د.إبراهيم علوش
البناء 24/6/2015
اعتبروها نظرية مؤامرة لو شئتم، لكن يصعب على أي مراقب سياسي أن لا يربط تسريب وثائق الخارجية السعودية عبر موقع “ويكيليكس” بالتعارضات ما بين الإدارة الأمريكية والنظام السعودي حول عدد من الملفات من سورية لمفاوضات النووي للموقف من حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني لصراع المحاور ضمن النظام السياسي في الولايات المتحدة نفسها… إلى اليمن!
مفاوضات جنيف حول الأزمة اليمنية مثلاً التي انعقدت الأسبوع الفائت لم تفشل، بل أُفشلت، على ضوء تقارير إعلامية أن السعودية اعتبرت أن الولايات المتحدة رضخت لمطلب روسي-إيراني باستبدال مفاوضات جنيف بمفاوضات الرياض التي حاورت فيها المملكة نفسها وحاولت عبرها أن تفرض وصايتها على المشهد السياسي اليمني بلا جدوى.
لا يعني ذلك بالطبع أن الولايات المتحدة تتبنى موقف الجيش اليمني أو حركة “أنصار الله” للحل السياسي في اليمن، على العكس تماماً، وقد مارست ضعوطاً عبر الاتحاد الأوروبي وغيره لفرض القرار المجحف 2216 عليهم، وأكدت السفارة الأمريكية في اليمن على موقعها على “فيسبوك” في 14 حزيران 2015 على تمسكها بالمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، أي القرار 2216، كما أن موقف الولايات المتحدة الرسمي، كما عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي في 8 حزيران 2015 في بيان صحفي لا يزال “حق السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد الميليشيات الحوثية”.
لكن لننتبه جيداً أن مثل ذلك “الحق”، على رغم أنه يغفل تماماً جوهر المشكلة، وهو العدوان السعودي المتطاول على اليمن، فإنه يقصر حق السعودية على “الدفاع عن أراضيها”، كما أن ذلك البيان الصحفي، وما نشرته السفارة الأمريكية في اليمن على الإنترنت، يؤكدان على ضرورة حضور كل الأطراف مؤتمر جنيف “بدون شروط مسبقة”، وهذا يشكل بدوره ضربة للموقف السعودي الرسمي، وموقف الأدوات السعودية في اليمن، التي كانت تصر بتعالٍ أجوف لا تدعمه الوقائع على الأرض، على أن مؤتمر جنيف كان لبحث تنفيذ القرار 2216 فحسب!
كانت الولايات المتحدة بالمقابل تسمي مؤتمر جنيف “مشاورات”، وقد دعت المشاركين في المؤتمر للوصول لاتفاق ينهي القتال، مجددأً، دون ذكر العدوان السعودي على اليمن. ولا يعني ما سبق ابداً أن الولايات المتحدة راضية عن تقهقر مواقع حلفاء السعودية في اليمن، وقد أدان كيربي، الذي كان ناطقاً باسم وزارة الدفاع الأمريكية قبل أن يصبح ناطقاً باسم الخارجية الأمريكية، الهجمات التي قامت بها “قوات مرتبطة بالحوثيين والرئيس السابق صالح” على السعودية، وهو ما لم يظهر في بيان السفارة الأمريكية في اليمن بعدها بأيام الذي عبر عن القلق إزاء “العاقبة الإنسانية الرهيبة للعنف المستمر في اليمن”، لكن في الحالتين فلنلاحظ غياب تأييد واضح للقصف السعودي على اليمن، على رغم تأكيد الولايات المتحدة على موقفها في ضرورة “انسحاب القوات من المدن الرئيسية”، والمقصود بذلك هم الحوثيون والجيش اليمني طبعاً.
الموقف الأمريكي ليس غامضاً في الواقع، بحسب تقرير في 22 نيسان 2015 في صحيفة “واشنطن بوست” المقربة من دوائر صنع القرار في العاصمة الأمريكية واشنطن، بدأ هكذا: “اطلقت العربية السعودية جولة جديدة من الضربات الجوية على اليمن الأربعاء، في خضم مخاوف أمريكية أن الحملة المستمرة منذ أربعة أسابيع قد استنفذت فائدتها العسكرية وباتت تأتي بنتائج عكسية للحل السياسي”.
نتحدث عن تعارض بين الإدارة الأمريكية الحالية ونظام آل سعود: كلاهما يريد الشيء نفسه، وهو السيطرة على اليمن، وتفكيكه، سوى أن الإدارة الأمريكية تدرك أن الضربات السعودية لليمن استنفذت مداها العسكري، ما دامت ليست مقدمة لزحف بري لا يقوى آل سعود وحلفاؤهم عليه، وأنها باتت عائقاً أمام الحل السياسي، في اليمن، وفي العديد من الملفات الإقليمية الأخرى، التي باتت الضربات الجوية السعودية تمثل تشويشاً عليها دون أن تأتي بنتائج تذكر، من المفاوضات النووية مع إيران إلى السعي الأمريكي للتمدد شرق العراق. والقلق الأمريكي هنا ليس على تدمير اليمن بالضرورة، أو الثمن الإنساني المتراكم للضربات السعودية، بل بالاستفزاز الذي يشكله ذلك للحلفاء الإقليميين والدوليين للحوثيين والجيش اليمني، وهو ما يمكن أن يشكل عائقاً أمام أي صفقات أو اتفاقات تسعى الولايات المتحدة لعقدها في المنطقة في ظل مصالحها المتضاربة واستراتيجياتها المزدوجة في الإقليم.
إذن بات لدى أوباما وجعا رأس، أحدهما هو نتنياهو والآخر هو طاقم الحكم الجديد في السعودية، أم أنهما وجع رأس واحد، كما اتضح من الخطوات التطبيعية بينهما، ومن تقربهما المشترك من الجمهوريين في الولايات المتحدة؟ والتشويش مصدره تضارب الاستراتيجيات، فأوباما يفضل”القوة الناعمة”، والجمهوريون ونتنياهو وآل سعود يفضلون القوة الخشنة، وهو يفضل التركيز على روسيا والصين، وهم يفضلون الملفات القديمة. لذلك تخلق محاولات إيجاد حلول توفيقية في السياسة الخارجية الأمريكية نوعاً من الفوضى “غير الخلاقة” في آثارها وعواقبها.
كلمة سريعة حول الحليف الروسي: بعد أن مرر الروس قرار مجلس الأمن الظالم رقم 2216 بلا اعتراض، تبنوا عملياً موقف وفد صنعاء وخطابه حرفياً فيما يتعلق بمؤتمر جنيف، معتبرين عقد المؤتمر مقدمة لحوار يمني حقيقي، ولم يمنعهم ذلك من عقد اتفاقيات تجارية كبيرة مع السعودية بعدها، ومن ثم التأكيد على موقفهم الداعم للرئيس بشار الأسد! هل في الأمر لغزاً؟ بتاتاً! روسيا دولة عظمى لها مصالحها، وهي ليست نحن، ولا يجوز أن نتوقع منها أن تتعامل معنا كأننا اولادها بالتبني. وتجديد العقوبات الأوروبية على روسيا بذريعة أوكرانيا من السذاجة الاعتقاد أنها لن تستخدم لابتزاز تنازلات سياسية من روسيا في اليمن أو سورية، كذلك بات واضحاً الآن أن آل سعود ماضون بتدمير اليمن، وأن هذا بات يتطلب تصعيداً مقابلاً يوقفهم عند حدهم.
للمشاركة على فيسبوك:
اترك تعليقاً