د. إبراهيم علوش
البناء 2/3/2016
شككت وسائل إعلام غربية كثيرة بفرص صمود الهدنة، التي دخلت حيز التنفيذ صبيحة السبت الفائت في سورية، منذ يومها الأول، زاعمةً أن الدولة السورية والطيران الروسي يخرقانها تكراراً، وأنهما لا يريدانها أن تستمر.
قناة CNN الأمريكية مثلاً عنونت تقريراً حصرياً لها من حلب يوم الاثنين، الموافق 29 شباط 2016: “من حلب التي يسيطر عليها الثوار، السكان المحليون يشكون بأن الهدنة خدعة”، حاولت أن توحي فيه أن هناك نفساً شعبياً في حلب ضد الهدنة، باعتبارها “خيانة للشهداء”، وأن “الطرف الآخر غير موثوق”، وأن ضربة جوية روسية وقعت على منزل في حلب بعد ثلاثين ساعة من بدء الهدنة!
صحيفة “ذي غارديان” البريطانية، من جهتها، قالت يوم الاثنين، الموافق 29 شباط 2016، أن ثمة بلاغات عن انتهاكات للهدنة السورية على الجهتين، مع التركيز على تصريحات مختلفة لممثلي العصابات المسلحة بأن انتهاكات الهدنة من قبل الدولة السورية وحلفائها تلغيها فعلياً، وكما جاء في عنوانٍ فرعي: “فرنسا تدعو لمراقبين (على الأرض) لتقييم الانتهاكات المزعومة لوقف إطلاق النار الجزئي فيما يبدأ تسليم المساعدات للبلدات المحاصرة”.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية المرموقة تابعت بارتياح نسبي اليوم الأول للهدنة يوم السبت، الموافق 27 شباط 2016، ناقلةً عمن اسمتهم “نشطاء معارضين” أو “متمردين”، في ريف دمشق وحلب، ارتياحهم لانخفاض وتيرة القصف والغارات الجوية على مناطقهم، لتعدِد الصحيفة بعد ذلك ما اعتبرته سلسلة انتهاكات من قِبل الدولة السورية، أو الروس، للهدنة، ولتنقل بابتسارٍ بعدها عن وكالة الأنباء السورية (سانا) أن “المجموعات المتمردة” قامت بقصف دمشق من ضواحي دوما وجوبر، كتفصيل صغير، وغير موثوق ربما، بما أن المصدر هو “سانا”؟! ويجدر الذكر أن تقرير “نيويورك تايمز” أفاد بأن المركز الذي أقامه الأمريكيون لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية يقع في عمان، الأردن.
وتعود “نيويورك تايمز” في اليوم التالي، الاحد، الموافق 28 شباط 2016، من القدس، لتنقل عن بنيامين نتنياهو قوله أن أي وقف إطلاق نار في سورية يجب أن يأخذ مصالح “إسرائيل” الأمنية بعين الاعتبار، واضعة عمليات استهداف جهاد مغنية وسمير قنطار في سياق الجهود الصهيونية لمنع إقامة “بنية تحتية للإرهاب” في منطقة الجولان.
صحيفة USA Today الشعبية الأمريكية عنونت تقريرها يوم السبت، الموافق 27 شباط 2016، كما يلي: “وقف إطلاق نار حرب سورية متداعٍ منذ البداية”، لتنقل عن عددٍ ممن اعتبرتهم “خبراء” في معاهد ومراكز أبحاث أمريكية رئيسية تشكيكهم بالهدنة وإمكانية صمودها “لأن الروس والإيرانيين لم يستكملوا بعد ما عليهم أن يفعلوه لكي يهزموا أعداء الأسد”، ولأن المكاسب الكردية في الشمال السوري تهدد المصالح التركية، و”لأن الأسد وداعميه الروس يعتبرون كل المتمردين في عداد الإرهابيين، حتى أولئك الذين تدعمهم الولايات المتحدة”.
مجلة “ذا إيكونومست” النخبوية البريطانية اتخذت الخط نفسه يوم الاحد، الموافق 28 شباط 2016، تحت عنوان: “في يومه الثاني، وقف إطلاق النار الجديد في سورية يتهادى”، جاء في تفاصيله أن فرص صمود اتفاق وقف الأعمال العدائية لمدة أسبوعين، أو حتى لتاريخ 7 آذار، موعد إعادة بدء محادثات السلام حول سورية في جنيف، باتت ضئيلة جداً مع تزايد الخروق له، مضيفةً أن “السيد أسد” (وهو التعبير المكرر، لكي لا تشير إليه بلقبه الرسمي كرئيس شرعي لسورية) جعل واضحاً أنه يعتبر الهدنة مؤقتة عندما تعهد باسترجاع كل البلاد عبر القوة العسكرية. كما أن “الدولة الإسلامية” و”النصرة” تبقيان خارج الهدنة، وبما أن “جبهة النصرة” تقاتل في حلب وجوارها إلى جانب “مجموعات متمردة أخرى” (مما يجعل النصرة مجموعة متمردة أخرى؟!)، فإن “روسيا والسيد أسد سوف يحاجان على الأرجح بأن أي ضربات ضدهم مسموحة بحسب شروط الاتفاق”، مما يسقط وقف إطلاق النار طبعا…
صحيفة “واشنطن بوست” المقربة من الدوائر الحكومية في العاصمة الأمريكية واشنطن ذهبت في المنحنى نفسه في تقريرها يوم الاحد، الموافق 28 شباط 2016، الذي عنونته: “وقف إطلاق النار السوري يتهرأ مع متابعة روسيا لضرباتها الجوية”، لتخوض الصحيفة بعدها بتفاصيل عن غارات جوية روسية في محافظات حماة وإدلب وحلب، مثيرة تكهنات بأنها لا تستهدف “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” بالضرورة، وناقلة عن “الخوذ البيض/ الدفاع المدني” (“الذين يحصلون على تمويل متواضع من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومتبرعين خاصين”، بحسب “نيويورك تايمز” في 14 شباط 2015) أن الضربات الروسية المذكورة أصابت منازل مدنيين ومتاجر وقتلت وجرحت مدنيين، لتضع تصريحات وزارة الدفاع الروسية بعدها، في “أن نظام وقف إطلاق النار في سورية يتم تطبيقه”، في سياقٍ ساخر فعلياً.
لم تخرج وكالة “رويترز” للأنباء عن الخط العام أعلاه في تقريرها المنشور يوم الاثنين، الموافق 29 شباط 2016، والذي عنونته: “فريق عمل وقف إطلاق نار سورية يلتقي، وفرنسا تطالب بإجابات حول الانتهاكات”، مركزة على تصريحات وزير الشؤون الخارجية الفرنسية، جان ماري أريوه، التي قال فيها: “لقد تلقينا مؤشرات بأن هجماتٍ، بعضها عن طريق الجو، لا تزال مستمرة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة”!
لا نضيف كثيراً لو قلنا أن تغطية وسائل الإعلام الغربية أعلاه لوقف إطلاق النار متحيزة بشدة، وتفتقد حتى لأبسط معايير المهنية بتجاهلها لوجهة نظر الدولة السورية. غير أن حملتها للتشكيك بوقف إطلاق النار، وسعيها لتحميل سورية وحلفائها مسؤولية انهياره، توحي بأنها لا تريده أن يستمر، وأنها تريد أن تفرض حالياً شمول مناطق تواجد “النصرة” المتداخلة مع بقية العصابات المسلحة فيه، لوقف مسلسل الانهيارات في صفوفها، وتعزيز موقفها الميداني، وللتغطية على انتهاكات تلك العصابات لوقف إطلاق النار وحملة الإرهاب التي تخوضها في عموم سورية.
http://www.al-binaa.com/
للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/Qawmi
اترك تعليقاً