الصفقة التركية-الصهيونية الأخيرة: تقدير موقف

الصورة الرمزية لـ ramahu



د. إبراهيم علوش
29/6/2016

لم تأتِ الصفقة التركية-الصهيونية التي أعلنت عن بنودها الصحف “الإسرائيلية” البارحة لتحقق تطبيعاً بين عدوين بينهما قطيعة، كما أوحت بعض التغطية الإعلامية، بل لتطوير العلاقة بين حليفين استراتيجيين اعتراها بعض الفتور في البعد السياسي، فيما كانت العلاقات الاقتصادية تصل، في ظل ذلك “الفتور” إلى مستويات غير مسبوقة في العامين الأخيرين، وفيما التقى الطرفان إستراتيجياً على التآمر الميداني والأمني والسياسي على سورية والعراق.



كل ما في الأمر أن “تهريج” أردوغان وحكومة العدالة والتنمية حول فلسطين والقدس وغزة وإلى ما هنالك انكشفت بعض أوراقه مؤخراً مع اتفاق الكيان الصهيوني والكيان العثماني على زيادة التنسيق أمنياً واستخبارياً بينهما، والتعاون في إطار حلف الناتو والأمم المتحدة، والتفاوض حول مد أنبوب يحمل الغاز العربي المسروق من البحر المتوسط إلى تركيا ليتم بيعه في أوروبا.



ونفتخر بأننا كنا من أوائل من كشفوا لعبة المشروع العثماني الجديد منذ ما قبل حركة الانسحاب الاستعراضية من دافوس (لماذا يذهب أي شخص مناهض للصهيونية حقاً إلى جلسة أو لقاء غير رسمي فيه صهاينة أصلاً؟)، لا بل منذ بدأت الدراما التركية تسوق لدور تركي لـ”إنقاذ” العراق من “الإرهاب والأمريكان”… والمقالات موثقة كما يمكن أن يكشف أي محرك بحث.



إعادة السفيرين لا تعني أن العلاقات الدبلوماسية وغيرها كانت مقطوعة، بل تعني إعادة رفع مستوى العلاقة الدبلوماسية، وتطويرها، وتعزيزها، وتعميقها، كما تعني فتح آفاق جديدة للتحالف الإستراتيجي بين الطرفين اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، هذا التحالف الذي تم تعبيده بعشرات الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة على مدى عقود.



بجميع الأحوال، من أجل تقييم آثار هذه الخطوة على المحيط الإقليمي والدولي وأبعادها لا بد من الإشارة لما يلي:



1) اقتراب تركيا من الكيان الصهيوني لا يمكن إلا أن يعني استعداء إيران، فلا توجد تحالفات تعقد في فراغ ضد لا أحد… وهذا لا يمكن أن يغيب عن إيران.

2) تفكيك العقد في العلاقات التركية-الصهيونية وزيادة التنسيق الأمني لا يمكن إلا أن ينعكس سلباً على الوصع في سورية أولاً ثم في العراق.

3) التفاوض حول أنبوب غاز من الكيان إلى تركيا، لبيعه في أوروبا، هو عملية “مداكشة” مباشرة مع الغاز الروسي وخطوطه، خصوصاً بعدما تم إيقاف مد أنبوب الغاز الروسي عبر الأسود إلى تركيا، ولا يمكن أن يفسر هذا الأمر إلا في سياق صراع أنابيب الغاز: نابوكو، المسار الجنوبي.. الأزرق، إلخ…

4) لذلك كان لا بد من الاعتذار لبوتين خلال 24 ساعة من عقد الاتفاق لكي لا يفسر بأنه إعلان حرب على روسيا، ولفتح الباب أمام روسيا لتخفيف عقوباتها الاقتصادية على تركيا… أما كيف ستتصرف روسيا إزاء هذه الخطوة، فتلك قصة أخرى.

5) إذا تجاوبت روسيا مع تركيا، فإن ذلك قد يتيح لتركيا أن تظل في حالة لعب على عدة حبال في محاولة لممارسة دور العراب الإقليمي، وإذا لم تتجاوب روسيا مع تركيا، فإن تركيا تكون قد سحبت الذريعة من يد روسيا في وجه أي تصعيد روسي، هو في الواقع دفاع عن النفس إزاء الاتفاق الغازي التركي-الصهيوني المزمع، أمام الرأي العام التركي وأمام الناتو وأوروبا.

6) تظل لروسيا حساباتها طبعاً، وهي ليست كلها متوافقة مع حساباتنا كأمة عربية، لكنها تظل حسابات أقرب، أو أقل تعارضاً على الأقل، من حسابات الدول الغربية مثلاً. وهذا الموضوع يحتاج لمعالجة مستقلة.

7) في الشق المتعلق بغزة في الاتفاق التركي-الصهيوني، فتح الكيان الصهيوني مجالاً لتركيا، من خلال اتفاق تقديم المساعدات على أنواعها عبر الكيان، بمد طوق نجاة لحكومة حماس في غزة، من دون رفع الحصار. وثمة مكاسب للصهاينة والأتراك وحكومة حماس من هذا الأمر، وخسائر لعدة أطراف.

8 ) أول الأطراف الخاسرة هي مصر الذي باتت تشعر بأن تركيا الآن راحت تتبول في حديقتها الخلفية، فالشق المتعلق بغزة في الاتفاق هو استضعاف لمصر، واستخفاف بدورها في محيطها المباشر، وتهميش لها، خصوصاً في ظل العداء العلني لنظام السيسي من قبل حكومة العدالة والتنمية التركية، ولا يعني ذلك طبعاً الموافقة على سياسات نظام السيسي إزاء قطاع غزة، إنما نتحدث عن الأثر السياسي المباشر للاتفاق.

9) ثاني الاطراف الخاسرة هو السلطة الفلسطينية التي لن يغيب عنها أن هذا الاتفاق عقد بعيداً عنها بين قيادة الإخوان المسلمين الدولية والكيان الصهيوني، دون أن يعني ذلك أبداً تبني مواقف السلطة الفلسطينية في أي شأن فلسطيني، وليس فقط فيما يتعلق بغزة، إنما نتحدث، مرة أخرى، عن الأثر المباشر للاتفاق على السلطة فحسب. لكن الواقع هنا أن الكيان لعب لعبة التفاهم مع رأس الإخوان، على حساب السلطة، من دون رفع الحصار عن غزة.

10) ثالث الأطراف المتضررة من الاتفاق هو إيران التي ابقت الباب مفتوحاً أمام التفاهم مع حماس، وهو ما كان سيعني تفاهم حماس مع محور المقاومة بالطبع، غير أن حماس كالت المديح عبر بعض ممثليها لإيران، ثم “فكحت” باتجاه تفاهم غير مباشر مع الكيان، عبر تركيا.

11) بالمقابل، سوف تعطي المساعدات التركية لغزة عبر الكيان انبوب تنفس اصطناعي تستطيع دولة الكيان أن تغلقه متى شاءت عند الضرورة، أما محطة تحلية المياه ومحطة توليد الكهرباء والمستشفى وما شابه فترفع عن الاحتلال عبء تولي هذه المهمات بنفسها، بصفتها الدولة المحتلة أو المحاصِرة.

12) أما تركيا، فسوف تصعد من التصدير إلى الموانئ الصهيونية، “من أجل غزة وفلسطين” طبعاً!!!!!!!!!!!!! وكنا قد وثقنا في مادة سابقة أن التصدير عبر الموانئ التركية إلى الكيان ومن ثم الأردن ومن ثم للدول الخليجية قد وصل إلى مستويات قياسية في العامين 2014-2015، أما الآن فسيكون هناك غطاء حمساوي، أمام الجماهير المؤمنة، للتطبيع مع الكيان، وستكون الحجة للتطبيع جاهزة، على طريقة جماعة منظمات التمويل الأجنبي والسلطة الفلسطينية: “نحن نقدم مساعدات يا أخي… أنتم تتكلمون وتزايدون فقط”! ,و”الشعب يريد… شوية طعام”!

13) تركيا نالت أيضاً اعترافاً صهيونياً بدور مباشر لها في الملف الفلسطيني، وهذا أمر غير مسبوق في ظل إصرار الكيان حتى على استبعاد الاتحاد الأوروبي عن مثل هذا الدور… وهذا أيضاً يأتي على حساب إيران، وكل الدول العربية، حتى الرجعية منها، والسلطة الفلسطينية.

14) تركيا كانت تطمح بدور أكبر في الملف الفلسطيني، ينسجم مع الطموح العثماني في الظهور بمظهر الفاتحين، ولكن تركيا تنازلت هنا عن المزايدة الخنفشارية في القضية الفلسطينية لاسترضاء الكيان الصهيوني في الملف الكردي الذي بات مفتوحاً على مصراعيه بعد القرار الدولي بإضعاف داعش واحتوائها…

وللحديث بقية.


للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..