د. إبراهيم علوش
15 تشرين الثاني 2016
توصية مجلس السياسات الاقتصادية في الأردن بتخفيض حزمة ضريبة المبيعات على السلع والخدمات من 16 إلى 12 بالمئة، مع رفع الضريبة على مئات السلع والخدمات المعفاة، التي يتركز معظمها في الغذاء والدواء، من صفر أو أربعة أو ثمانية بالمئة إلى 12 بالمئة، قدرت صحيفة “الغد” اليوم أنها ستكلف خزينة الدولة 270 مليون دينار من العائدات الضريبية، وستعود عليها بالمقابل بـ600 مليون دينار من العائدات الإضافية، أي أن صافي الجباية الإضافية من المواطن الأردني سيكون 330 مليون دينار إضافي من رفع الضرائب من صفر إلى 12 بالمئة على منتجات مثل الخبز والقمح وزيت الزيتون والحليب والسكر والأرز ومدخلات الأدوية ووجبات المطاعم الشعبية وغيرها كثير.
ويذكر أن هذا التوجه يأتي بإملاء من بعثة صندوق النقد الدولي للمنطقة التي كانت قد طرحت هذه التوصيات لتتحول إلى توجه رسمي سوف يزيد من أعباء مئات أصناف الضرائب والرسوم الملقاة على كاهل المواطن الأردني الذي يدفع أعلى نسبة ضريبية في الوطن العربي، وأحد أعلى المعدلات الضريبية في العالم.
إن مثل هذا التوجه بفرض أو رفع الضرائب على الغذاء والدواء يكشف أولاً مدى فقدان السيادة على القرار الاقتصادي والسياسي، ويكشف ثانياً عن مدى انحياز المؤسسات الاقتصادية الدولية والنظام الكمبرادوري ضد الطبقات الشعبية والطبقة الوسطى في تحميلها عبء تغطية العجز السنوي في الموازنة العامة وتصاعد الدين العام فيما تقرر الدولة دفع عشرة مليارات لابتياع الغاز المسروق من الكيان الصهيوني.
وإذا كانت توصيات صندوق النقد الدولي تنص على آلية تعويض ما (غير واضحة) للشرائح الفقيرة عن الزيادات في أسعار الغذاء والدواء، فبمقدار ما يصح ذلك الكلام، إذا افترضنا جدلاً أن مثل ذلك الدعم سيوازي الإنفاق الإضافي للشرائح الأكثر فقراً من جراء رفع الضرائب، وهو افتراض غير مؤكد بتاتاً، فإن الطبقة الوسطى، وشرائحها الدنيا تحديداً، ستكون الأكثر تأثراً بالتوصيات الأخيرة لرفع الضرائب لأنها لن تكون مؤهلة لتلقي الدعم، مما يعني الاستمرار بتقليص حجم الطبقة الوسطى في الأردن، وإفقار الشرائح الدنيا من المجتمع من خلال إملاءات خارجية فيما يستشري التطبيع مع العدو الصهيوني والفساد وتركز الثروة والدخل بنسبة أقل فأقل من كبار المتحكمين برقاب البلاد والعباد. ونكرر أن التطبيع ثبت بالملموس أنه لن يحل مشاكل الاقتصاد البنيوية، وما سمي “سهم السلام” عند توقيع معاهدة وادي عربة تبين أنه حزمة من الهراء…
نضيف أن فكرة الضريبة الموحدة على كل فئات السلع والخدمات تنطلق من أيديولوجيا رأسمالية متطرفة يتتلمذ طلاب الدراسات العليا في أقسام علم الاقتصاد في الجامعات الأمريكية عليها كمقدسات لا تمس. والحكمة، عندهم، من ورائها، هي أن فرض معدلات ضريبية مختلفة على السلع والخدمات المختلفة، على أساس التمييز ما بين الأساسي والكمالي منها مثلاً، يؤدي إلى تشويه نظام الأسعار وإشارات السوق مما يؤدي إلى العبث بالفعالية الاقتصادية للإنتاج والاستهلاك وخلق اختلالات هيكلية في الموازنة الحكومية وفي توزيع المدخلات على القطاعات المختلفة في الاقتصاد. وثمة نماذج رياضية وقياسية في محاولة إثبات مثل هذا الانحياز الأيديولوجي الرأسمالي هي أقرب للاهوت حداثي معاصر يعطي من يمتلكون مفاتيحه شعوراً بالانتفاخ والاستعلاء “العلمي” يرون بأنه يخولهم اتخاذ قرارات بشأن السياسة الاقتصادية بالنيابة عن المجتمع والشرائح المتضررة منها ممن يعتبرونهم من الدهماء الجهلة، فيما هم مثل الطبيب الجراح الذي لا يسع، ولا يحق، للمريض على المشرحة أن يقرر له الطريقة التي يجري له فيها العملية الجراحية!
وفي الرد على فكرة الضريبة الموحدة على كافة السلع والخدمات، ومن منطلق علم الاقتصاد الغربي نفسه، النيوكلاسيكي تحديداً، لا بد من أن نذكر ما يلي:
-
أن الضريبة الموحدة flat tax rate يفترض أن تصيب الدخل أساساً، لا السلع والخدمات الاستهلاكية، بمعنى أن يكون المعدل الحدي لضريبة الدخل ثابتاً، وهي فكرة تصيب مبدأ العدالة الضريبية في مقتل، لأنها تعامل دخل الغني كدخل الفقير، ولكنها تظل أكثر عدالة من معاملة الخبز كالكافيار،
-
أن فكرة الضريبة الواحدة، Single tax، على تقليد هنري جورج، وهي غير توحيد المعدل الضريبي على المنتجات الاستهلاكية، والتي تستند فكرة توحيد المعدل الضريبي إليها، انطلقت بالأساس من الصراع بين طبقة الصناعيين وملاك الأراضي، وكان جون لوك وسبينوزا أول من طرحها، وهي تستند لفرض ضريبة واحدة على الأرض والموارد الطبيعية لتمويل الإنفاق العام، باعتبار دخل مالكيها ريعاً غير مكتسب، مقارنةً بأجور العمال أو أرباح الرأسماليين التي يعتبرونها دخلاً مكتسباً، أما ما يطرح الآن فهو نهب الفقراء والطبقة الوسطى لمصلحة الكمبرادور،
-
أن ضريبة المبيعات هي بحد ذاتها ضريبة تناقصية، Regressive tax، بمعنى أن نسبتها المئوية من الدخل تزداد كلما انخفض، لأن الدخل المنخفض يذهب أغلبه للاستهلاك، فيما تذهب نسبة أكبر من الدخل المرتفع للادخار بدلاً من الاستهلاك، ولذلك فإن نسبة ضريبة المبيعات من الدخل المنخفض هي أعلى من تلك النسبة من الدخل المرتفع. والعبرة هنا ليست الدفاع عن الفقراء من منظور التوازن الاجتماعي، على أهمية ذلك المنظور، إنما التنويه أن الضريبة التناقضية تتناقض بالتعريف مع فكرة الضريبة الموحدة، وبمقدار ما تزداد ضريبة المبيعات على السلع والخدمات الأساسية، فإنها تزداد تناقصيةً، وبالتالي تزداد تناقضاً مع فلسفة الضريبة الواحدة أو الموحدة،
-
أن الدول الغربية تعتمد أساساً على ضريبة الدخل والأرباح في عائداتها الحكومية، فيما يأتي 61% من العائد الضريبي للدولة الأردنية من ضريبة المبيعات (التناقصية)، وستكون الزيادة في العائد الضريبي الإضافي على الغذاء والدواء خالصة من جيوب الفقراء تقريباً، لدفع اقساط الديون وفوائدها للمؤسسات الاقتصادية والمصرفية الدولية بعد تزايد الدين العام الأردني مع نهاية شهر أيلول 2016 إلى أكثر من 24 مليار دينار، منها حوالي عشرة مليارات للخارج، فصندوق النقد الدولي يفرض هنا مقاييس جباية غير مفروضة في الدول الغربية أو الولايات المتحدة نفسها التي تملك حق الفيتو في صندوق النقد الدولي.
اترك تعليقاً