بشار شخاترة
انهم خير اجناد الأرض كما وصفهم النبي العربي (ص)، انهم جند مصر، ولعله ليس بعيدا عن هذا المعنى ان الجيش المصري لعب دورا حاسما في تشكيل توجهات مصر في تاريخها الحديث، بل كان معبرا عن وجدانها.
لقد شهدت مصر عبر تاريخها الحديث ومنذ قرنين تقريبا ابان سطوع نجم محمد علي في القرن التاسع عشر حركتين واضحتين كان الجيش المصري بطل الاحداث فيها، والعامل المهيمن على مسار السياسة الخارجية المصرية، مما انعكس على مجمل الوضع العربي نظرا للثقل الذي تمثله مصر وأهمية موقعها الجغرافي السياسي والتاريخي.
الدور الأول الذي صاغته القوات المسلحة المصرية في القرن التاسع عشر كان له ابرز الأثر على ما تلاه من تداعيات سياسية وعسكرية في الوطن العربي ، فلأول مرة منذ تراجع مراكز الحضارة العربية التاريخية دمشق وبغداد والقاهرة عن صدارة المشهد السياسي العربي، لصالح مراكز دخيلة على الامة العربية، تحت عنوان ديني مزيف حكم الامة قرون عديدة مهد بعدها لأكبر موجة استعمارية وأخطرها على جسد الوطن من شرقه الى غربه، قلنا لأول مرة تعود عاصمة عربية وازنة لتقود مشهد الاحداث كان الدور العثماني الاستعماري يوشك فيه على الافول مما مكن لهذا الدور المصري الصاعد من التقدم.
لقد انتهت تلك التجربة بتحالف القوى الاستعمارية مع الدولة العثمانية لمحاصرة محمد علي داخل مصر وتقليص عديد الجيش ومن ثم الاجهاز على كل ما تم إنجازه، والذي قدم لاحتلال مصر بعدها.
لم تكن صدفة تحرك مصر نحو عروبتها، فالجيش يدرك قبل غيره مخاطر الانكفاء على الذات، لان هؤلاء قبل غيرهم وأكثر من غيرهم كعسكريين يتوجب عليهم دراسة التاريخ والجغرافيا لفهم مكامن الخطر على امن مصر الوطني الذي بالضرورة هو جزء من الامن القومي العربي.
والحركة الثانية التي كان بطلها الجيش تمثلت في حركة الضباط الاحرار بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، تحرك عندها الجيش وقد كانت الكارثة قد حلت بفلسطين ودفع الجيش المصري ثمنا قاسيا فيها من جراء صفقات الأسلحة الفاسدة وهيمنة الانجليز على مقاليد الأمور في القاهرة ونزاع الأحزاب السياسية وانشغالها عن الهم الوطني جريا خلف مكاسبها الذاتية، كل هذا دعا الجيش للتحرك، وفعلا كانت الانقلابة الحقيقية في تاريخ مصر والعرب في القرن العشرين، استعادت مصر عروبتها واستعادت العروبة مصرها، فانطلق موكب التحرر العربي في مصر ثم الجزائر واليمن وانطلق مشروع الوحدة الأول مع سورية، يوم كان الاتراك وأحلافهم يتآمرون على سورية، ولدت الوحدة وانكفأ الاتراك والناتو على اعقابهم في سورية.
ما نحن بصدده اليوم في مصر هو حركة اشبه بما سطره الجيش في القرنين الماضيين، وتحت غطاء شعبي عارم تحرك الجيش ليقول الكلمة الفصل في منحدر ابتدأ مع حكم السادات ولم ينتهي بمبارك، بل انتهز الثعالب الفرصة ظنا منهم ان النواطير غافلة، ولكنها عين الحذر، أعاد الجيش التوازن الى الحياة في مصر بعد مسلسل من التراجع الساداتي المباركي الاخواني في الحضن الأمريكي الصهيوني.
مصر على موعد مع جيشها كما الامة العربية، كجمرات الربيع على موعدها، عندما يقرر الجيش تنويع مصادر السلاح هذا ليس مزاحا في عالم بدأ يشهد استقطابا واضحا، فالتحدي للإدارة الامريكية واضح، والاهم ان الجيش كسر اخر طبعة أمريكية في صيغة التحالفات التابعة، تحالفها مع الاخوان على مستوى الوطن العربي كان المشروع العابر للنفوذ الأمريكي في بلادنا بعدما اطيح بعملائهم من أمثال مبارك وبن علي وتحالفهم مع الكمبرادور لان الصيغة البائدة لم تعد قادرة على مواكبة التبدلات العالمية وصعود قوى عالمية جديدة، فكانت الطبعة الدينية القديمة الجديدة جاهزة لتسويقها وقد حققت نجاحا ملموسا قبل ان تبدأ بالانكشاف السريع.
لعل هذه الخطوة الجبارة تكون الأهم فيما يمكن ان نقوله عن تحرك الجيش، نظرا لأنها أتت على مفصل استراتيجي للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، مما يعني انهم الان بلا مشروع واضح او ناجز بديلا عن المشروع الاخواني الذي قايض السلطة بالتبعية، وخصوصا بعدما استنسخت الولايات المتحدة النسخة البرتقالية العربية عن النسخة الاردوغانية في تركيا، لكن جيش مصر كان اسرع في المبادرة وأطاح بحكم الاخوان قبل ان تأتي الخطوة على أردوغان، فعين المخطط طلب من مصر ان تخوضه في سورية ولو طال بهم المقام شهورا لرأينا قوات مصرية تعبر الحدود من الأردن (لتحرير) سورية.
مهما قيل فان التجربة العسكرية الجديدة للجيش لا تزال في مهدها مذكرين بعبد الناصر في بداياته عندما كان يتهم انه عميل امريكي، هناك تخبط واضح لدى القوى السياسية في مصر والمؤسف ان بعضها ناصري كما يصف نفسه يغازل الاخوان لأجل أصواتهم مقدما سورية والعسكر معا على مذبحهم من اجل تسّيد المشهد الرئاسي.
لن تكتمل خطوات الجيش في السير نحو تحرر مصر إلا بقطع رأس الافعى الصهيونية في القاهرة واغلاق سفارتها متبوعا بإلغاء اتفاقيات السلام مع (إسرائيل)، لأنه لن يستقيم حال مصر والمعاهدة وأذيالها باقية، فما سبق من تراجع في مصر افراز طبيعي للعلاقة مع العدو الصهيوني ونهج التبعية للولايات المتحدة، نعم المؤشر التالي على سلامة التوجه هو التصدي للعلاقة مع الولايات المتحدة والصهيونية.
لن تقتلع سفارة العدو الصهيوني من القاهرة قبل قطع اليد الامريكية.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=491929974263878&id=100003406391684&stream_ref=10
اترك تعليقاً