…الحديث عن “داعش” والعين على سورية

الصورة الرمزية لـ ramahu



د.إبراهيم علوش

البناء 17/9/2014

ثمة ما يريب في طريقة إدارة الولايات المتحدة لملف “داعش” التي يفترض أنها تمتلك أكثر قليلاً من ثلاثين ألف مقاتل، مما لا يحتاج لقوى أربعين دولة، ولا لثلاث سنوات، على ما رشح عن خطة أوباما لمواجهة “داعش”، إنما يصب مثل هذا التهويش الإعلامي الأمريكي ضد “داعش” في جيبها تماماً لأنه يؤكد مزاعمها أن القوى الكبرى وحليفاتها احتشدت فور “إعلان دولة الخلافة” لمحاربة الإسلام؛ أي أنه تهويش يقوي “داعش” ويزيد من مصداقيتها لدى الجمهور الذي تستهدفه، ويزيد بالتالي من التعاطف معها ومن عدد الراغبين بالتطوع في صفوفها، بالتلازم مع ضربات عسكرية غير موجعة، ولا تقصم الظهر حتى الآن، تعزز من مصداقية ذلك التهويش أمام الجمهور العربي والإسلامي.

تقوم إستراتيجية الرئيس أوباما لمواجهة “داعش”، التي أعلن عنها في خطابٍ بذكرى أحداث 11 سبتمبر، على أربع دعائم: 1) الضربات الجوية المنهجية وملاحقة “داعش” في العراق وسورية، 2) دعم القوات العراقية والكردية وتأسيس “حرس وطني” في المناطق العراقية السنية، وتقديم المساعدة العسكرية لـ”المعارضة السورية”، وتأكيد رفض التعاون مع النظام السوري في مواجهة “داعش” أو الاعتراف بمشروعيته… وصولاً لحل سياسي، 3) شن حملة لمكافحة “داعش” استخبارياً وإعلامياً ومالياً ودولياً، 4) الاستمرار بتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين والمدنيين.

أضاف أوباما أن هناك تعاوناً جارياً مع ائتلاف عريض من الشركاء الذين يشاركون الولايات المتحدة حالياً بالطيران فوق العراق، وبتقديم الدعم للقوات العراقية ولـ”المعارضة السورية”، وبالتعاون الاستخباري، وبمليارات الدولارات من الدعم الإنساني.

كذلك أكد أوباما أنه لن يقبل بتورط القوات الأمريكية على الأرض، رابطاً الحملة الجوية الأمريكية بتقدم القوات العراقية والكردية الميداني. لكن في ظل التواصل الجغرافي المفتوح بالاتجاهين ما بين مناطق “داعش” في سورية والعراق، كيف يمكن عسكرياً أن تنجح استراتيجية أوباما في القضاء على “داعش”، لو افترضنا جدلاً قدرة القوات العراقية والكردية على دحرها في وسط العراق، بدون إطباق مقابل لفك الكماشة عليها من الجهة السورية؟ وهل يوجد من يقدر على ذلك فعلياً غير الجيش العربي السوري؟! أم أن المطلوب أمريكياً هو احتواء “داعش” في العراق ودفعها لنقل الاتجاه الرئيسي لهجومها إلى الداخل السوري؟ وهل جاء تدمير وحدة من القوات الخاصة السورية لجسر “السياسية” في دير الزور، الذي كانت تستخدمه “داعش” لنقل الإمدادات الثقيلة والكبيرة بين العراق وشرق سورية، كضربة تكتيكية محسوبة جيداً لعرقلة مثل ذلك المشروع؟

التطور الآخر في الموقف الأمريكي إزاء “داعش” لا يتعلق بمحاربتها بل بالانقلاب على اتفاق الكيماوي مع لافروف قبل عام بالضبط عندما تراجعت الولايات المتحدة عن ضرب سورية مقابل تخليها عن أسلحتها الكيماوية. لكن الآن أعطت إدارة أوباما نفسها “الحق”، بجرة قلم، وتحت غطاء تحالف دولي، بقصف سورية وبإرسال قوات خاصة إليها بذريعة مكافحة “داعش”. كما أنها تجاوزت خطاً أحمر كان موضع خلاف في الإدارة الأمريكية نفسها هو تسليح العصابات المسلحة في سورية التي أكد أوباما أنه سيقدم لها دعماً عسكرياً كبيراً لتكون وزناً مقابلاً لـ”داعش” وللنظام السوري (الذي يرفض أوباما الاعتراف بمشروعيته) في أي حل سياسي. إنه تصعيدٌ للحرب على سورية، سوف يزيد من تعقيد الأزمة السورية ويبعد احتمالات حلها من المدى المنظور.

بالطبع لم يكن التراجع عن اتفاق لافروف-كيري حول الكيماوي ليتم بمثل هذه البساطة لولا الحرب الكونية الأخرى التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا بذريعة أوكرانيا. فثمة حملةٌ ضروس يشنها الأمريكيون والأوروبيون وحلفاؤهم لـ”كرسحة” عناصر القوة الروسية الأساسية: شركات النفط والغاز والشركات العسكرية الروسية، في استهداف استراتيجي تحت غطاء عقوبات اسهمت حتى الآن بإضعاف الروبل بمقدار 14 بالمئة مقابل الدولار منذ بداية عام 2014. يضاف إلى ذلك انخفاض أسعار النفط الذي أسهم فيه انتقال الولايات المتحدة وكندا لإنتاج النفط من الصخر الزيتي بكثافة. فإذا تم رفع الحظر المفروض على تصدير النفط الأمريكي للخارج منذ أربعة عقود تقريباً، فإن أسعار النفط سوف تستمر بالهبوط مع زيادة العرض، مما سيزيد الضغط على الاقتصاد الروسي والإيراني المعتمد لحدٍ كبير على تصدير النفط والغاز.

ربما تبدو روسيا هنا منشغلةً بمعركتها الأوكرانية عن سورية، وأنها قد تكون على استعداد لتسكين الملف السوري مؤقتاً ببعض التنازلات، مثل قبولها بالقرار 2165 قبل شهرين الذي سمح بإدخال المساعدات الدولية “عبر خطوط النزاع” في سورية بدون إذن من الدولة السورية، غير أن المشهد العام يعكس زيادة التوتر والصراع بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا لا بد له أن يصب في مصلحة سورية على المستوى الاستراتيجي مع تجاوز روسيا وأمريكا لقيود اللياقة الدبلوماسية والتحول إلى مواجهة مفتوحة باتت سورية بشكلٍ متزايد إحدى ساحاتها.

تتحدث واشنطن عن “داعش” وعينها على سورية، وقد تبنت رسمياً تسمية “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”، التي تكررت في خطاب أوباما عشرين مرة، بدلاً من “الدولة الإسلامية في العراق وسورية”، وهو ما يحمل معاني تتجاوز سورية. وواشنطن تؤكد، في الآن عينه، أنها ستزيد دعمها للعصابات المسلحة في سورية التي لا تختلف زمرة دمها عن زمرة دم “داعش”، والتي تضم غير سوريين أيضاً، وهو ما استفز مصر، وأنها ستجعل المعركة طويلة المدى وبطيئة، لكي لا يتمكن محور المقاومة في المنطقة من الاستفادة البتة من أي إجراءات تتخذها ضد “داعش”، ولذلك عملت واشنطن على حلحلة التناقض بين محور قطر-تركيا من جهة، ومحور السعودية-الخليج من جهة أخرى، ولعل هذه النقطة الأخيرة العنصر الأهم في التحالف الإقليمي الذي شكلته الولايات المتحدة بذريعة “داعش”، فهو سياسياً حلفٌ ضد محور المقاومة لا “داعش”، فلا بد أن ندينه وأن نقاومه بلا هوادة.

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/Qawmi





Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..