قاعدة اللاذقية الروسية في السياق الأوراسي

الصورة الرمزية لـ ramahu





د.إبراهيم علوش

البناء 23/9/2015


لم تأتِ صدفةً تسمية “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” الذي يضم روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقيزغستان، والذي دخل حيز التنفيذ في بداية العام 2015، فتعبير أوراسيا يعني حرفياً قارتي آسيا وأوروبا، ويعني في الجغرافيا السياسية الكتلة الأساسية للعالم القديم، التي تعني السيطرة عليها السيطرة على قلب العالم كما عبر عن الفكرة زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، وأحد أهم علماء الجغرافيا السياسية في العالم في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” (2006) حين قال أن السيطرة على أوراسيا تعني السيطرة على اثنتين من أكثر ثلاث مناطق تقدماً وإنتاجية في العالم، مما يعني السيطرة على أفريقيا فعلياً، وتهميش النصف الغربي من الكرة الأرضية سياسياً وقارة أوقيانيا، بخاصة أن أوراسيا يوجد فيها ثلاثة أرباع سكان العالم، وثلاثة أرباع موارد الطاقة العالمية المعروفة حتى اليوم.



أوراسيا تحمل بعداً ثقافياً عميقاً بالنسبة لروسيا، بسبب امتدادها عبر القارتين تاريخياً، وصراعها الداخلي لتحديد هويتها، وما إذا كانت أوروبية أم آسيوية، كما أن المفهوم يحمل عند الروس أبعاداً قومية سلافية، تضم أقساماً واسعة من أوروبا الشرقية، كما يحمل ابعاداً تتعلق بالأمن القومي الروسي، لأن أوروبا الشرقية بالنسبة لروسيا كسورية بالنسبة لمصر، أي خط دفاعها الأول، والمكان الذي تؤتى منه تاريخياً، نابليون وهتلر نموذجاً.  أما آسيا فهي العمق الاستراتيجي لروسيا، كما السودان مثلاً بالنسبة لمصر، ولكن في عالم اليوم، عالم الاقتصاد والتكنولوجيا ورؤوس الأموال، فإن أوراسيا تعني الكتل الاقتصادية الضخمة التي يتشكل منها قلب أوراسيا مثل روسيا والصين والهند، وهي كتلٌ تزداد أهمية كل يوم على صعيد القيمة الرأسمالية للأصول الثابتة والسائلة وعلى الصعيدين العسكري والسياسي.



لم تكن صدفةً أيضاً أن تقدم سورية، عبر رئيس وزرائها وائل الحلقي طلباً للانضمام للاتحاد الأوراسي قبل حوالي الشهرين، وللاتحاد الجمركي، فلا نستطيع أن نفهم بناء القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية، أو توسيعها، التي تثير حفيظة نتنياهو وهيئة أركان العدو الصهيوني، وجون كيري وأشتون كارتر وهيئة أركان الجيش الأمريكي، في سياق الأزمة السورية فحسب، لأنها تمثل تحريكاً للحصان الروسي (أو الدب إن شئتم) خطوة إلى الأمام على رقعة الشطرنج الكبرى.



في عام 2013 تم توقيع اتفاق بين سورية وعدد من الشركات الروسية لتطوير حقول النفط والغاز قبالة الساحل السوري.  وهذا، مرة أخرى، لا يتعلق بصفقة خاصة بروسيا وسورية فحسب، بل بالسيطرة على احتياطيات وخطوط النفط والغاز الإقليمية والدولية، أي أنه جزء من صراع عالمي بين الأقطاب الدوليين، والقاعدة الجوية الروسية المتقدمة في اللاذقية تؤمن غطاءً جوياً لحقول النفط والغاز السورية شرق المتوسط، لا للبر فحسب.  فهي تمثل تثبيتاً لعلامة فارقة بأن النفوذ الأمريكي لن يمر من هنا، لأن مثل هذه القواعد الروسية ينزع الدسم من التهديد الأمريكي بقصف سورية، الذي كان ماثلاً في صيف عام 2013، والذي يبقى ماثلاً ما دامت الولايات المتحدة وحلفاؤها يفرضون لأنفسهم حقل نفوذ جوي شمال العراق وشرق سورية بذريعة داعش.



من البديهي أننا لا نستطيع فهم بعض ما جرى في “الربيع العربي”، ومحاولة إعادة إحياء تحالف الحرب الباردة بين حكومة الولايات المتحدة وجماعات “الإسلام المعتدل”، خارج سياق رقعة الشطرنج الكبرى، فليس أمام حلف الناتو سوى منطقة آسيا الوسطى والوطن العربي لإحداث شرخ بين آسيا وأوروبا، ولا نستطيع فهم نشاط الحركات التكفيرية من القوقاز إلى إقليم جينجيانغ الصيني خارج ذلك السياق.  وسورية ليست فقط قلب العروبة النابض، بل خط التماس الأول مع حلف الناتو في تركيا من جهة المتوسط.





للمشاركة على فيسبوك:









Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..