د.إبراهيم علوش
البناء 12/3/2014
قرار حظر نشاطات حركة “حماس” في مصر الأسبوع الماضي هو قرار سياسي بالضرورة يحكمه اعتباران أساسيان: أولاً، ارتباط حركة “حماس” التنظيمي بالتنظيم الدولي لجماعة “الإخوان المسلمين” التي تخوض معها الدولة المصرية معركة كسر عظم، ثانياً، سيطرة حركة “حماس”، بصفتها “الإخوانية” تحديداً، على قطاع غزة الذي يمكن اعتباره المفتاح الجغرافي-السياسي لوادي النيل منذ أيام الحثيين.
أي أن قرار حظر حركة “حماس” ونشاطاتها في مصر يمثل بالنسبة للنظام الجديد في مصر امتداداً طبيعياً لصراعه مع جماعة “الإخوان المسلمين” المصريين، كما يمثل ضرورة أمنية وسياسية استراتيجية لأن غزة هي الخاصرة الشرقية لمصر، كما لبنان هو الخاصرة الغربية لسورية، ولا يستطيع أي حكم أن يستمر بشكل طبيعي في غزة إذا كان معادياً للدولة في مصر، كما لا يمكن لأي حكم أن يستمر بشكل طبيعي في لبنان إذا كان معادياً للدولة في سورية، وهو ما يمكن اعتباره قانوناً جغرافياً-سياسياً مستقلاً عن الأيديولوجيا أو الصفات الشخصية للحكام في كلٍ من البلدين، بالتوالي… وكل ما يُقال بعد ذلك يظل تزويقاً أو تزييفاً للطبيعة الحقيقية للصراع.
باختصار، لا يمكن أن يرضى اي حكام لمصر، مهما يكن توجههم الفكري أو السياسي، بأن تتحول غزة إلى بؤره معادية لهم. لذلك كما كان حصار غزة في زمن حسني مبارك نتاجاً طبيعياً لارتباط نظامه بالطرف الأمريكي-الصهيوني، يأتي تشديد الضغط المصري على حركة “حماس” اليوم نتاجاً طبيعياً لصراع نظامها مع جماعة “الإخوان المسلمين”، فإما أن تخرج “حماس” من جلدها الإخواني، لتعيد تعريف نفسها كحركة مقاومة فلسطينية فحسب، وإما أن تعاني المزيد من الحصار والضغط المصريين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لا يفيد هنا طبعاً وعظ النظام الجديد في مصر عن المقاومة والقضية الفلسطينية لأن الصراع يدور في جوهره حول من يحكم مصر: جماعة “الإخوان المسلمين” أم الجيش. وقد جلبت “حماس” الكارثة لحجرها عندما دخلت المعركة السياسية والإعلامية إلى جانب النظام الإخواني المخلوع في مصر، بغض النظر عن صحة ما يقال في وسائل الإعلام المصرية عن تورطها المزعوم في أعمال إرهابية في مصر بعامة وضد الجيش المصري في سيناء بخاصة، لأن النتيجة واحدة في الحالتين.
لن نتناول هنا انقلاب حركة “حماس” على سورية التي احتضنتها ودفعت أغلى الاثمان ذوداً عنها، ولا انجراف بعض قياداتها نحو شعار “المقاومة الشعبية السلمية”، ولا تبنيها لبرنامج “الدويلة الفلسطينية” في حدود الـ67، ولا “الهدنة المطولة” مع العدو الصهيوني، وهو ما راح يزيل الفوارق المبدئية تدريجياً ما بين حركة “حماس” من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، إنما نشير لهذه النقاط لكي لا “يسوق” علينا أحدٌ قميص عثمان الدفاع عن “المقاومة” في معرض تناول المشكلة الراهنة ما بين النظام المصري ما بعد الإخوان و”حماس”.
لكن المنطق الجغرافي-السياسي الذي لا يمكن تجاوزه عند تناول مشكلة النظام الجديد في مصر مع “حماس” يفرض نفسه بدرجة أكبر عند معاينة الأخطار والتحديات التي تواجه الأمن الاستراتيجي في مصر على مستوى الإقليم ككل. فتأسيس دولة الكيان الصهيوني كانت من بنات أفكار بالمرستون، وزير خارجية بريطانيا الاستعمارية في زمن محمد علي باشا، لاحتواء الدور الإقليمي لمصر. ولا يزال الكيان الصهيوني الخطر الاستراتيجي الأكبر على دول الهلال الخصيب ووادي النيل وصولاً للجزيرة العربية والمغرب العربي. وهي الحقيقة الجغرافية-السياسية الأبرز في منطقتنا منذ تأسيس الكيان الصهيوني الذي تحول لبؤرة للصراع مع الغرب الاستعماري سواء قادته بريطانيا وفرنسا أم الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كان هنالك من يحاول أن يعيد تعريف التناقض المركزي الذي يحكم منطقتنا باعتباره تناقضاً طائفياً سنياً-شيعياً، أو باعتباره تناقضاً عربياً مع أيران أكثر أهمية من التناقض مع العدو الصهيوني، فإن الإرهاب الذي يطاول سيناء ومصر، ومشروع تعطيش مصر، ومشاريع إثارة الفتن الأهلية فيها، أسوة بما يجري في كل دول الطوق، يثبت بأن الطرف الأمريكي-الصهيوني يبقى الخطر الأكثر جدارة باهتمام أي دفاع استراتيجي عن مصر أو غيرها.
بهذا المعنى فإن غزة كخاصرة لمصر تصبح المكان الطبيعي لنقل الصراع مع العدو الصهيوني من سيناء إلى تخوم الكيان الصهيوني، تماماً كما أنتج الرئيس جمال عبد الناصر أول عمليات المقاومة في الخمسينيات عبر غزة. فالكيان الصهيوني لن يسمح لمصر أن تستقر، ومصر بدورها، إذا ارادت الدفاع عن استقلالها، عليها بأن تتبنى غزة وتحولها إلى ساحة اشتباك مع العدو الصهيوني. ولو كنا ندرك أن مثل هذا الدور يتطلب من مصر أن تعود للعب دورها الطبيعي الذي لعبته في ظل محمد علي باشا وجمال عبد الناصر. لكن القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر ليست قضية عربية فحسب، بل قضية تتعلق بأمنها الوطني كما كانت تاريخياً. وهو ما سيعود لإدراكه أي حكم وطني مستقل في مصر.
أما الانجرار للتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني من أجل حماية ظهر القوات المصرية التي تخوص معركة مكافحة الإرهاب في سيناء، هذا الإرهاب الذي تحركه القوى الإمبريالية والصهيونية نفسها التي تغذيه وتموله وتدعمه في سورية وعموم المنطقة، فلن يؤدي لاقتلاع شوكة الإرهاب، وسيؤدي للمزيد من التورط في التنسيق مع العدو الصهيوني… وإلى تفاقم الإرهاب الذي لم يتصاعد إلا ليجبر مصر على التورط أكثر مع الأمريكان والصهاينة.
فلسطين كعنوان أوسع من كل الشخصيات والتنظيمات، وبمقدار ما نتفهم طبيعة الصراع بين النظام الجديد في مصر و”حماس”، لا يجوز أن يتحول الصراع مع “حماس” إلى تبنٍ لمن ينسقون أمنياً وسياسياً مع العدو الصهيوني… ولا يصدقن أحدٌ أن اي فلسطيني يبيع فلسطين يمكن أن يكون حريصاً على مصر.
للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=837572572926646&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1&stream_ref=10
اترك تعليقاً