تحت عنوان “قراءة في أبعاد الخلاف السعودي-المصري حول الملف السوري”.
ثمة مساحة تقاطع بين الموقفين الرسميين المصري والسوري كبيرة، بصدد التكفير وتركيا والتدخل الأجنبي وتماسك الدولة السورية، ولو لم يتطابق الموقفان وينسجما بالكامل، لكنه تقاطعٌ أكبر بكثير مما يمكن أن يحتمله حكام السعودية… ويبدو أن ثمة رد فعل شعبي مصري قوي رافض للعدوان الأمريكي الأخير على سورية، كما رشح من مصادر شتى، مما يؤشر على تحول حقيقي في المزاج الجماهيري العربي إزاء الأزمة السورية، ومما لم يكن متاحاً لليبيا إبّان عدوان الناتو الغاشم عليها في العام 2011، عندما كان المزاج الجماهيري العربي لا يزال زائغاً في سراب “الربيع العربي”، إذ لا يمكن لثورة شعبية عربية حقيقية أن تتسامح قط مع عدوان إمبريالي مجرم بين ظهرانيها في ليبيا بالضبط ما بين تونس، مهد “الربيع العربي”، ومصر.
إذاً، رغم حرب الإرهاب التكفيري في سيناء، والاستهداف المتوالي للجيش الثاني للجمهورية العربية المتحدة، ورغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بمصر، فإن ثمة مؤشرات على تحول كبير، لا يزال أضعف وأبطأ بكثير مما يجب، من وجهة نظر المخاطر الوجودية المحدقة بالأمة، لعل من علاماته بعض القوى والأحزاب المصرية التي سبق لها أن أيدت أكذوبة “الثورة السورية” بحماسة ليصبح لها اليوم رد فعل قوي من العدوان على قاعدة الشعيرات، كما تظهر بياناتها وتصريحاتها، وهو ما لا يمكن للإمبريالية الأمريكية وأدواتها أن تتغاضى عنه.
اللعب بالورقة الطائفية في مصر، كاللعب بها في عموم الجزء الآسيوي من الأمة العربية، ليس جديداً، لكنه شهد تصعيداً كبيراً بالضبط بعد الإطاحة بمرسي، مع الهجوم على 42 كنيسة وبعض الأحياء والمرافق القبطية، ليتم رفع وتيرة اللعب مؤخراً مع تفجير كنيسة في قلب القاهرة في كانون الأول الفائت، ومع استهداف الأسر المسيحية في شمال سيناء قبل شهرين، فيما يبدو أنه جزء من حملة عامة لتهجير المسيحيين، واجتثاث معالم التعايش الوطني، وإثارة صراع طائفي في مصر، وخلق جغرافيات “نقية” طائفياً، مما يبرر لاحقاً تدخلاً أجنبياً ومشروعاً للتقسيم تحت عنوان “حماية الأقليات”، لا نبرئ الإمبريالية بتاتاً من العبث في سياقه في صفوف الأقباط أيضاً، تماماً كما جرى في السودان وغيره.
احتمالات انفراط العقد الاجتماعي في الدولة العربية الأكبر هو ما يثير الجزع على مصر وعلينا كعرب، في ضوء ما نشهده في دول عربية شتى. وهذا بالضبط هو ما يؤكد على وحدة الحال في كل الأمة، ووحدة الحل، وهو ما يُشعر الكثير من المصريين أن المساعدات الخليجية أو الأمريكية ليست أكثر أهمية من الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي، وأن “إضعاف” الدولة السورية يقوي المشروعين العثماني والصهيوني الطامعين بمصر والمنطقة، وأن معركة مكافحة الإرهاب في سيناء هي تتمة مباشرة لمكافحته في سورية وليبيا وبقية الوطن العربي، وأن زيادة التنسيق بين سورية ومصر كان تاريخياً ركناً أساسياً من أركان الأمن القومي والمشروع النهضوي العربي ويبقى كذلك اليوم، وأن ترامب الذي تذرع بفيلم هوليودي ممجوج هو “كيماوي خان شيخون” لن يجد صعوبةً كبرى في المستقبل بإنتاج جزءٍ ثانٍ وثالثٍ ورابع منه باللهجة المصرية وغيرها.
http://tishreen.news.sy/?p=84181
للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/Qawmi
اترك تعليقاً