المجلة الثقافية للائحة القومي العربي… عدد 1 تشرين أول 2016
– توطئة العدد: الثروة النفطية العربية كمنتِج للتشوه الإجتماعي العربي، ناجي علوش
– التجزئة أخطر عدوان على الأمة العربية/ صالح بدروشي
– في الآثار الاجتماعية للتجزئة/ إبراهيم علوش
– واقع السينما العربية في ظل التجزئة/ طالب جميل
– الصراع العرقي كنتيجة حتمية للتجزئة/ فؤاد بدروشي
– وجهة نظر: التجزئة اجتماعياً/ علي بابل
– شخصية العدد: الثائر الجميل؛ إرنستو تشي غيفارا/ إعداد: نسرين الصغير
– الصفحة الثقافية: إضاءات على الفن التشكيلي والنحتي في العراق 2-2 / معاوية موسى
– قصيدة العدد: في نَكْبَةُ دِمَشْق – أحمد شوقي/ إعداد: أيمن الرمحي
– كاريكاتور العدد
العدد 29 – 1 تشرين الأول 2016
لقراءة العدد عن طريق فايل الـ PDF
tt29
للمشاركة على الفيسبوك
https://www.facebook.com/Qawmi
توطئة العدد: الثروة النفطية العربية كمنتِج للتشوه الإجتماعي العربي
(مقتطف من كتاب “تركيب الطبقات والصراع الطبقي في الوطن العربي”، لناجي علوش)
البرجوازية التي مدّت نفوذها إلى كل أنحاء العالم خارج الدول الاشتراكية، كانت قادرة على أن تربط المواطن العادي بالبرجوازية، من خلال السيارة، ومن خلال إثارة الطموح بأن أي إنسان يستطيع أن يكون غنياً، ومن خلال الملبس والموضة والأفكار التي تبث بأشكال مختلفة. وأثّر ذلك أيضا في حركة الصراع الطبقي داخل المجتمع.
وعلينا بعد هذا كله، أن نتحدث عن مؤثر جديد فعّال، يكاد تأثيره يكون الأشد خطورةً من بين هذه العوامل جميعاً، وهو النفط. لقد خرج النفط من الأرض، وكان حتى سنة 1965 لا يدرّ إلا مبالغ محدودة على الدول المعنية. ولكن منذ سنة 1965، وحتى الآن، حدثت قفزات هائلة في مداخيل إنتاج النفط، أدّت إلى زيادة الثروات التي تملكها الطبقات الحاكمة في الوطن العربي زيادةً هائلةً، مما جعل الدخل العربي من النفط يوازي هذا العام (1978) حوالي 70 ألف مليون دولار. وأصبح دخل بلد كالكويت يصل سنوياً حوالي ثلاثة آلاف مليون دينار كويتي، أي حوالي عشرة آلاف مليون دولار، في الوقت الذي لا يصل فيه عدد سكان الكويت الأصليين –إذا جاز لنا التعبير- والوافدين، عن مليون ونصف المليون نصفهم تقريبا من الكويتيين.
هذه الثروة تصل إلى كل كويتي، وإلى كل المقيمين في الكويت، وإنْ بنسب مختلفة جدا. إنّ كل كويتي بإمكانه أن يستفيد من هذا الدخل، بإمكانه أن يصبح تاجرا دون أن يملك رأس مال، لأن توقيعه عبارة عن رأس مال. وإذا لم يكن يحسن التوقيع، فإن “بصمته” عبارة عن رأس مال، وهو بمجرد أن يبصم على ورقة، أو يشتري ختماً يضعه في جيبه، يستطيع أن يملك 51 بالمئة من رأس مال أية شركة يكونها شخص غير كويتي أو مؤسسة غير كويتية. إن ذلك يؤثر في توزيع الدخل الوطني، ويؤثر في تكوين اللائحة الطبقية الداخلية، ويميّع حركة الصراع الطبقي داخليا، ويجعل حتى معظم العمال جزءاً من الطبقة الحاكمة السائدة. إنّ هذا الفيض من النفط، وبالتالي من الدولارات، لم يترك تأثيره على الأقطار المنتِجة فقط. فالأقطار المنتجة في معظمها (إن استثنينا العراق والجزائر) ليست أقطاراً، إنها تضم مجموعة من البدو الرحّل وشبه البدو، وهؤلاء بحاجة إلى اليد العاملة، وبحاجة إلى الخبرات الفنية، وبحاجة إلى المديرين، وبحاجة أيضا إلى البصل والفول والحمص والخيار وغيره، وبالتالي فقد أصبح هؤلاء الذين يملكون دولارات، ولا يملكون شيئا، مؤثرين في العمال والفلاحين العرب، وشرائح واسعة من البرجوازية الصغيرة في كل الأقطار العربية. لأن المهندس إذا كان في سورية لا يجد عملاً، فهو الآن مهندس مطلوب في هذه الأقطار بشكل ملحّ. والطالب الذي يحصل على شهادة الدكتوراه من كندا ولا يجد عملا في أي مكان، يستطيع أن يذهب إلى الكويت عند تخرجه ليحصل على راتب يصل إلى ألف دينار مع سيارة وبيت، أي حوالي ألف وخمسمائة دينار في الشهر، وهو ابن فلاح فقير. إن ذلك كله أدّى إلى أن تستوعب هذه الأقطار أقساما هامّة من اليد العاملة العربية، وتعطى من المخصصات والرواتب ما يرضيها نسبياً. أدّى هذا أن يذهب قسم من الخبرات الفنية إلى هذه الأقطار ويحصل على امتيازات أكثر مما كان يحلم به. وأدّى إلى أن يسافر بعض التجار ورجال الخدمات ويستفيدوا من خبراتهم وإمكانياتهم في هذه الأقطار، ويحصلوا على ثروات لا تفسدهم فقط، بل تفسد أقاربهم وأهلهم في المناطق التي جاؤوا منها. إذا كان الوافد فلسطينياً، فوجوده في الكويت مثلاً يوفر له دخلاً جيداً، وبالتالي بيتاً مريحاً وسيارةً ووفراً شهرياً إلخ… وإذا كان أهله محتاجين يذهب جوعهم نظراً للإمدادات المالية، ويتحسّن وضعهم.
لقد أدى ذلك إلى نشوء قطاعات خدمات واسعة لخدمة هؤلاء النفطيين، ولإرضاء غرائزهم، ولتوفير السلع التي يطلبونها.
أدّى كل ذلك إلى إفساد قطاعات من العمال، ومن الفلاحين ومن البرجوازيين الصغار الثوريين. إنّ دراسة هذه المؤثرات بشكل جدّي ضرورية جدا لمعرفة أسباب خمود حركة الصراع، أو لنقل تضاؤل حركة الصراع خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء كان ذلك الصراع ضد الإمبريالية بشكل مباشر، أو الصراع ضد القوى الرجعية بشكل غير مباشر. والحركة المتصاعدة التي شهدتها الخمسينيات، وأوائل الستينيات، لم نعد نشهدها اليوم في الوطن العربي. ولذلك أسبابه، ومن جملة هذه الأسباب السبب الذي تحدثنا عنه، وهو تأثير السيولة النقدية الكبيرة التي انتشرت في المنطقة واستوعبت قوى عديدة منها، وربطتها بشكل غير مباشر أو غير مباشر باقتصاديات الدول النفطية.
التجزئة أخطر عدوان على الأمة العربية
صالح بدروشي
لا يمكن لأيّ عاقل أن ينكر أنه بعد حوالي قرن من تشتت الشعب العربي وتقسيم أراضيه وتجزئته إلى دويلات فإنّ المحصول الأساسي هو استدامة حالة التخلّف في كامل أرجاء الوطن العربي، رغم كلّ مشاريع التغيير نحو الأفضل التي شهدتها عدّة أقطار بشكل منفرد.
إنّ واقع التجزئة في الوطن العربي، بالإضافة لما يمثّله من إضعاف للإمكانيات الدّفاعية للأمّة العربية بتفتيتها إلى دول قزمية ضعيفة ومتناحرة فيما بينها، يمثل أخطر عدوان على الأمّة العربية عبر انعكاساته السلبية على الصعيد الاقتصادي والثقافي والأمني والاجتماعي وعلى كل الصعد الأخرى.
عليه سنتناول في هذه المقالة بعض السلبيات والآفات الاجتماعية الناتجة عن حالة التجزئة أو التي تكمن معالجتها بإزالة التجزئة.
لقد خلقت وضعية التجزئة حالة من الوهن النفسي والاغتراب أضعَفَ أو خلْخَلَ الشعور بالانتماء القومي لدى المواطن العربي بشكل جعل الكثيرين فريسةً سهلة الاصطياد من طرف الاختراقات والأطروحات الداعية لبعث هويات هجينة مثل الأمازيغية والبربرية وغيرها لتفكيك النسيج العربي الذي بقيَ متماسكاً رغم كل الحملات الاستعمارية القاسية.
وعلى مستوى التشغيل أدّت التجزئة إلى إضعاف الاقتصادات العربية بشكل أعاق أي مشروع تنموي ممّا خلق واقعاً متناقضاً مع طبيعة الأمور بشكل صارخ حيث أن الدول النامية والغنية والتي ليست بحاجة ماسة إلى كلّ قواها العاملة وتستطيع أن تتحمّل نسبة بطالة مرتفعة نسبيا تسجّل نسبة بطالة لا تتجاوز 5%، في حين أفادت تقارير منظمة العمل العربية والدولية بأن عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي ارتفع إلى 23 مليون عاطل خلال العام 2014، أي بنسبة حوالي 20% من السكان القادرين على الشغل، 95 % منهم في سن الشباب. وهي أرقام ربما تقلل كثيراً من تقدير حجم البطالة الواقعي. من ناحية أخرى، رجّحت الأمم المتحدة عبر التقرير العربي للأهداف الإنمائية (سبتمبر/أيلول 2013) ازدياد أعداد الجياع في الوطن العربي بنسبة 20 % !! ووفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية يبلغ عدد العاطلين عن العمل في العالم 200 مليون نسمة، 10% منهم في الوطن العربي الذي يبلغ عدد سكانه 5% فقط من سكان العالم .. هذا هو حال القوى العاملة في الوطن العربي الذي هو بحاجة إلى كل حبّة عرق من مواطنيه!
على مستوى العناية والرعاية الصحية نجد أن واقع التجزئة خلق كيانات ضعيفة غير قادرة على تطوير مراكز اختصاص طبي في المجالات التي تحتاجها الحالة الصحية للمواطنين، ناهيك عن انعدام أو تعطيل إمكانية التكامل والتبادل فيما بين الأقطار العربية، ممّا أدّى إلى تردّي الحالة الصحية في الوطن العربي، حيث نسجّل وجود طبيب واحد لكل 1500 مواطن في الدول العربية مقابل طبيب لكل 300 مواطن في الدول المتقدمة. كما أنّ متوسط العمر المتوقع مرتفع في الدول المتقدمة ويبلغ حوالي 83 سنة، ومنخفض في الدول المتخلفة، ويتراوح ما بين 50 و65 سنة في كثيرٍ من الدول العربية… ويوجد سريرٍ استشفائيٍ واحد لكل 150 نسمة في الدول المتقدمة مقابل سريرٍ واحد لكل 500 نسمة في الدول العربية، وهذا بالإضافة إلى الأمراض الناجمة عن سوء التغذية خصوصاً عند الأطفال. وبالنسبة إلى معدل وفيات الأطفال الرضّع، فإنه يتراوح ما بين الـ 15 و45 وفاة بالألف مولود في البلاد العربية، بينما لا يتجاوز 2 إلى 7 بالألف في دول أوروبا وأمريكا واليابان.
أمّا بخصوص نسبة الأمّية، فإنّ التجزئة، بالإضافة إلى جلبها للفقر الذي يعيق عملية التعليم والتعلّم، فإنها تعيق نقل وتعميم التجارب الإيجابية الناجحة في محو الأمّية مثل تجربة العراق قبل غزوه وسورية التي فاقت النسب العالمية. أمّا الآن، فإنه وحسب تقارير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”، فإن نسبة الأمية في الوطن العربي تقدّر بـ 27% أي حوالي ثلث سكان الوطن العربي، محرومين من التعليم، وهي نسبة تصل إلى ضعف معدّل نسبة الأمية في العالم، وبالمحصّلة فإن نسبة الأمية منخفضة في الدول المتقدمة والموحّدة ومرتفعة في الدول المفتّتة والمتخلفة ( كندا وروسيا 0.5 % اليابان 1 %، بينما تصل في مصر إلى 29 % وفي موريتانيا إلى 49 %). ونفس المعوّقات والحواجز التي تفرضها التجزئة على تطوير قطاع الصحة، نجدها أمام تطوير أوضاع التعليم والبحث العلمي من حيث الإنفاق وانتشار المدارس والمعاهد والجامعات وتغطية كلّ التخصّصات المطلوبة علميّاً ومعرفيّاً، وكذلك غياب التبادل العلمي والتعليمي وتخصيب الإنتاج المعرفي بتفاعل الباحثين والعلماء العرب فيما بينهم وتوحيد مناهج التدريس نحو الأفضل، كأحد الانعكاسات المباشرة لواقع التجزئة، علماً أنّ شيوع الأميّة في الوطن العربي يضاعِف من تفشّي الأمراض ووفيات الأطفال.
فكما أن حجم الكيانات أو الدويلات العربية التي أنتجتها التجزئة لا يسمح، في مجال التعليم، بتطوير مراكز بحث وتدريس متقدّمة في جميع الاختصاصات، فإنّ التعداد السكاني الضعيف لكلّ منها لا يسمح في المجال الصحي بتأسيس قاعدة بيانات إحصائية لمتابعة الأمراض المتفشية والقيام بالأبحاث والدراسات الطّبية التي تمكّن من المسك بناصية التقدّم الطّبي المفيد لأبناء شعبنا وفق معطياته المناخية وظروفه البيئية والمعيشية وخصائصه الوراثية. كذلك فإنّ حواجز التجزئة لا تسمح بوضع وتفعيل نظام إنذار لمكافحة أيّ طارئ أو أيّ آفة صحّية يتمّ كشفها أو تنطلق في مكان ما من الوطن العربي. ويضاف إلى ما سبق عدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي بتطوير صناعة كلّ الأدوية التي نحتاجها والتي تظل في معظمها مصنّعة في البلدان الأجنبية وليست دائما مدروسة لتكون ملائمة لخصوصيات جسم المواطن العربي.
ولم نأتِ هنا على ذكر كل الجوانب الاجتماعية المتأثرة سلباً بواقع التجزئة، كما لم نتطرّق بالتفصيل إلى انعكاسات التجزئة على الواقع الفلاحي (الزراعي) الذي سهّل بتخلّفه ارتهان مجتمعنا العربي للأجنبي في توفير مأكله، وهو ما أثّر حتى على العادات الغذائية والسلوك الزراعي، حيث أصبح الأجنبي هو من يمتلك أحسن البذور، بل وأصبحت بعض فلاحتنا مخصية ولا تنتج بذورا بعد أن كانت في ما مضى مصدرَ افتخار ونخوة للفلّاح العربي.. فكلّ شيء جميل تبدّده وتفسده التجزئة اللعينة.
بالنسبة إلى التنمية الثقافية والنهل من التراث الثقافي العربي، وانتقاء أفضل ما فيه للاقتداء به والبناء عليه وتطويره، فإننا نجد أن واقع التجزئة خلق حالات من التقوقع حول ثقافات قطرية هي في غالبيتها مزيج من بقايا ثقافات الدول المحتلّة وصنيعة الأنظمة القطرية التي تسعى إلى تدعيم أركان حكمها عبر البحث عن خاصيات تميّزها من رايات وأناشيد وأغان وألوان موسيقية ومسرحية ورياضية وأذواق وأمثال شعبية محلّية إلخ… حيث تسعى عن قصد أو لا شعوريا إلى أن تحيْد وتتميّز عن اللون العربي الجامع لكلّ المواطنين العرب. وبإطالة واقع التجزئة، انفردت كلّ دولة بمواطنيها لمحاولة حقنهم بوعي هوياتيّ جديد وتسطيح وعيهم بانتمائهم العربي وهذا كان بدرجة أقلّ وعن غير قصد في الدول التي كانت تحكمها أنظمة ذات توجّه قومي مثل العراق وسورية ومصر عبد الناصر .. وقد نال هذا الاغتراب الثقافي حتّى من المناضلين المسيّسين وليس من المواطنين العاديين فقط، حيث نجد أنّ الأحزاب والتنظيمات التي تحمل العنوان القومي لديها أولوياتٍ قطرية محلّية، وليست قومية، وتعتبر المناضل القومي أو التقدّمي الذي هو من قطر آخر غريباً بالنسبة لها!! ومن مظاهر التدليل على عمق تأثير التجزئة هو أن الأحزاب القومية أصبحت هي ذاتها جزءاً من الهوية السياسية القُطرية الجديدة، وانكفأت داخل الحدود التي رسمها الاحتلال، على الرغم من عناوينها القومية. لا يفوتني هنا ذكر ظاهرة شدّت انتباهي وبقيت في ذاكرتي حين سافرت ذات مرة بين فرنسا وبلجيكا وهولندا، فوجدت في المناطق الحدودية شوارع طويلة على أحد أرصفتها مقاهٍ ودكاكين ومغازات تابعة لفرنسا وعلى الرصيف المقابل مقاهٍ ودكاكين ومغازات تابعة لبلجيكا .. بل في مكان آخر مقهى منقسم بين بلجيكا وهولندا، والمواطنين يتعاملون في تلك المدن والقرى بالعملتين (كان ذلك قبل توحيد العملة الأوروبية). وفي المقابل كلّ النقاط الحدودية البرّية العربية التي مررتُ بها في سفري بين تونس وليبيا، وبين تونس والجزائر، وبين الأردن والعراق، وبين سورية ولبنان، هي طرق وعرة ومحطّات تعيسة لا توحي بأيّ ودّية أو تواصل أخوي بين الضّفتين، ناهيك عن معاملة حرّاس تلك الحدود الذين يحوّلون عملية المرور إلى عبور للجحيم أحياناً عبر طوابير البؤس.
وهنالك عاملٌ آخر ثقيلٌ جدّاً من العوامل الاجتماعية على مجتمعنا العربي، باعتبار ثقافتنا وتقاليدنا، ألا وهو تفشي ظاهرة العنوسة لدى شبابنا العربي، خصوصاً الإناث. فبالإضافة إلى أنّ الزواج أصبح عموماً مشروعاً مؤجّلاً لدى عديد الشباب لعدّة عوامل مثل تأخّر سنّ الدراسة والعمل ومتابعة التحصيل العلمي إلى مستويات مرتفعة للبعض والانشغال بالبحث عن عمل مناسب لسنوات قبل التفكير بالزواج، وتوْق الشبان إلى البحث عن فتاة عاملة لتساعد في تأمين تكاليف الحياة الأسرية وغلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، وهي عوامل ليست ببعيدة عن انعكاسات واقع التجزئة المذكورة أعلاه، فإننا نرى أنّ عدّة عوامل مرتبطة مباشرة بالتجزئة تسبّب أو تفاقم ظاهرة العنوسة في مجتمعنا العربي ونذكر منها أن واقع التجزئة يفرض صعوبة التنقل بين الأقطار العربية التي لا تمكّن الشباب والعائلات العربية من فرص التعارف والتصاهر وذلك مقابل تيسير التواصل مع الغرب وبين الشباب العربي الذكور والشابات الغربيات (وحتى المسنّات بهدف الحصول على إقامة وفرصة عمل). كذلك نلاحظ أن تكريس واقع التجزئة والسعي لديمومته أدّى إلى أنّ سعر المكالمات الهاتفية مثلا وسعر التنقل بين الأقطار العربية أعلى بكثير منه بين أي قطر عربي والدول الغربية، بل ونجد في كثير من الأحيان عروض تخفيض في المكالمات الهاتفية وتذاكر النقل بالطائرة باتجاه الدول الأوروبية، بينما هي مكلفة ومرتفعة جدّا باتجاه الأقطار العربية فيما بينها: مثلاً تذكرة سفر تونس-فرنسا ذهاباً إياباً تصل إلى حدّ 120 دولاراً، بينما تذكرة سفر تونس-الأردن أو تونس-موريتانيا سعرها من 500 إلى 600 دولار؟!!، وتذكرة سفر تونس-مصر تبلغ 300 دولاراً، وتذكرة سفر تونس-الجزائر تبلغ 150 دولاراً، وهي مسافة أقلّ من سفرة داخلية بالطائرة بين العاصمة تونس ومدينة جربة وكلفتها أقل من 50 دولار.
وكذلك فإنّ عدم تيسير تنقّل الطلاب بين الجامعات العربية إلّا بأعداد يسيرة ونادرة يقلّل من فرص التعارف والتزاوج بين الشباب العربي من مختلف الأقطار، عكس ما هو ميسّر بالمنح الدراسية وإمكانيات الترسيم بالجامعات الأجنبية غير العربية. ويُضاف إلى كلّ ما سبق في هذا المضمار أسباب ناتجة عن واقع التجزئة منها عوامل نفسية مثل ضعف الثقة بالنفس والقلق والتوتر والاكتئاب المنتشر في مجتمعنا العربي مما يؤدّي إلى صعوبة الاختيار المناسب وبالتالي العزوف أو الفشل أو الطلاق. وهذه العوامل النفسية والاجتماعية يغذّيها الشعور المدمّر بالظلم وفقدان الانتماء والضياع واليأس من المستقبل وغياب التواصل بين الماضي والحاضر أو الانفصام بين الأجيال وانهيار الأخلاق بفعل فاعلٍ بشكل ممنهج في مجتمعنا المجزّأ المخترَق الضعيف، وكذلك ما اعترى المعتقد الديني من تشويه وعدم تصويب وبُعْد عن المنهج الإسلامي السَمْح والميسّر لحسن اختيار شريك الحياة والدّال على سلوك المعاشرة الحسنة. وكلّ هذا بفعل واقع انتشار الأميّة والفقر وانتشار التثقيف التغريبي الهدّام كبديل لمسيرة التقدّم التي تقود إلى عملية تحرّر إيجابية من التقاليد السلبية المكبّلة.
من البديهي أنّ تفكّك الجسم العربي يُضعِفه ويُعيق نهضته، وأن حالة التجزئة والتشرذم تثبّت تخلّف الوطن العربي وتبقيه تحت سيطرة القوى الإمبريالية، كما تؤكّدَ بما لا يقبل الشّك فشل الحلّ القطري لنهضة الأمة العربية؛ فتاريخ الأمم يؤكّد أنّ المشروع الوحدوي هو الضامن لتوفير عناصر القوة التي تؤمّن الاستقرار الداخلي وتحمي المجتمعات من عديد الأمراض الاجتماعية، ومن أبسط مظاهر فشل الدول القُطرية في النهوض بأقطارها هو نسبة البطالة التي تفوق معظم الأرقام العالمية على الرّغم من شديد حاجتها لكلّ طاقاتها العمالية لإنتاج ما تستورده من مستلزمات الحياة الأساسية.
كذلك نجد إن العصبية العشائرية والقبلية والطائفية إرث قديم وثقيل في مجتمعنا العربي المفتوح على صحارى شاسعة. فوطننا العربي يحتوي على عدة قبائل كبيرة الحجم ولمّا تمّت تجزئته إلى دويلات صغيرة وضعيفة قياسا بحجم وقوّة الدول المهيمنة في العالم، كان لهذه التجزئة انعكاساتٌ نذكر منها نقطتين هامتين، الأولى أن القبائل والعشائر وجدت حجمها وشأنها يكبر أمام شأن الدولة وعوضاً عن تقليص وتذويب هذه العصبيات لصالح دولة المواطنة نراها تنمو وتتجدّد كأداة تتكيّف مع كل تبعات التجزئة من تبعية وتخلّف وتساهم في ترويض المواطنين في ذلك السياق بالتفاهمات والمسكّنات والتوافقات السطحية. والثانية أنّ أنظمة التجزئة الرجعية عملت على توظيف تلك العصبيات المحلّية في ضرب الانتماء القومي العربي الجامع وكان هذا السلوك القطري معادياً بشراسة للمشروع القومي العربي ويحول دون بناء السلوك المُواطِني الذي ننشده لبناء الدولة العربية الموحدة. وحتى الأنظمة الرجعية التي حاربت العصبية القبلية، مثلما حصل في تونس مثلا، كان ذلك بهدف استبدالها بقبلية أو عصبية مناطقية أشدّ مقتاً من الأولى (عصبية الساحل مثلاً). وهذا أحد انعكاسات التجزئة الذي يكرّس التّخلّف في وطننا العربي.
لقد تطرّقنا في هذه المقالة إلى بعض الأمراض الاجتماعية الناتجة عن التجزئة، ولم نأتِ على الفوائد الجمّة التي تتأتّى من جرّاء توحيد الأمة العربية تحت راية واحدة، وأبسطها التفاعل الإيجابي الخلّاق بتبادل العادات والتراث والتقاليد المحلّية لكل جهة من الوطن، من أزياء وطرق طبخ ومأكولات واحتفاليات وموسيقى وأغانٍ شعبية ولهجات محلّية وطقوس كرم وضيافة وخطوبة وزفاف وإقامة المآتم وأمثال شعبية، وما يمكّن ذلك التواصل من غربلة ومراجعة وتهذيب بعض عاداتنا السيئة بالمقارنة..
لقد انعكست كلّ مظاهر التجزئة التعيسة على نفسية المواطن العربي لتبثّ فيه نزعة احتقار الذات والشعور بالدّون والصِغر رغم كِبَر وعظمة تاريخ أمجاد أمّته، وهذا يشكّل مهمّة تحدّي صعبة أمام المشروع القومي العربي لإصلاح الخلل الذي حصل في البناء الاجتماعي للوطن العربي. في الحقيقة، من خلال تعدادنا لبعض الآثار السلبية جدّاً التي يعيشها مجتمعنا العربي في هذا المضمار، إنّما قصدنا أيضا تبيان أن هذه الظواهر ليست ناتجة عن خلل أو نقص متأصّلٍ فينا وفي ثقافتنا كأمّة، كما يذهب إلى ذلك البعض، سواء كان عن غير وعي أم بنوايا مغرضة مبيّتة، وإنّما كنتاج طبيعي لواقع التجزئة التي حالت دون اجتماع إمكانات الأمة وأهدرت طاقاتها ومكّنت أعداءها من السيطرة عليها، فالتجزئة آفة الشعوب. وفي الختام يجب أن ندرك أنّ فرص تحقيق الرفاه الحقيقي للإنسان في وطننا العربي عندما يحقّق وحدته هي أكبر منها في أي مكان آخر في العالم بسبب ما نمتلكه من تاريخ وتراث وقيم أخلاقية عالية وقابلية للتفاعل الإيجابي مع كل الحضارات والثقافات، كما يدلّنا القول، سواء كان حديثاً شريفاً أم حكمة شعبية، “اطلبوا العلم ولو في الصين”.
كما لا يفوتنا توضيح أنّ الحديث عن عمق أثر التجزئة لا يقودنا إلى اليأس، بل إلى الاستعداد بشكل أفضل لإزالة آثار هذا العدوان، فأمّتنا العربية ذات جذورعريقة لا تموت.
———————————————–
في الآثار الاجتماعية للتجزئة
إبراهيم علوش
دراسة الآثار الاجتماعية لتجزئة الوطن العربي إلى أقطار هي نفسها دراسة التخلف الاجتماعي في الوطن العربي. التخلف الاجتماعي كعنوان هو أحد أبعاد منظومة التخلف بأبعادها المختلفة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتلك المنظومة بدورها لا يمكن فصلها في فكر “لائحة القومي العربي” عن منظومة التجزئة من جهة، ومنظومة التبعية والاحتلال من جهة أخرى، كبنية تحتية لكل مشاكل الواقع العربي المعاصر، ومن هنا جاء طرحنا للوحدة والتحرير والنهضة، كبديل للتجزئة والاحتلال والتخلف، بالتتالي، كمعضلات مترابطة تحتاج إلى حلولٍ مترابطة.
مصطلح “التخلّف” بحد ذاته، كمصطلح نشأ في الخمسينيات على خلفية نيل عدد كبير مما يسمى دول العالم الثالث استقلالها عن الاستعمار، اتخذ بعداً اقتصادياً بالأساس، بمعنى قلّة التصنيع في دول العالم الثالث مقارنةً بالدول الأكثر تقدما، فباتَ ترياقه مصطلح التنمية، بالمعنى الرأسمالي الكلاسيكي، واتخذ بعداً اقتصادياً-سياسياً على يد واضعي نظريات التبعية، بدءاً براؤول بربيش Raul Prebisch في الأرجنتين وصولاً إلى أندريه غوندر فرانك وسمير أمين وغيرهم، ليصبح التخلف هنا نتاجاً مباشراً للتطور اللامتكافئ وتبعية دول الأطراف للمراكز الإمبريالية، وليصبح ترياقه بالتالي التحرر من التبعية للهيمنة الإمبريالية.
أما التخلف السياسي، فاعتمد تعريفه على طريقة تعريف التخلف الاقتصادي. فالمدرسة الرأسمالية الكلاسيكية عرفت التخلف السياسي كنقص في تطور مؤسسات الملكية الخاصة وقوانين الاستثمار واستقلالية القضاء والشفافية والحكم الرشيد، ولا تزال، والمدرسة التقدمية المناهضة للإمبريالية، بتلاوينها، ربطته بالتخلص من بقايا الإقطاع وحكم الكمبرادور في العالم الثالث، وتأسيس نظام اشتراكي أو ديموقراطي شعبي قادر على تحقيق التنمية المستقلة، ولعل المثال الكلاسيكي الأكثر وضوحاً على مثل هذه الفكرة هو كتاب “الديموقراطية الجديدة”، لماوتسي تونغ حيث يطرح برنامجاً ذا أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية لإخراج الصين، التي لم تكن قد أنجزت تطورها الرأسمالي بعد، من حيّز التخلف ما قبل الرأسمالي إلى حيّز التطور اللارأسمالي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.
بيد أن موضوعنا هنا هو التخلف ببعده الاجتماعي تحديداً، وفي ذلك سماتٌ عامة قد تجمع دول العالم الثالث، على مستوى قهر الإنسان، والأمراض والأعراض الاجتماعية والنفسية الناتجة عن مثل ذلك القهر، ولا بد من التنويه لعملين رئيسيين هنا تركا أثراً بعيداً في دراسة دور الاستعمار والأنظمة التي يخلّفها في صناعة إنسان مقهور، والعملية السيكولوجية الضرورية لإنتاج مثل ذلك الإنسان الذي يصبح متواطئاً، من خلال تلك المنظومة النفسية بالذات، في عملية قهره واستعباده، وفي إعاقة تحرره، وهذان العملان اللذان أنتجا في الستينيات هما: 1) معذبو الأرض لفرانز فانون (1961)، الذي اتخذ الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي مادةً لدراسته، و2) علم تربية المضطهَدِين Pedagogy of the Oppressed لباولو فراري (1968)، الذي اتخذ من فقراء البرازيل مادةً لدراسته.
غير أن الدراسة الأكثر الأهمية لفهم التخلف الاجتماعي في السياق العربي تحديداً هي كتاب “التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور” للدكتور مصطفى حجازي، وهو كتاب صدرت منه تسع طبعات، على ما نعلم، أولها في العام 1981، وآخرها في العام 2005، ويمكن تحميله إلكترونياً عبر الشبكة العنكبوتية، وقد ترك أثراً عميقاً في جيل كامل من القرّاء العرب، منهم كاتب هذه السطور، الذي قرأه مراراً وتكراراً، مدوناً مجلة حائط من الملاحظات على هوامشه بأحبارٍ مختلفة الألوان. وقد تحوّل ذلك الكتاب إلى مرجعية لمناقشة التخلف الاجتماعي في المجتمع العربي، خصوصاً من حيث منهجه المنطلِق في معالجة التخلف الاجتماعي وخصائصه ودينامياته وارتدادته وأساليبه الدفاعية من منظور علم النفس الاجتماعي Social Psychology، متناولاً بالتفصيل عُقد النقص والعار والاضطراب، والموقف المتخلف من العنف والمرأة، والآليات الدفاعية للإنسان المقهور مثل التقوقع والتماهي بالمتسلط والرضوخ للخرافة، فيما يسمى العالم الثالث عموماً، والمجتمع العربي خصوصاً، مع أخذ المجتمع اللبناني كمادة أولية للدراسة.
ولا يزال كتاب “سيكولوجية الإنسان المقهور” مدخلاً ضرورياً لأي دراسة منهجية متعمّقة للتخلف الاجتماعي في المجتمع العربي. لكنه كان في الآن عينه كتاباً يعاني من نقصٍ بنيويٍ في تحديد العوامل والبُنى التي تنتج ظاهرة التخلف الاجتماعي عربياً، مع أنه أبدعَ في وصفها وتحليلها ونقدها، ومع أنه أشار تكراراً إلى أنها ظاهرة لا يمكن تناولها من منظور علم النفس الاجتماعي وحده، خصوصاً أنها ذات أبعاد متعددة، لا بل حاول الكتاب أن يقدّم قليلاً لأساس ظاهرة التخلف الاقتصادي والسوسيولوجي، وأشار في فقرة واحدة إلى ارتباطها بعلاقة التبعية للإمبريالية (ص. 19، الطبعة السابعة). لكنه بالنسبة للمهمة الأساسية التي تصدّى لها، وهي وصف ظاهرة التخلف الاجتماعي وتحليلها ونقدها، بنكهتها العربية تحديداً، فقد كان رائداً ولمّاحاً وشاملاً وبليغاً.
ولا يمنع ذلك أن يختلف القارئ مع ما جاء به ذلك الكتاب في هذا الجانب أو ذاك، خصوصاً في الزوايا التي تسرّبت منها الأحكام المستقاة من مدارس علم النفس والاجتماع الغربية على المجتمع العربي أحياناً، بالرغم من كل الجهود الواعية التي بذلها الدكتور حجازي في التحذير من الإسقاط الميكانيكي للنظريات النفسية والاجتماعية الغربية على المجتمع العربي، فإنه تركنا مع وصفٍ وتحليلٍ شموليٍ لظاهرة التخلف الاجتماعي بذاتها، من دون فهم معمّق لما قد ينتجها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، في السياق العربي بالذات، ومع مناشدة حارة متكررة لتحرير “الإنسان”، بالمجرد، من القهر.
وظلّت مشكلة “تحرير الإنسان” بالمجرد في كتاب “الإنسان المقهور” وغيره، أنها يمكن أن تصب فلسفياً وسياسياً في مشروع “تحرير الفرد”، أي أنها ظلّت منفحتة بقوة، ودونما حسم، على أفق الاتجاه الليبرالي الذي ينطلق من الفرد ليكرس مرجعية الفرد من أجل الفرد، متجاوزاً فكرة التحرر الاجتماعي والوطني والقومي كأساس لا غنى عنه لتحرر “الإنسان”، وهو ما يمكن توظيفه في المحصلة في مشاريع التغيير الغربية، خصوصاً الأمريكية، في بلادنا، تحت عناوين “الحرية” و”الديموقراطية” و”حقوق الإنسان والحيوان والباذنجان”، إلخ… إنما كان من الظلم القول أن تلك الثغرة الممكنة التي تركها د. حجازي في “سيكولوجية الإنسان المقهور” كانت تعبر عن توجهه فعلاً، ولو أنها ظلّت احتمالية كامنة تنتظر المزيد من المعطيات لتؤكدها أو تلغيها. لكنها كانت ثغرة تنتج بالضرورة عن منهجية علم النفس الاجتماعي الذي يتناول المجتمع من منظور فردي، وهي رؤية قيمة بد ذاتها، سوى أن المطلوب أوسع من ذلك بكثير.
وفي العام 2006 قدم لي صديقٌ كتاباً جديداً للدكتور مصطفى حجازي يحمل عنوان “الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية” يفترض أنه الجزء الثاني من كتاب “الإنسان المقهور” الذي ذاع صيته وطُبعت منه عدة طبعات، وهو كتابٌ يمكن تحميله الكترونياً أيضاً من على الشبكة العنكبوتية، ولم أجد، بحسب المتوفر عنه، أنه طُبع مراراً كسابقه. ويقول كتاب “الإنسان المهدور” منذ البداية أنه سيتصدى، هذه المرة، لمهمة تفسير خلفيات ظاهرة التخلف الاجتماعي، أي لمعالجة ما يحيط بها وينتجها ويعيد إنتاجها، بمعنى أنه بعد إنجاز مهمة جرد ظاهرة التخلف الاجتماعي وماهيتها وخواصها ومكوناتها وتطورها، كظاهرة شبه مستقلة أكاديمياً، وليس واقعياً، فإنه سيعالج جذورها التي قد تقبع في مكان آخر تماماً غير علم النفس الاجتماعي، لينتقل إلى ما قد ينتجها في المجتمع العربي تحديداً، ليغلق الدائرة الكهربائية من حولها ويضيء على ما فيها من خارجها، بعد أن كان قد أضاء عليها من داخلها، وهو المطلوب منهجياً طبعاً… فبعد بحث الروابط الداخلية للتخلف الاجتماعي، بات لا بد من بحث روابطه الخارجية.
جرس الإنذار (السياسي) أتى مبكراً مع في الصفحات الأولى من كتاب “الإنسان المهدور” من استناده غير النقدي لتقرير التنمية البشرية لعام 2003 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الذي استنتج بمؤشراته الإحصائية أن المجتمع العربي يعاني من أزمة تخلف اجتماعي مستعصية، والذي استخدمه كولن باول وجورج بوش الابن في تقديم مشروع “الشرق الأوسط الكبير” بعيد احتلال العراق لتبرير إعادة هيكلة بلادنا و”تغيير الأنظمة” فيها. وكان تقرير التنمية البشرية العربي الذي راحت تلهج فيه وسائل الإعلام الغربية، والعربية التابعة لها، قد قدّم وصفاً إحصائياً لجوانب متعددة من ظاهرة تخلف التنمية البشرية في الوطن العربي من دون أن يربطَ ذلك بظاهرة التجزئة وظاهرة التبعية والاحتلال في الوطن العربي، فصار من الطبيعي أن يصبح أداة طيّعة لتبرير مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي قدمته الإدارة الأمريكية.
لا بد من القول، للأمانة، أن كتاب “الإنسان المهدور” ينتقد “الحرب على الإرهاب” بأدبٍ جمّ في أكثر من موضع، ولكننا نجد كلما غصنا في صفحاته، فصلاً بعد فصل، أنه لا يقع منهجياً في تغييب العلاقة ما بين التخلف العربي من جهة والتجزئة والتبعية من جهة أخرى فحسب، تماماً كما فعل تقرير التنمية البشرية المعروف، بل أنه يسقط في تهويمات ليبرالية متسارعة في خضم محاولته تفسير جذور التخلف العربي، مغيّباً متغيرات مستقلة أساسية عن معادلة إنتاج التخلف مثل: 1) الاقتصاد السياسي، 2) الجغرافيا السياسية، 3) التاريخ العربي، 4) علم الاجتماع السياسي، من بين عناصر كثيرة أخرى، لنحصل على نص يعوزه الكثير من عدة جوانب، حتى لو ظلّ محلقاً بنشوة أدبية فيما يخص علم النفس الاجتماعي حصرياً، وكتاباً بليغاً ممتعاً لقرائه (رغم مشكلة غياب التدقيق اللغوي أحياناً فيما يتعلق بالتنوين المنصوب!).
خلاصة كتاب “الإنسان المهدور”، باختصار، هي أن ما ينتج ظاهرة التخلف العربي هو ثلاثية محددة تتمثل بـ: 1) العصبيات العشائرية والطائفية وكل ما يجري مجراها، 2) السلطة السياسية العربية وتراوحها ما بين الاستبداد والطغيان (مع الحرص على التمييز الدقيق بينهما!)، و3) الأصوليات، أو النزعات الأصولية، الدينية وغير الدينية. هذا المثلث، بحسب الكتاب، هو الذي ينتج “الإنسان المهدور”، بمعنى المستَباح في حياته ودمه وحقوقه وإنسانيته. فالعصبية تستبيح ما هو خارجها بسهولة وبساطة، لكنها تستبيح ما هو داخلها أيضاً بفرض الرضوخ والامتثال على أعضائها، والسلطة السياسية تستبيح الوطن وثرواته وإنسانه لتؤبّد سلطتها، أما الأصوليات فتستبيح الإنسان والعقل. وإلى هنا ربما يبدو الوصف على قدرٍ من الصحة في بعض جوانبه، إذا ما أخذنا ذلك الوصف على ظاهره.
لكن أخذ الأمور على ظاهرها، أي بشكلٍ سطحي، لا يعادل فهم جذورها ولا تفسيرها على الإطلاق. فهل العصبية العشائرية أو الطائفية هي سبب التخلف الاجتماعي في الوطن العربي أم أحد مظاهره؟ وهل هي سببٌ أم نتيجةٌ تحتاج إلى تفسير؟ وهل يمكن وضع كل سلطة سياسية في الوطن العربي، سواء كانت امتداداً للخارج أم ذات نزعة مستقلة عنه، وسواءٌ كانت مانعاً للتنمية المستقلة أم رافعةً لها، في سلة واحدة؟ وإذا كانت هناك سمات مشتركة بين كل السلطات السياسية العربية، بهذا القدر أو ذاك، هل يمكن أن نفصل ذلك عن الشروط التاريخية والجغرافية-السياسية لنشوء تلك السلطات؟ ومما رأيناه بعد تدمير الصومال وتفكيكه، ومن ثم احتلال العراق وتفكيك دولته، أبان كتابة “الإنسان المقهور”، ومما رأيناه بعد تدمير عدة دول عربية في خضم ما يسمى “الربيع العربي”، يجب أن نسأل: ما هو بديل السلطة السياسية العربية؟ وهل يتطلب تحرير “الإنسان” العربي من القهر والهدر تفكيك السلطة السياسية بالمطلق أم إصلاحها؟ أخيراً، وليس آخراً، لماذا يصول كتاب “الإنسان المقهور” ويجول في تشريح السلطة السياسية العربية (المستبدة والطغيانية؟)، ثم العصبيات (بدرجة وحدّة أقل)، ولا نراه يفرد فصلاً خاصاً لتشريح الأصوليات الدينية وغير الدينية ليكتفي بربط هدر الفكر بالسلطة السياسية أساساً، وبملاحظات أقل حدّةً وأكثر مواربةً بالأصوليات؟!
ثمة الكثير من الملاحظات الأخرى التي يمكن أن نوردها هنا. فكتاب “الإنسان المهدور” مثلاً يربط تبنّي القضايا الكبرى والمصيرية بحاجة المستبد والطاغية مثلاً لتبرير سلطته، ولتوجيه الطاقات المهدورة نحو عدو خارجي، لكنه لا يقول لنا كيف يمكن الدفاع عن القضايا الكبرى والمصيرية وتبنّيها في الوطن العربي من خارج السياق الفردي الذي يدعو له؟ ماوتسي تونغ، الزعيم الصيني التاريخي، يتحوّل في كتاب “الإنسان المهدور” إلى نموذجٍ للمستبد الذي يصادر العقل والفؤاد، بقلم منشقة صينية في الغرب!! الانزلاق هنا يصبح واضحاً أكثر فأكثر مع تقليب الصفحات، ليتخذ تحرير “الإنسان” الفرد نفساً ليبرالياً في السياسة وفرويدياً في علم النفس… ليصبح مآله العام تعريف الحرية بالتفلت من كل قيد، أي بطريقة فردية.
غير أن هدفنا من هذه المعالجة ليست نقد كتاب “الإنسان المهدور” بالتحديد بقدر ما هو التصدي لنزعة فصل ظاهرة التخلف الاجتماعي العربي عن إرث التجزئة العربية، وإشكالية الصراع مع الدول الإمبريالية. إنما أخذنا ما نعتبره أفضل ممثل نموذجي لمثل هذا الفصل التعسفي، بالمعنى المنهجي، وعالجنا هذا الموضوع من خلاله.
لنعد قليلاً إلى الوراء، إلى بداية القرن التاسع عشر تحديداً. محمد علي باشا كان نابليون العرب. وكان مستبداً نعم، لكن كذلك كان كل مؤسسي الدول المركزية القومية الأوروبية التي ترعرعت في ظلّها “الحرية” و”الديموقراطية” التي ينشدها الليبراليون العرب اليوم، نابليون نفسه نموذجاً! بصفته نابليون العرب، حمل محمد علي باشا على كاهله مشروع دولة المواطنة، مما يعني بالضرورة تفكيك العشائر والطوائف وما يعادلها من عصبيات، لتنشأ علاقة المواطنة المتساوية ما بين مواطن عربي، بغض النظر عن أصله العشائري والطائفي وغيره، وما بين الدولة العربية. لهذا تحالَف أمراء الطوائف وبعض العشائر في بلاد الشام مع تركيا العثمانية والدول الغربية في مواجهة إبراهيم باشا، قائد قوات محمد علي باشا، وعندما نجح ذلك التحالف الذي آزرته عدة دول أوروبية استعمارية في مواجهة محمد علي باشا، تراجعت دولة المواطنة، وعادت بنية التخلف الاجتماعي للبروز، وعادت العصبيات لتتأجج، كنتاج مباشر لتراجع المشروع القومي النهضوي، الذي يمثل مشروع مواطنة، هو بالضرورة النتاج المنطقي لدولة الوحدة القومية، التي تنشأ كدولة مركزية أولاً. فهل تكون العصبيات المختلفة عندها سبباً للتخلف الاجتماعي، كما يذهب “الإنسان المقهور”، أم أحد عوارضه فحسب؟
يتهكّم د. حجازي في مواضع مختلفة على المواطن العربي الذي لا يمانع، بل يحبذّ، وجود حاكم قوي، بشرط أن يكون عادلاً، أي ليس ظالماً أو فاسداً… لكنه لا يدرك، وربما لا يسمح له نفَسَه الليبرالي أن يدرك، أن تاريخنا العربي برمته، قبل الإسلام وبعده، من بابل وآشور والفراعنة وقرطاجة إلى الأمويين والعباسيين، لم يشهد حالة نهوض اقتصادي وسياسي وثقافي إلا من خلال الدول المركزية القوية، والحكام الأقوياء، وأن غيابها أو ضعفها هو الذي يقود للتفكك والتشرذم واستباحة الإنسان العربي وقهره من الخارج أو بالفوضى الداخلية، وكذلك تاريخ روسيا مثلاً، ونتخذه مثالاً بعيداً عن أي حساسيات تتعلق بنا كعرب.
فلننظر مثلاً إلى ما يقوله الباحث الروسي البارز “كليوتشيفسكي”: “عندما نبدأ بدراسة أي شعب من الشعوب نواجه قوة تمسك بيديها مهد كل شعب وطبيعة بلاده، مقارناً الحريات الشخصية في كلٍ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا (قبل الشيوعية)، إذ ينسب المؤرخ “ي. سالونيفيتش” الفوارق بين هذه الحريات مباشرة إلى العامل الجغرافي، وحول هذا الموضوع كتب يقول أن الحرية الأمريكية مثلها مثل الثروة الأمريكية تحددها الجغرافيا وحريتنا وثروتنا مقيّدة بالجغرافيا الروسية. يعتبر “سالونيفيتش” أن الشعب الروسي لم يمتلك الحرية في يومٍ من الأيام مثلما يمتلكها الشعب الأمريكي أو الشعب الإنكليزي، والسبب في ذلك أن أمن الشعب الأمريكي والشعب الإنكليزي كانت تضمنه المحيطات والبحار والمضائق، أما أمن الشعب الروسي فلا يضمنه إلا التجنيد الإجباري، فمن بين جميع أنواع اللاحريات تعتبر الخدمة الإجبارية النوع الأول” (السياسة الجغرافية الجيوبولوتيك، ترجمة د. قاسم قنبر، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2008). ويضيف الكتاب نفسه في موضعٍ آخر أن مساحة روسيا البرية الشاسعة، التي تنخفض فيها الكثافة السكانية في عدة أماكن، والمعرضة للهجمات والغزوات من عدة اتجاهات، ما كان من الممكن معها الحفاظ على وحدة الأرض والشعب، وحتى على أمن المواطن الشخصي، من الاستباحة والقهر، إلا بدولة مركزية قوية. والعبرة واضحة بالنسبة للصحارى العربية الشاسعة!
الفقر، والعوز، وانعدام الفرص الاقتصادية، البطالة، أزمات السكن، وبالمجمل، عدم قدرة العرب على تحويل مواردهم وثرواتهم إلى اقتصاد قوي مستقل منتِج، ألا ينتج استباحة للإنسان وقهراً له؟ فما الذي يعيق تحقيق مثل هذه القفزة سوى التجزئة العربية التي تحوّل الاقتصاد العربي إلى 22 اقتصاداً، والحبل على الجرار، كما يقولون؟! وهل هنالك إمكانية للحديث عن تنمية اقتصادية عربية حقيقية من دون سوقٍ عربية مشتركة؟
أخيراً، وليس آخراً، بمقدار ما يمثل مشروع الخلاص من التخلف الاجتماعي مشروعاً للتحول الاجتماعي، من مجتمع بقايا ما قبل الرأسمالية والرأسمالية التابعة إلى مجتمع الاقتصاد الحر المزدهر القوي، فإن العائق أمام تحقيق ذلك يبقى التجزئة العربية من جهة والتبعية للخارج من جهةٍ أخرى. فنحن نعيش مرحلة اسمها “التطوّر المعلّق”، أي المجتمع الذي أعيق تطوره، سواء بسبب التدخل الخارجي، كما جرى مع كل محاولة نهضوية عربية أجهضت بالعنف الإمبريالي، أو بفعل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تركها الاستعمار خلفه، والتي اكتسبت حياةً مستقلة نسبياً لتنتج التخلف بشكل موضوعي. ولعل المثال الأكبر على ذلك هو الأصوليات التي غذّاها الاستعمار وقوّاها في مواجهة الاتحاد السوفياتي والحركات القومية واليسارية، والتي باتت تشكل العامل الأهم اليوم في إعادة مجتمعاتنا ألفياتٍ للوراء، فمن لا يملك الجرأة على البحث في أمر تلك الأصوليات وتشريحها حتى بمبضع علم النفس الاجتماعي، كيف سيقوى على بحث روابطها السياسية وغير السياسية بقوى الهيمنة الخارجية؟! باختصار، لا يمكن بحث التخلف الاجتماعي العربي من دون الغوص في الصراع السياسي والبعد التاريخي والجغرافي-السياسي، ومن دون الاستناد لقوانين الاقتصاد السياسي، بالرغم من كل ما تقدمه الرؤى النفسية النفاذة في فهمها وقراءتها، فكيف يمكن أن يبحث أي باحث جاد التخلف العربي المعاصر مثلاً من دون التطرق للنفط والثروة النفطية الخليجية وأثرهما الاجتماعي والسياسي؟!
واقع السينما العربية في ظل التجزئة
طالب جميل
عرف العرب فن السينما (كمشاهدة عروض) منذ نهايات القرن التاسع عشر، وكإنتاج روائي مع نهايات العقد الثالث من القرن العشرين، وكانت مصر صاحبة الريادة في هذا المجال، ولحقتها بعد ذلك تونس ثم سورية والعراق، وتبعتها بعض الأقطار العربية الأخرى التي دخلت هذا المضمار في مراحل متفاوتة خلال القرن العشرين.
وقد تزامن دخول السينما إلى أغلب أقطار الوطن العربي مع الهيمنة الاستعمارية على مغربه ومشرقه، لذلك حاولت بعض الشركات التابعة للدول الاستعمارية أن تكون هي صاحبة السبق في تسويق وتوزيع الأفلام السينمائية، خاصةً وأنّ السلطات الاستعمارية كانت كثيرة الحذر من السينما الوطنية وكانت تضع الصعوبات والعراقيل أمام قيام أي صناعة سينمائية وطنية في البلد الذي تحتله، ووُضِعت لصناعة السينما ضوابط وأسس خاصة حدّت من تطورها بشكل كبير، وظلّ لها تأثيرٌ لسنوات طويلة.
ولأنّ النظام السينمائي العالمي له قدرة هائلة على التحكم في السوق التجارية الدولية، فقد فرض على السينما في الوطن العربي ودولما يُعرف العالم الثالث قيوداً جعلها تتحرك بصعوبة على هامشه وأخضعها لمنطق التوزيع الذي يخدم مصالحه بالدرجة الأولى، وترتب على ذلك أن تكون الساحة السينمائية العربية محتلة، خاصةً وأن المشاهد العربي لا يشاهد إلا ما يُفرض عليه من تلك الأعمال التي لا تمتّ لواقعه وقضاياه بصلة.
في ضوء هذه السطوة للنظام السينمائي العالمي الذي تقودة شركات ترعاها دولٌ استعمارية عظمى، تمّ تهميش السينما العربية وأصبح هناك نوع من العزلة المفروضة على الفيلم العربي خارج حدود بلاده، باستثناء الأفلام التي تكون ممولة من جهات أجنبية (أوروبية، أمريكية، صهيونية) وتحمل أفكاراً ومضامين مدسوسةً لا تمتّ للواقع العربي بصلة، خصوصاً تلك التي تلعب على وتر (غرابة) العرب وإظهارهم بشكل رجعي ومتخلف، أو متعصب ومنغلق ومتطرف دينياً.
وحتى يومنا هذا لا تزال السينما العربية تعتَبر سينما غير فعّالة وغير منافسة وليس لها حضورٌ في العالم يليق بحجم تاريخ وحضارة الأمة العربية، ولم تحقق لنفسها تلك المكانة التي تستحقها وذلك بفعل التجزئة بالدرجة الأولى. فلا يزال إنتاج الأفلام على المستوى القطري، خاصةً وأن هذه الصناعة تستدعي تأسيس قاعدة اقتصادية وصناعية لإنتاج الأفلام وتنظيم سوق عربية تروج وتوزع مختلف إنتاجات الأقطار العربية.
إن عدم وجود سوق تجارية وثقافية عربية تستوعب المنتج السينمائي والثقافي العربي، وعدم القدرة على التخلص من التبعية والخضوع لشروط السوق التجارية العالمية، سيؤدي إلى اكتساح الأفلام الأجنبية لدور العرض وعدم قدرة الفيلم العربي المحلي على مزاحمة تلك الأفلام، كما أن سيطرة القطاع الخاص على دور العرض السينمائية في أغلب الأقطار العربية ساهم في إضعاف الفيلم العربي لصالح الأفلام التجارية الأجنبية، إضافة إلى أن محدودية سوق التوزيع أمام الفيلم العربي، وغياب التعاون والتنسيق المشترك بين الأقطار العربية ومؤسسات السينما فيها، حدّ بشكل كبير من رواج الفيلم العربي بين أقطار الأمة الواحدة.
ونتيجة التجزئة والتفكيك الذي يعاني منه الوطن العربي يصطدم أي فيلم سينمائي عربي بالحدود الجمركية والعوائق المترتبة على ذلك، واختلاف القوانين والأنظمة والتشريعات من قطر إلى آخر عدا عن النظرة السائدة لدى كل مجتمع عربي لمثل هذا النوع من الفنون، مما يعيق انتشار الفيلم وترويجه ودخوله إلى الأسواق بشكل طبيعي.
ومن البديهي أن يكون أحد الأسباب الرئيسية لفشل السينما العربية في الولوج إلى بوابة العالمية هو غياب الرافعة القومية، فنجاح بعض الأمم في تسويق السينما الخاصة بها بشكل مؤثر في العالم يعود إلى أنها تستند بالدرجة الأولى إلى رافعة قومية مثل السينما الأمريكية، الهندية، الفرنسية وغيرها، وهذه الرافعة قوامها القوة الاقتصادية والسياسية بالدرجة الأولى.
لم يستطِع العرب حتى يومنا هذا استخدام فنّ السينما كأحد الأدوات الأساسية التي تساهم في شرح قضاياهم أو مجابهة السينما المعادية، التي تستغلّها القوى المعادية للأمة العربية بوسائل شتى، نظراً لعدم وجود مشروع اقتصادي عربي مشترك متكامل يساهم في توظيفها بشكل يخدم مصالح الأمة، خاصة وأن السينما في هذا العصر أصبحت فناً رأسمالياً يحتاج لتمويل وتطوير لتحقق أهدافها ويكون لها حضور في العالم.
يحتاج الشعب العربي لسينما تليق بتاريخه وحضارته تكون جزءاً من الثقافة العربية، وتحمل هويةً عربيةً وتوجهاً نهضوياً، وتكون لغتها العربية، ويتم إنتاجها وتمويلها برأسمال عربي لتطرح وتتناول وتعالج القضايا العربية وتكون مستندة إلى مشروع وحدوي نهضوي متكامل يحوي كافة أقطار الأمة العربية ويتجاوز كل حدود سايكس – بيكو ويتمتع بالاستقلالية وقادر على تفجير طاقات الشباب العربي في كافة حقول الإبداع.
المراجع:
- عدة كتَاب: السينما العربية واقع وآفاق، مجلة الوحدة، العدد 37/38- اكتوبر 1987.
الصراع العرقي كنتيجة حتمية للتجزئة
فؤاد بدروشي
لعل من أكثر الأسئلة إثارةً للحيرة في ذهن أي مواطن عربي قد يكون: لماذا لا تشهد الأمم المتقدمة حالةً من الصراع الطائفي و”العرقي” كذاك الذي نشهده في وطننا العربي، علماً أنها تزخر بتنوع عرقي حقيقي كبير؟
لكنّ السؤال الذي كان يجب أن يُطرح أولا هو: ما الذي يحول دون تطورنا مثل تلك الأمم الأخرى؟
إن سبب تخلفنا يعود لحالة التجزئة التي يعيشها وطننا العربي التي حالت دون تحريره وتحقيق نهضته، وحالة التخلف هذه جعلت من أقطارنا مستعمرات دائمة للأمم الاستعمارية مكتملة الوحدة. وهذه الأمم صار من اللازم أن تكرّس ديمومة هذه الحالة من التخلف والتجزئة في وطننا العربي لتحافظ على أشباه مستعمراتها بعد “استقلالها” صورياً. وقبل الحديث عن حالة التفكك المجتمعي الممنهج الذي نعيشه في الوطن العربي، سوف نتناول السؤال الأول: لماذا لا تعاني الأمم الأخرى ما نعانيه رغم وجود مقومات ذلك؟
لنأخذ مثال إسبانيا، ذلك البلد الأساسي في الاتحاد الأوروبي والذي يجذب آلاف السياح الأجانب، لا سيّما العرب منهم، حيث لا يفوّتون زيارة “العاصمة الكتالونية” برشلونة ليعودوا منبهرين بسحر إسبانيا لكن دونما علم بالصراع القائم بين إقليم كتالونيا والدولة الإسبانية حول الانفصال، وذلك لأن الدولة استطاعت احتواء المشكلة القائمة، وحالت دون تقسيم البلاد، ولم تكن هنالك أياد استعمارية تستطيع أن تمتد إلى هناك، فكان الخلاف وطنياً بين شركاء الوطن الواحد على الرغم من وجود كل مقوّمات الاختلاف.
أوروبا كلها كانت عبارة مجموعة من القبائل والأقاليم ذات التنوع العِرقي الكبير، ولكن أدرك الأوروبيون أن توحيد هذه الأقاليم والقبائل هو خلاصها الوحيد من حالة التشرذم والاقتتال والتخلف، فقامت دولٌ على أنقاض الصراعات العِرقية التي كانت قائمةً في عصور الظلام، وهي عصور انتهت عندما بدأ المد القومي الوحدوي في أوروبا بداية من أواخر القرن الثامن عشر، ففي 1870 قاد “بسمارك” حملة توحيد ألمانيا بقيادة إقليم بروسيا وما أنْ توحّدت ألمانيا حتى أصبح الألمان أكبر قوة ضاربة في أوروبا.
إذا فحالة التجزئة هي نقطة ضعف الأمم إذ تغدو الأمة المتفككة كالثور الإسباني الذي بمجرد سقوطه تكثر السكاكين في ظهره، وتشرع الأمم الاستعمارية الأخرى بالعمل على إبقاء هذه الحالة ودعمها وتذكيتها حتى تتمكن من السيطرة على الشعوب الأخرى وثرواتها. ولعل أبرز أداة استعملها الغرب في وطننا العربي لتثبيت حالة التجزئة هي إثارة قضايا “الأقليات العِرقية والطائفية”.
نعود هنا إلى أحد مخلّفات التجزئة في وطننا العربي ألا وهو ظهور أصوات شوفينية عنصرية تنادي بالانفصال في بعض الأقطار، وتلاقي هذه المجموعات كل الدعم من الدول الغربية ولها اتصالات مباشرة بالعدو الصهيوني. وهنا سوف نتحدث عن حركتين رئيسيتين من دعاة الانفصال وهما الشوفينيين الأكراد والبربريست الأمازيغ (والبربريست هم أصحاب النزعة الأمازيغية الشوفينية العنصرية).
أما بخصوص الأكراد فهم يعتبرون قوم له كل الحق بأن يعيش معنا كأي مواطن عربي على أساس الحقوق المتساوية ما دام لا يسعى إلى تفكيك وطننا، لكن سرعان ما ظهرت مجموعة شوفينية انفصالية نادت بالانفصال عن العراق وأسسوا إقليما أسموه كردستان العراق، وكانت البيشمركة الكردية ميليشيات صهيونية وأمريكية بامتياز، وكانت قياداتها تتباهى بعلاقاتها مع الكيان الصهيوني وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، ونذكر على سبيل المثال: شاركت البيشمركة في عملية مطاردة القيادات العراقية المطلوبة لدى القوات الأمريكية، ففي 19 أوت/ آب/ أغسطس 2003 قامت هذه الميليشيا الانفصالية بأسر نائب رئيس وزراء العراق طه ياسين رمضان وسلّمته للقوات الأمريكية آنذاك ونشروا فيديو اعتقاله ليتباهوا بجريمتهم، كما لا تخفي الزعامات الكردية دعمها واعترافها بـ “إسرائيل”.
العراق أنهكته الحروب مع الأكراد وكان الأكراد يساندون أي عدوان خارجي على العراق. والحروب التي خاضها الأكراد أو شاركوا فيها ضد العراق هي:
- الحرب الكردية-العراقية الأولى 1961 – 1970
- الحرب الكردية-العراقية الثانية 1974– 1975
- الحرب الإيرانية-العراقية 1980 – 1988
- الاجتياح الأمريكي للعراق 2003.
كما أنه من الجدير بالذكر أنه خلال عملية “عاصفة الصحراء” في أعقاب حرب الخليج، فرضت الولايات المتحدة و بريطانيا حظر طيران على القوات العراقية فوق الشمال العراقي، أي فوق مناطق تمدد الأكراد، ونؤكد على تعبير تمدد الأكراد لأن محافظات دهوك والسليمانية وأربيل لم تكون تاريخياً ذات أغلبية كردية، تماماً كالشمال السوري، إنما جاءنا الأكراد من تركيا وإيران، قبل وبعد الحكم العثماني.
واليوم في سورية ظهرت ميليشيا جديدة تدعى وحدات حماية الشعب الكردي، هي ميليشيا كوّنتها الولايات المتحدة الأمريكية ودرّبتها وأعدّتها وأصبحت تتقدم على الأرض بغطاء جويّ أمريكي وقد قامت هذه القوات مؤخراً برفع أعلام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في بعض مناطق نفوذها.
حركات البربريست في المغرب العربي لا تختلف كثيراً عن رديفاتها في المشرق العربي، وهنا سوف نتحدث عن حركة انفصالية في الجزائر ألا وهي حركة “الماك” MAK المحظورة في الجزائر، والتي اتخذت من فرنسا مقراً لها وأسست “حكومة منطقة القبائل المؤقتة” هناك برئاسة الخائن المتصهين فرحات مهني الذي يشتهر بمجاهرته بحب “إسرائيل” وزياراته المتكررة والمتتالية لها.
حركة الماكMAK ، أو “الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل”، هي حركة تأسست عام 2001 – 2002، عندما كانت تتواصل أعمال الشغب العنيفة داخل منطقة القبائل، وقد تأسست في أعقاب فترة عصيبة كانت تمرّ بها الجزائر، وهي السنة الأولى بعد انتهاء “العشرية السوداء” التي أنهكت الدولة، واستغلت فرنسا والكيان الصهيوني الفرصة لزرع أيادٍ خائنة لتنفّذ مشروعها وأجندتها التقسيمية.
لكن سرعان ما رفضت القبائل الأمازيغية هذه الحركة وقامت بلفظها خارج الجزائر عندما أحسّت بخطورة طرحها وارتهانها لأطراف أجنبيّة، وكانت القبائل أول المُتصدّين لها على غرار المجاهد المرحوم رئيس جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد وأنصار حزبه.
وأبرز مؤسسي فيروس الماك هو رئيسها الحالي المقيم في فرنسا فرحات مهني المطلوب لدى العدالة الجزائرية، وهو عميل صهيوني بامتياز، ولعل وصف أحد أصدقائه الصهاينة له يفي بالتعريف به، إذ تقول “الدبلوماسية” “الإسرائيلية” “خافيتماريزانز”:
“الصديق فرحات مهني يحظى باهتمام كبير جدا من قبل السلطات الإسرائيلية على أساس دعم الأقليات القبائلية في كل من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا”.
وقد نشرت الصحيفة الصهيونية “The Jerusalem Post“حوارا مع مهني بتاريخ 05/27/2012 قال فيه:
“نحن في بيئة معادية”، قال مهني لـ(جيروزاليم بوست) خلال مقابلة يوم الخميس. “تتشارك الدولتان في نفس الطريق، ولكن إسرائيل موجودة بالفعل – وهذا هو الفرق الوحيد“.
وبحسب جريدة النهار الجزائرية، استناداً إلى تصريح “الملحقة العسكرية” بـ “السفارة الإسرائيلية” ببوخارست العاصمة الرومانية “زهرة شارووت”: إنّ فرحات مهني تلقّى دعماً من إسرائيل بقيمة مليون يورو من المجمع اليهودي-الأمريكي الذي ينشط في إطار تهويد المسلمين وتمجيد دولة إسرائيل الكبرى، واجتمع مع كبار الموساد”.
وأمثال فرحات مهني إبان ثورة نوفمبر 1954 المجيدة من “الحركيين” ( أي عملاء الاستعمار) هربوا إلى فرنسا التي كانوا ينادون ببقائها في الجزائر خوفاً من سيل الثورة الجارف لكل الخونة والعملاء. ومهني هو سليل هؤلاء “الحركيين”.
وقبل أيام من كتابة هذه السطور سمعنا عن زيارة جديدة للكيان الصهيوني قام بها بعض الشوفينيين من أتباع هذه الحركة الأمازيغية الانفصالية، وهو ما ليس بالغريب عليهم. ولا يختلف شريفان في الجزائر بعامة، ومنطقة القبائل بخاصة، على أنّ الموساد والمخابرات الفرنسية وراء هذه الحركة التفكيكية. وبعد هذه المعطيات لن يستغرب أحدٌ زيارة شرذمة من أشباه المثقفين للكيان الصهيوني ممن تركوا أوطانهم وذهبوا ليستقروا في بلدان أجنبية ما يعكس لفظ المجتمع لهم ولفكرهم.
وكان “يوسي ألفر”، وهو أحد المسؤولين السابقين في “الموساد”، قد كشف في كتابه “عقيدة الأطراف” عن حقائق يوضح من خلالها كيفية اختراق الموساد للمنطقة الأمازيغية في المغرب العربي. فأوضح أن الموساد استمال بعض المناطق الأمازيغية في المغرب لكي تكون من حلفائها، مشيراً إلى أن الأمازيغ المتواجدون في الجهة الغربية بالمغرب ساهموا بشكل كبير في بسط نفوذ “إسرائيل” في “العالم العربي”.
وقال المسؤول السابق في جهاز الموساد في كتابه الذي تضمن 17 فصلا:
“إن “إسرائيل” تعتبر المناطق البربرية في المغرب مناطق غير معادية عكس الدول العربية”، لافتاً إلى أن الهدف الأساسي للكيان الصهيوني من خلال هذه الخطوة هو استخدام الأمازيغ في المغرب لتنفيذ مخططاتها وإضعاف الدول العربية المعادية لها.” وحسبما ورد في الصفحة الثامنة من الكتاب فإنّ “إسرائيل” تدعم الأمازيغ من خلال اعتماد ألوان العلم “الإسرائيلي” كشعار وفاء الأمازيغ في المغرب للكيان الصهيوني. ويُذكر أنّ “يوسي ألفر” هو مدير سابق لمركز “جافي” للدراسات الاستراتيجية بجامعة “تل أبيب”، وقد كان مستشاراً لرئيس الوزراء السابق إيهود باراك.
وكانت إحدى الدراسات الصهيونية التي أصدرها مركز “موشي دايان” التابع لجامعة “تل أبيب”، قد كشفت عن مخطط صهيوني لاختراق الحركة الأمازيغية واستثمارها لتسريع عملية التطبيع في دول اتحاد المغرب العربي.
ومن الملفت للانتباه هو العلاقة الحميمية بين الشوفينيين الأكراد والبربريست الأمازيغ، وعلاقاتهم الحميمية مع أعداء الوطن العربي.
وهنا نعود إلى خلاصة أن حالة التجزئة التي نعيشها كانت السبب الأساسي لحالة التشرذم والاختراق غير المسبوق التي يعيشها الوطن العربي اليوم. والقضاء على مثل هذه الفقاعات في الوطن العربي يكون بمشروع قومي عربي جذري وحدوي مقابل التجزئة، تحريري مقابل حالة الاحتلال، ونهضوي مقابل حالة التخلف.
الروابط ذات الصلة :
http://jssnews.com/2016/09/19/une-delegation-dintellectuels-kabyles-en-visite-en-israel/
Par Siwel – JSSNews19 septembre 2016
Une délégation d’intellectuels Kabyles en visite en Israël !
مجموعة من ” المثقفين” القبائل (امازيغ) في زيارة لـ “إسرائيل”
http://www.jpost.com/Middle-East/Algerias-Kabylie-craves-friendship-with-Israel
By SHARON UDASIN, JAN KOSCINSKI \05/27/2012 22:52
“We are in a hostile environment,” Mehenni told The Jerusalem Post during an interview on Thursday. “Both countries share kind of the same path, but Israel already exists – that’s the only difference.”
“نحن في بيئة معادية”، قال مهني لـ (جيروزاليم بوست) خلال مقابلة يوم الخميس.
“تتشارك الدولتان في نفس الطريق، ولكن إسرائيل موجودة بالفعل – وهذا هو الفرق الوحيد”
عن دور المغرب في فك الحصار العربي
تعرف على كتاب عميل الموساد يوسي ألفر “عقيدة الأطراف”
وجهة نظر: التجزئة اجتماعياً
علي بابل
يقع أغلب المفكرين والمنظرين للواقع العربي في مستنقع “الديموقراطية” والتنظير لهذه الظاهرة الحديثة التي استُخدمت من قبل الطغم الرأسمالية والطبقة السياسية في الغرب للسيطرة أولاً على الواقع والتاريخ السياسي في بلدانهم، وثانياً على البلدان المستعمَرة في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. يتمّ التنظير ديموقراطياً للشرق عموماً، وللوطن العربي خصوصاً، بدون الأخذ بالاعتبار مراحل تطور الديموقراطية التي تستوجبها، وبلا أي إشارة إلى تاريخ أوروبا في القرن التاسع عشر وكيفية تحول الليبرالية من مرحلة ثورية إلى أداة تفكيك، وحقيقة أن “الثوريين” أو الطبقة العاملة أو عامة الشعب قد تواطئوا مع البرجوازية في أوروبا ضد دول العالم الثالث “النامية”. نسيَ من ينظّر لأمة العرب بأنّ العامل الأوروبي يرفّه نفسه على حساب عمالنا العرب، نسي التخلف الذي وجب محوه في وطننا العربي قبل النداء بالديموقراطية، ولم يتذكر أن الكرامة والحرية لا تأتي عبر صناديق الاقتراع في ظل الاحتلال والتبعية والجهل. فالمانيا لم تصبح دولة ديموقراطية إلا بعد توحيدها بالحديد والنار، ولم تتوحد إيطاليا عبر صناديق الاقتراع، ولم تخرج بلجيكا إلى العالم دولة حديثة إلّا صعوداً على جماجم الأفارقة.
إنّ التخلّف ظاهرةٌ تجلب معها عشرات بل مئات من الظواهر الكريهة والمتعفنة، مثل العنصرية، والطائفية، والاستزلام والتسلّط مما يظهر جلياً في أي شارع في أي قطر عربي سواء كان ذلك القطر مركزياً أم طرفياً، تقدّمياً أم رجعياً. لقد أصبح التسلط قوت يوم المواطن العربي من غرفته في بيت والديه إلى المدرسة والحافلة، الملعب…..الخ. لقد استطاعت التجزئة العربية مسخ العقل العربي ضمن حدود جغرافيا مصطنعة من قبل الاستعمار الغربي، ومن ثم جغرافيا وهمية خلقتها وعززتها ومتنتّها قوى البناء الفوقي التي تسيطر على كل مفاصل الدولة عبر مؤسسات التجزئة، التي وإن لم تكن موجودة في الشارع فإنها تنتشر كما “الفايروس” في العقل العربي، في لاوعيه عبر شاشات التلفاز، وفي المناهج التعليمية والدينية.
إن سيكولوجية الجماهير تنجذب للعواطف بشكل أساسي بلا كثير وعي، فيذوب الفرد ضمن الجماعة وإن كانت هذه الجماعة غير منظمة عفوية عاطفية همجية في كثير من الأحيان، وإن كان بعض الأفراد في صفوف الجماهير واعياً، متعلماً، ومهذباً، فإن الوعي الجماعي يجذبه ويجعله يقدم بعض “التنازلات” بلا أي وعي أو تفكير. والجماهير العربية حالياً هي جماهير متخلفة، مظلومة، متلهفة لحياة كريمة وإن بحدها الأدنى، ولا تملك القدر الكافي للسير في مشاريع ضخمة مثل التحرير والوحدة والنهضة هي وحدها القادرة على إنتاج شروط الدولة المدنية أو دولة المواطنة بحدها الأدنى !!!!!
لذلك قد تصلح نظرية المؤامرة، وهي واقع، وإن كانت لها أشكال عدة، لتحليل أحداث الخريف العربي في كل قطر عربي من تونس إلى سورية. فما حصل في تونس يشير إلى أن الجماهير العربية لم تستطع إخراج طليعة وقيادة تقودها للطريق الثوري الصحيح، بل على العكس تماماً ما حصل هو الفوضى ومزيد من التبعية والفقر. أمّا في ليبيا فما حدث هو المزيد من التجزئة والتخلف. ليبيا الآن هي دولة خارج التاريخ المدني للبشر، فلا صوت يعلو فوق صوت الرصاص والدم، وكل من شارك في خريف الدم قد كفر هناك في صحراء المختار.
إنّ التجزئة العربية هي السبب الأساسي لما يحصل لنا تحديداً من صراع طائفي طاحن في العراق وسورية، وما حدث في ليبيا لم يكن سوى “بروفة” أو “تجربة” من قبل الغرب لتطبيقه على سورية، وحتى مصر لا قدر الله، فقد لعبت التجزئة العربية دوراً أساسيا على المستوى الجغرافي والسياسي في هذه الأحداث. فما حدث في ليبيا ما كان له أن يحدث لو أن جمال عبد الناصر حيٌ على سبيل المثال، لم يكن ليحدث لولا تآمر “الجامعة العربية” على الدولة الليبية وإعطائها الضوء الأخضر للناتو لحرق ليبيا وجيشها عن بكرة أبيه.
لا يفلّ الحديد سوى الحديد، ولا يوقف مفاعيل التجزئة العربية سوى الفكر الوحدوي الرافض لكل أنواع التجزئة، لأنّ المصلحة القومية جامعة لا مفرّقة، تقدمية تسحق كل ما يقف في طريق مصلحة الأمة الواحدة، ولكن هذه المصلحة قائمة على أساس متين مركزي ولكنه عادل في ذات الوقت. وانطلاقاً من هذه النقطة ينطلق الوحدويون بطرحهم القومي العروبي الذي يشدد على أن السياسة القومية هي الحامل الشرعي لأي قطر عربي بغض النظر عن ظرفه الحالي، وهنا تطرح مصر نفسها مثالاً لكل ما يتم التنظير له في الشارع العربي.
مصر هي مركز الثقل العربي الأقوى في العصر الحديث تحديداً لعوامل كثيرة أهمها الجغرافيا، الديموغرافيا والتاريخ. فبعد إسقاط حسني مبارك بعد حراك وثورة الجماهير العربية في مصر، استطاع تنظيم الإخوان السيطرة على الشارع عبر تفوقه التنظيمي بكل بساطة، ومن ثم أسقِط الإخوان على يد الجماهير والجيش أيضا، بسبب تفوق الجيش تنظيمياً عليهم. ولكن ما حدث ويحدث الآن هو مزيد من التراجع المصري على مستوى الإقليم والوطن العربي وخصوصاً القضية الفلسطينية. مصر الآن تعاني من مشاكل داخلية كبيرة تحتاج إلى جهود وطنية ضخمة لكي تحلها، ولكن لا نرى سوى قلّة قليلة في مصر تعي أن لا حل في مصر سوى الخروج من “سجنها” الكبير الذي صنعه نظام كامب ديفيد لها عبر سياسة الانفتاح والخصخصة، التبعية والفساد، وتهميش دورها العربي. هذا التراجع الذي يصيب مصر يجلب معه مزيداً من التجزئة والتبعية للبنك الدولي وآل سلول عبر ديون وقروض مذلة للشعب العربي في مصر. قدر مصر أن تكون عربية عبر التاريخ، فلا بد من عودتها للجغرافيا والتاريخ العربي من خلال سياسة عروبية وحدوية، فمصر الأخ الأكبر للعرب هي المؤهلة لحمل مشاكل الوطن العربي. تجربة محمد علي باشا التاريخية تثبت أنّ خروج مصر من الاحتلال والتبعية يرعب الغرب والتجربة الناصرية أثبتت الفاعلية المصرية في العالم والإقليم وأعطت مصر وزنها الحقيقي الذي تستحقه.
الواقع العربي والتاريخ العربي الحديث والمعاصر دلل على أن التجزئة تجلب معها التخلف وبما أن العلاقة بين التجزئة والتخلف تفاعلية فلا بد أن التخلف أيضا يجلب معه مزيداً من التجزئة والتقسيم. وهنا نشير إلى أن مشاريع التوطين التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في بلاد الغربة ما هي إلا إفرازات طبيعية “للخريف العربي”، والكونفدرالية التي ينادي بها الكثير في الأردن ما هي إلا نتيجة التجزئة والتخلف وغياب القوى العربية عن المشهد أو تغييبها.
التطبيع الذي أصبح له تيار كبير في الوطن العربي مدعوماً من قبل الكومبرادور الخائن لأمته، وصعود الليبراليين والإسلاميين في كل الأقطار العربية، هو نتاج لغياب سورية ومصر والعراق عن المشهد بسبب الحروب المشتعلة التي كان وقودها التخلف العربي الذي أفرز ظاهرة الطائفية من جهة والليبرالية من جهة أخرى. وهنا لا تكون مواجهة التطبيع سوى بالمقاومة الجذرية المبنية على أن المقاومة المسلحة هي رأس حربة هذه المقاومة. وفي الحقيقية لا تكون المقاومة جذرية سوى بالفكر الجذري الذي يسبِّق مصلحة الأمة العربية على أي مصلحة أخرى. فلا تكون المقاومة الفلسطينية فاعلة سوى عبر محيطها العربي لا الفلسطيني فقط كما يريد أصحاب مشروع “الدولة الفلسطينية” المسخ.
نعود للديمواقرطية هنا من باب تفكيك أي مشروع وحدوي قبل تبلوره أو حتى ظهوره، وذلك عبر تفكيك العقل العربي وعدم “مركزة” الفعل أو أي تحرك عربي في الشارع على مستوى الجماهير أو أي تكتل على مستوى “النخب”، لأن الديموقراطية في المجتمعات المتخلفة ما هي إلا ضربٌ من الخيال وتفكيك للدولة وغطاء للتخلف والجهل. إنّ تجارب الشعوب تثبت أن الثورة الحقيقية والتحرر والوحدة لا يحصل سوى عبر مركزية حقيقية قومية تحمل هموم الأمة ومشاريعها وطموحها. أما الديموقراطية فهي لا تخرِج سوى أنظمة حكم تابعة؛ ففي كوريا الجنوبية التي هي جزء من المنظومة الرأسمالية والمدعومة إمبريالياً، لكي تخرج للعالم كمثال صالح للتبعية بجريرة بعض الرفاهية التي يعيشها مواطنوها هناك رغم أن إخوانهم على أرضهم شمالاً ماتوا جوعاً في كثير من السنوات ويفرض عليهم حصارٌ جائرٌ من قبل العالم الغربي بغض النظر إن اتفقنا أم اختلفنا مع هذا النظام أو ذلك، فلا كرامة لأي دولة تقبل بأن يموت أبناءها بسبب رفضهم التبعية للغرب. أسكتلندا على سبيل المثال دولة غير المستقلة تُنهب ثروتها لصالح الأنجلوساكسون رفض فيها المواطنون الاستقلال ديموقراطياً بسبب الامتيازات التي سيخسرونها وهذا بحد ذاته خيانة قومية. لذلك أشار غوستاف لوبون المفكر الفرنسي إلى خيانة الجماهير وبراغماتيتها في أغلب الأحيان. هذه هي الديموقراطية التي يريدون، مبنية على المنفعة الضيقة والمال، السلطة والقوة والفردية في القرار المبني على مصالح ذاتية ضيقة.
لا يخجِل القول بأن الجماهير العربية في كثير من الأحيان كانت خائنة لنفسها، لأن الجماهير التي لا تملك وعياً كافياً يؤهلها للسير في ثورة شاملة تقلب الواقع رأساً على عقب هي جماهير خائنة بكل تأكيد لأنها ستعمل ضد مصلحتها لأتفه الأسباب أو لجبنها عن المواجهة في كثير من الأحيان. في فيتنام استطاع الثوار الفيتناميون توعية الشعب ورفع مستوى تفكيره خلال الثورة عبر التثقيف والتوعية والتضحية بكل ما يملكونه، فما يجنيه الإنسان خلال أيام الثورة لن يستطيع جنيه خلال أيام السلم والأمن. لم توحّد فيتنام سوى بالثورة والنضال القومي وبناء التحالفات الجذرية لصالح الشعب الفيتنامي. فما هي التضحيات التي قدمتها الجماهير العر بية مقارنة بما يحتاجه الوطن العربي من تضحيات؟ أين هي الثورة التي حصلت في أي قطر عربي وقلبت الواقع بشكل جذري؟ تطرح التجزئة أسئلة كثيرة تحتاج للتفكير قبل الإجابة، فلا بد لنا من وضع الأولويات للتحرك والخروج من مستنقع التخلف والتشرذم، وإلا فإن أمتنا ستخرج خارج التاريخ البشري نهائياً وإلى الأبد.
شخصية العدد:
الثائر الجميل؛ إرنستو تشي غيفارا
إعداد: نسرين الصغير
هو الثائر القدوة لكل مناضل وسيبقى خالداً للأجيال القادمة، تراه في عيون الشباب وعلى ملابسهم لكن هناك من لا يعلم بعد ماذا قدم تشي غيفارا لوطنه؟ كان إرنستو تشي غيفارا مؤمناً أنّ وحدة أمريكا اللاتينية في وجه الإمبريالية هي الحل للمشاكل التي يعاني منها العمال والمزارعون والموظفون والمثقفون، فهي الحل لكل معضلة تواجه شعب أمريكا اللاتينية، وكان يدعو لنظام اشتراكي موحّد في أمريكا اللاتينية لإيمانه أيضاً بأن الرأسمالية هي عدوة الشعوب.
بدأ إيمانه بوحدة أمريكا اللاتينية عندما سافر على دراجته النارية وهو في السنة الأخيرة في كلية الطب وجال أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو وشعر بالظلم والقهر الكبيرين الواقعين على كاهل هذه القارة من قبل الإمبريالية، خصوصاً عندما شاهد بؤس الفلاحين واستغلال عمال مناجم النحاس في تشيلي المملوكة لشركات أمريكية والظلم على بوليفيا والبيرو وبنما. كان يجلس مع المثقفين والسياسين اليسارين ويحاول إقناعهم بأن أمريكا اللاتينية يجب أن تتحرر من النفوذ والاحتلال الأمريكي، وأنها بوحدتها قوتها وصمودها في وجه أي عدوان فهي مكمّلة لبعضها البعض وغنية في الموارد التي تجعلها رائدةً في وجه أي قوة في العالم، وكان يؤمن بحتمية إسقاط الأنظمة التبعية العميلة للولايات المتحدة الأمريكية.
درس الطب في جامعة بيونس آيرس في الأرجنتين التي تخرّج منها عام 1953، وقد أصبحت صلته مع الناس أكبر عندما تخرج من الجامعة وأزداد تواصله مع الناس خصوصاً الفقراء والمحرومين. ورغم أنه درس الطب إلا أنه بقي مولعاً بالأدب والسياسة والفلسفة، وفي عام 1954 سافر تشي غيفارا إلى غواتيمالا للانضمام للثوار هناك إلا أن حكومة كاستيلو أرماس العميلة للولايات المتحدة الأمريكية قضت على الثوار، فتوجه بعدها إلى كوبا وألتقى بمعلمه فيديل كاسترو عام 1955 وتوجها الى المكسيك بعد الهجوم الفاشل على ثكنة وونكادا في سينتياغو دو كوبا، وجنّده كاسترو طبيباً في البعثة التي ستحرر كوبا من الديكتاتور باتيستا، وفي حزيران من عام 1956 سُجن غيفارا وكاسترو ومجموعة من الثوار في المكسيك لمدة شهرين وبعدها بدأت ثورتهم ضد نظام الحكم الرجعي التابع آنذاك (نظام باتيستا) الرجعي الذي سقط عام 1959. وقد بدأت الثورة عندما دخل زورق “غرانما” من المكسيك وعلى ظهره ثمانين مقاتلاً لم يتبقَ منهم بعد المعركة الأولى إلا عشرة رجال فقط من بينهم كاسترو وأخاه راؤول وغيفارا، لكن هذه الحملة الفاشلة أكسبتهم شعبيةً ومؤيدين بأعداد كبيرة، خصوصاً من المناطق الريفية واستمرت حرب العصابات بينهم وبين جيش باتيستا المدعوم مالياً وعسكريا من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وعملاء الاستخبارات الأمريكية (CIA).
استمرت هذه الحرب لمدة سنتين، وخسر الثوار فيها مرة نصف عددهم في معركة واحدة مع الجيش، وقد ألقى كاسترو مرةً خطاباً كان سبباً في إضراب شامل ونزل غيفارا من جبال سييرا مايسترا باتجاه العاصمة الكوبية وتمّكن الثوار من دخول العاصمة هافانا، وكانت نقطة البداية في حياة جديدة وعهد جديد بعد انتصار الثورة وإطاحتهم بباتيستا.
عُيّن غيفارا مديراً للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور وخاصةً الجيش، حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثاً باسمها في الأمم المتحدة، وزار الولايات المتحدة الأمريكية مرة واحدة في حياته ليكون الأرجنتيني غيفارا ممثلاً لكوبا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووجّه نقداً عنيفاً للولايات المتحدة الأمريكية وقام باتهامها بالعنصرية، كما قام بزيارة الاتحاد السوفيتي والصين، واختلف مع السوفيات على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقّعت الولايات المتحدة معاهدة عدم اعتداء مع كوبا، وقد كان غيفارا يعطي الجنسية والمواطنة الكاملة لكل من إلتحق في صفوف الثوار في الثورة الكوبية.
تولّى غيفارا بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة –وعلى رأسها فيدل كاسترو على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت المناصب التالية:
- سفير منتَدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.
- منظّم الميليشيا.
- رئيس البنك المركزي.
- مسؤول التخطيط.
- وزير الصناعة.
سافر تشى غيفارا إلى الكونغو ثم ظهر فجأة فى بوليفيا .لم يكن مشروع “تشي” خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغِلة لثروات دول القارة.
منذ بداية عام 1967 وجد غيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين، وحيداً يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة الـ (CIA) في براري بوليفيا الاستوائية. أراد غيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود الحمر من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكراً. وقد قام “تشي” بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 تشرين الثاني 1966 و7 تشرين الأول 1967 بكتابة يوميات المعركة.
ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن غيفارا هو قائد الثوار. فبدأت حينها حملة مطاردة لشخص واحد. بقيت الـ (CIA) على رأس جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فانتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثا عن أربعين رجلاً ضعيفاً وجائعاً. قسّم غيفارا قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال. إلى جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرّض غيفارا إلى أزمات ربو حادة، مما ساهم في تسهيل البحث عنه ومطاردته. في يوم 8 تشرين الثاني 1967، وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة، هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرداً مجموعة غيفارا المكونة من16 فرداً، وقد ظل غيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل. وقد استمر “تشي” في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2) وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حياً. نُقل “تشي” إلى قرية “لاهيجيرا”، وبقي حياً لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه. وفي مدرسة القرية نفّذ ضابط الصف “ماريو تيران” تعليمات ضابطيه “ميجيل أيوروا” و”أندريس سيلنيش” بإطلاق النار على “تشي”. دخل ماريو عليه متردداً فقال له “تشي”: أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل”، لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصة من مسدسه أنهت حياته.
رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزاراً للثوار من كل أنحاء العالم. وقد شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسُميت بأزمة “كلمات غيفارا” أي مذكراته. وقد تمّ نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار غيفارا رمزاً من رموز الثوار على الظلم. وقد نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات الأميركية، صوراً (CIA) عن إعدام تشي غيفارا. وتمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص في “لا هيجيرا” في غابة “فالي غراندي” ببوليفيا، في 9 تشرين الأول من عام 1967. وتظهر الصور كيفية أسر تشي غيفارا، واستلقائه على الأرض، وعينيه شبه المغلقتين ووجهه المتورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنفي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي غيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي. وقبيل عدة شهور، كشف فليكس رودريجيس النقاب عن أن أيدي تشي غيفارا بُترت من أجل التعرف على بصمات أيديه. في العام 1997م كُشف النقاب عن جثمانه وأعيد إلى كوبا، حيث قام الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو بدفنة بصفة رسمية.
نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدّعي فيها اختفاء إرنستو غيفارا في ظروف غامضة، ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيدل كاسترو، مما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفاءه من الجزيرة للشعب الكوبي، فأدلى بخطابه الشهير الذي ورد فيه:
((لديّ هنا رسالة كتبت بخط اليد، من الرفيق إرنستو غيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا)).
في تشرين الأول من عام 1965 أرسل غيفارا رسالة إلى كاسترو تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعية أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبّر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.
تميّز غيفارا بذكائه وسرعة بديهته وحسن التصرف في الأزمات، ولم يكن مجرد طبيب بل كان طبيباً برتبة عقيد، وكان قائداً ومخططاً للمعارك، وكان رفاقه يثقون به وبقرارته.
كانت تربط غيفارا علاقة قوية مع الأنظمة القومية العربية الثورية، فزار تشي غيفارا عدة أقطار عربية منها الجزائر، وكان تربطه علاقة مع الرئيس أحمد بن بلا، ومصر التي التقى فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانت تربطهما علاقة صداقة، وكان غيفارا يعتبر الرئيس عبد الناصر رفيق الكفاح والنضال في وجه الإمبريالية العالمية التي لم تكن عدوة لأمريكا اللاتينية فقط، بل كانت عدوة العالم، ومن مصر توجّه إلى قطاع غزة في فلسطين المحتلة.
من أهم مؤلفاته:
حرب العصابات
الإنسان والاشتراكية في كوبا
ذكريات الحرب الثورية الكوبية
رثاه الشاعر أحمد فؤاد نجم بقصيدة “غيفارا مات” وقال فيها:
عيني عليه ساعة القضا …
من غير رفاقه تودعه …
يطلع أنينه للفضا …
يزعق ولا مين يسمعه …
يمكن صرخ من الألم …
من لسعة النار ف الحشا يمكن ضحك …
أو ابتسم أو ارتعش أو انتشى …
يمكن لفظ آخر نفس …
كلمة وداع لجل الجياع …
يمكن وصية للي حاضنين القضية …
بالصراع صور كتير ملو الخيال …
وألف مليون احتمال
لكن أكيد ولا جدال …
غيفارا مات موتة رجال
من أهم أقواله:
لا يهمني متى وأين سأموت…
لا أعرف حدوداً، فالعالم بأسره وطني…
إن الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق؟
الثوار يملأون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء.
أؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لأولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم.
الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن.
أنا لست محرِّرا، فالمحررون لا وجود لهم، بل الشعوب وحدها هي من تحرر نفسها.
لم يكتفِ غيفارا بمعركة ونصر أو منصب، بل كان يتنقل للبحث عن المعارك في وجه أي عدو أو محتل أو عميل للإمبريالية العالمية.
الصفحة الثقافية:
إضاءات على الفن التشكيلي والنحتي في العراق 2-2
معاوية موسى
في الحلقة الثانية من الإضاءات على الفن التشكيلي والنحتي في العراق، والذي بدأناه مع تجربة كل من الفنان جواد سليم وفائق حسن، نكمل ما جاء من تجارب أخرى مماثلة لا تقل عمقاً ووعياً وتأثيراً عن تجربة جواد وفائق، حيث يكاد الفن التشكيلي في العراق دون غيره يفلت من دائرة الاهتمام الخاص للنخب الثقافية ومتذوقي هذا الفن الصعب ودارسيه. لقد بذل الفنانون العراقيون جهداً كبيراً في نشر الثقافة الفنية وسط الناس في مجال تدريبهم على الرسم والتقنية الفنية، ومحو الأمية البصرية، فانتشار الوعي في هذا المجال لم يكن غريباً، وإنما جاء من خلفية اهتمام الدولة في المناهج التعليمية التي ركزت حتى على قضية خلق ذائقة فنية لمواطنيها، انطلاقًاً من تجربة فنانيها، الذين عبّروا في أعمالهم المختلفة عن خصوصية حضارة بلادهم منذ بابل وسومر وآكاد حتى يومنا هذا، فثبت أن العراقي لا يحتاج أن يرسم تفاحة ويكتب تحتها «تفاحة» أو منظر الغروب على دجلة وتحته «منظر الغروب»!
لقد أشارت الكثير من المصادر والدراسات الفنية التي تناولت الفن التشكيلي في بلاد الرافدين، ومنها مثلا “تطور الفنون التشكيلية في العراق” لسناء الموصلي، إلى حقبةٍ مهمةٍ وفارقةٍ في تاريخ هذا الفن وتحولاته، حقبةٍ عبرت عن مكنون العراق وكنوزه، وخصوصيته التاريخية والفنية، عندما جاء المفكر القومي التقليدي ساطع الحصري “السوري الأصل” وحطّ رحاله في بغداد منفياً من الشام، فأسس معهد الفنون الجميلة ومتحف الآثار فيها. وقد دعا الشباب المهتمين بالفن إلى العمل بالمواضيع القديمة في الآثار العراقية وتطوير الاهتمام بالخلفية الثقافية الغنية للعراق، فساهم في رفع سوية الوعي الوطني والقومي. وحصل الحصري على لقب “المربي الكبير” في أوساط المثقفين العراقيين. ولكن السلطات البريطانية لم يعجبها نشاطه فأرغموه على الاستقالة من منصبه كمسؤولٍ عن التعليم ومناهجه في العراق في عام 1941.
باتت الفترة الزمنية المحصورة بين عام 1941 وثورة 14 تموز 1958 تمثّل احتداماً وصراعاً شديداً بين قيم مختلفة واتجاهين متضادين تماماً؛ بين التقاليد الزائفة والقيم الجديدة من جهة، وبين التراث الأصيل الذي يعبرعن أصالة فنون بلاد ما بين النهرين على نحو لصيق بوشائج التراث الفني والنحتي لهذه البلاد، والذي تمّيز بدلالاته التعبيرية وحيويته التشكيلية عن غيره من فنون العالم القديم من جهة أخرى. وانعكس هذا التضادّ بوضوح في الفن التشكيلي العراقي. عنوان ذلك الصراع والتضاد الاتجاه الذي يركز على القيم الثقافية “الديمقراطية”، كما هي موجودة في المجتمع الرأسمالي الغربي، وبين تلامذة ساطع الحصري الذين أسسوا معهد الفنون الجميلة في بغداد بتخصصين: الرسم والنحت. ولعب الفنانان البارزان جواد سليم وفائق حسن دوراً كبيراً في تكوين وترسيخ أساس فني وطني. وساهم فائق حسن بنشاط في تأسيس قسم الرسم في المعهد. ويعود له الفضل في تطوير وترسيخ دعائم الفن التشكيلي الحديث في العراق. وكان الفنان البارع النحات والرسام والغرافيكي جواد سليم، الذي عمل جنباً إلى جنب مع فائق حسن، أحد المبادرين لتأسيس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة الذي ترأسه إلى آخر حياته سنة 1961.(1) وكان جواد سليم أحد الذين عملوا بحماس من أجل تقدّم الفن الوطني العراقي. واستخدم الاثنان قدراتهما وتأثيرهما لصياغة آراء وأفكار جيل الفنانين الشباب ورفع وعيهم واهتماماتهم تجاه تراثهم الثقافي.
إن من بين الأسماء التي برزت في مجال الفن العراقي الأصيل، والتي عبّرت عن تجارب مهمة، تجربة الفنان ضياء العزاوي، والذي كان يرسم انطلاقاً من حسه الآثاري لبلاد الرافدين بجميع مراحله التاريخية من السومريين والآشوريين والبابليين حتى العباسيين باحثاً عن كنوزهم الحضارية من تحت الأنقاض، وبرز أكثر في كتب الأدب والقصائد الشعرية، لا سيما قصائد الشاعر العراقي مظفر النواب وكثير من الشعر والأدب الفلسطيني المعاصر، بالإضافة إلى عديد من المعالجات الفنية التي تناولت التأريخ القديم والمعاصر منذ كلكامش إلى مأساة الإمام الحسين إلى غراميات ألف ليلة وليلة إلى بطولات الفدائيين الفلسطينيين، وهي معالجات نجد منها في أعمال الفنان كاظم حيدر الذي رسم عدداً كبيراً من اللوحات عن استشهاد الحسين في كربلاء، ولكن بأسلوب مغاير لأسلوب مواطنه العزاوي، امتاز بنغمة رثائية عظيمة العمق.
وهنالك العديد من الأسماء لفنانين آخرين لا يتسع المجال لذكرهم جميعا، شاركوا أيضاً في التعبيرعن كنه العراق وتاريخه وتفاصيله يكاد يستحيل المجال لذكرها وشرحها وتناولها هنا، ونكتفي بذكر بعضها (2) أمثال إسماعيل الشيخلي، محمود صبري، مديحه عمر، جميل حمودي، رافع الناصري، هاشم السمرجي، قتيبة الشيخ نوري، نادرة عزوز، محمد علي شاكر، فرج عبو، سعاد العطار التي اغتيلت بصاروخ أمريكي إبان الحرب الأمريكية على العراق، أيضا نذكر الفنان نوري الراوي، وحافظ دروبي وسعد الطائي، وغيرهم الكثير الكثير ممن أسهم بشكل واضح وجليّ في إنجاز أعمال تتصف بالقوة والمغزى، عبرت عن هوية عربية، وهم في تجاربهم تلك، استطاعوا أن يجعلوا أصواتهم مسموعةً في عالم يضج بالفوضى، لأن لديهم شيئاً وارداً يقولونه، وما هذا إلا جزءٌ من ميراثهم، وبعضٌ من إسهامهم، في حضارة هذا العصر.
- جبرا إبراهيم جبرا، جذور الفن العراقي : 1986
- المصدر نفسه
قصيدة العدد:
في نَكْبَةُ دِمَشْق – أحمد شوقي
إعداد: أيمن الرمحي
ســلامٌ مــن صَبــا (بَرَدَى) أَرقُّ ودمــعٌ لا يُكَفْكَــفُ يــا دِمَشْــقُ
ومعـــذِرة اليَرَاعـــةِ والقــوافي جـلالُ الـرُّزْءِ عـن وَصْـفٍ يَـدِقُّ
وبــي ممــا رَمَتْــكِ بـهِ الليـالي جراحــاتٌ لهـا فـي القلـب عُمْـقُ
دخــلتكِ والأَصيــلُ لــه ائـتلاقٌ ووجــهُك ضـاحكُ القسـماتِ طَلْـقُ
وتحــتَ جِنــانِك الأَنهـارُ تجـري ومِــــلْءُ رُبـــاك أَوراقٌ ووُرْقُ
وحــولي فتيــةٌ غُــرٌّ صِبــاحٌ لهــم فـي الفضـلِ غايـاتٌ وسَـبْقُ
لحاهـــا اللــهُ أَنبــاءً تــوالتْ عــلى سَــمْعِ الــوليِّ بمـا يَشُـقُّ
تكــادُ لروعــةِ الأَحــداثِ فيهــا تُخـالُ مـن الخُرافـةِ وَهْـي صِـدْقُ
وقيــل: معــالمُ التــاريخ دُكَّــت وقيــل: أَصابهــا تلــفٌ وحَـرقُ
أًلسـتِ – دِمَشـقُ – للإِسـلام ظِـئْرًا ومُرْضِعَـــةُ الأُبُـــوَّةِ لا تُعَــقُّ؟
صــلاَحُ الـدين; تـاجُك لـم يُجَـمَّل ولــم يُوسَــم بــأَزين منـه فَـرْقُ
وكـلُّ حضـارةٍ فـي الأَرض طـالتْ لهــا مـن سَـرْحِكِ العُلْـوِيِّ عِـرْقُ
سـماؤكِ مـن حُـلَى المـاضي كتـابٌ وأَرضُــك مـن حـلى التـاريخ رقُّ
لـــه بالشــامِ أَعــلامٌ وعُــرْسٌ بشــــائرُه بــــأَندلُسٍ تـــدَقُّ
ربـاعُ الخـلدِ – وَيْحَـكِ – ما دَهاها؟ أَحــقٌّ أَنهــا دَرَســتْ? أَحَــقُّ؟
إذا رمن السلامة من طريق أتت من دونه للموت طرق
سَــلِي مَـنْ راعَ غِيـدَك بعـدَ وَهْـنٍ أَبيْــن فــؤادِه والصخــرِ فَـرْقُ؟
وللمســـتعمرِين – وإِن أَلانـــوا – قلـــوبٌ كالحجـــارةِ, لا تَــرِقُّ
إِذا مــا جــاءَه طُــلاَّبُ حَــقٍّ يقــول: عصابــةٌ خرجـوا وشَـقُّوا
دَمُ الثُّـــوارِ تعرفُـــه فرنســـا وتعلـــم أَنـــه نـــورٌ وحَــقُّ
جــرى فــي أَرضِهـا, فيـه حيـاةٌ كمُنْهَـــلِّ الســماءِ, وفيــه رزقُ
بـــلادٌ مـــاتَ فِتْيَتُهــا لِتحْيــا وزالـــوا دونَ قـــومِهمُ ليبقُــوا
وحُــرِّرَت الشــعوبُ عـلى قَناهـا فكــيف عــلى قناهــا تُسْـتَرَقُّ؟
بنــى ســورِيَّةَ, اطَّرِحـوا الأَمـاني وأَلْقُــوا عنكــمُ الأَحــلامَ, أَلْقُـوا
فمِــنْ خُــدَعِ السياسـة أَن تُغَـرُّوا بأَلقـــاب الإِمـــارةِ وهْــيَ رِقُّ
نَصَحْــتُ ونحــن مخــتلفون دارًا ولكــنْ كلُّنــا فــي الهـمِّ شـرقُ
ويجمعنـــا إِذا اخـــتلفت بــلادٌ بيــانٌ غــيرُ مخــتلفٍ ونُطْــقُ
وقفتــم بيــن مــوتٍ أَو حيــاةٍ فــإِن رمْتـم نعيـمَ الدهـر فاشْـقُوا
وللأَوطــانِ فــي دَمِ كــلِّ حُــرٍّ يَـــدٌ ســلفتْ وديْــنٌ مُســتحِقُّ
ومــن يَســقي ويَشــربُ بالمنايـا إِذا الأَحــرارُ لـم يُسـقَوا ويَسـقُوا؟
ولا يبنـــي الممــالكَ كالضحايــا ولا يُـــدني الحــقوقَ ولا يُحِــقُّ
ففـــي القتــلى لأَجيــالٍ حيــاةٌ وفـي الأَسْـرَى فِـدًى لهمـو وعِتْـقُ
وللحريـــةِ الحـــمراءِ بـــابٌ بكـــلِّ يَـــدٍ مُضَرَّجَــةٍ يُــدَقُّ
جزاكم ذو الجلال بني دمشق وعز الشرق أوله دمشق
نصرتم يوم محنته أخاكم وكل أخ بنصر أخيه حق
مناسبة القصيدة:
عصفت الأحداث بسورية، ففي عام 1926م ثارت دمشق على المستعمر الفرنسي، وخضبت دماء الشهداء شوارع دمشق وغوطتها، وحين تناهت الأخبار لأمير الشعراء أحمد شوقي، هاله عظم الجريمة و ضخامة العدوان ووحشية ما فعل المستعمرون، فندبها بهذه القصيدة التي تفاعل بها قلبه و قلمه حزناً وألماً لهذه الكارثة التي حلت بدمشق. تظهر بهذه القصيدة معانٍ سامية، فشاعرنا يؤكد على الوحدة بين العرب، وضرورة التضحية في سبيل تحرر الأمة العربية ونهضتها.
اترك تعليقاً