حول أبعاد التقارب المصري-الروسي

الصورة الرمزية لـ ramahu




إبراهيم حرشاوي/لائحة القومي العربي

24/11/2013



بعيدا عن التفكير والكلام الحماسي يمكن اعتبار لقاء القاهرة بين الوفد الروسي والوفد المصري الأسبوع المنصرم أكثر من لقاءٍ عابرٍ لا يسمن ولا يغني من جوع.  وقد كان التصريح الذي أدلى به الطرف المصري، الذي أوضح للرأي العام أن مصر تسعى لاستعادة العلاقات مع روسيا على المستوى الذي كان قائما مع الاتحاد السوفيتي، يعني بشكل رسمي، لكن بلغة غير مباشرة، أن مصر قررت أن تقوم بفك الارتباط التبعي مع الولايات المتحدة حسب خطة تدريجية ومحسوبة على ما يبدو.



من الضروري في هذا الصدد أن نذكر بالمؤشرات العديدة التي مهدت الطريق للتقارب المصري-الروسي- بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر أولها قرار القيادة العسكرية  المصرية بعدم توريط مصر في عزل أو إسقاط الدولة سورية مما يدل على إدراكها التام للترابط العضوي بين وحدة الدولة المصرية وتماسكها ووحدة الدولة السورية الذي يحكمه قانون الجغرافيا السياسية منذ التاريخ القديم.



يضاف لذلك التراجع المصري فيما يخص صفقة القرض مع صندوق النقد الدولي وقد صرح وزير المالية المصري قبل شهر أن مصر ليست في حاجة إلى ذلك القرض بعد حصولها على تعهدات بمساعدات مالية قيمتها 12 مليار دولار من الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة لتجنب أزمة في الموازنة الحكومية وميزان المدفوعات والتغلب على أزمة الوقود.  ويأتي الدعم الخليجي وعلى رأسه السعودي لمصر بدافع وقف المد الاخواني الذي يهدد شرعية وهيبة النظام السعودي كون السعودية تستمد قوتها عربيا وبالاخص داخليا من هويتها السياسية الاسلاموية ولقب “خادم الحرمين الشريفين” التي يتمتع به رأس النظام.  شكل الصعود الاخواني في السنتين الاخيرتين بالتالي خطراً وجودياً على النظام السعودي، الذي يدرك أن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى عنه كما تخلت عن غيره من حلفائها، ليصبح التحالف السعودي مع كل قوة مناهضة للحكم الإخواني امرا ضروريا خاصة اذا كانت تلك القوة موجودة في دولة عربية مركزية من حجم مصر.



ومن البديهي أن هذا البعد يظل مضبوطاً ببعد إقليمي أكبر منه هو صراع القيادة السعودية مع إيران في المشرق العربي خاصة، في الخليج العربي وبلاد الشام خاصة، وفي العالم الإسلامي عامة، وببعدٍ عقائديٍ يتمثل بالوهابية التي تنتج الحس الطائفي تلقائياً والنزعة لتكفير المسلمين السنة الذين لا ينقادون لها.



و أخيرا وليس آخرا يدلل ظهور الحركة الوطنية الشعبية الليبية في مصر ونشاطها المنظم والمتصاعد  على رغبة القيادة المصرية الحالية بوضع الامن القومي المصري فوق اي اعتبار وبمراعاة البعد الجيو-السياسي الذي يتطلب اعتماد مصر على عمقها العربي.  فليبيا التي يقارب طول حدودها 1115 كم مع مصر أصبحت تشكل خطرا على دول المشرق والمغرب العربي على حدٍ سواء، لاسيما بعدما تمكنت جماعات إسلاموية مسلحة منها حركة الاخوان المسلمين، بمساعدة الناتو طبعاً، ببسط السيطرة على ليبيا عبر نظام ميليشياوي.  ولا يمكن لمصر أن يستقر أمنها الداخلي وجناحها الغربي مكشوفٌ بسبب امكانية تحويل ليبيا إلى قاعدة خلفية لإخوان مصر ولدعم العصابات المسلحة في مصر لوجستياً.  بالتالي يجب أن نعتبر منح الفرصة للتيار الأخضر (بالمناسبة هناك مئات الآلاف من اللاجئين الليبيين بمصر) أن ينشط سياسيا بمصر كمحاولة لتشديد الخناق على الحكم الميليشياوي في ليبيا.  وتنبغي الاشارة هنا بأن ليبيا ما زالت تحت طائلة القرار 1970 الذى أصدره مجلس الأمن  للتدخل  الناتو في  2011  وهذا يعني أن مصر عليها أن تتعامل مع الملف الليبي بكل دقة وحذر لكي تتجنب المواجهة المباشرة مع الناتو.



في ضوء ما ذكر أعلاه ، يمكن القول أن التقارب المصري-الروسي ستكون له انعكاسات إيجابية على الوضع العربي خاصة إذا أخذنا احتمال حدوث تقارب مصري- سوري كنتيجة طبيعية لعودة النفود الروسي الى بلاد الكنانة، مع أولوية بعد الجغرافيا السياسية الذي أشرنا إليه أعلاه.



في هذا الصدد يتوجب التذكير بأن مصر تحت حكم العسكر وضعت حدا للتقارب المصري- الايراني والمصري-التركي الذي حصل ابان حكم الاخوان.  وتتمسك ايران بورقة الاخوان سواء في مصر او في قطاع غزة.  أما اصرارها على عودة حركة  حماس لدمشق فلا يمكن تفسيره إلا من منظور قومي إيراني بحت يتعارض كليا مع المصلحة الوطنية السورية  والمصرية في هذه المرحلة.   نفس الشيء يمكن قوله عن دعم تركيا الاطلسية لحركة الاخوان وللعصابات المسلحة في سورية.  أما ما يخص مصر فلا يمكن أن تصبح قطبا عربيا أو إقليميا إلا عبر تحالف استراتيجي مع اقطاب حلف”البريكس” (أي الصين و روسيا) بصفتها الوطنية المصرية والعربية القومية، لا بصفتها ملحقاً للتنظيم الدولي أو بإيران.  كما يجب فهم طرد السفير التركي في القاهرة وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا إلى درجة القائم بالأعمال من زواية اضعاف نفوذ الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة ونفوذ الإخوان.



اقتصاديا تنسجم الصفقة الروسية- المصرية الأمنية مع آخر تطور مصري على مستوى الأمن الغذائي بحيث أكدت مصادر عدة أن الهيئة المصرية العامة للسلع التموينية قد اشترت 120 طناً من القمح الروسي للشحن في الفترة من 11 ديسمبر/ كانون الأول إلي 20 من الشهر نفسه.  كما صرّح وزير الزراعي المصري أيمن أبو حديد لرويترز في مقابلة يوم الاثنين الماضي “أن مصر تسعى الى  تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لبرنامج الخبز المدعوم بحلول 2019  إذا تمت زيادة السعة التخزينية بواقع مليون طن سنويا”.    ومما لا شك  فيه أن هذه المقاربة سترغم مصر بإعادة هيكلة  القطاع الزراعي باتجاه السلع المرتبطة بالحاجات الضرورية والاساسية للمجتمع المصري كما ستحفز الاستثمار نحو تطوير التكنولوجيا على مستوى الانتاج الغدائي وهذا يعني أن على مصر ان تتبنى التنمية المستقلة كمرجعية اقتصادية.



باختصار،ليس من الخاطئ مقارنة الصفقة الروسية-المصرية مع صفقة السلاح التشيكية – المصرية بعد ثورة الضباط الأحرار سنة 1955 والتي كانت بمثابة نقطة التحول للبوصلة السياسية المصرية آنذلك ففتحت الطريق نحو السياسة الوطنية المستلقة التي تُوِّجت بتأميم قناة السويس سنة 1956.  ومن المرتقب أن “مصر السيسية” ستواجه مشاكل عديدة يمكن أن تبطئ أو تُؤخر نهوضها ونذكر على سبيل المثال بقضية سد النهضة الإثيوبي (أثيوبيا حليفة استراتيجية للكيان الصهيوني) الذي سيؤدي إلى الإضرار بحصة مصر من مياه النيل وكذلك الإرهاب الداخلي الذي يستهدف القوات المسلحة بشكل ممنهج  وهي ضريبة قاسية ستفرضها الولايات المتحدة بسبب خروج مصر تدريجيا من طاعتها، كما ستبقى اتفاقية كامب ديفيد سيفا ديموقليسيا مسلطا على رقبتها.



للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=712429978769183&set=a.419967428015441.105198.419327771412740&type=1

Tagged in :

الصورة الرمزية لـ ramahu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


بالمختصر

تعتبر لائحة القومي العربي كل الإرث القومي العربي إرثاً لها، وتحاول أن تبني على منجزاته وإيجابياته وأن تتعلم من أخطائه وسلبياته، وتتميز عن غيرها على هذا الصعيد أنها تتبنى كل الرموز والإنجازات القومية سواء كانت ناصرية أو بعثية أو قومية يسارية أو قومية إسلامية، ولهذا فإن مشروعها هو بناء التيار القومي الجذري الذي يستطيع أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وأن يحقق الأهداف القومية الكبرى. فهي ترفض التقوقع في الماضي أو الدخول بأثر رجعي في صراعات داحس والغبراء بين القوميين العرب التي انتشرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مما أسهم بإضعاف التيار القومي في الشارع العربي..