طلقة تنوير22: انتفاضة السكين بأصوات شبابية عربية

الصورة الرمزية لـ ramahu





المجلة الثقافية للائحة القومي العربي… عدد 1 آذار 2016


ويضم هذا العدد:



– كلمة العدد: انتفاضة السكين في ميزان الإعلام العربي/ ياسمين بشار



– كيف ندعم كشباب عربي شباب الانتفاضة؟/ نضال بدروشي



– أثر “الربيع العربي” على القضية الفلسطينية والإنتفاضة الفلسطينية الثالثة/ نسرين الصغير



– كلمة حول انتفاضة شباب السكين/ انتصار عنابي



– ماذا أستطيع أن أفعل لفلسطين؟ رسالة للشباب العربي/ إبراهيم علوش



– سلسلة قواعد المسلكية الثورية: الجزء السادس – المركزية الديموقراطية/ عبد الناصر بدروشي



– مدينة عربية: حلب/ علي بابل



– شارع المتنبي في بغداد..خصوصية المكان/ معاوية موسى



– قصيدة العدد:  الفدائي/ إبراهيم طوقان



– كاريكاتور العدد


رقم 22 – 1 آذار 2016

لقراءة المجلة عن طريق فايل ال PDF



TT22


للمشاركة على الفيسبوك:


https://www.facebook.com/Qawmi



محور العدد: انتفاضة السكين بأصوات شبابية عربية

كلمة العدد: انتفاضة السكين في ميزان الإعلام العربي

ياسمين بشار

الآن، وبعد 67 عاماً، آن لهذه القضية أن تغيب أو تُغيَّب عن المشهد، وآن للعدو أن ينام قرير العين، لذلك لم يعد مسموحاً أن يحتل المقاومون الشاشات، أو أن تدخل صور الشهداء والأسرى البيوت والعقول والقلوب، الآن وبعد سنوات من الإرهاب في بلاد العرب، يفترض أن المزاج الشعبي صار كفيلاً بوأد أي انتفاضة، ولو فكرت باجتراح حضورها بالسكين…

لأجل هذا لم تحظَ انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني الأخيرة، والمستمرة حتى اللحظة، بما يستحقه أي عمل بطولي بهذا المستوى من تفاعلٍ وتضامن عربي معه، فكيف تعاطى معها الإعلام العربي؟

بشكل عام، يمكن تقسيم وسائل الإعلام العربية من حيث موقعها في جبهة الصراع مع العدو على ثلاثة مستويات، على أن تغطيتها الحالية لا تنفصل إطلاقاً عن سياق تناولها لهذا الصراع عبر عقود خلت:

1-وسائل تصب تغطيتها في مصلحة العدو: وعددها كبير لا يحصى، وهنا تركز هذه الوسائل على تصوير المقاومة المشروعة على أنها أعمال غير محسوبة النتائج، منفذوها ليسوا إلا شباب يائسين من الحياة، أو منخرطين في تيارات تكفيرية، يجلبون بأفعالهم الطائشة المزيد من البؤس والدمار لشعبهم، وهي نفسها التي تستخدم مصطلحات مشبوهة (قاتل ومقتول، جريمة قتل، عنف…) منتهكةً بذلك أبسط قواعد الأخلاق، وكأن الأمر لا يعنيها، وتتعامل مع الرواية الصهيونية باعتبارها حقائق، لا مزاعم، وقد قيل يوماً “كذب المحتل ولو صدق”.

2-وسائل تقدم نفسها في خانة الحياد: خير ما يمثلها الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية، هنا تعمل هذه الوسائل على تبسيط هذا الصراع الوجودي إلى حد السذاجة فتصوره على أنه (مواجهات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، أو أحداث عنف متبادل، أو سلسلة اعتداءات…) والضحية في ميزانها مساويةٌ للجلاد، والجلي هنا أن محاولة تحقيق التوازن في طرح الموضوع، إنما ينطوي على نفاق واضح، وتحيز مفضوح لجانب الاحتلال، وما دام الحق حقاً والباطل باطلاً، فعن أي معادلة توازن مملة يتحدثون؟

3-وسائل محسوبة على خط المقاومة: رغم قلة عددها، وضعف إمكاناتها أو تأثيرها، تقوم هذه الوسائل بالحد الأدنى من واجبها كإعلام مقاوم، فهي من حيث الاتجاه العام في صف الجبهة الممانعة للعدو والمقاومة للاحتلال، إلا أن أداءها غالباً ما يكون قاصراً لجملة أسباب موضوعية نبررها إلى حد ما، تخضع لظروف الحصار السياسي والاقتصادي لدولها، وأسباب ذاتية تتعلق بطريقة التغطية وخشبية الخطاب الذي لا مبرر له في ظل تطور أساليب الاتصال والإعلام، أما من حيث تناولها للانتفاضة الأخيرة بشكل خاص، فقد كان تناولها لسلسلة الأعمال البطولية على أنها أحداث منفصلة خارجة عن سياقها التاريخي الطبيعي، من دون بلورة رؤيا واضحة لدعمها وتظهيرها، تأثيراً سلبياً على انتشار الصورة الحقيقية لهذه الانتفاضة، في المحيط العربي والفضاء العالمي على حد سواء.

ثم ماذا؟ يتساءل بعضنا، في ظل هذا الانحياز الوقح إلى جانب كيان الاحتلال والتستر على جرائمه لبعض الوسائل الإعلامية العربية المتصهينة، والتعامي المستمر للإعلام العالمي صاحب أسطورة الحياد الزائفة، وفي ظل الواقع الحالي لإعلام المقاومة، ما الذي بالإمكان فعله؟

في الحقيقة، لا يمكن أن يجلس أحدنا وينتظر من يعطيه حقه، لأن الحق دائماً ما كان يؤخذ ولا يعطى، فلا يتصور عاقل أن إعلاماً تفوح منه رائحة النفط، يموله نظام سعودي أو قطري، أو خليجي آخر غارقٌ حتى الركب بوحل التطبيع الرسمي، سراً وعلانيةً، مع كيان الاحتلال، يمكن أن يكون مدافعاً عن الحق العربي، أو مؤتمناً على شعب مرتبطٍ به –كما هو مفروض- رابطةَ دمٍ ومصير، كما لا يتوهم أحد أن إعلاماً تابعاً للدول التي شهدت في أقبية الأمم المتحدة جريمة احتلال فلسطين وتسليمها لليهود، وشاركت بصوتها أو بصمتها في استمرار احتلالها حتى يومنا هذا، سينحاز لقضية –على أي قدر كانت من العدالة- ما دامت لا تحقق له مصالحه وتخدمه، كذلك من غير المنطقي أن يقف مكتوف الأيدي أمام إعلام يواجه أعتى آلات الحرب والتضليل بإمكاناته المتواضعة جداً، دونما أي مساهمة حقيقية وفعالة باعتبار كل فردٍ منا جزءاً أصيلاً في خندق الدفاع عن الحق والحقيقة…فلسطين، فما المطلوب إذاً؟

المطلوب –ببساطة- الآن، وبعد 67 عاماً، ألا تغيب هذه القضية عن الأذهان بأي ثمن، وألا تتحول بطولات المقاومين إلى أخبار تمر مرور الكرام، والشهداء إلى أرقام، والأسرى في صفحات الذاكرة إلى ذكرى، المطلوب ألا يغيب صراع الوجود هذا من الوجود، لأن غيابه يعني بالضرورة غياب أصحابه إلى حيث لا رجعة. في فلسطين المحتلة وعى شباب طلائع التحرير هذه الحقيقة فكانت الانتفاضة الطريق الأوحد والأصدق، رفض هؤلاء الموت فاقتحموه بالموت، فدخلنا الزمن الذي تعادل فيه الرصاصة السكين، والسكين الصورة، وتعادل فيه الصورة الكلمة، والكلمة الحق فيه يمكن أن تكون -بهذا المنطق- موقفاً.

والموقف يتطلب استنفار الهِمم والإمكانات بأي طريقة، وإن كان متعذراً كما هو واضح حالياً تشكيل جبهة إعلامية رسمية لا لدعم الانتفاضة فحسب، بل لدعم كل مقاومة تنهض بالأمة، فذلك لا يعفينا إطلاقاً من واجب تشكيل جبهة إعلامية شعبية تليق على الأقل بمستوى تضحيات أبناء الحياة في فلسطين، وترقى إلى عظمة البطولة في أرض الحياة…فلسطين.

كيف ندعم كشباب عربي شباب الانتفاضة؟

 

نضال بدروشي

الرحمة لأرواح شهداء الانتفاضة الذين قدّموا حياتهم مهرا لعروس عروبتنا.. شبابٌ في ربيع العمر يقدمون زهرة حياتهم حُبّا وطواعية دِفاعًا عن كرامتنا العربية.. شبابٌ يبُثّ الرّعب بسكّينه المباركة في قلوب الصهاينة ويقول لهم: لئن مات الكبار فإن الصغار لن ينسوا لأنّ فلسطين سكنت في الجينات العربية .. تحية قومية عربية جذرية من لائحة القومي العربي في تونس والأردن واليمن إلى شبابٍ أعاد للقضية بريقَها وسحب البساط من تحت خونة أوسلو ودعاة الحلّ السلمي الاستسلامي وكلّ من انحرفت بوصلة بندقيتِهِ عن التناقض الرئيسي.

فشباب وأطفال فلسطين بالطّعن والدّهس أعادوا إلينا الأمل والروح، وإن أمّةً شبابُها هكذا يقدّمون أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن هي أمّة لن تهزم بإذن الله.. وبهذه الصورة الرائعة يقوم أزهار فلسطين بإنارة الطريق للعرب جميعا كما فعل أبطال الجيش العربي السوري.

قبل أن نتحدّث عن الانتفاضة الفلسطينية، وعن كيفية دعمها وعن السبيل إلى تحرير فلسطين، ليسمح لنا القارئ الكريم بطرح سؤال قد يبدو ساذجا للوهلة الأولى، سوى أننا نرى بأن الإجابة عليه مهمة بل ومحددة لطرح رؤيتنا للحل فيما يتعلق بقضيتنا المركزية كأمة عربية ألا وهي القضية الفلسطينية.

هذا السؤال هو: لماذا احتُـلّت فلسطين، ولماذا وقع عليها الاختيار ليستوطنها اليهود؟؟؟

سنحاول الاجابة باختصار من دون الخروج عن موضوع شباب الانتفاضة وشباب الأمة…

يمكن لمن يرغب في البحث أن يطلع على الوثائق والمراسلات التي أفرجت عنها دائرة المعارف البريطانية والتي تخصّ الحقبة التي كان فيها بالمرستون وزير الخارجية البريطانية الذي استشعر خطر قيام دولة عربية موحدة على أطماع بريطانيا وأوروبا الاستعمارية بعد محاولة محمد علي باشا الوحدوية في النصف الأول من القرن التاسع عشر.  وقد راسل بالمرستون، عبر سفرائه، حلفاءه في إيطاليا وأوروبا وخاصة العثمانيين وحدّثهم عن ضرورة إقامة كيان غريب في الوطن العربي عصي عن الاندماج والانسجام مع محيطه ليشكّل سدًّا منيعًا أمام قيام أي محاولة نهوض حقيقية تعتمد على كل طاقات الامة العربية تقلب موازين القوى العالمية، وفلسطين هي الحد الفاصل بين الجناح الآسيوي والجناح الأفريقي للأمة العربية وهي أفضل مكان لهذا الكيان.

من هنا نفهم أن احتلال فلسطين جاء أساساً لإضعافنا كأمة عربية، ومن أجل الابقاء على حالة التقسيم والتخلف التي يرزح تحتها الوطن العربي.

فتحرير فلسطين ليس مهمّة الفلسطينيين وحدهم بل هو واجب كل عربي، ونحن هنا لا نطرح مقولة التضامن مع “الانتفاضة” الفلسطينية أو القضية الفلسطينية، فنحن لا نتضامن مع أنفسنا، لأنّنا أصحاب الأرض وفلسطين ملك لنا جميعا كعرب من كل الأقطار العربية، والمعركة التي تدور رحاها على أرض فلسطين هي معركتنا.  وليعلم كلّ شباب العرب أن السبب الرئيس وراء الدرك الاسفل الذي يُحِيطُ بِنَا إنّما هو الاحتلال الصهيوني لـفلسطين. وما العدوان على سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن وغيرها إلّا من أجل محاولة تأْبِـيـد احتلال فلسطين.

يبقى السؤال المطروح هنا هو: كيف يمكن لشباب الامة أن ينصر شباب الانتفاضة؟؟ ما هو دور الشباب العربي خارج فلسطين؟ هل نكتفي بالدعاء والتضرّع لإخواننا المنتفضين في الداخل؟؟ هل نكتفي بالتظاهرات واحتفالات يوم الارض أو المناسبات الدورية؟؟ هل نكتفي ببعض المسيرات هنا وهناك للتنديد بمجازر العدو الصهيوني في غزة والقدس والخليل وجنين؟؟

نحن لا نزايد على الجهود الطيبة والنوايا الحسنة التي تصدر عن العديد من أبناء أمتنا، ولا ندعو البتة إلى التوقف عن إقامة الندوات والتظاهرات والاعتصامات، ونحن مثلا قمنا بتجربة رائدة نعتز بها وهي اعتصام “جك” الذي نقيمه في عمان في محيط السفارة الصهيونية للمطالبة بإغلاق السفارة وإسقاط وادي عربة، وكان اعتصاماً ليس كغيره من الاعتصامات لأنه لم يكن مرتبطا بردّة فعل بل كان اعتصاماً دوريا نقوم به كل يوم خميس من كل أسبوع وقد بلغت مدته خمس سنوات وسبعة أشهر وأسبوعين، وهو أطول اعتصام بتاريخ الأردن، وهو يعد من أطول الاعتصامات في الوطن العربي، وقد أسهم في تدريب المناضلين على النضال الواعي غير المرتبط بردة الفعل.

كل النشاطات التي نقوم بها من أجل فلسطين مهمّة ولكننا نقول بان ذلك غير كاف.. بل إذا اقتصرنا عليه وشعبنا يُذبح كل يوم يصبح روتينا فلكلوريا مقيتا ومثبّطا للعزائم.  وكلنا يعرف بأن ذلك غير كاف وإلّا لتحرّرت فلسطين، فقد احتفلنا وغنينا لفلسطين، وأقمنا لها الندوات والمحاضرات حوالي سبعين عاما ولم تتحرّر.. فلنترك جانبا شعار فلسطين في القلب ولنستبدله بمقولة الصهاينة في قلب فلسطين روح العرب، وعلينا اقتلاعهم.

  • فكيف السبيل الى تحرير فلسطين؟؟

 

  • هل يمكن تحرير فلسطين خارج سياق المشروع القومي العربي؟

عندما ندرك بأن فلسطين احتُلّتْ بهدف الوقوف بوجه مشروع الوحدة العربية، ندرك بأن أي محاولة لتحرير فلسطين خارج سياق المشروع القومي العربي هي محاولة فاشلة بغض النظر عن حسن النوايا.

فخوض الصراع وفق قوانين المحتلّ، أي ضمن الالتزام بحدود سايكس-بيكو، يعزل فلسطين عن عمقها العربي ويمنعها من الاستفادة من الامكانات المادية والبشرية العربية القابعة خارج الحدود التي رسمها المحتل وهذا ما يرجّح الكفة لصالح العدو الأمريكي-الصهيوني.

بناء عليه نقول لا تحرير لفلسطين بمعزل عن عمقها العربي، وإن أي مجموعة قطرية ترفع شعار تحرير فلسطين بمعزل عن العمق العربي تعمل عمليا على تأبيد حالة الاحتلال ما لم تنخلع من ربقة القطرية، ومن هنا نقول أيضا أن كل فلسطيني يرفع شعار “استقلال القرار الوطني الفلسطيني”، على غرار بعض الفصائل الفلسطينية، يعمل على تأبيد حالة الاحتلال ولو رفع عقيرته بالهتاف لفلسطين.  والممثل الشرعي الوحيد المقبول هو البندقية القومية والكفاح المسلّح لا غير وليست المنظمات البيروقراطية القُطرية.

 

إن سعي القوى الامبريالية الى تقسيم الوطن العربي، ومحاولتهم الاجهاز على الامة العربية عبر مشروع اسقاط سورية وتصفية القضية الفلسطينية، بعد ان تم اخراج كل من مصر والعراق من دائرة الصراع العربي-الصهيوني، وسعيهم إلى إجهاض كل ما من شأنه أن يساهم في اطلاق المشروع القومي العربي، ودعمهم للكيان الصهيوني باعتباره ضمانة رئيسية لتقسيم الوطن العربي، كل هذا يوصلنا الى حقيقة واضحة وهي ان الصراع بيننا وبين الصهاينة هو صراع تناحري لا يُحَلّ الا بالقوّة ولا مجال للتسوية فيه، و تمسكنا بالموقف القومي الجذري ليس تنطعا أو من أجل رفع شعارات رنانة وإلقاء الخطب الجوفاء فحسب، ورفضنا للحلول الوسطية ليس رفضاً من أجل الرفض، إنما هو رفض سوف نبرهن على صحته منطقيا في السطور التالية.

  • هل يمكن لنهج التسوية أن يحرر فلسطين؟ الانتفاضة والكفاح المسلح في مقابل نهج التسوية:

 

قبل عقود كانت الصراع مستعراً بين أصحاب النهج التسووي ودعاة التعايش مع الغزاة من جهة وبين أصحاب المشروع التحرّري الذين يرون أن الصراع العربي الصهيوني هو صراع تناحري لا يمكن خوضه إلّا عبر فوهة البندقية واعتمادًا على الكفاح المسلّح كطريق وحيد لتحرير فلسطين كما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدّل الذي وقّعت عليه كل الفصائل والشخصيات الفلسطينية مجتمعة في القاهرة قبل ان يتم تعديله ومسخه.

أمّا اليوم فلا حاجة لإثبات فشل نهج التسوية في استعادة الحق المغتصب، فبعد ان جُرّب هذا التوجه من قبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح وغيرها لمدة عقود، فقد تبين لكل من يمتلك بصيرة، بل وحتى لضعاف البصر، أن نهج التسوية لم يجلب لفلسطين إلا الخراب والمزيد من التفريط في الارض وإهدار الحقوق.

كما أنه لم تعد هناك حاجة لإثبات فعالية نهج الكفاح المسلح، خاصة بعد تجربة حرب تحرير جنوب لبنان وحرب تموز 2006، وكذلك الثورة الجزائرية وثورة تحرير فيتنام وغيرها، فكل هذه التجارب تثبت أن البندقية أصدق أنباءً من حمائم السلام المدنس وأغصان الزيتون.  وكلّنا يعلم أنّ شعار “ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلّا بالقوة” إنّما أطْلِقَ في الأصل عن فلسطين، وما تقوم به المقاومة العربية السورية اليوم، مقاومة الدولة والجيش والشعب العربي السوري، يؤكّد صحّة هذا الشعار، كما دعّمته انتصارات 2000 و2006.

والقوى الامبريالية التي تتحكّم في كل المؤسسات الدولية تراهن على بقاء الكيان الصهيوني كضمانة لعدم قيام المشروع القومي العربي. لذلك فإنّ المطالبة بالتوجه للمحاكم الدولية والأمم المتحدة وما شابه من الهراء، رداً على انتهاكات الصهاينة من حرقٍ للبشر والشجر والحجر والمقدسات، تعتبر تمييعاً للغضب الشعبي، يثير القرف والغثيان لدى كل مقاوم حقيقي، خصوصاً عندما يأتي الخطاب من طرف يفترض أنه وطني أو مقاوم.  فهذه الجرائم هي استمرار لنهج صهيوني عمره أكثر من مئة عام، كما أنّ بشاعة هذه الجرائم تذكرنا أن الصراع هو صراع وجود قبل أي شيء اخر.

إذا ما تأمّلنا في انتفاضة السكاكين نرى أن شباب فلسطين طفح به الكيل من استرسال العدو الصهيوني في استباحة أرضه، ومن جراء انكشاف مشروع “التسوية” الخيانية والتنسيق الامني المقيت الذي تعتمده السلطة الفلسطينية، كما أنه ضاق ذرعا بصمت بقية الفصائل المقاومة التي طال صمت بنادقها، حتى أصبح صمتها مريبا، فجاءت سكين الذئب الفلسطيني المنفرد لتكسر هذا الصمت ولتعزف لحن التحرير فاستحقت هبة شباب فلسطين شعار “سكاكين مدوية وبنادق صامتة”، سكاكين مدوّية في وجه مؤامرة “الربيع العربي” الذي همّش القضية الفلسطينية وأغرق العرب في حروب داخلية دامية، ولمّا عجز الموت المؤكّد أن يوقف هذه السكاكين المزمجرة يحاول البعض أن يكبحها بدعوى “القيادة الموحدة”.

ان الذئب الفلسطيني المنفرد يقوم بردة الفعل الطبيعية على وجود الاحتلال على ارضه وهو يدرك أن فعله المقاوم قد لا يؤدي الى تحرير فلسطين وانما يقوم بدوره في ظل عجزنا جميعا.

هذه الحالة الشبابية العربية الفلسطينية، في ديناميكيتها الحركية وسقفها السياسي وأشكالها النضالية، تمكّنت من:

  • تجاوز كل الفصائل لتتصدّر المشهد السياسي الفلسطيني ولتصبح اللاعب الرئيسي فيه،
  • إعادة توجيه البوصلة نحو التناقض الرئيسي، في مفارقة ناصعة مع المشهد العربي الغارق في التناقضات الهوياتية السخيفة،
  • تعرية السلطة الفلسطينية وتواطئها وتنسيقها الأمني. ولهذا صار لا بد من احتوائها وإجهاضها، أو الركوب عليها، كلٌ بحسب أجندته، تحت عنوان مخاتل هو “القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الثالثة”.

انتفاضة السكين والحجر اليوم ربما لا تتمكن من تحرير فلسطين، فذلك يتطلب أطراً أكثر تبلوراً، وبرنامجاً سياسياً أكثر وضوحاً وتماسكاً، وقيادة وامتداداً عربياً، غير أنها تمثل، بشكلها الحالي، حالةً أكثر تقدماً من كل ما هو سائد، حالة دفاعية حقيقية، وأداة ضغط على الاحتلال لا يجوز تمييعها في هراء “الحماية الدولية للفلسطينيين”، أو في إعلان فارغ آخر للـ”استقلال”، أو احتواءها في إطار “قيادة موحدة” لا يملك أيٌ من أطرافها مشروعاً أفضل أو سقفاً أعلى من مشروعها وسقفها.  إنها، ببساطة، أفضل امل لنا اليوم، فدعونا لا نضيّعه بالمشاحنات الفصائلية أو مقتضيات “الالتزامات الدولية”.

ويخطئ من يحاول أن يقدم “المقاومة الشعبية” بديلاً للمقاومة المسلحة، إنما هما مكمّلتان لبعضهما، وكلتاهما لا تحقق غايتها من دون وضوح في الرؤية السياسية، إذ ليس هناك أتفه من هدف “الدويلة” الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس الشرقية إلا تفاهة هدف “الدولة الواحدة” التعايشي مع المحتل الغاصب. لأن الثوابت العربية في فلسطين، كما حددها الميثاق القومي لعام 64 والميثاق الوطني الفلسطيني لعام 68 هي أن فلسطين عربية من النهر إلى البحر، وأنها لا تحرر إلا بإستراتيجية الكفاح المسلّح، وأن اليهود فيها غُـزَاة. وقد كان غياب قيادة صلبة تمتلك وضوحاً سياسياً أحد أهم أسباب تبديد جحافل التضحيات العربية الفلسطينية منذ نهاية القرن التاسع عشر.

  • كيف نساهم كشباب عربي في دعم انتفاضة شباب فلسطين؟

إن الأعمال العفوية ورَدّات الفعل التي تصدر من الشارع العربي وبعض التنظيمات والأحزاب العربية رغم حسن نيتها عموما ورغم تحقيقها لبعض النتائج الطيبة الصغيرة أحيانا إلا أنها لا تتعدى أن تكون ردة فعل تساهم في تنفيس الاحتقان الذي نشعر به تجاه عدونا الموغل في سفك دمائنا واستباحة أرضنا وعرضنا.

واذا امعنا النظر قد نجد أن لها أثرا سلبيا بعيد الامد، فالمواطن العربي الذي يحاول ارضاء ضميره ليقول في نفسه “لقد قمت بشيء على الاقل ولم أسكت في وجه هذه المجزرة او هذا العدوان او ذاك” يبقى حبيس ردود الفعل ونضال المناسبات في الوقت الذي يخطط عدونا لنا بعقل بارد وبنفس طويل، ويمكن تشبيه انتفاضات الشارع العربي في وجه المجازر الصهيونية بانتفاض جسد يتعرض للحرق وللصعق فلا انتفاضه يقيه شر العدوان ولا صراخه يجيره من العدوان القادم.

فما هو المطلوب؟؟؟

ان عجزنا كقوى قومية وعروبية في الساحة العربية برمتها عن بناء تنظيمات قوية عابرة لحدود الأقطار قادرة على حمل مشروع الوحدة والتحرير والنهضة هو السبب وراء بقاء فلسطين محتلة، وبالمناسبة ليست فلسطين وحدها محتلة، ربما يتحرك القوميون لنجدة فلسطين كونها محتلة احتلالا مباشرا إلّا أننا كدنا ننسى أن أغلب أقطارنا العربية محتلة وخاضعة للهيمنة الغربية من رأسها حتى أخمِصِ قَدَمَيْها..

إن تحرير أي جزء من الأرض العربية الخاضعة لقوى الهيمنة الاجنبية هو خطوة نحو تحرير فلسطين.. ومحاربة التطبيع في الاردن وفي مصر وفي تونس مثلا هو خطوة نحو تحرير فلسطين..

إن محاربتنا للتطبيع وللصهيونية ولمعاهدات السلام في أقطارنا العربية لهو خير دعم لمن حمل سكينه وروحه على كفه ليضع حدا لتنعّم المحتل بالسّلام..

وبما ان الطرف الامريكي الصهيوني قد أعلن حربا على الامة العربية تأخذ اشكالا شرسة ومتعددة عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية ونفسية وغيرها، فإن مقاومتنا له يجب أن تكون شاملة من حرب العصابات ومقاومة الصهينة والتطبيع ومقاطعة المنتجات الامريكية والصهيونية إلى نشر الوعي المقاوم واستنهاض الهمم وإيقاظ كل من غفل عن المعركة من أجل توسيع الامتداد الشعبي وهذا يستوجب منا كشباب:

1) اتخاذ المقاومة بكل أشكالها موقفا في العمل عند كل المستويات التي يدور فيها الصراع، فنحن نرى الدواعش كيف يشدّون الرّحال من كل حدب وصوب لِمَا يُسَمّونه جهادًا ولا نقوم بواجبنا في أن ننقل الشباب العربي من كلّ الوطن للدّفاع عن سورية وفلسطين والعراق وليبيا واليمن ..

2) حسم الموقف بشكل نهائي من الحلف الامريكي الصهيوني وأدواته ومواجهة نزعات التذبذب والوسطية في صفوفنا

3) الاستعداد لتقديم التضحيات دون حساب للوصول بالمواجهة إلى نهايتها المنطقية، إذ أنّ العمل بخطوات مترددة لا يقلّ سوء عن التقاعس عن العمل.

4) جعل الهدف الاستراتيجي لنشاطنا خلال المرحلة المقبلة تأسيس بنى تحتية مترابطة لحركة شعبية عربية شاملة تستطيع تحمّل أعباء المواجهة بجميع مستوياتها بشكل منظم ومستمرّ.

فلسطين عروس مهرها الكفاح المسلّح عبر جبهة عربية موحّدة للتحرير.

أثر “الربيع العربي” على القضية الفلسطينية والإنتفاضة الفلسطينية الثالثة

نسرين الصغير

كانت القضية الفلسطينية هي القضية العربية التي تجمع كل العرب بإختلاف إنتماءاتهم السياسية يسارية وقومية واسلامية وكانت فلسطين البوصلة، حيث كان الخبر الفلسطيني يتصدر نشرة الأخبار والعملية البطولية الإستشهادية هي الخبر الذي ينتظره كل العرب.  كان التطبيع جريمة،  والتواصل مع الكيان الصهيوني خيانة، والتنازل عن شبر من فلسطين عمالة، إلى أن جاء ما يسمى بـ”الربيع العربي” بأجندته البرتقالية، فأصبحت الرجعية العربية حاضنة الثورات، وقبلة الثوار، وحتى رموز المقاومة الفلسطينية باتت عناوينهم المفضلة في قطر وغيرها.

هبّ “الربيع العربي” على الوطن العربي برياح صهيونية لا صلة لها بما تعانيه الامة العربية من همومٍ حقيقية، وجاء  منقطعا عن قضية التحرر الوطني، بل جاء بمقاييس غربية صهيونية، فهمش التناقض مع الإمبريالية والصهيونية، وهيأ الظروف اللازمة للتفكيك وإشاعة الصراع الطائفي والقبلي والاثني.

منذ تعلمنا ألف باء القومية العربية كنا نعلم أن سورية والعراق ومصر، بما تمثله هذه الأقطار من مراكز ثقل سياسي واقتصادي، واهمية موقعها الجغرافي، كنا نعلم ان في قوة هذه الأقطار  قوة الوطن العربي، وفي ضعفها وتقسيمها ضعف وتقسيم الوطن العربي، وأن جيوشها هي الجيوش المركزية.  بدأ العدوان على العراق عام 1990 واكتمل عام  2003، وتم احتلال العراق وتشتيت جيشه وتمزيقه، ودخل العراق في مرحلة شطب عروبته بابعاده عن القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

 وفي العام الـ 2011 بدأت مرحلة جديدة، مرحلة الإحتلال الناعم، أي من دون طائرات وجيوش إلا في ليبيا.  ففي تونس بدأ “الربيع العربي” وسقط نظام بن علي ونجحت الخطوة الأولى، فتوهم العرب أن المرحلة الأولى إسقاط الأنظمة والثانية تحرير فلسطين.  ومن تونس تحرك قطار الموت لمصر فسقط مبارك الحليف الأول للإمبريالية والصهيونية في الوطن العربي.  وسائق القطار توجه لليبيا، لكن بأدوات وأسلحة مختلفة، فكان العدوان الجوي على ليبيا وإسقاط النظام الليبي، لكن بأسلحة غربية وأموال عربية، وانتقل القطار، لكن بسرعة أعلى، وتخطيط أكبر.  فالمرحلة أو القطر القادم هو الأهم، وهو القطر الذي يجب تفتيته لضمان كسر المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان، وفعلاً واجه هذا المخطط نجاحا نسبيا ملموسا، وعزز هذا النجاح  صعود حركة الاخوان المسلمين للسلطة وخصوصا في مصر.

 شابت هذه المرحلة الهرولة نحو السلطة من قبل كثير من القوى الطامحة للوصول لها، وهذا بدا واضحا انه على حساب فلسطين وحلم التحرير، فأصبحت توجهات الحكام الجدد (الثوار) نحو تمتين السلطة، او الإلتهاء بالشأن الداخلي، او النزوع نحو تعزيز ثورات في اقطار عربية،  لتصبح من نفس اللون السياسي، فأصبح “تحرير” سورية له أولوية في الاجندة الاخوانية المصرية على حساب فلسطين، وحتى فصيل كحماس انساق خلف هذه الدعاية وقاطع الشام على وهم ان دولة الخلافة المزعومة قد قامت في مصر، فلا حاجة للتودد لدمشق، بل لا بد من أن تكتمل حلقة “الربيع”، وعلى وهم اخر هو ان الطريق نحو الحلول محل “فتح” في قيادة السلطة الفلسطينية قد فتحت.

أسس “الربيع العربي” لقاعدة جديدة في سلم الأولويات والثوابت، فمثلا ظهرت نزعة قوية ومفتعلة لاقامة دولة إسلامية، “دولة الخلافة”، كما اصبحت التلاوين الدينية هي العنصر الظاهر في الصبغة الثورية وبمضامين طائفية صارخة.

ربيع الطوائف هو السمة البارزة “للثورات” العربية.  في السابق كانت فلسطين هي طائفة الجميع، اما الان فأصبح السؤال: ما هي طائفتك؟ في ثقافة الربيع الصهيوني لم يعد مهما السؤال عن مكان الصهيونية و”إسرائيل” في مفاهيم عصر الثورات الملونة، التناقض مع الكيان الصهيوني اختفى من بين ثوابت الامة لحساب الصراع الطائفي.

الامة في انشغال عن قضاياها الأهم: الاحتلال والتخلف والتبعية.  والإعلام يخلق لها قضايا تافهة وأولويات مزيفة: مثلا كم عدد ممثلي منطقة ما في قُطر ما في البرلمان الجديد؟  هذه القضية يجتمع لها مجلس الامن وتحتدم المعارك بين الفرقاء لأجلها، ويمكن سرد عشرات الأمثلة التي أصبحت قضية وجود بالنسبة لشباب الامة يضحون بأنفسهم من اجلها.. في هذه المعمعة اين هي فلسطين وأين هي ثوابت الامة؟

الأولوية السعودية  مثلا هي “تحرير” سورية واليمن بالتنسيق مع الكيان الصهيوني، وليس مهما ان تبقى جزر صنافير وتيران تحت الاحتلال الصهيوني!!

وبعد كل هذه الأحداث، على مدار أكثر من خمس سنوات، هل لا زلنا نسأل أين القضية الفلسطينية؟ القضية الفلسطينية موجودة في قلب الأحرار الذين يدافعون عن عروبة سورية ومصر والعراق وموريتانيا.  القضية الفلسطينية موجودة في عقول من يخطط لطعن جندي أو دعس مجموعة صهيونية تقف على موقف الباص ليثأر لوطنه وأبناء عمومته.  القضية موجودة في ساحة جامع الكالوتي في عمان،  بعد أكثر من خمس سنوات ونصف من الإعتصام لرفض وجود السفارة الصهيونية في الأردن والمطالبة بإسقاط معاهدة وادي عربة التي تربط القطر الأردني بالكيان الصهيوني، القضية الفلسطينية موجودة لدى كثير من الشباب الذين يحاربون فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني في تونس ومصر والمغرب والأردن، القضية الفلسطينية موجودة عند كل من يرفض أي برنامج تسوية مع الكيان الصهيوني أو القبول بحدود الـ 67، القضية الفلسطينية موجودة عند كل من رفض معاهدات الإستسلام من كامب ديفيد لأوسلو ووادي عربة، القضية الفلسطينية هي أساس حياة كل من رفض تقسيم الوطن العربي وتدميره بكل أشكاله (الطائفي والقبلي والاثني).

في كل يوم نسمع عن عملية في فلسطين المحتلة، من طعنٍ أو دعسٍ أو إطلاق نار.  نصمت لنشاهد أين برنامج المقاومة والتحرير الذي تخلى عنه معظم أهله.  ففي فلسطين حماس تعترف بحدود الـ 67، وفتح خاضعة لقرارات أوسلو، وغيرهم كثر.  نبحث عن من كانوا يقولون أن  الطريق إلى فلسطين لا يمر إلا عبر فوهة البندقية، وأخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر.  أين التغطية الإعلامية لأبناء فلسطين الذي يسقطون كل يوم وهم يدافعون عن القضية المركزية؟!  اليوم، وبعد “الربيع العربي”، أصبحنا نرى من يحتفل بالقصف الصهيوني لدمشق،  والقصف السعودي لليمن، واستهداف أبناء الجيش العربي السوري والمصري، وهناك من غنى ورقص لقصف الناتو لليبيا.  كل هذا مقابل إسقاط أنظمة عربية؟ وسقطت هذه الأنظمة!  هل من جاء بعدها فتح الحدود وجهز العدة والجيوش لتحرير فلسطين؟

أصبحنا نشاهد أبناء “الثورة” السورية يُدربون ويعالجون في مستشفيات صفد، أي في مستشفيات الكيان الصهيوني، ويشرف على تدريبهم عراب الربيع الصهيوني برنار هنري ليفي.

في مواجهة مشروع تزييف الوعي، علاوة على التدمير والتخريب الممنهج من قبل عصابات وأنظمة عربية وغير عربية، نقول أنه عدوان واقع على الامة برمتها.  فالكل ضحايا، باستثناءات هنا وهناك، ويبقى الامل معقودا على نجاح الجمهورية العربية السورية بهزيمة المشروع التدميري بجيشها وإعادة التوازن للانقلاب في المفاهيم.

 

كلمة حول انتفاضة شباب السكين

 

انتصار عنابي

 

تحية عربية قومية جذرية،

نحن العرب لسنا بحاجة محطات احتفاليّة ومتضامنة مع القضيّة الفلسطينيّة التي تمثل جزءاً من واقعنا المرير، واقعنا المثقل بعبء التخلف والاحتلال والتجزئة، فلسطين ليست بحاجة إلى بكائيّات يوم نكبة الاحتلال او اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين وإلى ما هنالك، فنحن ببساطة لا نتضامن مع انفسنا، بل نتبنى قضايانا عن جدارة ونقدم الغالي والنفيس للمحافظة على وجود امتنا العربية.  فلا ضمانة اليوم لبقاء شعب واحد وتاريخ واحد ولغة واحدة وجغرافيا واحدة إلا بتبني نهج المقاومة في الموقف والعمل، وأن نتبنى حلولا جذرية من اجل تغيير الواقع تغييرا شاملا وكليا.

تعيش امتنا العربية اليوم نكسة تتمثل بابتعاد العرب عن ساحه معركة المصير وبتحريف البوصلة من الاتجاه السليم، حيث مصلحة الامة والقضية الفلسطينية، نحو التملّص والتملّغ من المسؤولية امام الوطن والتاريخ. وما زاد الطين بلّة في ضبابية الرؤية لدى العرب، خصوصاً الفئة الشبابية العربية، هو صاعقة “الربيع العربي” التي انقضّت علينا ارضا وشعبا وحضارة من دون رحمة.

بالأمس دُمر العراق واليوم دُمرت ليبيا وخُربت سورية وقسم السودان وتم غزو اليمن وصولا الى التآمر على الجزائر ومصر.

سأخص بالذكر، واختصر، ما قدمته “ثورة الياسمين” بالقطر التونسي للقضية الفلسطينية؛ فقد كانت أول خطوة اتخذتها الحكومة الإخوانية الرجعية لحركة النهضة رفض القطع مع كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد إلغاء الفصل 27 من الدستور، الذي ينص على تجريم التطبيع، وقد نال هذا القرار أصوات أغلبية نواب حركة النهضة داخل المجلس التأسيسي طبعا لإرضاء العدو الصهيوني ومن تبعه، ناهيك عن إقدام الحكومة الاخوانية على فتح باب التطبيع علنا بذريعة انعاش الوضع الاقتصادي لتونس، مع أن تونس قطر غني بثرواته، ولكن ثرواته منهوبة من عملاء الداخل وأعداء الخارج.  ولنفترض جدلا بان الوضع الاقتصادي مزرٍ، فإن ذلك لن يكون مبررا لجرائم التطبيع طبعاً، بالإضافة الى السماح بدخول 61 صهيونيا بجواز سفر “إسرائيلي” الى الأراضي العربية التونسية. أضف إلى ذلك، ولأول مرة في تونس، إحياء ذكرى الاكذوبة الكبرى لما يسمى “المحرقة اليهودية” من قِبل جمعية حماية الاقليات المدعمة من الحكومة الاخوانية.  إن زعيم حركة النهضة، قائد تطبيع الاسلام السياسي مع العدو الصهيوني راشد الغنوشي، لم تنقطع زيارات ولائه المتكررة الى المنظمة الصهيونية في واشنطن ” آيباك AIPAC ” منذ سنة 2011، اي مع بداية “ثوره الياسمين”، مما لا يتم بالصدفة طبعاً.

وفي خضم موجة الثورات الملونة المرتبطة اساسا ومباشرة بمصالح الإمبريالية- الصهيونية اثبتت انتفاضة السكين ان الربيع الذي لا يزهر بفلسطين هو ربيع مشبوه وجب قبره.

من غزة للقدس الى جنين جاءت انتفاضة السكين لتحرك المياه الراكدة في الضفة وجل الاراضي المحتلة بفلسطين، فبالرغم من تمحور الاستراتيجية الصهيونية على تكسير مقاومه الشعب الفلسطيني وتوجيهها نحو معارك المؤسسات الدولية وخزعبلات المساواة مع الغزاة فقد اثبت شباب فلسطين بالدهس والحجارة والسكين ان العدو الاساسي يبقى الكيان الصهيوني وان صراعنا مع العدو صراع تناحري حي لا يموت الا باجتثاث اخر صهيوني من على ارضنا العربية، وعلى شباب الداخل الفلسطيني المقاوم ان يتجنب محاولات التشويش على انتفاضه فلسطين المباركة تحت عنوان الوحدة الوطنية مثلا، فالوحدة الوطنية لها شروط وثوابت، فبات من المستحيل ان نتفق مع من فاوض وهادن او تحول بمشروع التحرير الى مشروع انتخابات تحت سقف العدو مثلا!!  فلولا صمت البنادق، ولولا انحراف جل قيادات الفصائل الفلسطينية، لما تجاوز الشباب الخط السياسي برمته… اذن المطلوب من شبابنا العربي الفلسطيني مواصلة المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية من دون الاعتماد على وجوه قد سقط القناع عنها .

أما ما العمل من شبابنا العربي خارج فلسطين فلا اجد دليلاً غير اعتصام جك الذي اصبح رمزا يقتدى به بعد ان دام أكثر من خمس سنوات ونصف للمطالبة ببطلان معاهدة وادي عربة رغم محاولات القمع والتضييق من اجهزة الاستخبارات الأردنية، ومن هنا نحيي رفاقنا في لائحة القومي العربي، ومن هنا ايضا نناشد ونطالب بشدة باسم النخوة العربية شرفاء الامة بان يلبوا نداء فلسطين، وأخص بالذكر شرفاء مصر، فهل يعقل أن مصر الوحدة، مصر جمال عبد الناصر، مصر القومية العربية، مصر حرب التحرير أن يرفرف علم الكيان الصهيوني في سمائها من دون اتخاذ خطوة جريئة ونوعية أزاء سفارة العدو بالقاهرة!!! هلموا نحو عمل جماعي منظم ودوري من اجل بطلان اتفاقية مخيم داود، لأن فلسطين، وسورية، وكل الوطن العربي بحاجة إلى رجوع مصر الى حضن العروبة. علينا بالمقاطعة مع هذا الكيان الخبيث وداعميه، ولا بد من مقاطعة المنتجات الصهيونية.  فمع كل استهلاك لمنتوج صهيوني تكون قد اعترفت بالعدو اولا ودعمته اقتصاديا بشكل او بآخر، ومن هنا نتوجه بالتحية الى حملة استحِ لمقاطعة المنتجات الصهيونية وإلى المشرفين عليها بالقطر الاردني.

فلسطين بحاجة إلى شبابها الثائر للحق وللقضية، فلسطين بحاجة الى الوعي العام وبحاجة للمشروع القومي العربي الذي تمثل الحركة الشعبية العربية المنظمة رافعته الشرعية والوحيدة.  ولكن كيف لهذه الحركة أن تبنى من فراغ! من المؤكد انها لن تَبني النواة بشبابٍ عقولِهم مغيبةٌ، وبتنظيماتٍ مشاريعها ضيقة، وبأحزابٍ متشظية ومتنازعة!!! فلسطين بحاجة إلى السلاح ثم السلاح ثم السلاح.

عاشت فلسطين كل فلسطين ، عاش الجيش العربي السوري رجال الله على الميدان وعاشت امتي العربية والموت للصهاينة وأدواتهم.

ماذا أستطيع أن أفعل من أجل فلسطين؟

رسالة لأخي الشاب العربي وأختي الشابة العربية

إبراهيم علوش

كلما اعتدى الكيان الصهيوني على فلسطين أرضاً وشعباً تساءل شبان عرب كثر، وفلسطينيون في الشتات، ماذا يستطيعون أن يفعلوا من أجل فلسطين… ويترافق مثل هذا الشعور عادة مع تأجج داخلي يطمح بنتائج فورية…  ليعود الشعور إلى الخفوت تدريجياً مع تراجع التغطية الإعلامية للعدوان عن شاشة الحدث اليومي… ليحل محله الاهتمام بالشأن الشخصي، كما كانت الحال قبل العدوان.

من الطبيعي أن مثل هذه الفورة العاطفية تبقى علامة خير، ودلالة أن الأمة فيها نبض حياة، وأن رد الفعل الشعبي العربي على العدوان من المفترض أن يكون أكبر وأشد واقوى، كما كان في أيام الخير عندما كانت كل الأمة من المحيط للخليج تتأثر لأي خَطبٍ يلم بأي جزءٍ منها وتتفاعل مع أي حالة مواجهة مع الاستعمار أو الصهيونية في أي بقعة فيها، خُطَب العملاق العروبي جمال عبد الناصر نموذجاً.

لكن الفرق بين الزمن الجميل وأيامنا الرثة ليس فقط أن منسوب التفاعل الشعبي العربي مع الحدث كان أقوى وأشد مضاءً، إنما في وجود قوى قومية ووطنية ويسارية منظمة كانت مستعدة وقادرة على “تثمير” المد الشعبي في الشارع على شكل مكاسب سياسية في كثيرٍ من الأحيان، كحكومة سليمان النابلسي في الأردن عام 56، عندما تمكنت القوى الوطنية والقومية للمرة الأولى، والأخيرة، من فرض رؤيتها لبضعة أشهر على خلفية الزلزال القومي الذي ضرب المنطقة.

الفرق الآخر يكمن في انتشار النزعات الطائفية والجهوية التي تشق الشارع، وفي انتشار النزعات الفردية الاستهلاكية النابذة التي تهمِش مفهوم “الجماهير” و”الشعب” ليحل محلها مفهوم “الأنا” و”الفرد”، مما يضعف الاهتمام بالقضايا العامة ابتداءً، ناهيك عن الاستعداد للعمل والتضحية من أجلها.  ويمكن أن نضيف هنا انتشار النزعات الهروبية اللاعقلانية، التي لا بد لها أن تنتشر عندما يتراجع المد الوطني والقومي، من نمط الاعتقاد أن خلاص الأمة يكمن في التزام الجميع بـ “دخول الحمام بالقدم اليسرى”، أو في فرض البرقع أو فرض مخالفة مالية على كل رجل يقل طول لحيته عن أربعة أصابع، إلخ…

وثمة فروق أخرى كثيرة بالطبع ما بين زماننا والزمن الجميل، ويبقى السؤال: ماشي، لكن ماذا استطيع أن أفعل من أجل فلسطين لمواجهة العدوان الصهيوني عليها هنا والآن؟

الجواب هو أن أية قضية أو مشكلة عامة، مثل العدوان الصهيوني في فلسطين أو في أي بقعة عربية أخرى، لا يمكن التصدي لها ببطولات فردية.  فالمشكلة العامة تحتاج إلى عمل عام.  والعمل العام يعني التعاون مع آخرين من أجل السعي لإيجاد حل لتلك المشكلة العامة.  فليس هناك من “سوبرمانات” أو “طفل معجزة” في العمل السياسي.  والعمل الفردي ربما يريح ضميرنا، وربما يكون أسهل من عبء التنسيق مع غيرنا، وهو ما يتطلب التعامل مع أمزجة وخلفيات ومستويات ثقافية مختلفة، لكن العمل الفردي من النادر جداً أن يأتي بنتائج مثمرة على المدى الطويل.

إذن المطلوب هو العمل العام، وهذا يعني: 1) التواصل والتنسيق مع غيرنا ممن يحملون قناعات متشابهة، 2) من أجل بلورة خطة عمل قابلة للتنفيذ وتنفيذها، و3) وهو ما يتطلب أصلاً وعياً سياسياً وموقفاً متبلوراً مما يجري على أساس قاعدة مشتركة، أي لا يكفي أن أكون أنا أو أنت قد وصلنا لذلك الوعي أو الموقف، بل يجب أن تصله “كتلة حرجة” من الناس، بمعنى كتلة قادرة على التأثير في الواقع، فكما سبق الذكر، ليس هناك من “رجلٍ خارق” في العمل السياسي.

المسألة ليست بتلك البساطة طبعاً، لأن الإمبريالية والصهيونية وعملاءهما يدركون هذه الحيثية تماماً وسيكونون بانتظارك ليخترقوا تلك الحالة النضالية الناشئة ويحرفوها عن مسارها أو يدمروها من الداخل.  ثم أن من مارس العمل العام، الحزبي أو السياسي أو النقابي فترةً كافية، يعرف جيداً أن كل حالة عمل عام، بغض النظر عن الاختراقات الخارجية، كثيراً ما تجتذب مزيجاً متنافراً من المغامرين غير المتّزنين، ومن الانتهازيين المتسلقين، ومن أصحاب الأجندات الخاصة وعابري السبيل وشذاذ الآفاق والحالمين التطهريين شديدي الحساسية، بالتمازج مع كتلة صادقة مضحية مخلصة مفتقدة للخبرة والتجربة والرؤيا.

فالعمل العام صعبٌ، لا نزهةٌ على الشاطئ، ولذلك يسمى نضالاً، وهو يتطلب قدراً كبيراً من المِراس والصبر وطول النفس والعطاء، ويتطلب قبل كل شيء نوعاً من التضحية، لا يتخذ طابعاً درامياً، قد لا يكون استشهاداً أو أسراً أو إصابة برصاصة أو شظية، بل هي تضحية بالراحة الشخصية يومياً وبالـ”أنا”، أي بتقديم الأولويات النضالية على الحسابات الشخصية من أي نوع، فالمناضل المخلص يتّسم باتحاده وحلوله في القضية التي يناضل من أجلها، وبتحييد اعتباراته الذاتية لمصلحة اعتبارات العمل، كذلك يتطلب العمل العام جهداً دؤوباً للقضاء على النزعات الانتهازية والتخريبية ولمجابهة الأمراض النفسية التي تنتقل بالضرورة من المجتمع للحالة النضالية لتضربها من الداخل، وهي الأمراض الاجتماعية والنفسية نفسها التي تتطلب مواجهتها أكثر من توفر الوعي السياسي والاستعداد للتضحية والاستشهاد من اجل القضية.

إن نقطة ضعفنا المركزية نحن العرب هي عدم قدرتنا على العمل معاً، وبدون العمل الجماعي المنظّم لا ننتج شيئاً إلا بالصدفة، فاللوبي الصهيوني قوة منظمة ذات برنامج مثلاً، والإمبريالية أجهزة وهيئات منظمة، ومن يريد أن يواجههم حقاً لا يستطيع أن يعمل بمنهجية “يا رب تيجي في عينه”!!!!   حتى المرات التي يبدو فيها العمل الفردي ظاهرياً كأنه أنتج شيئاً مفيداً، كما يحدث عندما ينزل عشرات آلاف المواطنين مثلاً بدون تنسيق من أجل قضية واحدة في الشارع، فإن التأثير هو التأثير الجماعي، العام، لكنه تأثير يسهل احتواؤه ويصعب أن يدوم لأن لا تنظيم فيه ولا برنامجَ يهديه.

إذن الحل على المدى الطويل هو العمل الجماعي المنظم، على هدى موقف سياسي يستند لمرجعية مصلحة الأمة، ويستند لبرنامج سياسي يربط المحلي بالقومي، ويربط الراهن بالاستراتيجي، وما عدا ذلك فإن العمل خيرٌ من القعود، إنما العمل المنظم خير من العمل العفوي، والعمل المنظم وحده هو الذي يستطيع الإفادة من الفورات العفوية.

بعد كل ذلك، ماذا نستطيع أن نفعل هنا والآن من أجل فلسطين؟

أولاً، عبِّر وعبِّر بقوة عن موقفك، مع أصدقائك ومعارفك وأهلك وزملائك في العمل أو الدراسة، على صفحتك على الفيسبوك، على جدران الحارة، وفي كل مكان، فربما تظن أن رأيك الفردي لا قيمة له، لكنه عندما يضاف بنفس الاتجاه لملايين الأصوات الصغيرة، فإنه يصبح رأياً عاماً يفرض نفسه، أو يجبر المطبعين والمفرطين والمستسلمين على التقليل من وقاحتهم على الأقل.

ثانياً، انزل للشارع للاحتجاج على الصمت العربي وضد التطبيع مع العدو الصهيوني ودعماً للمقاومة، فالاحتجاجات أسقطت دولاً وأنظمة بأكملها ولكنها يجب أن تكون كبيرة لتكون مؤثرة، بيد أن الاحتجاجات لا تولد كبيرة بالضرورة، بل هي كالشجرة تتطلب الرعاية والسقاية والوقاية من عوامل الزمن، ولذلك نسّق مع غيرك من أجل تنظيم الاحتجاجات.

ثالثاً، اكتب بياناً ووزعه، عبر وسائل الاتصال الاجتماعي أو ورقياً، وأعد نسخ وتوزيع البيانات التي تعجبك.

رابعاً، جهّز عريضة واجمع التوقيعات عليها.  الحوارات التي تجري مع من تطلب منهم التوقيع، ولو صاروا يتهكّمون أو يهزأون، هي حوارات تفيد بنشر الوعي وقد تنبه بعض النائمين وتحرك بعض المتقاعسين.

خامساً، قاطع المنتجات الصهيونية، ومنتجات الشركات التي تدعم العدو الصهيوني أو تتعامل معه، وقم أو شارك بحملات لإيقاف دعم عدونا بالمال الذي يستخدمه لشن العدوان علينا ولتهويد الأرض من خلال مقاطعة الصهاينة.

سادساً، الاجتماعات العامة التي تدعو لها أو تُدعى إليها هي المكان الذي يمكن أن تنشأ عنه مشاريع وأفكار للعمل والتحرك، فانخرط بما تجده مقنعاً ومفيداً منها، ومن المؤكد أن الكثير منها يتم بغرض التنفيس والتشتيت، وعليك أن تكتسب الخبرة للتمييز ما بين النوعين.

سابعاً، كن واضحاً صريحاً قاطعاً في دعم المقاومة، المسلحة منها تحديداً، والاستشهادية بالأخص، فلا شيء يكسر شوكة العدو مثلها، ولن تتحرر أراضينا بدونها.  هنا سلاح الموقف السياسي الواضح هو الذي يجب أن يتم إشهاره.  وقلها بكل فخر واعتزاز: أنا مع المقاومة المسلحة ولا أرى غيرها سبيلاً للتعاطي مع العدو الصهيوني.  ونضيف أن دعم المقاومة لا يكون فقط بالموقف، بل أيضاً بالمال والتطوع لمن يستطيع، والوضع الطبيعي أصلاً أن تفتح كل الجبهات في دول الطوق للعمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني، لكن إن تعذر ذلك، فدعم المقاومة ضد العدو الصهيوني يكون بالمال والرجال، وانتبه جيداً هنا من الوقوع في فخ  أو في شراك المغفلين…  وأن التبرعات ستصل لأهلها.  كيف؟  هذه عليك إن وجدت في نفسك القدرة على السير في تلك الطريق.

ثامناً، لم يتحرر وطنٌ يوماً بجهود شعب غير شعبه، فحرّض المؤمنين على القتال، ولا تكن من الضعفاء الخوارين الذين يربطون حقوق شعبنا برضا “الرأي العام الغربي” أو “الإسرائيلي”.  وإذا واجهت غربياً على النت أو في الشارع ضع الأمور بوضوح: فلسطين كلها عربية وكلها محتلة، ومن حقنا وواجبنا أن نحررها بالطريقة التي نراها ملائمة كما حررتم أراضيكم عندما احتُلت، واليهود في فلسطين غزاة، والكفاح المسلح حق وواجب.  انتبه أن نيل رضا الإنسان الغربي عن طريق تقديم تنازلات مبدئية في قضيتك لا يجعله “نصيراً” للقضية، بل يجعلك مفرطاً بها، والعبرة في تأييدِنا هي تأييدُنا بشروطنا لا بشروط “الرأي العام الإسرائيلي”، وهي من البدع العجيبة التي مررها خط التسوية والاستسلام في الساحة العربية والفلسطينية!  رهاننا على شارعنا وشعبنا.  وإذا عجزنا عن هذا، لن يفيدنا أحد…  ومن يريد أن يدعمنا حقاً لا يمكن أن يفعل ذلك إذا لم نكن نحن قوة حقيقية ذات أثر.

تاسعاً، ثقّف نفسك سياسياً.  عمّق وعيك.  ارفع سقفك.  تجاوز خوفك.  ضع يدك بيد شريكك بالنضال.  إذا خيب ظنك، استمر.  إذا اكتشفت أنه انتهازي أو صاحب أجندة خاصة أو جبان، ابحث عن غيره.  لكن استمر.  تحرك. ناضل.  اقرأ.  رد.  حاور.  شارك.  قاطع. تبرع. تطوع.  جرب.  ولتخطئ!  تعلم.  جرب.  افشل.  ماذا يهم؟!  فلتستمر.  المهم أن تعلق الجرس.  ارفع الراية.  فلتتعثر.  لكن استمر.  لو كانت الطريق سهلةً لوصل أجدادنا قبل قرنٍ ونيف لما نريده اليوم.  هذا صراعٌ تاريخي.  والغلبة فيه لمن يستمر أكثر.  المناضل دينامو، محرك، موصل جيد لحرارة النضال، قبل كل شيء.  صحيح أنه لا يوجد “إنسان خارق” في العمل النضالي، لكن استعداد المناضل للعمل والاستمرار لا بد أن يكون، بكل بساطة، خارقاً.

سلسلة قواعد المسلكية الثورية:

الجزء السادس/ المركزية الديموقراطية

عبد الناصر بدروشي

تحدثنا في القاعدة السابقة من سلسلة قواعد المسلكية الثورية عن أهمية العلاقات الأخوية في البناء التنظيمي، وكيف تسهم هذه العلاقات في دفع الحركة الثورية نحو أهدافها وتحفظ تماسكها في وجه أي هزات أو خلافات قد تمر بها.

إنّ العلاقات الأخوية على أهميتها في تعميق مبدأ الوحدة الدائمة للحركة وترسيخها مفهوم الحركة لجميع مناضليها، لا تكفي لضبط الحركة الثورية ونجاعتها.

فما هي القاعدة التي تحتكم إليها الحركة في تسيير شؤونها اليومية والتي تعتمدها في اتخاذ قراراتها ومواقفها أثناء ممارستها؟

يعتبر البعض أن الديموقراطية هي الأساس الذي يجب أن يحكم البنيان التنظيمي الحزبي، ويرجِع أسباب فشل التنظيمات العربية إلى انعدام أجواء الديموقراطية داخلها في مقابل هيمنة المركزية وتكديس الصلاحيات في يد فرد أو مجموعة صغيرة تستبدّ بالرأي.  هذا الرأي له أنصار كثر اليوم في عصر العولمة وغزو الثقافة الغربية لمجتمعاتنا عبر الإعلام ومنظمات التمويل الأجنبي ومراكز الديموقراطية التي تتولى تمويل وتدريب عدد كبير من شبابنا وجمعياتنا، والتي تم إنشاؤها في كل قطر عربي تقريبا، خاصة مع تصاعد موجات “الربيع” المتصهين.

بينما يعتبر البعض الآخر أن المركزية هي الأساس الذي يجب أن يحكم البناء التنظيمي ويرفض مبدأ الديموقراطية ويرى فيها (أي الديموقراطية) تمييعا للحركة وسببا لإضعافها وإدخال الفوضى في صفوفها وتحويلها إلى حركة للجدال والنقاش اللامتناهي، بالإضافة إلى تحويلها إلى حركة مكشوفة.

ونحن نرى أن كِلا الرأيين يمكن دمجهما، بل لا بد من دمجهما بطريقة تمنع الاستبداد وتهميش أعضاء الحركة بتعلّة الانضباط والحفاظ على الحركة من الانفلاش، وتحفظ الحركة من الفوضى والانكشاف بتعلّة الديموقراطية وحرية الرأي، لنخرج بالقاعدة الذهبية التالية : المركزية الديموقراطية.

فما هي المركزية الديموقراطية؟

إنّ المبدأ الرئيسي في البنيان التنظيمي لأية حركة ثورية هو المركزية الديمقراطية.  وترجع أهمية هذا المبدأ إلى أنه يشكّل القاعدة الأساسية للمسلكية الثورية، إذ عليه تعتمد كافة المسلكيات الأخرى.  وتجمع هذه القاعدة بين مفهومين متعارضين، ينفي أحدهما الآخر، ولكن هذا التعارض الجدلي بين المركزية والديمقراطية، هو الذي يجمع، بصورة عضوية متلاحمة، بين التطور الواسع للديمقراطية وبين الانضباط الصارم. إن طغيان أي من المفهومين على حساب الآخر، يؤدي بحياة الحركة الثورية، ويجرها إلى الدمار.

فالديمقراطية وحدها، إذا ما سيطرت على طبيعة العلاقات والروابط داخل الحركة الثورية، فإنها تنمّي حالة من التسيّب والفوضى والبلبلة، فتحلّ فيها الثرثرة محل العمل، ويصبح المزاج الشخصي هو الحكم على الخطأ والصواب.  وإذا كانت الحركات السياسية تعتبر الديمقراطية غير الممركزة مرضا خطيراً، فإنّ هذا المرض يكون أكثر خطرا أو أشد فتكا في الحركات الثورية المسلّحة، حيث أن الفوضى والسلاح، إذا ما اجتمعا دونما التزام وانضباط صارم، فإنهما يجرّان الحركات إلى التهلكة الحتمية.

إنّ خنق الديمقراطية داخل الحركة الثورية، من جهة أخرى، أو إعطاءها أهمية ثانوية، وسيطرة المركزية المطلقة على أجواء الحركة الثورية، تجعل الحركة فاقدة لشروط نموها وعاجزة عن القيام بمهامها.  إنّ تحول الحركة الثورية إلى كمٍ يحرّكه رجل فرد، مهما أوتي من عبقرية، يحوّلها إلى دمية في يد الفرد، فتسودها العلاقات الذاتية والفردية، وتصبح أحادية الجانب في نظرتها للأمور، ويتحول الأعضاء فيها إلى تجمّع من العبيد ينفّذون ما يؤمرون به، كالآلات الصماء. إنّ الحركة الثورية تفقد مبرر وجودها إذا هي تحولت إلى فرد، تطيعه مجموعة من الأفراد طاعة عمياء وينفذون ما يؤمرون به دون مناقشة أو تفهم.  وبذلك تنعزل هذه الحركة عن الجماهير وتتقوقع على ذاتها، ثم لن تلبث حتى تتلاشى.

إنّ التوازن بين درجة الديمقراطية ودرجة المركزية في الحركة الثورية أمرٌ ضروري، على أن تكون القيادة الجماعية هي التي تقرر درجات التكامل بين المتناقضين. إنّ ضرورة التركيب النسبي للديمقراطية والمركزية في كل مرحلة من مراحل الثورة أو شكل من أشكال التنظيم أو المهمات، يحدده المظهر الرئيسي للتناقض على أساس كل طرف وحسبما تفرضه طبيعة المرحلة.

إنّ تراجع الديمقراطية لإفساح المجال أمام مزيد من المركزية والقرارات القيادية الحاسمة يبرز في أوقات النضال وفي المراحل الحاسمة للثورة.  بينما يتطلب اتخاذ القرارات السياسية المصيرية أعلى درجة من الإجماع والاتفاق، مما يعطي الديمقراطية مدىً على حساب التقلص المركزي، ويحلّ الحوار الديمقراطي الهادىء بين كافة المراتب التنظيمية، حتى تتم الاستعانة بكل الآراء والأفكار لمواجهة الصعوبات أو حل المشكلات السياسية القائمة.

ويُفهَم من المركزية الديمقراطية في الحركات الثورية المسلحة، أنها ديمقراطية الرأي دكتاتورية التنفيذ.  وهذا يعني أن من حق العضو في الحركة الثورية أن يقول رأيه بصراحة ودونما وجل، ضمن الأطر الخاصة به، وهذا يعني أنّ من حقه أن يشارك في النقاش والجدال ما دام الموضوع مطروحا للنقاش، ولكن العضو يصبح ملزَما بالتنفيذ عندما يؤخذ القرار بالأغلبية، وهذا يعني ضرورة خضوع الأقلية للأكثرية.

كما أنّ عضو الحركة من حقه أن ينتخب قياداته على كافة المستويات، وإنّ انتخاب القيادة العليا يتمّ في المؤتمرات، التي هي أعلى سلطة في الحركات الثورية، ولها تخضع كل القيادات الحركية.  كما أنّ كل اللجان الحركية تخضع لقرارات اللجان في المراتب الأعلى.  إنّ القيادات المنتخَبة، والتي تعطى الصلاحيات الكاملة من المؤتمر العام، ملزمة بتقديم تقاريرها الدورية للمؤتمر وللهيئات المركزية، حتى تتم محاسبتها ومتابعتها باستمرار.

إن مهمة القيادات المنتخبة، هي تأكيد وحدة الحركة الثورية من خلال التمسك الدائم بأن للحركة قيادة واحدة، ونظام داخلي واحد، وبرنامج سياسي واحد، على الجميع التقيد بها.  إن تجاوز النظام والخروج عن البرنامج وعن الانضباط للقيادة، يجعل الحركة الثورية تخضع لحالة من الليبرالية الهدامة. ولهذا فإن التمسّك بالمركزية وبالديمقراطية معا داخل البناء التنظيمي للحركة الثورية، هو التمسّك الحقيقي ببقاء الحركة الثورية، وبتأكيد قدرتها على تحقيق أهدافها.

مدينة عربية: حلب

 

علي بابل

 

حلب التي تقع شمال غرب سورية تعد أحد أقدم المدن المأهولة في التاريخ، وأكبر  المدن السورية حالياً، إذ يعود تاريخ حلب كجغرافيا مأهولة بالسكان إلى حوالي 6000 ق.م.  مدينة حلب التي تقع على طريق الحرير هي من آخر المدن على هذا الطريق التجاري التاريخي، وعاصمة مملكة يمحاض الأمورية التي أمتدت إلى البحر الأبيض المتوسط والجزيرة السورية وشمال منطقة الهلال الخصيب “بلاد الشام”، وقد كانت عقدة الوصل التجارية بين قبرص وبحر أيجة من جهة، وبين بلاد الرافدين من جهة أخرى، لذلك تمتعت حلب في هذه الفترة التي امتدت بين 1900 ق.م إلى 1650 ق.م  تقريباً بازدهار تجاري وحضاري وديني إذ كانت تعد أحد مراكز عبادة الإله “هدد”، إله العواصف الذي انتشرت عبادته في تلك الفترة داخل مدن بلاد الشام ضمن حدود سيطرة الشعب الأموري (العربي).

تغيرت الدنيا على حلب عبر الأزمان، فقد مرّ عليها الحثيون بخرابهم والميتانيون بجحافلهم، وازدهرت عندما أسسها الأموريين كعاصمة للمملكة يمحاض، إذ كانت علاقتها بمملكة ماري وقطنا علاقة أخوية مزدهرة. تناوبت عليها الحضارات والجيوش ولم تزدهر حلب بعد سقوط مملكة يمحاض إلا بعد سقوط الحثيين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وخضوعها تحت سيطرة الآراميين تارة والآشوريين تارة أخرى.

وصل الفرس بجيوشهم إلى بابل ومن ثم حلب، التي أصبحت مدينة غير ذات أهمية حتى بعد سقوطها تحت الحكم السلوقي “اليوناني”، فقد كانت رغم ازدهارها نوعاً ما تحت الحكم السلوقي بسبب الاستقرار السياسي، إلا أن مدن أنطاكيا واللاذقية وأفاميا كانت المدن الرئيسية على شرق المتوسط.

وفي العام 63 ق.م سقطت أغلب مدن المنطقة تحت الاحتلال الروماني الذي دام طويلاً، وقد كانت فترة مستقرة.  انعكس هذا الاستقرار السياسي على مدينة حلب لفترة طويلة نسبياً بالرغم من الثورة الدينية التي قام بها البطريرك نسطور والتي نتج عنها صراع طويل بين مدينة أنطاكية والاسكندرية أي بين النساطرة واليعاقبة، هذا الصراع الذي يُعتبر ثورة ثقافية تأخذ طابعاً دينياً ضد الاحتلال الروماني والذي كانت حلب جزءاً منه لقربها من مدينة أنطاكية التي تعتبر أحد أهم مراكز الديانة المسيحية الوافد الجديد على منطقتنا آنذاك.

دمار حلب الكبير كان على يد الفرس عندما اجتاحوها في العام 540 ق.م، والتي عاد الرومان لأخذها بعد ذلك، وحاولوا إعادة الحياة إليها عبر بناء كتدرائية كبيرة بأمر من جوستنيان الأول، إلا أنها بقيت تحت التهديد الفارسي إلى أن استطاع العرب المسلمون تحريرها بقيادة القائد العربي أبو عبيدة عامر بن الجراح، وقد دخل المدينة بالصلح لا بالحرب كما باقي المدن التاريخية للعرب، وذلك في عام 637 ميلادية.

تعاقبت السلطات السياسية على مدينة حلب، فبنى الآمويون المسجد الأموي الكبير ليكون شبيه مسجد أمية في دمشق، وبقيت حلب مزدهرة رغم الصراعات وتعاقب الدول العربية عليها من راشدية، أموية، وعباسية.

بقيت حلب ضمن دائرة الصراع لكونها جغرافيا واصلة بين بلاد الرافدين والشام والبحر الأبيض المتوسط عبر الميناء الرئيسي للمدينة والمنطقة وأقصد هنا الإسكندرونة العربية المحتلة.  إن أكبر ضربة قسمت ظهر حلب هي سلخ أقاليمها الشمالية عنها، مما مكن تركيا من الاستحواذ على الأراضي العربية التالية من حلب ومن غيرها: مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة ومرعش وعنتاب وكلس والبيرة وأورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر، ناهيك عن تقسيم نصيبين وجرابلس ورأس العين بين تركيا وسورية، وذلك في العام 1920 بعد اتفاق بين الفرنسيين والترك الأنجاس، إضافة إلى فصل العراق عن سورية بعد اتفاقية سايكس-بيكو التي قسمت ظهر العرب أينما كانوا وحلوا.  وقد كانت الضربة الأخيرة لحلب في تلك الفترة هي في العام 1939 بعد احتلال الإسكندرونة وضمه إلى تركيا بعد مؤامرة تركية فرنسية على العرب، وبهذا الاحتلال كانت حلب قد فقدت ميناءها الوحيد وأحد أهم موانئ شرق المتوسط، ولا ننسى أنها خسرت مع سلخ الأقاليم الشمالية عنها خطوط السكك الحديدية أيضاً.

ويجب علينا أن نذكّر بأن قناة السويس 1869 م  أثّرت سلباً على التجارة في حلب بعد تحول التجارة إلى الخط البحري ولكنها لم تضربها اقتصادياً، لأنها كانت ما تزال تملك ميناء الإسكندرونة الذي احتل فيما بعد على يد الترك.

استطاعت حلب الوقوف على قدميها مرة أخرى بالرغم من خسارته الأقاليم الشمالية والميناء الرئيسي وتوافد المهاجرين العرب من هذه الأقاليم المحتلة بسبب شوفينية الأتراك.  لقد أصبحت حلب العاصمة الاقتصادية للجمهورية العربية السورية والمدينة الصناعية الأولى في المنطقة وحافظت على أسواقها التاريخية وعمارتها الشهباء التي تميزت بالحجر الحلبي “الأشهب”.

مدينة حلب التي دمرت على يد الحثيين، الفرس، المغول، السلاجقة وإخوتهم العثمانيين الذين ذبحوا أهلها من مسيحيين ومسلميين بعد معركة مرج دابق بقيت مدينة عربية ولم يستطع أحد من المحتلين أن يحولها عن عروبتها، لقد بقي لسان حالها يردد حلب الشهباء حلب بنو حمدان عربية يا من أقام على أرضك المتنبي، وسكن فيها جيش محمد علي باشا موحداً ومنها انطلقت الجيوش إلى حطين وعكا ودمشق محررة للأرض والإنسان.

حلب الآن أخطر مدن العالم تحت حصار العثمانيين الجدد.  حلب فقدت أغلب مصانعها التي سرقت من قبل الترك وهرِّبت إلى تركيا ليلاً، نهر قويق الصغير الذي يقسم حلب يشهد للقصف التركي على أحيائها المخربة من قبل عصابات ما قبل التاريخ هؤلاء الترك الذين كانوا قد سرقوا أرض حلب وأقاليمها، لا يزالون يتوهمون بأن حلب لهم كما أختها الحدباء “الموصل”، ولولا رجال الساحل ودمشق الذين هبوا للدفاع عن أرضهم في حلب مع اهل حلب الشرفاء لكانت حلب الآن ضائعة تحت الحكم العثماني الجديد الذي كانت الوهابية والرجعية العربية أداته للتخريب والتنكيل بأهل حلب الشرفاء.

سيف حمدان يحميها وجبال الساحل تحرسها وقلعتها صامدة بجيش عروبتها وعلم تلون بعيونٍ خضر سيرفع فوق جبالها وقلاعها قريباً لكي تعود تناضل لاسترجاع شمالها السليب ومينائها الغالي “ومردينها” العزيز.

لن تستطيع مذابحهم تغريب حلب ولا أهلها عن عروبتهم، فلا مذابح المغول نجحت ولا مذابح الترك فلحت، هي حلب العروبة ستبقى قريبة جمال عبد الناصر الذي رُفع فوق أكتاف أبنائها.

شارع المتنبي في بغداد..خصوصية المكان

 

معاوية موسى

في غالبية المدن العربية، لا سيما العواصم منها، أسواقٌ تجارية تنفرد بطابع اجتماعي خاص، وفي هذه الأسواق يجد المرء ما يقصده، وما يرغب به، أو ما يمكن أن يرضيه من المرافق المتخصصة بشؤون الاقتصاد والمال والتجارة والسياحة والتسوق أو بشؤون الثقافة والفكر وما إلى ذلك.  ففي دمشق مثلا نجد سوق الحميدية، أو باب توما، فلا يكاد يُذكر هذا الاسم أو ذاك إلا ويتجه الذهن فورا إلى هذه المدينة، أو شارع الحمرا في بيروت،او شارع المتنبي في بغداد.

يعتَبر شارع المتنبي، الذي يمتد بين شارع الرشيد والضفة الشرقية لنهر دجلة في جانب الرصافة من بغداد، من أقدم وأشهر شوارع العاصمة بغداد، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق، ويمثل منبراً من منابر ثقافتها على مرّ العصور، وهو الشريان الثقافي للمواطن العراقي الذي يمتد منه إلى الأمة العربية بكاملها، فهذا الشارع،  كما تقول مواقع الكترونية عراقية، يضمّ بين جنباته سوق السراي التي تعود بداياتها إلى سوق الوراقين في العصر العباسي، حيث يضمّ على أرصفته وعلى رفوف محالّه ومكتباته أهم ما سطّره المثقفون والمؤرخون وقادة الفكر، بمعنى آخر، فإنّ هذا الشارع يختزل ثقافات الدنيا كلها في أمتار بسيطة من قلب العراق، بغداد.

عند دخولك الشارع تجد نفسك محاطاً بنتاج مختلف الثقافات والإبداعات، ففي هذا المكان لا تُباع ولا تُشرى سوى الكتب، وتشكل سوق المتنبي الأسبوعية التي تُقام كل يوم جمعة مقصدا للمثقفين يتوافدون عليها من بغداد ومدن البلاد الأخرى. وقد شكّل سوق الجمعة في المتنبي ظاهرة حية في الحياة الثقافية البغدادية، فقد كان المشتغلون بالأدب والفن والصحافة يجتمعون في مقاهيهم الأثيرة كل جمعة صباحاً، لا سيما مقهى الشابندر ومقهى الرشيد الذي كان يستقطب أولئك الذين مسّتهم حرفة الأدب أو جرفتهم التيارات الحزبية والسياسية، قبل أن يتحولوا إلى شارع المتنبي حيث تبدأ رحلة الإبحار في عالم الكتب والمعرفة، حيث أصوات مروّجي بائعي الكتب التي تتعالى بين أعمدة الشارع وأزقته، تمتزج مع رائحة الكتب التي تنبعث من زوايا الشارع وتفترش أرضه.

شارع المتنبي علمٌ شاخص في دنيا الثقافة العراقية، وإن اغتال أهميتَه من أراد اطفاء نور العلم والمعرفة في هذا المَعْلَم العصري من معالم بغداد والعراق.

وسط كل هذه الفوضى والموت والدمار الذي يمرّ به العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم، تبقى بغداد رغم كل التشوّه الذي لحق بها على أيدي أعداء الحضارة والتاريخ، تبقى تقاوم، تقاوم قوى الظلام والتدمير لكل شيء جميل فيها، وبالرغم من اليأس الكبير الذي يعيشه شرفاء العراق عامة وبغداد خاصة بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشونها بكل المقاييس، إلّا أنه ما زال في بغداد إشعاعٌ يشرق على العراق، ويبقي الأمل في قلوب العراقيين بأنّ بغداد لم تمت بعد، وأنها ستبقى حيّة تلِد المبدعين والعلماء ومحبي الحياة والجمال، شاهدا على هذا أبو الطيب المتنبي أحد أهم عمالقة الشعر في تاريخ الأدب العربي، هناك، حيث يقف تمثاله قبالة شارعه، على ضفاف نهر دجلة.

قصيدة العدد:  الفدائي/ إبراهيم طوقان*

لا تَسَـــل عَـن سَلامَته رُوحُـهُ فَــوقَ راحَتـِـــه

بَــدَّلتـــــــهُ هُمُـــومُـــه کَفنَــــاً مِــن وِسادَتِــه

يَرقُــبُ السَّــــاعَةَ التی بَعــدَها هَـولُ ساعَتـِه

شاغِلٌ فِکرُ مَن يَرا….. ه بإطــراقِ هــامَتـِــــه

بَيــنَ جَنبـــــــهِ خافِـقٌ يَتَـلَظَّـــی بِـغــايتِــــــه

مَن رَأی فَحمَةَ الدُّجی أُضـرمَت مِن شَرارتِــه

حَمَّـــلَتـهُ جَهَــنَّــــــــمٌ طَــرَفا مِـــن رِسالَتـــه

هُـوَ بِالبــابِ واقِـــــفٌ وَ الــرَّدی مِنـهُ خــائِف

فَاهدَأی يا عَواصِـــفُ خَجَـــلاً مِن جَراءَتِـــــه

صــامِتٌ لَو تَکَلَّــــــما لَفَــظَ النَّــارَ وَ الـــدَّمــا

قُـل لِمَن عابَ صَمتَه خُـلِقَ الحَـــزمُ أبکَـــما

وَ أخُــو الحَزمِ لَم تَزل يـَده تَسبـِــقُ الفَــــما

لا تَلــــوموه، قـَـد رَأی مَنــهَجَ الحَــقِّ مُظلــما

وَ بـِـــلادَاً أحَبـَّــــــــها رُکنـُــها قَــد تَهَــدَّمَـــــا

وَ خُصُـــوماً بِبَغيــهِم ضَجَّتِ الارضُ والسَّـما

مَرَّ حينٌ، فَکــادَ يقتــ له اليـــأسُ، إنَّمــــا …

هُــوَ بِالبــابِ واقِــــفٌ وَ الرَّدی مِنــــهُ خـــائف

فَاهــدَأی يا عَواصِـفُ خَجـــلاً مِـن جَـراءَتِــــه

* إبراهيم طوقان شاعر عربي فلسطيني عُرف بتوجهاته القومية العربية وبمناهضته للاستعمار الأجنبي للأرض العربية، خصوصاً البريطاني واليهودي لفلسطين.  انتمى إبراهيم طوقان لجيل عرف باسم “شعراء المقاومة”، وقد حظي بشهرة واسعة داخل فلسطين وخارجها، ولد في نابلس سنة 1905، وتعلم في بيروت، ثم رجع يعمل مدرسا في مدينته وبسبب شعره الوطني وموقفه التحريضي نفته سلطات الانتداب ثلاث سنوات، وشعر طوقان نموذج للشعر السائد في تلك الحقبة، بما فيه من حث وتحريض والتصاق حميم بقضايا الواقع، فله قصائد يرثي بها الشهداء ويمجد مكانتهم كقصيدة الفدائي، وأخرى يهاجم بها بائعي الأرض، ويحرض على انقاذها.

قدم اعمالا شعرية متميزة في القضية الفلسطينية، وشعره يتميز بأنه كرس رسالة سياسية تجاوزت الذات والتماس الخلاص الفردي، توفي طوقان في العام 1941.

 

 

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..