طلقة تنوير 7: العروبة والإسلام

الصورة الرمزية لـ ramahu


المجلة الثقافية للائحة القومي العربي… عدد 1 كانون أول 2014


ويضم هذا العدد:

– كلمة العدد: إسلام أم عروبة؟ / بشار شخاترة

– تعريفات: العروبة والعربية في القرآن الكريم

– ضربات في منجم الحق/ نور شبيطة

– مسألة الهوية: في الرد على الليبرالين ومحمد عابد الجابري/ إبراهيم علوش

– العرب والصنع الحضاري/ جميل ناجي

– التطرف الديني: مرض لاعقلاني يحتاج لعلاج عقلاني/ إبراهيم حرشاوي

– الإسلام بين الانصهار الوحدوي والتصلب التفكيكي/ محمد العملة

– إضاءات على كتاب “تذوق الموسيقى العربية” للمؤرخ الموسيقي محمود كامل/ طالب جميل

– شخصية تاريخية عربية: أبو خلدون ساطع الحصري

– قصيدة العدد: على قدر أهل العزم/ أبو الطيب المتنبي

– كاريكاتور العدد



العدد رقم 7 صدر في 1 كانون الأول عام 2014 للميلاد
لقراءة المجلة عن طريق فايل الــ PDF



للمشاركة على الفيسبوك





























 


مقدمة العدد: إسلام ام عروبة؟

 

بشار شخاترة

سؤال العروبة أم الإسلام من الأسئلة التي شغلت الامة العربية قرنا بأكمله، ولا يزال موقع العروبة من الإسلام والإسلام من العروبة مثارا للجدل، والجدل في هذا الموضوع لم يحسم بعد،  ولعل مرد ذلك هو الافتعال لهذا الموضوع وتعمد من يثيره ان يبقيه حيا ودون نتائج حاسمة رغبة في خلق صراع دائم بين أبناء الامة حول الهوية وخلق واقع من الضياع والتشتت يؤجج الانقسام ويعزز النزعات الانقسامية.

تحت هذا العنوان اود ان اقرر سلفا نتيجة محسومة وقاطعة ان العروبة هي الهوية القومية التي نعرِّف بها ذاتنا كعرب وان المعيار الذي نسأل عنه وفيه هو معيار قومي عروبي وان ما علق بهذا العنوان من عوالق تريد ان تقوض الهوية القومية للعرب لحساب الإسلام كانت بلا أدنى شك تهدف للتخلص من الإسلام قبل العروبة.

ومما يجدر بنا ان نذكِّر به هنا ان العروبة لم تكن طارئا تاريخيا بين أمم الأرض بل كيان حي متجذر عبر دهور سحيقة، ولا ابالغ ان قلت ان الامة العربية امة فريدة في هذا الخصوص من حيث الامتداد الإنساني واللغوي والتاريخي والجغرافي، وان الاسلام كرسالة سماوية دين محتواه عربي ولسانه عربي ومجده وعنفوانه وتألقه عربي.

إذا اين وجه التناقض بين الامة وهويتها القومية من جهة والدين الذي تدين به اغلبية الامة من جهة أخرى، ودون انتقاص من المسيحية كدين لجزء مهم من الامة العربية؟

قد يكون من الصعب تتبع متى بدأ النزاع على هذا العنوان، فالعروبة حاضرة في الإسلام نصا وروحا وهذا ما لم يحصل لأي امة على الإطلاق، فالعروبة هوية النبي محمد(ص) فلا يستطيع احد ان يدعي انه كان فارسيا او تركيا او غير ذلك، وحتى وان اعتنق غير العرب الإسلام فليس في هذا تناقض، فأمم الأرض اخذت الإسلام وبقيت إما فارسية او تركية او هندية او شيشانية الى اخر القائمة، بمعنى اخذوا الدين وتركوا العروبة وهذا ما لا ينتقص منهم او من العروبة، فلم يأتِ  الإسلام لإلغاء هوية الشعوب، فبقي سلمان فارسيا مسلما وصهيب روميا مسلما وبلال حبشيا مسلما دون ان يعيب عليهم أحد ذلك او يأخذ عليهم مأخذا، وهذا كله في العهد النبوي وفي زمن تنزل الوحي .

في سقيفة بني ساعدة عندما جلس الصحابة ناقشوا موضوع الخلافة، ولم يُطرح صهيب او سلمان او بلال للخلافة وأكثر من ذلك لم يطرح الأنصار اهل المدينة بل كان الخلاف في قريش وبقي كذلك زمنا طويلا لم ينتهِ الى اليوم، لم ينازع أحد فيها شرعية العرب ومكانتهم في الإسلام علنا،  وحتى في زمن تغلب فيه غير العرب على الحكم كانوا تحت مظلة الخليفة العربي حتى أطاح الاتراك بالخلافة وانتزعوها من العرب واطاحوا بكل ما يمت للعروبة بصلة في الإسلام.

وبقدر ما تمدد الإسلام وحكم الخلفاء العرب المسلمين بقاعا لم تطأها من قبل قدم عربية الا انه وبالنتيجة تراجعت العروبة الى موطنها الأصلي والتاريخي وهو الوطن العربي الحالي وبقي الإسلام دينا لتلك الأمم، فاخذوا الإسلام وابقوا على هوياتهم القومية حية فيهم دون ان ينتقص ذلك من دينهم او ان يثلم شعورهم القومي في شيء، وبقيت العروبة في أهلها. إذا ما مرد صراع العروبة مع الإسلام؟

الحقيقة انه ما من صراع سوى ان هناك من لا يجد لنفسه مكانا ونفوذا على الناس الا بتبني الخطاب الديني، وحتى تتم سيطرة مدعي الإسلام او ما بات يطلق عليه “الإسلام السياسي” فلا بد من مواجهة النزعة الإنسانية الطبيعية في الفرز بين الأمم والشعوب، وهو النزوع القومي والذي يدعيه أولئك النفر ان القومية مصطلح أوروبي مستحدث في القرن التاسع عشر وانه لا أساس للقومية في القاموس البشري ابعادا للناس عن انتمائهم الحقيقي والفطري نحو أمتهم وقومتيهم.

ان افتعال الصراع بين العروبة والإسلام ما هو الا محاولة لنفي العقل، وذلك بما تمثله النزعة القومية من فكرة عقلانية لا ينفي ذلك ابدا ان الدين ينسجم مع العقل، ولكن قبل سيطرة المدارس التي حاربت النزعات العقلانية في الإسلام لحساب الانصياع للنصوص وهو ما عرف بصراع النقل في مواجهة العقل في التعاطي مع النصوص الدينية وإطلاق الاحكام والفتاوى.

ولكن ما علاقة ذلك بالعروبة والإسلام؟ عطفا على ما سبق فان الغاء النزعات العقلية والتحررية والتقدمية في مجال النزوع الإنساني للقومية يصب بالضرورة في خانة الانصياع لقوالب ونصوص مأولة سلفا يسهل من خلالها السيطرة على عموم الامة وباستخدام تلك النصوص الآنف ذكرها فلا يبقى امام الفرد والجماعة الا الطاعة وبشكل يقدم فيه الامر على صورة أوامر ونواهي الهية، فسرها اهل الحل والعقد كما يشاؤون، في الحين الذي لا تلغي القومية كهوية الجانب الديني في حياة الانسان فإنها تعطي مجالا رحبا للمجتمع لإعمال العقل في سبيل التقدم وشحذ الهمم نحو التحرر والرقي حين ينظر أبناء العروبة الى امتهم وقد سلبت ارضها وتمزقت اقطارها وفقدت وحدتها فان ذلك محرك وايما محرك نحو نهضة الامة ووحدتها وتحررها دون مساس بقضية الدين .

وبالأساس الوجودي فالوجود القومي له طابع دنيوي كما انه وجود سابق على فكرة الدين والعبادة لان الدين دون وجود بشري يبقى فكرة مجردة لا تجد من يحملها، ولا يصح ان يدين العدم بديانة، فبالمنطق انه لإعطاء الدين حيوية ووجود فالمكون الإنساني هو مادته في هذا المجال وبنفس الوقت لم تأتِ الأديان لتصارع الناس بالقدر الذي أتت لتلبي حاجات نفسية ووجدانية في انفسهم.   فالغالب الاعم من الناس لديها ميل فطري نحو الدين أي دين، وعليه لا يمكن للدين ان يصبح شقاء لاتباعه الا اذا انحرف الفهم والتفسير بنصوصه الى غير مقصدها التشريعي كونها من الخالق .

فالعروبة لا تصارع الإسلام إذا صاح العرب بانتمائهم لها، والعروبة لم تقم يوما على نفي الآخرين بل تعاملت مع الأمم الأخرى على قدر عال من الاحترام ولا ابالغ إذا قلت ان العرب عانوا من ظلم الاخرين لهم عندما كانت الدولة لغيرهم والدولة العثمانية مثال يندى له الجبين.

وعن موقع الإسلام من العروبة او العكس فقد قدم العرب للإسلام الكثير وكما كان الإسلام حركة تألق بها العرب وظهرت مكنونات هذه الامة بعد انقطاع طويل عن مسرح الاحداث وحلبة التاريخ فاستعاد العرب المكانة وانطلق العرب في مسيرة قلبت وجه العالم، فبالقدر الذي اعطى الإسلام للعروبة أعطت العروبة للإسلام بل وزادت ولم يكن يخطر في خلد عرب ذلك العصر ان تقف عروبتهم في وجه الإسلام الذي تسابق فيه المسيحي الى جانب المسلم في معارك الامة في وجه الرومان والفرنج، هكذا تعاطى العرب مع الإسلام بدون تشنج او تأويل للنصوص يخرج الإسلام عن كونه دين الرحمة والاعتدال.

وتبقى العروبة هوية جامعة تتخطى عتبة اختلاف الدين بين مسيحي ومسلم او عتبة اختلاف المذهب بين شيعي وسني، ففي مواجهة تفاعل الانقسام المتسلسل الذي يضرب الامة بناسها وتاريخها وترابها تبرز العروبة قاسما مشتركا بين الجميع، فالعنوان العام اننا عرب تجمعنا هوية قومية واحدة تتراجع امامها الانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية.

 يقول تعالى (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) فقد جعل الحق مقياس التمايز بين الناس على أساس النسب والانتماء ليعرف كلٌ بأصله وأرومته، وفي هذا مقياس فصل يرجع اليه الناس ليتميزوا عن بعضهم، وقد وضع مقياسا اخرويا يتمايز به الناس في الاخرة وهو التقوى، وذلك لان التقوى فكرة لا تقاس بمقياس معين يستطيع الناس الرجوع اليه لأنه من اختصاص الخالق، فمظاهر التدين لا تكفي للحكم على وجود التقوى من عدمه وان أعطت مؤشرا فانه يبقى مستترا في النفس لا يطلع عليه الناس.

الآية الكريمة حسمت الخلاف وأصبحت حجة على من يحارب العروبة باسم الإسلام، ومن يجد في نفسه حرجا من كونه عربي ومسلم في نفس الوقت فالمشكلة فيه لا في العروبة او الإسلام تلك هوية وذاك دين.

تعريفات: العروبة والعربية في القرآن الكريم

 

 

لا يمكن لقارئ القرآن أن لا يفخر بالعربية وأهلها، فليس بين العروبة والإسلام تضاد، بل تكاملٌ ووئام.  ولكن العروبة قبل الإسلام كانت جاهلية، وباتت بعد الإسلام دولةٌ وحضارة، وقد نزل الإسلام على العرب أولاً وبلسانهم، وانتشر في العالمين بعزمهم، وقد جاءت في العربية آياتٌ محكماتٌ تذكرها بالذات، وتدلل عليها بالاسم، فلا يعقل بعدها أن يكون هذا الكم من الآيات القرآنية بلا مغزى.  ولا يعقل أن لا يفكر المرء بمعناها.  وأنظر مثلاً بعضها فيما يلي:

ففي سورة الرعد: “وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من وليٍ ولا واقٍ” (37).

وفي سورة يوسف: “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون” (2).

وفي سورة الزمر: “ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلِ مثلٍ لعلهم يتذكرون (27) قراناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون (28)”.

وفي سورة فصلت: “تنزيلٌ من الرحمن الرحيم (2) كتابٌ فصلت آياته قراناً عربياً لقومٍ يعلمون (3)”.

ومن جديد في سورة فصلت: “ولو جعلناه قراناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجميٌ وعربيٌ قل هو للذين أمنوا هدىً وشفاء… (44)”.

وفي سورة الشعراء: “نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسانٍ عربيٍ مبين (195)”.

وفي سورة الشورى: “وكذلك أوحينا إليك قراناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها…(7)”.

وفي سورة الزخرف: “إنا جعلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون  (3)”.

وفي سورة الاحقاف: “… وهذا كتابٌ مصدقٌ لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين (12)”.

وفي سورة طه: “وكذلك أنزلناه قراناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً (113)”.

وفي سورة النحل: “ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشرٌ لسان الذين يلحدون إليه أعجميٌ وهذا لسانٌ عربيٌ مبين (103)”.

ولا نزعم الإحاطة بكل ما يرتبط بالعربية والعروبة أعلاه ولكن الأمثلة السابقة تثبت أن: 1) الوحي نزل بالعربية، 2) لأم القرى ومن حولها أولاً، أي لمكة والعرب حولها، ومن عبرهم لباقي العالمين، 3) بلغة عربية فصيحة لا تشوبها شائبة، 4) من أجل إنذار وهداية العرب بلغةٍ يفهمونها، لا بلغة غريبة عنهم، أي أنه ارتبط منذ البداية بالإنسان العربي.

فهذا تكريم كبير للعرب والعربية، ومسؤولية تهد الجبال، ولكن “إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هاد” (الرعد، الآية 7)، “وإنه لذكرٌ لك ولقومك” (الزخرف، الآية 44)، بالإضافة لعدد من الآيات الأخرى التي تتوجه لقوم الرسول الأمين أو تتوجه للرسول، عليه الصلاة والسلام، لتحدثه عن قومه، فليس هناك أي شيء على الإطلاق في القرآن يرفض فكرة وجود قوميات وشعوب، كما هو معروف.

ومن بين هذه القوميات، كان موقف الإسلام إيجابياً من العروبة، دون جاهلية أو عصبية أو عنصرية ضد الأمم الأخرى، ولكنه ميز العروبة بالتخاطب بها وبتبني لغتها وبتحميل الرسالة والأمانة لقومها، وبأن الإسلام جاء امتداداً طبيعياً لتراثها المتأصل في الحنيفية التي ينتسب إليها سيدنا إبراهيم، وما كان التأكيد على أن إبراهيم كان مسلماً حنيفاً إلا للتأكيد على انتمائه الحضاري الأصيل، والحنيفية ملة أصيلة في الحجاز.

ويتخذ البعض مغرضاً ما جاء في الآية 97 من سورة التوبة من أن “الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدرُ ألا يعلموا حدودَ ما أنزل الله…” ذريعة للتهجم على العرب زوراً باسم الإسلام، ولزرع إسفينٍ بين العروبة والإسلام، ولكن هذا المنطق الشعوبي يعاني من مشكلتين مترابطتين هما: 1) الجهل باللغة العربية، و2) الجهل بالقران.  فكلمة الأعراب تعني البدو، لا كل العرب، والمقصود في تلك الآية بالذات ليس كل البدو بل بعض المنافقين منهم، والآيات اللاحقة فوراً لما سبق تتحدث عن البدو المؤمنين: “ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله…” (التوبة، الآية 99)، ويتكرر الأمر مرتين بعدها في السورة نفسها بالحديث عن المنافقين من الأعراب ثم الذين تابوا وآمنوا.

إذن، لا مبرر على الإطلاق لمعارضة الإسلام بالعروبة أو العروبة بالإسلام، إلا إذا كانت العروبة جاهلية، أو كان فهم الإسلام شعوبياً مشوهاً، والفهم الشعوبي للإسلام يستخدم دوماً للسيطرة على العرب والمسلمين من الخارج ولتخريب علاقتهم ببعضهم البعض.

 

ضربات في منجم الحق

نور شبيطة

“الحقّ شذراتٌ في الباطل”، هذا الفرَض الذي وضعته في فترة مبكّرة من حياتي الفكرية، ساعدني على مرونة فكريّة أتاحت لي الانتقال من أوهام “حزب التحرير” التي نشأتُ فيها، إلى رحاب الفكر عموما قبل أن تتضّح بوصلتي. ولتوضيح الفرض أقول أنّه غالبا ما من فكرة تجمع حولها أناسٌ مخلصون لها إلا وفيها بعض من حق، ووظيفة الباحث عن الحق استخراج ذهبه من صخور الباطل الذي قلما يوجد صرفا.

وحتى يتسنّى لنا استخراج شذرات الحق، لابدّ من تفتيت صخور الباطل، وهذه كعملية فكرية تحتوي من العنف العقليّ نصيبا لا بأس به، وتهدد مسلّمات الطفولة التي لقنها لنا أهلنا تلقينا، سبق تعلّمنا للمنهج النقدي، فاكتسبت هذه المسلّمات حصانة ضدّه. فلا يقدر عليها إلا من ألقى السمع وهو شهيد.

وها أنا أضرب بمعولي الضعيف بعض هذه المسلمّات توصّلا لفكرة لم يكتمل مخاضها بعد:

  • الحضارات السابقة على الإسلام في المنطقة العربية تعدّ من منظور قوميّ حضارات عربيّة، من آشور حتى قرطاج مرورا بوادي النيل، وتعدّيا لكل بقاع الوطن العربي، سواء ترك اجتماعهم أوابد تشهد لهم، أو كان اجتماعا بدائيا بلا أثر.

  • المنطقة العربية استهدفت منذ القدم بسبب موقعها، وكانت على مرّ الزمن تعاني من التشظّي والاحتراب والاحتلال، بحكم موقعها وطبيعة أرضها وخُلق أبنائها، وكل ذلك حال دون اجتماعهم، في دولة عربية واحدة منذ القدم.

  • النبي العربيّ كان يوحّد الآلهة في إله واحد، ويوحّد القبائل في دولة واحدة، ويوحّد الأعراف العربية في عرف واحد، هو الدين الإسلامي، الذي كان هو عماد الدولة العربية قبل أن ترفع دعائم الملك الذي نادرا ما كان نزيها وعادلاً، حتى لو تزيّا بزي الإسلام.

  • التقسيمة الأهمّ التي تقود لفهم الاجتماع العربيّ ليست متعلقة بمعتقد أو منطقة جغرافية ألا وهي ثنائية (الحضر والمدر) أو لنقل المدنية مقابل البداوة.

  • الملك العربيّ الذي تلا عصر النبوّة وإن طرد الغزاة من أرض العرب إلا أنه كان له مثالب كثيرة إذ حرف الاجتماع العربيّ إلى “إسلام” لا كإسلام الرسول، وأنتج ضمن سعيه للتوسّع نمطا من الإسلام أخرجه عن عروبته، ما أوقع العرب عندما ضعف سلطانهم تحت نير هذا النمط، فكانوا ضحية لسوء ما قدّم أسلافهم، حتّى عاد الاحتلال بثوب مسلم.

  • الأديان العربية زمن “الجاهلية” (غير الكتابية) وما يصاحبها من تحيّزات قبلية لم تذب في الإسلام تماما، وساهمت في خلق خلاف إسلامي- إسلامي داخل البيئة العربية، كان هو العامل الحاسم في المسار السياسي خلال الفتنة.

  • الإسلام بنسخته الجديدة أسس لسيطرة قرشية جزيريّة على المجتمعات العربية (العربية هنا بالوصف العام الذي يشمل كل الحضارات في الوطن العربي) ولأن ذلك جاء متلبّسا بالدين، فقد كانت معارضته السياسية متلبّسة بالدين أيضا.

  • التصلب الديني الذي نشأ بعد “الخلافة الراشدة” منع الإسلام من التطور بين العوام ليكون حاملا حضاريّا عربيا جامعا، وزاد فوق محدوديته المكانية في جزيرة العرب، محدوديةً زمانية مقتصرة على ما اصطلح على تسميته “نهج السلف”، ما أنشأ حاجة لتأصيل كل شيء بأصل قديم.

  • لأن الحاضر أقوى من الماضي، فقد كانت الطبقة الحاكمة تزيّف أصولا لكل فكرة تريدها، فتردّها لأصل قديم، ولأنّ هذا متعذر مع القرآن، فقد “أجمعت” النخب السياسية لاسيما الفاسدة منها، على مرجعية السيرة أو السلالة، ما يتيح لها حرية في اختلاق أصول شرعية لممارسات تضمن لها الاستمرارية.

  • لم يجد العرب سبيلا للانتصار على زيف هذه الأفكار، خيرا من المرجعية اللغوية، التي وإن كانت محكومة للهجة العربية الجزيرية (القرشية غالبا) فهي تملك عددا من الأحافير اللغوية يخوّل الناظر فيها التوصّل لعيارات يحاكم بها النص الديني فيميز الخبيث من الطيب، مستخدما العقل ومسترشدا بمصلحة الأمّة، وهذا أسّ فكرة الاعتزال.

  • التعلق العربي بالإسلام مع إدراكهم لواقعهم المتخلف جعل كثيرا من العرب كارهين لذواتهم العربية مداومين على شتيمة العرب، منزهين الإسلام بصفته “فكرة لم تلق التطبيق الحق”، فوصل بنا إلى حيث نفارق ذواتنا بحثا عن فكرة، إن لم تكن وهما فهي لا تتحقق بعيدا عن ذاتنا العربية، وهذه حلقة مفرغة يجب كسرها.

  • العلاقة الجدلية بين المركز والأطراف أو الحضر والمدر، تسببت في ردّ الخلاف الإسلامي-الإسلامي والذي يمكن وصفه بخلاف حضري-بدوي، إلى خلاف مع الإسلام، مما بلغ ببعض المجتمعات العربية التي تحوي في أرضها أوابد تاريخية من حضارة عربية سابقة على وصف عملية طرد الغزاة ومحاولة توحيد أرض العرب، بأنها غزو إسلامي، أو كما يقولون “عربيّ” يقصدون به السيطرة القرشية الجزيرية التي لم تكن دائما موضع ترحيب.

  • الدولة في صدر الإسلام كانت دولة استئذان وتوافق بدوي، ثم تلا ذلك في العهد الأموي والعباسي حتى قبل الدولة الحديثة دولة استبداد بدويّ، وفي الدولة الحديثة رأينا الاستبداد المدنيّ إذ انتقل مركز القوة من البادية إلى الحواضر مع تطور الاقتصاد، ولكننا للآن لم نر دولة استئذان وتوافق مدنيّ، إلا كومضات متفرقة مكانا وزمانا.

  • الغاية التي يجب أن توجّه لها الأنظار، هي اجتماع العرب بمختلف مجتمعاتهم في دولة استئذان مدنيّة، تحمي لهم مصالحهم، وتكفّ أيدي الطامعين عن أرضهم، وتطرد الغزاة من بلادهم.

  • خير ما يمثل مصلحة الأمّة بالطموح الوارد في النقطة السابقة، هو تحرير فلسطين، والتي يمثل احتلالُها نتيجةً للانقسام والتخلف والتبعية للغرب، لكن هذا الطموح العام بالتحرير لابدّ أن ينطلق من فكرة عروبة فلسطين، لا من فكرة “إسلاميتها”، حتى يكون قادرا على أداء وظيفته كهدف عامّ للأمة، لا سببا في الماضوية الحالمة.

  • العرب كل العرب حتى أشنع حالات التطرف منهم (كإرادة جماعية لا تنفي وجود خائنين)، يريدون عزة أمتهم، فتجد الإسلاميين يردّدون قولا ينسبونه لعمر بن الخطّاب يقول: (نحن أمّة أعزها الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلّنا الله)، فهم كما هو واضح من القول يبتغون عزة قومهم كغاية أولى ويتخّذون الإسلام لها وسيلة وإن لم يكونوا يعقلون ذلك عن أنفسهم.

  • لتمييز ما هو صالح مما هو طالح في الساحة الفكرية، علينا أن ننبذ كل أشكال “السلفية” الفكرية، إسلامية كانت أم غير إسلامية، وهي هنا التعلّق بإجراءات ماضوية وعَدُّها قِيمةً في حدّ ذاتها، لا إجراءاتٍ كان يقصد منها تحقيق قِيَم، وهذا يفتح الباب لتفسير جديد للإسلام هو الأقرب للنسخة الرسوليّة منه، وهو الأقرب للتطبيق الواقعي.

وبعد أن نظرت في أرض المنجم، وجدت حجارة لا أحسب لمعانَها زائفا، منها أنّ المؤمن والمسلم هما اسمين للعربي الأمين المأمون جانبُه الآمنِ في سربه، الذي “سلم المسلمون من لسانه ويده”، لا صائلا ولا محاربا، يحاول أن يكفر الحكمَ العربيّ (أي يغطّيَه) ويعلوَ على دولته ويظهر عليها، وأنّ هذا هو الدين عند الله، بشرط تحقيقه للعدل، وأن الله يتمثّل في الجماعة، فهو الفكرة المركزية الجامعة عند العرب، وأنّ الشريعة الرسوليّة محدودة في زمانها فهي كانت اختيارا لأعراف العرب قبل الإسلام استبعد الأعراف الفاسدة منها، وأنّ الله إذ جعل لكل شرعةً ومنهاجا دون أن تخرج هذه الشرائع عن عموم الإسلام الذي نزل به كل الأنبياء العرب، لا يكره أن تتطوّر الإجراءات الدينية (النظامية) تحقيقا لمصلحة الجماعة، وأنّ أفضل تمثيل في زماننا هذا للإسلام هو الفكر القومي الذي أتمنّى أن يتعافى من أي ماضوية أصابته، وأن يتحلّى بشجاعة الحقيقة والجذرية اللازمة لجعله فكرا متحرّكا غير جامد، يسعى لمصلحة الجماعة، ولا يستكبر عليها تمسّكا بتقديس تجاربه السابقة، والتي ككل التجارب البشرية تحوي أخطاء، فالانتصار للقومية العربية هو بالتمسك بالنهج القومي العربي وبالأخذ على يده بتجاوز هذه الأخطاء لا بالإصرار على صوابيّتها المطلقة، بما يشوه الأصل، إذ أن التطرف في جزئية واحدة من كلٍّ مُتحد قد ينطوي على التخلي عن هذا الكل المتحد..

 

مسألة الهوية: في الرد على الليبراليين ومحمد عابد الجابري

 

إبراهيم علوش

من نحن؟  وهل نحن عربٌ أم مسلمون أم أعضاء في الجنس البشري؟  وإذا افترضنا أننا نقع في منطقة تقاطع كل تلك الدوائر، هل يمكن اعتبار أيٍ منها الدائرة المركزية الأهم التي تهمش الدوائر الأخرى أو تحيلها إلى دوائر ثانوية؟  أم أن سؤال الهوية لا يجوز أن يطرح هكذا في المقام الأول، كسؤال عن هوية المجتمعات، لأنه يتعلق أساساً بالفرد الذي يمكن أن “يختار” هويته؟  بمعنى آخر، هل الهوية شأنٌ اجتماعي أم فردي، وهل يجب أن يكون السؤال بالنسبة لأيٍ منا: من نحن أم من أنا؟  ألا نلاحظ أن معظم الناس مشغولون بشأنهم الشخصي وحيزهم الخاص عن أي شأن عام يمكن أن يعرِّفوا هويتهم من خلاله؟  وأن مشروع العولمة هو في بعده الثقافي مشروع اختزال الهوية إلى ثنائية أنا خاصة ونحن إنسانية عامة، بعيداً عن الحلقات الوسيطة الكبرى القومية والحضارية؟   أم أن العولمة، في سعيها لتجاوز الهويات الوطنية والروايات الكبرى، أدت إلى تكاثر الهويات الاجتماعية الصغرى الأقلوية العرقية والطائفية والجهوية، مما يدلل أن مسألة الهوية لا يمكن أن تكون شأناً فردياً بأية حال مهما ركز خطاب العولمة الأيديولوجي على أولوية تحقيق الذات الفردية وأولوية الرابط الإنساني مع بقية البشر على ما سواه؟

تتنوع فضاءات الوجود الاجتماعي بالنسبة للأفراد وتتداخل فتتقاطع وتتعارض، فهنالك وجودٌ فردي وعائلي ومهني واجتماعي وسياسي وديني، وثمة وجود وطني وقومي وعالمي، ومن رحم تناقضات كل تلك الدوائر المتداخلة يشتق الأفراد معناهم وتستل الأمم هويتها.  فثمة وجود يفرض أدواراً وثمة أدوار تعيد إنتاج الوجود، وثمة هويات تفتح آفاق المستقبل وأخرى تغلقه، وثمة وجود موروث ووجود مكتسب، وثمة من يعرّف وجوده بشكل أحادي من خلال أحد تلك الفضاءات أو الأدوار على حساب غيرها، فهو مثلاً  “أستاذ أو معلم” أو “ربة منزل” أو “سني أو شيعي أو مسيحي” أو “ابن عشيرة أو حارة” أو غير ذلك، فلا يكاد يبقى منه شيء لو نزعت منه ذلك الدور/ الوجود الذي يعرِّف هويته من خلاله.  وثمة من وجد نقطة توازن داخلية تتيح له أن يتأقلم مع حقائق أدواره/ فضاءاته المتعددة، وأن يعي نقاط التقاطع والتعارض فيما بينها.  وليس مثل ذلك التوازن توازناً ساكناً (ستاتيكياً)، لأن تقلب الأحوال مع مرور الزمن لا يسمح لأي عاقل (أو أمة) أن يركن إلى السكون، بل هو توازن متحرك (ديناميكي) بالضرورة، بمعنى أن نقطته المثلى ومركز ثقله لا يبقيان في المكان نفسه مع مرور الزمن.  وذلك أن نشوء أزمة في اي فضاء من فضاءات الوجود الإنساني ينقل مركز الثقل إليه بدرجة أكبر، سواء كانت تلك أزمة نمو أو ارتقاء أو أزمة تهديد وجودي، مما يبرز ذلك البعد في الهوية على حساب غيره، ويفرض تجييش كل الأبعاد الأخرى للدفاع عنه.

فقط في المجتمعات التي تحققت فيها شروط تطور الوجود القومي، أي التي حققت وحدتها وتحررها ونهضتها، يمكن أن تمتلك الأجيال اللاحقة رفاهية التركيز على تحقيق الذات الفردية أو الشأن الإنساني العام، وإلا فإن الانتقال للتركيز على ثنائية الأنا الخاصة-والنحن الإنسانية يصبح بمثابة انتحار جمعي بمقدار ما تنعكس أزمة الوجود القومي على شكل أزمات فردية ملحة، وبمقدار ما يظهر حبل الخلاص خارجياً في ظل عدم تبلور أدوات الحل القومي مما يجعل التمسك فيها يبدو خطأً كضربٍ من الطوباوية، لكنه امتحانٌ للهوية، لا أزمةٌ فيها فحسب.

كذلك يمكن اشتقاق الهوية الدينية، بالعام المجرد، من حاجة الإنسان للإيمان، لكن حقيقة نشوء الدين بشكل قبلي في البداية، باعتباره عبادة آلهة قبائل بعينها، قبل تطوره إلى أديان عالمية كانت بالأساس أديان قوميات بعينها، اتخذت لوناً قومياً محدداً حيثما حلت على الرغم من عالميتها، يظهر بجلاء أن الهوية الدينية نفسها لا تؤخذ خارج سياق الوجود الاجتماعي.  فصور السيد المسيح مثلاً عند الأقوام الأفريقية تقدمه كرجلٍ أسمر البشرة، وعند الصينيين كشخصٍ ذي عيونٍ نصف مغمضة؛ والصراع القومي بين المسيحيين العرب والبيزنطيين كان إحدى المقدمات الضرورية لنجاح الفتح الإسلامي في العراق والشام ومصر وبلاد المغرب؛  وارتباط الإسلام بالعرب والعروبة في القرون الأولى للدعوة الإسلامية كان أساس الحكم العربي حتى العصر العباسي الأول بمقدار ما بات فك ارتباط الإسلام بالعروبة، وتجريم العروبة فقط من بين قوميات الشعوب المسلمة، شرطاً من شروط إخضاع العرب لحكم الأعاجم باسم الإسلام.  وللمزيد حول العلاقة غير الخطية بين الهوية الدينية والهوية القومية الرجاء مراجعة كتاب الاستاذ ساطع الحصري “أبحاث مختارة في القومية العربية”، دار المعارف في القاهرة الجزء الأول، ص: 38 – 56.

العبرة هي أن البشر على هذه الأرض لم يوجدوا قط على شاكلة أفراد/ إنسان إلا في روايات حي بن يقظان لعدة مؤلفين عرب ومسلمين في القرون الوسطى آخرهم ابن طفيل الأندلسي، ورواية “روبنسون كروزو” لدانييل ديفو في بدايات القرن الثامن عشر ورواية “طرزان ربيب القرود” للكاتب الأمريكي إدغار بوروز عام 1914 التي يستند جميعها لتراثنا الثقافي العربي.  فالبشر وجدوا منذ البداية على شكل جماعات وشعوب، لأن الوجود الفردي يصبح درامياً بعيداً عن الجماعة، أهلاً لرواية أو فيلم سينمائي.  وبهذا المعنى تبقى الرواية القرآنية “إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” هي الأدق تاريخياً من منظور علم الإنسان نفسه، مع الإشارة لوضع كلمة “شعوب” قبل “قبائل”، ولو وضعت “قبائل” أولاً لما لفتت النظر كثيراً، سوى أن جعل الشعوب أولاً تأكيدٌ على حقيقة الوجود البشري باعتباره وجوداً قومياً بالأساس وأولاً.   فنحن لم نوجد أولاً على شكل أفراد، ولا على شكل “إنسان” بلا هوية قومية أو حضارية، كما أن الوجود القومي سابقٌ للوجود الديني ذي الطابع العالمي بالضرورة.

لعل فيلم “المنبوذ” Cast Away للممثل توم هانكس (2000) من الأفلام التي تداعب وتر الخوف من الانسلاخ عن المجتمع والدور الاجتماعي، ففي الجزيرة المعزولة وحده لم يكن يستطيع بطل الفيلم تشك نولاند أن يجد نفسه، فحاول الانتحار، مع أن ذلك الفيلم ليس عن الهوية أولاً بل عن موظف مهووس بالوقت والعمل (الهوية المهنية) وكيف يخسر نفسه ووجوده الاجتماعي بسبب ذلك الهوس بالذات…  لكن فيلم “يرقص مع الذئاب” Dances with Wolves للممثل كفين كوستنر (1990) هو الذي يوصل الرسالة حقاً: فحوى الإنسان/ الفرد هو هويته الثقافية/ الحضارية الجمعية… وهو الفيلم الذي يحكي قصة تحول الضابط الأمريكي جون دنبار من رجل أبيض إلى هندي أحمر خلال فترة انعزاله على تخوم ولايتي داكوتا الجنوبية ووايومينغ في القرن التاسع عشر، مع أن ذلك الفيلم كان أيضاً جزءاً من مشروع إبراز الهويات الأقلوية في زمن العولمة.

فإذا كانت الهوية جمعية لا فردية، وإذا كانت الهوية قومية قبل أن تكون إنسانية، بل لكي تكون إنسانية، فإننا يمكن أن ننظر لمسألة انشطار الهوية بين العروبة والإسلام باعتبار كليهما مكوناً أساسياً للهوية العربية منذ أربعة عشر قرناً، لكن العروبة أقدم من الإسلام كما تظهِر عشرات الشواهد الواردة في كتاب “أسس العروبة القديمة/ مختارات”، دار فضاءات (2012).  فالعروبة القديمة هي التي هيأت للعروبة الإسلامية، وقد لونت العروبةُ الإسلامَ بلونها في قرونه الأولى فكانت وعائه ومادته وجعلت الإسلام تعريباً أو استكمالاً للتعريب، وعندما حدث الصدام مع الشعوبية المتلفحة بالإسلام لتحارب العروبة في العصر العباسي لم يتمخض ذلك عن فقدان العرب السلطة للسلاجقة فحسب، بل تمخض عن سحق الفلسفة والعقل العربي تحت سنابك الحنابلة والغزالي وابن تيمية قرابة ألف عام.  فالنسخة المعادية للعروبة من الإسلام ليست فقط النسخة الشعوبية، بل أنها النسخة المعادية للعقل والحضارة، والنسخة العربية من الإسلام هي النسخة التي استوعبت كل ابناء الأمة من الطوائف المختلفة، ومع أن الإسلام العربي مر بفترات صعود وهبوط وكابد كل نقائصنا وتجاوزاتنا وصراعاتنا الداخلية بمقدار ما استفاد من إسهاماتنا الإبداعية واندفاعنا السياسي والعسكري، فإنه ظل يتميز على الأقل بالحيوية السياسية والفكرية والانفتاح (ما عدا حالة الخوارج)، فيما اتسم الإسلام الشعوبي بالتجمد الحضاري والسكون العقلي والتخلف.

ولا يعني ذلك أن كل مفكر إسلامي عروبي كان عقلانياً، ولا أن كل مفكرٍ يعلي من شأن العقل مقابل النقل  كان قومياً عربياً كالجاحظ.    فها هو مفكر عقلاني معاصر مثل محمد عابد الجابري يقول بأنه لا يجد مصداقاً تراثياً للنزعة القومية في التراث العربي-الإسلامي… وكثيراً ما يكرر أن ثمة فقراً في الإحالة للعروبة في المرجعية التراثية، وهو استنتاجٌ مفزعٌ في فقره المعرفي ممن يفترض بأنهٌ مفكرٌ نهضوي!  فمحمد عابد الجابري يقصر مفهوم العروبة في التراث على حلاوة الفصاحة وخشونة البداوة، ليحيله لمرجعيات أوروبية ونهضوية عربية معاصرة… حتى أنه يلجأ لتعبير ابن خلدون “العرب ومن في معناهم”، مثل الترك والتركمان، ليدلل أن المقصود بالعروبة في التراث ليس سوى البداوة!!!!  (أنظر الفصول الأولى من كتاب “مسألة الهوية: العروبة والإسلام… والغرب”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة (2006)).

ثمة مغالطات سياسية كثيرة في كتاب “مسألة الهوية” للجابري، مثل إحالة المشروع القومي لتأسيس دول قطرية والاعتبار أن إعادة تأهيل المشروع القومي يرتبط بتحويله لمشروع ديموقراطي ليبرالي، وغير ذلك مما يخرج عن نطاق هذه المعالجة، إنما جاء الاستشهاد بالجابري بالذات، وليس بكاتب سلفي مثلاً، لإظهار حجم إشكالية الهوية في العقل العربي المعاصر في تحديد العلاقة بين العروبة والإسلام.  فإن كان الجابري لا يعرف، أو لا يريد أن يعرف، عمق المصداق التراثي لمفهوم العروبة، فماذا يمكن أن نقول في غيره ممن لا يتبنى قراءة عقلانية للإسلام، أو ممن يتبنى رؤىً تكفر القومية صراحةً، أو تكفر العروبة خاصةً؟!!

في الواقع يمثل ما ذهب إليه محمد عابد الجابري في القومية العربية شكلاً من الجهل الصريح، وربما المقصود، فهو لا يطرح مسألة فكرية تتعلق بتقابل العروبة والإسلام بمقدار ما يكشف عن جهله بالتراث العربي.  ولهذا فإن الرد عليه لا يكون بمحاجة بل بوقائع، ولحسن الحظ كان شيخ المؤرخين العرب عبد العزيز الدوري قد وثق لمثل ذلك المصداق التراثي في مقولات فلاسفة العرب وعلمائهم في العصر العباسي والعصور الوسطى في القومية العربية واتصال العروبة قبل الإسلام وبعده، وذلك في الفصل الثالث من كتابه “التكوين التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية والوعي”، دار المستقبل العربي، القاهرة (1985)، ص: 81 – 121.  ومن الواضح أن الاستاذ الجابري كان يمتلك عشرة أعوام لقراءة كتاب الدوري قبل أن يطلق تعميماته الضحلة معرفياً عن فقر التراث بالإحالات إلى العروبة، مع الإشارة أن كل كتاب الدوري، من فصوله الأولى البادئة في الجاهلية وصولاً للمرحلة المعاصرة، تصب في خانة ربط العروبة بالإسلام.

إن أهمية ما وثق له الدوري، كمؤرخ للفكر هذه المرة، لا تكمن في الرد على الجابري بأثر رجعي فحسب، بل في بلورة الأرضية المعرفية التي يمكن أن يقوم عليها طرح مسألة الهوية العربية!  فالدوري يوثق أن الكتاب العرب الذين استفزتهم النزعة الشعوبية في العصر العباسي، والتقليل من شأن العرب، لم يكتفوا بالربط بين العروبة والإسلام، إنما ذهبوا لأبعد من ذلك في: 1) ابراز مزايا العروبة قبل الإسلام، 2) بلورة مفهوم قومي ثقافي للعروبة لا يقوم على العرق والانتساب للجزيرة العربية والبداوة بل على اللغة والثقافة والتاريخ المشترك كما يظهر الدوري من خلال مقتطفات من اليعقوبي والبلاذري والطبري والمسعودي، ناهيك عن الجاحظ والثعالبي والتوحيدي والزمخشري وغيرهم كثير.  ويقتطف الدوري عشرات الأبيات الشعرية في ذلك الفصل من كتابه تؤكد كلها على الحس العربي مقابل العجم، ويشير لدواوين الحماسة عند البحتري وأبي تمام، وللاعتزاز بالشعر الجاهلي عند الأصمعي والضبي والقرشي، ولا ينسى المتنبي طبعاً إذ قال: وما تفلح عربٌ ملوكها عجم!

أما ما جاء به الجابري على لسان ابن خلدون ليزعم أن العروبة ترتبط في التراث بالبداوة، فنجد أن أصل المقتطف، كما ورد في مقدمة ابن خلدون (القاهرة، مطبعة بولاق، 1274 ه) الصفحة 109: “إن الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين من العرب ومن في معناهم”… وقد جاء ذلك في سياق تأكيد ابن خلدون على الفرق بين الملة (الدين) والعرب كأمة، وفي سياق تأكيده أن الأمة العربية لا تقوم على أساس عرقي، بل على أساس ثقافي!  فعن أي ابن خلدون يتحدث الاستاذ محمد عابد الجابري؟!  فالحقيقة هي أن العلاقة بين العروبة والإسلام (العروبي المتنور) كانت أوضح في تراث علماء العصر العباسي ومفكريه مما هي حتى في أذهان مفكرين معاصرين مثل محمد عابد الجابري.  وقد انقاد للأسف لتحويل المشروع القومي إلى مشروع تكريس الدولة القُطرِية، دولة التجزئة، كأساس للوحدة العربية!  وهي نتيجة طبيعية لغياب الحس القومي عند محمد عابد الجابري في معالجته للتراث ولمسألة العلاقة بين العروبة والإسلام.

العرب والصنع الحضاري

 

جميل ناجي

لقد شكلت المنطقة العربية تاريخياً محوراً حضارياً لعب دوراً هاماً إن لم يكن رئيسياً في البناء الإنساني الذي نراه اليوم عموماً، والذي شكل فيه المنجز الحضاري العربي تحديداً المرجعية الإنسانية للتطور على الأرض في كثير من المراحل المتفاوتة، وتمثل أخرها في العصر الذهبي العربي-الإسلامي. إن أول شكل حضاري للإنسانية  تأسس في بلاد ما بين النهرين على أيدي جماعتي الأكاديين والأشوريين (العربيتين) في ما يقارب الألف الرابع أو الثالث قبل الميلاد، وقد مثل ذلك منعطفاً تاريخياً بين الإنسان بصيغته البشرية والإنسان بصيغته الحضارية. ثم توالت  الأشكال الحضارية العربية وترسخت فيما بعد من  بابلية، كنعانية فينيقية وفرعونية وغيرها، ذات الأصل والمنشأ الواحد، والتي كانت شديدة التواصل والتفاعل.

إن القدر الجغرافي لهذه الامة وضعها وأهّلها للقيام بمهام تاريخية كبرى في الصنع الحضاري، وجعلها في نفس الوقت هدفاً للطامعين ولمشاريع القوميات الأخرى من سيطرة وغيرها. فالحضارات التاريخية الكبرى كالفارسية، اليونانية والرومانية لم تنشأ إلا على أنقاض الأفرع الحضارية العربية القائمة، وليست الحضارة الغربية اليوم سوى امتداد لمنجزات الحضارة العربية القديمة والحضارة العربية-الإسلامية. فتاريخ العرب هنا هو تاريخ حضاري أساساً شكل فيه الإسلام منعطفاً تقدمياً في مرحلة متأخرة نسبيا من عمر الحضارة لم يدم طويلاً.

فالعربي قبل الإسلام  لم يكن (جاهلياً) بالصيغة الفجة التي صوِر بها، بقدر ما كان صاحب إرث طويل من الصولات والجولات في عالم الحضارة أهلته أن يكون رائداً تاريخياً.  لقد شكل الإسلام واحدة من المحاولات الكثيرة للمواجهة فيما بعد الاحتلال الفارسي والرومي للأرض العربية أولاً، وخلق الإطار السياسي الحضاري الموحد ثانياً، وكان امتداد لها. هكذا يفهم الإسلام كرافعة للمشروع الحضاري العربي ومعطوفاً عليه إن لم يكن قضيته الأولى.

لقد خاض العرب صراعاً طاحناً مع الوجود الفارسي والروماني ما قبل الإسلام. فمعركة (ذي قار) شكلت ملمحاً بارزاً في نزوع العرب للتحرر من نير الاحتلال الفارسي. وفي نفس الوقت فالخلافات الدينية مع الحكم البيزنطي والكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية مثلت واقعاً معبراً عن الخلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقومية.  ولم تستطع الإمبراطورية البيزنطية أن تفرض صبغتها المسيحية على بلاد الشام وما بين النهرين ومصر طيلة الفترة الواقعة ما بين انتشار المسيحية والفتح الإسلامي. لقد بقي الحكم البيزنطي والكنيسة البيزنطية غريبين عن هذه المنطقة عرقياً وحضارياً ولغوياً ودينياً أيضا كما يقول دكتور فؤاد مرعي ( من كتاب “اسس العروبة القديمة”).

ولقد أحتضن العرب الإسلام وشكلوا خامته الأساسية الأولى قبل الفتح الإسلامي وأثنائه وبعده، بمعنى ان أهل بلاد الشام والعراق ومصر استقبلوا العرب الفاتحين كمحررين وقاتلوا معهم في معاركهم الكبرى (كأخوة في الانتماء لأمة عريقة وليس للعقيدة) في مواجهة الفرس والروم. إذ جاء الإسلام ضمن هذا السياق كتتمة موضوعية لحسم صراع تاريخي قائم لمصلحة العرب.

فإفراغ الاسلام من محتواه العربي كان هدفاً تاريخياً لكل أصحاب المشاريع المعادية للأمة، بمعنى القطع التاريخي بين العرب واستمرارية وجودهم كأمة صاحبة إرث حضاري. وقد تناوبت أمم مختلفة سواء كانت مجاورة أو بعيدة من فرس، ترك، أحباش، يونان أو رومان على طمس هذا الإرث وضرب كل معقل مدني عربي قائم أو محتمل فيما قبل الميلاد أو بعده إلى يومنا هذا. والمسألة لا تتوقف عند مرحلة ظهور الإسلام وما بعده بل كان ما خاضه عرب ما قبل الإسلام وصولا إلى بداية الحضارة أشد وأعتى.  ورغم ذلك لم تستطع سنابك الغزاة أن تطمس أثر هذه الأمة، وظلت روح المواجهة فيها حاضرة دائما.

لا تُفهم هنا إذن دعاوى شطب هذا الإرث العربي العريق في ما قبل الإسلام أو بعده، أو فصل الإسلام عن أساسه العروبي، إلا ضمن سياق المعاداة الحقيقية لهذه الأمة، وتتمه لمشاريع أعدائها في نهبها ومنع وحدتها ونهضتها الحضارية. وضمن هذا السياق فنحن اليوم في مواجهة تيارات عديدة مختلفة  تحجم هذا الإرث أو تفصل العرب عن تاريخهم الحضاري أو غير ذلك من الدعاوى الهدامة.  وقد برع المستشرقون مع بداية المشروع الاستعماري في مراجعاتهم على طمس هذا الإرث تماما ونهبه، كواحدة من أنماط ضرب الهوية العربية الجامعة خدمة لمصالح الغرب إلى الآن، وهذه واحدة من مشاريع التفكيك التي وضعها الغرب كجزء من مشاريع هيمنته. أما بالنسبة لموقف رعاة التجزئة ودول سايكس-بيكو فهو امتداد لتلك المشاريع وجزءٌ منها.

أما بالنسبة لليساريين فهم لا يعترفون عامةً بوجود أمة ناجزة تاريخيا أو أي أرضية لصراع قومي ما حكم التطور التاريخي.  ويتلهون في البحث هنا وهناك عن ثورة ذات طابع طبقي في مواجهة سلطة إقطاع عسكري غاصب توسع بحد السيف.  ولا ينفكون في إسقاط أدبياتهم على تاريخ كان أجدى لهم لو كانوا أكثر اعتزازاً به أو ولاءً لأهله.  ويتلخص التاريخ لديهم بثورات عبيد ومقهورين على حساب مسائل وجودية لها علاقة بشعب بأكمله.  وهي مسألة يجب أن يعاد تقييمها في الأدبيات الماركسية كونها تشكل اختراقاً حقيقياً.

أما بالنسبة للفكر الإسلامي عامة فالرواية الرئيسية المنقولة هي رواية الأغيار الذين سيطروا على السلطة وفصّلوا خطابا يتماشى مع مصالحهم، بمعنى تهميش دور العرب التاريخي بشكل رئيسي. لقد وقع العرب بشكل ممنهج تحت نير نزع عروبتهم على مدى قرون خلت، وشكل الإسلام المفروض هنا (المنجز سلفاً على أيدي الحكم غير العربي الذي سيطر على السلطة)  جزءا مهما من هذه الحملة، بمعنى أننا ورثّنا إذا ثقافة معاداة أنفسنا. إن مسألة إلهاء الناس بتفاصيل العبادات على حساب المسائل الكبرى، أو بصيغة أخرى التوظيف السياسي للدين جعل الوارثين لهذا الفكر ودعاويه مستلبي الروح والعقل.

لم يستطع  حكم ما يزيد عن ألف عام للفرس والروم على أرض العرب أن  يفرض صبغتهما الدينية بين أبنائها، وبقيا غريبين عنها عرقياً وحضارياً ولغوياً كما أشرنا سالفاً. واستطاع الأتراك  ترسيخ وجودهم ثقافياً من خلال الدين ما يزيد عن اربعمائة سنة دون أن تهتز لأصحاب الأرض قصبة، بعد أن انتزعت عروبة أبنائها. والمفاجئ أن قبلة الأتراك ما زالت فاعلة إلى الآن عند الفاقدين لأنفسهم وهويتهم ونخص بالذكر هنا جماعات الإسلام السياسي كافة فتفكروا يا أولي الألباب.

التطرف الديني:مرض لاعقلاني يحتاج  لعلاج عقلاني                      

إبراهيم حرشاوي

ينبغي في البداية تسليط الأضواء على مفهوم التطرف قبل قراءته وفهمه كأي ظاهرة اجتماعية أو فكرية. فالتطرف يعرف في المجمل كموقف أو تصرف يتناقض مع الاعتدال وهو تقوقع في طرف معين بهدف منازعة بقية الاطراف من خلال عدم الاعتراف بهم أو التقليل من قيمتهم بناء على الاعتقاد ان الحق والصواب يتواجد فقط في الموقف الذي اختاره المتطرف، وبالتالي يمكن اعتبار مصدر الموقف المتطرف نابعا من الانفعال والعاطفة كما يذكر المفكر محمد عابد الجابري في كتاباته حول مسألة التطرف في الوطن العربي والعالم الاسلامي.

ومن المفترض أن نغوص في  عمق  تاريخنا العربي- الإسلامي لإيجاد أمثلة التطرف بغرض فهم أعمق لظاهرة التطرف الديني في تاريخ حضارتنا. فأول فرقة متطرفة عرفها الإسلام هي فرقة الخوارج الذين كانوا من شيعة علي بن أبي طالب خلال صراع هذا الأخير على الخلافة مع معاوية بن ابي سفيان.  ولما لجأ الفريقان إلى التحكيم اعتبر بعض أنصار علي – وهم من من بدو شرق الجزيرة العربية المهمشين منذ الفتح- أن ذلك التحكيم انحراف عن المبادئ الدينية واطلقوا شعارهم الشهير: ” لا حكم الا لله”.  وقد اعترضوا على موافقة علي بن ابي طالب كونهم يعتبرون الخصم فرقة ضالة يجب قتالها بنص القرآن. ولما رفض علي موقفهم هذا خرجوا عليه واعتبروه ضالا مثله مثل معاوية. وقد تمت تسميتهم خوارج لأنهم خرجو على علي.   ورغم أن انشقاقهم هذا كان بسبب معاوية إلا أنهم لم يحاربوا معاوية بل وجهوا سيوفهم نحو علي بن ابي طالب وأتباعه.

على مستوى توظيف النصوص المقدسة، يتلاعب خوارج الامس واليوم بآيات قرآنية مرتبطة بأحداث خاصة مرّ بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويتصرفون كأنهم في الوضعية نفسها وينظرون إلى خصومهم من المسلمين ككفار تجب معاملتهم بما أمر الله أن يعامل به كفار قريش. وفي المقابل عاملوا اليهود والنصارى (في الزمن الأول) بسلم كونهم أهل الكتاب يعترف بهم الإسلام.  وهذا ما نراه يتكرر في تاريخنا المعاصر مع الجماعة المتطرفة في وطننا العربي بحيث يجتنبون المواجهة مع اليهود في الكيان الصهيوني بينما يحرقون الأخضر واليابس في محيطهم لأنهم في قراءتهم للنصوص يعزلون الايات القرآنية عن سياقها التاريخي وأسباب نزولها ويطبقونها حرفيا لصالحهم السياسي هنا والآن.

ما سبق أعلاه يفرض السؤال الآتي:  هل يُحارب التطرف  بطرح يعتمد فقط على الحديد والنار على طريقة الحجاج بن يوسف الثقفي مع الخوارج في عهد ولايته في العراق أو الخليفة العباسي المعتمد الذي سحق بنفس الطريقة ثورة الزنج ذات المحتوى الطبقي المناهض للعبودية  و التي  التحفت بخطاب الخوارج  والعلويين أم  يتوجب على من يواجه التطرف أن يبلور مقاربة عقلانية وعلمية شاملة، تجمع بين القلم والسيف، ويكون هدفها الجوهري البحث عن الخلل في المنظومة المعرفية والاجتماعية والسياسية لأجل الإصلاح الجذري ؟

عدم طرح هذا السؤال والإجابة عليه بشكل تناسب الرغبة في تطويق والقضاء على التطرف سيزيد الطين بلة حتما.  ففي تاريخنا العربي-الاسلامي نرصد تجربة دولة العقل العباسية التي كانت تواجه الحركات الباطنية التي استطاعت أن تقيم دولة في الأطراف (تونس وبعد ذلك مصر) المعروفة بالخلافة العبيدية الفاطمية التي أصبحت تشكل تهديدا وجوديا للمركز، أي الخلافة العباسية.

تمحورت المواجهة  على  مستويات عديدة بين الطرفين لكن ما يهمنا هنا هو المستوى الفكري-المعرفي للصراع.  فبعض أجنحة الحركة الشيعية كانت تتسلح  بالفكر الباطني الذي يعتمد على الإلهام والإشراق والاتصال بالقوى العلوية الخفية، وكان هذا الطرح كما هو معلوم متأثرا بالموروث الديني والفكري للحضارة الفارسية.  فقامت الدولة تحت اشراف الخليفة المأمون باللجوء إلى ترجمة كتب اليونان وبالأخص فلسفة أرسطو في المنطق بهدف التصدي للمد الفكري الباطني الذي كان وقودا لتمدد انصاره في الاطراف إلى درجة انهم كانوا وراء اهتزازات كبيرة عانى منها المركز في بغداد.  ومن خلال هذه  المبادرة العقلانية برزت اشكالية اخرى  تتعلق بطبيعة العلاقة بين العقيدة الدينية والفلسفة، فكان الكندي آنذاك أحد المفكرين التي وظفتهم الدولة للتوفيق بين الدين والفلسفة، مما يعني أن مهمته كانت وقتها عقلنة الخطاب الديني. وكان الكندي ينطلق من مبدأ يقول أن الفلسفة مثل الدين فيما يخص معرفة الحق الأول، أي الله وبالتالي يجب أن يكون الموقف موقفا ايجابيا إزاء الفلسفة إلا أن الحقيقة الدينية في بعض الأحيان – حسب الكندي- لا تنال عقلانيتها من ظاهر النص الديني بل قد يستلزم الأمر اللجوء إلى التأويل.  تُرجم هذا المبدأ في نشر المعرفة العلمية التي تفسر الظواهر الطبيعية تفسيرا عقليا محضا من جهة و نصرة المعقول الديني البياني العربي بمنتجات العقل الكوني العلمية والمنطقية من جهة أخرى. انخرط الكندي بقوة في الصراع المعرفي والفكري التي اتسمت به دولة العقل في عهد الخلفاء العباسيين المأمون والمعتصم والواثق والتي سطع فيها نجم المعتزلة  وقد كان تنصيب منظومة معرفية عقلية في ثقافتنا العربية – الإسلامية عسيرا بسبب التيارات الشيعية الباطنية والفقهاء الظاهريين المحدثين من بينهم أحمد بن حنبل الذين عارضوا  سياسة العقلنة بشراسة، أي أن العقلنة وجدت لها خصوماً من بين السنة والشيعة.

بدون أن  ندخل في تفاصيل المعالجة العقلانية التي وظفتها دولة العقل العباسية يجب التذكير والإشارة بأن ظاهرة التطرف الديني هي ظاهرة لا تتعامل في معظم الاحوال مع النص الديني على أساس قراءة عقلانية بل تتلاعب به لتبرير رد فعل معين ضد حالة يعتبرها المتطرف ظالمة او منحرفة.  إن التطرف في جوهره مرض ديني ومعرفي واجتماعي يجب التعامل معه كأي مرض من خلال التشخيص الموضوعي الدقيق  والعلاج العقلاني البناء وليس من خلال ردود الفعل اللاعقلانية التي لا تنتج سوى مزيد من ردود الفعل اللاعقلانية.  من الضروري اعتبار السلوك التطرفي نتيجة ورد فعل تتكرر عبر التاريخ لأسباب يكون غالبا مصدرها خللا في المنظومة  المعرفية والاجتماعية.

لنبادر إلى القول في هذا الصدد ان البديل الجذري  للتطرف كان في الماضي هو البديل العقلاني الذي تجسد في فرق كالمعتزلة والقدرية الذين اكتسبوا شهرة بمقاومتهم ايديولوجيات متطرفة كالتكفير الخارجي و باطنية التشيع او ايديولوجية سلطوية جامدة تغدي التطرف كالجبر الذي وظفته الدولة الاموية لتبرير حكمها أو حتى الشعوبية التي اتخذت من النيل بكل ما هو عربي نهجا لها بشكل متطرف.  أما حاليا فيجب صياغة معالجة عقلانية متكاملة تتبنى المنهج العلمي في التحليل لفهم قوانين حركة التاريخ والمجتمع، تندرج في مشروع عربي نهضوي، يُترجم و يُعمم في التعليم والثقافة بانواعها المختلفة بهدف تكوين عقل عربي نقدي ومتنور يغلق الباب امام التطرف واطروحاته.  كما ينبغي أيضا أن لاننزلق إلى الوصفات الليبرالية الجاهزة و المقتبسة حرفيا من الغرب مثل ” الحل العلماني” لان فصل الدين عن الدولة غير ذات موضوع في حضارتنا العربية- الاسلامية لان الاسلام بكل بساطة ليس فيه كنيسة حتى تفصل عن الدولة. فعدم الخروج من السياق الحضاري والتاريخي في معالجة التطرف هو الشرط الأساسي والتربة الخصبة  لزرع بديل عقلاني أصيل  قادر على النمو والإثمار الحضاري.

الإسلام بين الانصهار الوحدوي والتصلب التفكيكي

 

 

محمد العملة

يصف الله تعالى نفسه في القرآن بما هو مطبوع في الذهنية العربية من صفات ذات مضمون إيجابي؛ فهو يتكلم عن نفسه أنه كريم وحليم وجواد وعزيز وما إلى ذلك من مناقب راسخة عند العرب، وبالمقابل فإنه يتحدث عن الربا وأكل السحت وغيرها بمنطلق النبذ والتحريم وهي عادات موجودة ومطبوعة في الذهن العربي أيضا، وكل ذلك طبعا بلسان عربي إذ أنه موجهٌ للعرب أساسا باعتبار أنهم مادة الإسلام الأولى، لذلك نجد أن السياق القرآني في جوهره يريد أن ينظم هذه الذهنية العربية في قانون موحد ليعقلها العرب.  ونحن إذ نتحدث عن قانون فإننا نقصد بذلك الدين -ما يدين المرء به- كمفهوم جماعي ولا نقصد بذلك الملة القائمة على التسليم لله بوصفها علاقة بين المرء وربه كمفهوم فردي.

ولأننا نتحدث هنا عن حزمة من الأخلاق تعارف عليها العرب قبل أن يتحدث القرآن عنها فإنها -هذه الحزمة- تتحرك نحو نزعة إنسانية واضحة، والمعنى هنا لا ينسحب إلى سياق آخر لتُفهم منه أممية الرسالة بالضرورة، فالأمة بحسب السياق القرآني تشير بالضرورة إلى جماعة محددة تشترك فيما بينها بأعراف وسمات معروفة، وليس أوضح من ذلك أن يقول منطق القرآن أنّ الله لو شاء “لجعلهم أمة واحدة” إلا أن  “لكل أمة رسول” و”وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه”، والمعنى أنه “إنما أنت منذر ولكل قومٍ هاد” ولذلك “أنذر عشيرتك الأقربين” بماذا؟ “بلسان عربي مبين”.

فالنبي العربي محمد بن عبدالله هو رسول إلى أمة العرب التي هي إحدى الأمم، وعلاقة هذه الأمة بالإسلام الأول هي علاقة تقوم على تأسيس دولة عربية موحدة بنص مرجعي هو القرآن العربي الملائم لظروفهم في ذلك الوقت، والذي يخاطب العرب بلسانهم وبمنطقهم الذهني ليعقلوه، ولا يتعارض ذلك مع إنسانية الرسالة وشمولتيها المتعلقة بالإيمان بإله واحد وتوحيده دون الإخلال بمنظومة القيم الاجتماعية والأعراف الخاصة بأي جماعة أو قوم، فالمعنى هنا أن المنهج القرآني يؤكد على محاربة النمط  القبلي العشائري وعصبيّاته فنجده يتعامل بمنطق الوعد والوعيد مع هكذا حالات.

الإسلام كحركة تاريخية ارتبط ظهوره باستبدال العصبيات القبلية المتناحرة السائدة في جزيرة العرب بسلطة مركزية واحدة؛ فخلال تلك الفترة كان من الضمني أن يُفهٓم البعد السياسي ضمن البعد العقدي كون النبي قبل وفاته كان يمثل وظيفتين في آن معا، وظيفة المصلح الاجتماعي الرسول، ووظيفة الحاكم أو رأس القوم المؤسس لمجتمع المدينة العربي.  ومنذ وفاة النبي ظهرت العلاقة الجدلية بين السياسي والعقدي متمثلة بحروب الردة، والتي ينظر إليها فقهاء اليوم على أنها ردة عن العقيدة، والواقع أنها كانت ردة عن دين الدولة القائمة؛ أي أنها خروج عن قانونها، وليس هناك أوضح من مثال أبي بكر وعمر بن الخطاب، فالأول أصر على الخروج لمحاربة المرتدين مباشرة، والثاني أراد التريث ريثما يعود أسامة بن زيد من الأمر المبتعث فيه إلى الشام، وكل ذلك لا يدخل إلا في خانة السياسي فالعقيدة أمر متفق عليه!

بعد استئثار بني أمية بالمُلك، كان لزاما عليهم أن يضفوا لأنفسهم شرعية لم يجدوها في المنهج القرآني، فبحثوا عن نص مرجعي يقوم على ابتداع مرويات حديثية ترسخ من عقيدتَي الجبر والإرجاء، وهذا في ذاته عودة للقبلية الأولى التي قطع النبي العربي شوطا كبيرا في التخلص منها. لم تسوغ عقيدتا الجبر والإرجاء لشرعية الملك فقط، بل كانتا وسيلة لتبرير التوسع في رقعة الدولة ونشر عقيدة جديدة تقوم على قدر غير قليل من التواكل والتقليد والإيمان بالمكتوب والمحتوم “القدر”، وأن أية محاولة لتدخل الإنسان في تحديد مصيره هي خروج عن إرادة الله، مخالفين بذلك المنهج القرآني. هذه المنهجية بما فيها من عودة إلى القبليّة أدت إلى تجميد العقل وقدراته والتوقف بالتاريخ عند حقبة معينة بعينها.

والاعتبار الأساسي في هذه المنهجية كان باستخدام اللغة في المنهج القرآني للخروج “بتفسيرات” محددة لا تحتمل التأوّل، وهم بذلك جعلوا اللغة وسيلة للتفسير الظاهري، ويخالفهم في ذلك علماء الكلام من السادة المعتزلة وغيرهم من أهل الرأي والذين جعلوا اللغة أداة لفهم المنهج القرآني لدرء التناقضات التي خرج بها أهل الحديث وفقهاؤهم عندما استخدموا اللغة في إظهار تفاسير متناقضة فيما بينها.

المنهجية الفقهية تقربت من السلاطين بحجة حماية الشريعة -كجماعات ما يسمى الإسلام السياسي- ، الأمر الذي أفاد منه السلاطين في تدعيم سلطتهم السياسية، فالمنهجية هنا تجيز للحاكم أي أمر ما دام محافظا للفقهاء على منزلتهم بتطبيق أحكام الشريعة ولو على حساب مصلحة البشر، والواقع أن الشريعة في زمن النبي كانت لخدمة الناس لا العكس، فهي أداة لتحقيق مقصد تسهيل حياة البشر ووحدتهم، كما أنها متغيرة تبعا للظرف المحيط بها، والمقصد دائما إقامة العدل ضمن الظروف القائمة، والقرآن يوضح أن لكل نبي شرعة ومنهجا بقوله: “ولكل جعلنا شرعة ومنهجا”، فشريعة موسى إلى بني اسرائيل ليست كشريعة محمد بن عبدالله، والرسالة الواحدة -الملة- التي جاء بها الأنبياء لا تعني أنهم قد اتبعوا شريعة واحدة، فلكل زمان مختلف، ولكل منهم مجتمع مختلف وطبائع اجتماعية لا تتشابه مع أخواتها، وهذا يقودنا أيضا إلى عدم الخلط بين مقام النبوة ومقام الحكم الذي أشرت إليه فيما تقدّم؛ إذ يقول الحشوية من أهل الحديث بأن الأنبياء يستمدون حق الحكم من الحق الإلهي في كونهم أنبياء، وهذا ينافي منهج القرآن القائل: “فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمصيطر” لأنه “ما على الرسول إلا البلاغ المبين”.

من هنا يتبين أن وظيفة النبي بوصفه رسولا هي تبليغ دعوة رسالة التوحيد، وذلك لا يستلزم أن يكون النبي -أي نبيٍّ- حاكما، ومنهج القرآن يفصح عن ذلك بوضوح: “إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله”، فهنا يبدو أن مقام النبوة لم يكن فارضا للسلطة بل على العكس نجده من خلال السياق السابق يؤكد الحجة باختلاف مقام النبوة “تبليغ الرسالة” عن مقام الحكم “الذي يرتضيه الناس”.

إن هذه المنهجية الفقهية أفقدت التطور التاريخي معناه، واختبأت خلف ستار موهوم يسمونه “الإجماع”، والذي يتماهى بين مذهب فقهي وآخر، فكلٌّ يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة مما يقود لاعتبار نصوصه مقدسة، بل وافتراض قدسية نصوص لم يقل منهجها بذلك؛ وتحويل كل خلاف مهما كان إلى مسألة إيمان وكفر بدلا من أن تكون قضايا ضرر ومنفعة أو خطأ وصواب.

إن المنطق والعقل لا يسمحان بأن يفترضا أن العدل قد يفسح المجال لأحد كي يضع نفسه موضعا للمزايدة على غيره تقربا إلى الله زلفى، والسياق القرآني “لا تمنوا عليّ إسلامكم” واضح في ذلك.

يقول الشهرستاني: “إذا كانت النصوص متناهية والوقائع غير متناهية، فإن ما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى”، لكن هذه المعرفة الفقهية بنيت على عدد كبير من الأحاديث المنحولة والمؤلفة، فجعلت النص يولد نصا آخر، فصار لكل مذهب نصه الذي يعتد به ويقول بقدسيته، ووصلنا إلى حوالي مئة وخمسين فرقة ومذهبا كل منها ترى في نفسها “الفرقة الناجية”!!

وفي الوقت الذي أعدمت فيه هذه المنهجية علوم الكلام وفلسفاته خلال القرن الثالث عشر أيام سيطرة الأعاجم، خاصة الترك، على الخلافة، أخذت أوروبا هذه العلوم واشتغلت بها للتخلص من سيطرة قبليّة الكنيسة!

وبعد؛ إن القبلية لا تعود هنا على عصبية للعشيرة التي ينتمي إليها المرء، بل هي سلوك ينم على الانحياز إلى جماعة ورفض ما يخالفها، وهذه المنهجية تقوم على تفتيت الأمة لما فيها من عناصر التفكيك والتناحر، وليس في إطلاق صفة “العالم الإسلامي” -الذي لا نعرف بأي مذهب يجب أن يُحكَم- مثال على ذلك، والأنكى أن هذه الصفة أطلقها الاستعمار خلال منتصف القرن العشرين ليجابه بها روح الوحدة والتحرر من نير الاحتلال.

إنَّ من واجبنا أن نحاول ما استطعنا التوفيق بين العروبة كحقيقة تاريخية ثابتة تكونت عبر القوانين الاجتماعية وصنفت على أنها حاملة الإسلام وبين الإسلام ذاته؛ لكن ليس الإسلام القبلي الذي يحمل في بذوره أسس التفكيك، بل الإسلام الذي كان بروحه يعبر عن أعراف وتقاليد وحدت العرب فيما مضى وأحدثت نوعا من الانقلاب السريع في حياة المجتمع القبلي السائد.

الصفحة الثقافية:

إضاءات على كتاب “تذوق الموسيقى العربية” للمؤرخ الموسيقي محمود كامل

طالب جميل

يتناول المؤرخ الموسيقي المصري (محمود كامل) في كتابه “تذوق الموسيقى العربية” الذي يقع في سبعة فصول أهم مراحل تطور الموسيقى العربية منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، ويستعرض بعض الأشكال الغنائية وتعريفات بالمغنين والشعراء والملحنين والمقامات الشائعة في الغناء.

يقول المؤلف إن الشعر هو مادة الغناء في جميع العصور، فالشعر والغناء صنوان ينبعان من نبع واحد إذ أن الغناء تعبير موسيقي والشعر تعبير لفظي، ويشير إلى أن الموسيقى العربية غنية بمقاماتها الموسيقية، فإذا كانت موسيقى الغرب تدور في مقامين أو سلمين اثنين، هما ‘الماجير’ و’المينير’ أي الكبير والصغير، فإن للموسيقى العربية عشرات المقامات، ولكل مقام منها شخصيته التي يتميز بها ومساره الخاص وتعبيره الذي يختلف عن الآخر.

يستعرض الكاتب في كتابه الصادر في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وأعادت مؤخراً الهيئة المصرية العامة للكتاب طباعته ضمن مشروع “مكتبة الأسرة” تاريخ الموسيقى العربية منذ العصر الجاهلي حيث يبين أن الغناء في العصر الجاهلي كان محصوراً في فن محدد يشبه الزجل ويسمى (الرجز) يؤدى على وتيرة واحدة في مساحة صوتية محددة كون الناس كانت منصرفة إلى شؤون أخرى غير الفن وكان الصراع في مكة والمدينة هو كل ما يشغلهم.  كما أن العرب في الجاهلية كانوا يلهجون بالشعر بأنواعه الثلاثة (غنائي، قصصي، تمثيلي) وهذه أول خطوة خطوها نحو الموسيقى مما يؤكد أن الموسيقى بنت الشعر، ثم ظهر الحداء وهو غناء الفتيان في أوقات لهوهم ثم عمدوا إلى الترنيم بنوعيه الغناء وهو ترنيم الشعر، والتعبير وهو ترنيم القراءة لغير الشعر، ثم تنوع الغناء عندهم حتى صار على ثلاثة أوجه هي النصب والسناد والهزج، فالنصب هو غناء الركبان والفتيان الذي يقال في المراثي ويسمى الغناء الجنابي نسبة إلى رجل من قبيلة كلب اسمه جناب بن عبد الله، أما السناد فقد وصف بأنه اللحن الثقيل الكثير النغمات والنبرات، في حين أن الهزج عبارة عن أنغام خفيفة راقصة يصاحبها العزف بالمزمار والضرب بالدف، وقد عرف العرب في الجاهلية بعض الآلات الموسيقية مثل (المزهر) و (العود) و (الصنج) و(المزمار) و(الطبول) و(الدفوف).

في عصر النبي والخلفاء الراشدين انتشر الغناء انتشاراً ملحوظاً، حيث بدأ غناء أشعار (حسان بن ثابت) وأخته (فارعة) ولبعض شعراء الجاهلية مثل (عنتره وامرؤ القيس)، واشتهرت (عزة الميلاء) وهي مغنية وعازفة على العود وكانت أول من غنى من النساء في الحجاز وسميت الميلاء لتمايلها في مشيتها وتعزف على جميع الآلات الوترية والنفخ.

أما في العصر الأموي فظهر أول غناء في الإسلام من الغناء المتقن الصنعة على الميزان البطيء المسمى بالثقيل، وكان المغنون العرب يغنون بغير آلة موسيقية تصاحب أصواتهم، حيث كانوا يستخدمون قضيباً يضربون به الأرض لوزن الغناء، وقد اشتهرت بعض الجواري بالغناء مثل (جميلة) و (سلّامة القس)، وأما (معبد) فكان إمام أهل المدينة في الغناء حيث غنَى أول أيام بني أمية وأدرك دولة بني العباس وكان مولى لبني مخزوم ، ومن فرط إعجاب أمير المؤمنين الوليد بن يزيد بغناء (معبد) أمر باعطاءه خمسة عشر ألف دينار، ولما مرض (معبد) تولى الوليد بن يزيد أمره وآواه في قصره ولما مات مشى في جنازته إلى مثواه الأخير. وفي ذلك العصر أصبح المغنون محل تقدير الخلفاء وموضع تشجيعهم كالخليفة عبد الملك بن مروان وسليمان بن عبد الملك.

أما العصر العباسي فيعتبر العصر الذهبي للموسيقى العربية، فقد ارتقت فيه الموسيقى وزادت مقاماتها الموسيقية وكثرت الآلات وتنوعت وشاع استعمالها وسما قدر المشتغلين بها، حيث كان الموسيقيون موضع تشجيع وتقدير الخلفاء وكان الخليفة المهدي بن المنصور محباً للموسيقى والغناء ومن أصحاب الأصوات الحسنة وقصره يؤم مشاهير الموسيقيين، وانضم إلى زواره أهل الصناعة والأشراف وأبناؤهم واحترف بعض الأمراء الموسيقى مثل (إبراهيم بن الخليفة المهدي)، ومن أشهر الموسيقيين في ذلك العصر (إبراهيم الموصلي) الذي يعتبر ركناً من أركان الغناء في العصر العباسي وقد غنى لعدة شعراء وغنّى قصيدة (الخنساء) المشهورة التي مطلعها:

أعيني جودا ولا تجمدا           ألا تبكيان لصخر الندى

ومن أهم المغنين الذين ظهروا في ذلك العصر (مخارق) وهو من كبار المغنين في عهد هارون الرشيد و(أبو زكار الأعمى) و(الخليفة الواثق) فقد كان هذا الخليفة شاعراً ومغنياً وعازفاً بالعود وملحناً وله أكثر من مائة لحن.

وفي العصر العباسي ايضاً أنشأ الخليفة المأمون بن هارون الرشيد أول جامعة عربية لدراسة العلوم والفنون في بغداد وسماها (بيت الحكمة) واستعان فيها بخيرة العلماء مثل (يحيى بن أبي منصور) لترجمة العلوم اليونانية ومن بينها الموسيقى، كما ظهر في ذلك العصر بعض العلماء في الموسيقى منهم (اسحق بن يعقوب الكندي) الذي له عدة مصنفات في العلوم الموسيقية ونظرياتها، و(أبو النصر الفارابي) الذي ألف كثير من الكتب الموسيقية اضافة إلى (اسحق الموصلي) والشيخ الفيلسوف العالم (ابن سينا) الذي كان عالماً في شتى فروع المعرفة وقد ألف ابن سينا ثلاثة كتب في الموسيقى.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه عندما فتح بنو أمية الأندلس في بداية القرن الثامن كانت فيها قرطبة موطناً لأساطير العلماء كما كانت إشبيليه أعظم مركز للموسيقى والشعر وصناعة الآلات، كما نقل العرب إلى الأندلس أصناف الغناء الذي كان عند المشارقة ثم استنبطوا (النوبة) وهي أهم أنواع الغناء في الأندلس وابتدعوا (الزجل).

ومن أشهر موسيقي الأندلس (زرياب) وإليه يرجع الفضل في انتشار الموسيقى العربية ثم (ابن باجه) و(ولادة بنت المستكفى) وهي ابنة الخليفة المستكفى بالله حيث نشأت في الأندلس وكانت غاية في الجمال وتتمتع بحلاوة الصوت وارتبطت بقصة حب مشهورة مع (ابن زيدون)، كما ظهر في تلك الفترة الموشح استجابة لدواعي الحاجة إلى أوزان يتحلل فيها الغناء من بحور القصيدة والقوافي الضيقة المحدودة التي يلتزم بها الشعر العربي التقليدي.

وفي العصر الفاطمي شجع المعز لدين الله الفاطمي الآداب والفنون وكان الخليفة العزيز بالله شغوفاً بالموسيقى ومن الموسيقيين الذين ظهروا في هذا العصر (أمية بن أبي الصلت)، وبانتهاء الدولة الفاطمية انحدرت الموسيقى وأصيبت بالاضمحلال لانشغال الحكام بالحروب الصليبية.

وفي القرن الثالث عشر منيت الحضارة العربية بنكسة عامة استمرت طوال ستة قرون حتى مطلع القرن التاسع عشر، عادت بعدها للانتعاش في عهد محمد علي باشا فقد أنشئت خمس مدارس لتعليم الموسيقى العسكرية منها مدرسة للأصوات ومدرسة للطبول وأخرى للعزف ومن الفنانين الذين أنجبتهم هذه المدارس (محمد بك ذاكر) وله خمسة كتب في الموسيقى تعد من اهم المراجع العربية.

في أوائل القرن التاسع عشر حاول المشتغلون بالموسيقى في مصر استحداث طابع خاص للموسيقى المصرية وأسلوب معين للأغاني حيث لمع فن الموشحات على يد بعض الشيوخ مثل (الشيخ عثمان الناظر، الشيخ عثمان بدوح، الشيخ إبراهيم المغربي) أما الموشحات الشامية فكان استاذها الأول (الشيخ الدمشقي أحمد أبو خليل القباني).

وكانت حلقات الذكر ومحافل الإنشاد الديني التي يتزعمها بعض المشايخ هي المدرسة التي تعلم فيها مشاهير أهل الفن أمثال (عبده الحامولي) و(سيد درويش) و(ابو العلا محمد) و(محمد عثمان) وصقلت مواهبهم وقويت أصواتهم ثم انصرف كثير منهم عن إنشاد الذكر إلى الغناء، وفي عام 1913 تم انشاء نادي الموسيقى الشرقية ليكون مدرسة نظامية للموسيقى والسعي إلى رفع مستوى الفن، وتخرج من هذا النادي عدد كبير من العازفين والمطربين والملحنين واساتذة الموسيقى وقادة الأوركسترات منهم (رياض السنباطي، عبد الحليم نويره، كارم محمود، اسماعيل شبانه).

عموماً يعتبر كتاب (تذوق الموسيقى العربية) كتاب شامل لمؤرخ موسيقي تفرغ للتاريخ الموسيقي وجمع التراث الغنائي العربي، يتناول فيه مراحل تطور الموسيقى العربية عبر العصور وهذا يؤكد أن الموسيقى والغناء في العصور الإسلامية لم تكن (رجس من عمل الشيطان) ولا بتلك البشاعة التي يوصف بها من قبل بعض (الإسلامويين) اليوم.

شخصية تاريخية عربية: ساطع الحصري

نسرين الصغير

هو ساطع بن محمد هلال الحصري من عائلة سورية حلبية، ولد في مدينة صنعاء عام 1880م، حصل والده على إجازة في العلوم الشرعية والعربية من جامعة الأزهر في القاهرة، وعمل قاضياً في مدينة  دير الزور في القطر العربي السوري، وبعدها عمل أيضاً قاضيا في مدينة حلب شمال سورية، ثم انتقل إلى اليمن ليعمل رئيساً لمحكمة الاستئناف هناك,   وبعدها انتقل والده ليعمل في أنقرة وأضنة في تركيا “الدولة العثمانية” وانتقل لطرابلس في ليبيا ليعود بعدها عاد إلى اليمن.

في عام 1893 انتقل الحصري الوالد الى طرابلس الغرب، و كان قد أتم الحصري الابن دراسته الإبتدائية، وبدأ بجهده الشخصي في دراسته الإعدادية في (المدرسة الملكية الشاهانية) في اسطنبول، وهنا ترك عائلته المسافرة إلى ليبيا ليبدأ رحلته العلمية في مدرسة داخلية.  لم يكتفِ ساطع بدراسة ما هو مطلوب منه في المدرسة، فكانت لديه رغبة شديدة في المعرفة وكان محباً للدراسة وبالأخص العلوم الرياضية واستمر الحصري في رحلته الدراسية إلى أن أكمل دراسته العليا في المدرسة الملكية عام 1900م.

بدأ الحصري مقرباً من الدولة العثمانية، وعمل على تغيير المناهج العليا آنذاك، وشغل مناصب في الدولة العثمانية، حتى أنتخب عضواً في (جمعية المطبوعات العثمانية) منذ تأسست.

وبسبب عمله في الدولة العثمانية انخرط في التعامل مع الأتراك، حيث عمل  في جمعية (الإتحاد و الترقي) التي حملت راية التتريك ضد العرب واستمر في خطواته حتى انتفض على العثمانيين ورفع راية القومية العربية وأصبح من أهم منظريها.

بعد أن انهارت الدولة العثمانية بمشروعها التركي في الوطن العربي، بدأت الدولة العربية في سورية بدعم المفكر والمنظّر ساطع الحصري وكلّف بمهمة مفتش عام للمعارف، وأصبح مديرا عاماً للمعارف في القطر السوري، وبعد ان تم تنصيب فيصل بن الحسين ملكاً على سورية عام 1920، حيث قامت أول حكومة عربية دستورية، كان الحصري أول وزير للمعارف فيها.

عندما احتلت سورية من الفرنسيين غادر الحصري مع الملك فيصل لعدد من الدول الأوروبية، إلى أن عاد فيصل بن الحسين ملكاً للعراق، و قام باستدعاء الحصري، الذي كان وقتها مقيما في مصر، فأسندت للحصري عدة مناصب في المملكة العراقية، بدءاً بمعاون وزير المعارف، إلى أن أصبح مدير الآثار العامة حتى عام 1941.

في العام 1945 بعد جلاء الاحتلال الفرنسي عن سورية دعته الحكومة السورية وكلفته بمهمة الإشراف على إعادة تنظيم المعارف، فعينته مستشاراً فنياُ لشؤون التربية والتعليم.

استمر ساطع الحصري يتنقل من قطر عربي لآخر، وكان ذلك الترحال مبنيا على التغيرات السياسية التي كانت تمر بها المنطقة.  فالحصري عاصر الاحتلال العثماني والفرنسي وسقوط الدولة العثمانية وجلاء الاحتلال الفرنسي، وكان يتنقل بعلمه غير مبالٍ إلا بنشر الفكر والمعرفة في الأقطار العربية، وكانت جميع تنقلاته مبنية على شغل مناصب في دول عربية لوضع مناهج تعليمية والرقابة عليها.  إذن تنقل الحصري من سورية ومصر إلى العراق ولم يتنقل مرة لأحد الأقطار ليقف، بل كان بعدما يغادر أي قطر لقطر آخر، يعود حاملاً كل ما هو جديد ليشغل مناصب أكثر دقة و صعوبة.

في عام 1947 م انتقل الحصري للعمل في وزارة المعارف في القطر المصري، حيث عمل أستاذاً في معهد التعليم العالي، واستمر الحصري في القاهرة حتى عام 1965 حيث عمل في عدة مناصب منها مستشار للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، وعين أستاذاً للقومية العربية، وبعد أن عجز عن تطبيق رؤاه استقال وتفرغ للبحث والتأليف، وفي عام 1965 عاد الحصري إلى العراق وبقي فيه حتى وفاته عام 1968م.

يعتبر ساطع الحصري من المعلمين الأوائل في القومية العربية، وهو يرى أن التاريخ و اللغة هما المكونان الأساسيان لتكوين أي أمة، وكان يعتبر الدين الإسلامي عنصراً ثانوياً مكملاً للمكونات الرئيسة، فالدين هو بعد شخصي في حياة الفرد.

من أشهر مواقف القومي العربي ساطع الحصري أنه لم يكن يؤمن بالحدود المصطنعة في الوطن العربي فكان ذاهباً في إحدى المرات لمصر فطلب منه في المطار جواز سفره فرفض إبرازه لأنه يعتبر الوطن العربي وطناً واحداً إذ لا حاجة لاستخدام جواز السفر في الوطن الواحد، وتعرض لإشكال في المطار إلى أن وصل الخبر للزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر،  فأصدر أمرا بالسماح له بالدخول دون إبراز جواز سفره … فأين نحن اليوم من مثل هذه القومية العربية الجذرية؟!

في النهاية لا بد أن نذكر أن الحصري عاش مراحل متعددة وأحداث كثيرة مرت على الأمة العربية، منها الاحتلال العثماني والحربان العالميتان وحرب احتلال فلسطين والعدوان الثلاثي على مصر … لكن ما يجب التأكيد عليه أنه رغم الهزائم والشدائد التي مرت على الأمة، إلا أن الحصري لم يفقد ولو للحظة ثقته في مشروعه القومي العربي والفكر القومي واستمر بمحاولة نشره دون كلل أو ملل إلى آخر لحظة في حياته والتي كانت في 23 كانون الأول من عام 1968.

للحصري أكثر من خمسين مؤلفاً، جميعها متخصصة في القضايا القومية العربية، ومنها نذكر:

  • العروبة أولاً.
  • يوم ميسلون.
  • البلاد العربية والدولة العثمانية.
  • آراء وأحاديث في التربية والتعليم.
  • حول القومية العربية.
  • دفاع عن العروبة.
  • هوية الثقافة العربية.
  • محاضرات نشوء الفكرة القومية.
  • العروبة بين دعاتها ومعارضيها.

ويقول في مقدمة كتابه (العروبة أولا)

(إني أعتقد أن أول ما يجب عمله لتحقيق الوحدة العربية في الأحوال الحاضرة، هو إيقاظ الشعور بالقومية وبث الايمان بوحدة هذه الأمة)

و يقول أيضاً

( إننا ثرنا على الإنكليز، ثرنا على الفرنسيين، ثرنا على الذين استولوا على بلادنا، وحاولوا استعبادنا .. وقاسينا في هذا السبيل ألواناً من العذاب. وتكبدنا أنواعاً من الخسائر وضحينا كثيراً من الأرواح ).

قصيدة العدد: على قدر أهل العزم لأبي الطيب المتنبي

 

 

http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=5651

 

 

لن نتخلى عن قطعة رائعة من تراثنا لأن أحد الأنظمة العربية المطبعة مع العدو الصهيوني والتابعة للغرب قرر أن يصادر مطلعها (على قدر أهل العزم) ليروج لمشروع خصخصة القطاع العام وتحويل المسؤولية العامة إلى مسؤولية ومبادرة فردية، وهو المقصود من توظيف (على قدر أهل العزم) في مثل ذلك السياق.

فالقصيدة تمجد معركة قلعة الحدث بين سيف الدولة والروم البيزنطيين، والتي تحول لون جدرانها إلى الأحمر لكثرة ما سفك عليها من دماء، والتي انتهت بنصرٍ مبينٍ للجيش العربي بقيادة سيف الدولة الحمداني، فغناها الشاعر القومي العروبي أبو الطيب المتنبي في قصيدة مطلعها (على قدر أهل العزم) كنايةً عن إرادة الصراع ضد الاحتلال، وإرادة المقاومة والنصر، والاستعداد للاستشهاد والتضحية، فأين من يوظفون مطلع تلك القصيدة اليوم في مشروعهم المطبع التابع لروم العصر من معانيها الكبيرة المرتبطة بمقاومة الروم؟!

وقد اخترنا هذه القصيدة بالذات في العدد الخاص بالعروبة والإسلام من “طلقة تنوير” لورود بيتين فيها يركز فيهما أبو الطيب المتنبي على العلاقة بين العروبة والإسلام حين قال:

وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ
وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ

لنلاحظ الإشارة لعدنان هنا، أي للعرب المستعربة، وبالتالي العروبة الثقافية التي لا تبني الانتماء القومي على النسب والعرق، كما أن الشرف لعدنان لا لربيعة يأتي لأن تغلب التي ينتمي إليها سيف الدولة هي من فروع قبيلة ربيعة، وبالتالي فإن الفخر بسيف الدولة ونصره هو فخرٌ قوميٌ لا قبليٌ أو عشائري، وهي رسالة سياسية بالغة الأهمية بحد ذاتها، والأهم بالنسبة لنا هنا أن المتنبي يربط بين التوحيد، أي الإسلام، وعدنان، أي العروبة، باعتبار سيف الدولة قائد عربي مسلم…


Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..